يخشى العام حاليًا من الدخول في مرحلة اقتصاديات “الزومبي” بتنامي عدد الشركات الكبيرة العاجزة عن تحقيق نمو، دون الاعتماد على المساعدات الحكومية، أو الاقتراض المستمر من الأجهزة المصرفية.
sss
تزاول “شركات الزومبي” أنشطة اقتصادية تسد نفقاتها التشغيلية فقط، دون تحقيق أرباح للنشاط أو امتلاك القدرة على النمو والتطور، وتستمر في حالة “الموتى الأحياء” لسنوات فلا تتوقف عن العمل ولا تحقق عائدًا في الوقت ذاته.
قبل انتشار فيروس كورونا، تواجدت تلك النوعية من الشركات في 14 اقتصادًا متقدمًا وأصبحت تمثل رقما كبيرًا بين الشركات غير المالية المتواجدة بالأسواق بعدما ارتفعت من 1% نهاية الثمانينات إلى 12% بنهاية ديسمبر الماضي،.
يتوقع خبراء اقتصاد أن يتضاعف الرقم في خضم تضرر الاقتصاد العالمي من “كورونا”، بسبب افتقار الشركات للتخطيط الإستراتيجي السليم واختيارها خدمات ومنتجات غير مطلوبة بشكل كبير، أو إفراطها في الحصول على قروض لتحقيق نمو سريع دون تخطيط أو دراسة سليمة.
اقرأ أيضًا:
تقتات شركات الزومبي على أسعار الفائدة المتدنية، فأي ارتفاع بمعدلات الفائدة قد يدفع الكثير منها نحو الإفلاس، نظرًا لأنها تقوم بتسديد فوائد الديون باستمرار دون سداد الأقساط الأصلية، وتستفيد كثيرًا بسعي البنوك المركزية عالميًا لتشجيع الأفراد على استثمار أموالهم وعدم اكتنازها في البنوك للحصول على عائد.
تخفيض سعر الفائدة
وخفضت بنوك 6 دول عربية “السعودية والإمارات والبحرين وقطر والكويت والأردن”، أخيرًا، سعر الفائدة، مطلع أبريل الحالي لتتراوح بين 1.50% و2.75%، من أجل تشجيع الشركات على الاقتراض ومواجهة أعبائها المالية المتفاقمة في ظل كورونا.
وخفض البنك المركزي الأمريكي، أخيرًا، سعر الفائدة إلى ما يقرب من الصفر في شهر مارس، وأطلق العديد من البرامج التي تهدف إلى تعزيز السيولة واستقرار الأسواق المالية لمساندة الاقتصاد الأمريكي في مواجهة جائحة كورونا.
وتمثل شركة “توماس كوك” البريطانية، أقدم شركة سياحة في العالم والتي أعلنت إفلاسها قبل أشهر مثالًا حيًا على تلك النوعية من الشركات، بعد وصول ديونها الصافية 1.25 مليار إسترليني، فالشركة ظلت تعاني من عجز الإدارة على تطويرها لمنافسة عصر سياحة الإنترنت، واعتمدت على حزم من القروض حتى فشلت في النهاية.
وعانت إسبانيا تجربة مريرة مع “بنوك الزومبي” قبل عشر سنوات حينما واجهت أزمة مصرفية اضطرت الحكومة حينها لضخ 14 مليار دولار لإنقاذ البنوك الصغيرة، لكنها وجدت نفسها أمام مشكلة أكبر بعدما تبين أن المؤسسات الضخمة تعاني اختلالاً هيكلية ومدينة بمبالغ خيالية.
وخلال الأزمة، تبين أن الشركة العقارية الأولي بالبلاد “مارتينسا–فاديسا” التي أعلنت إفلاسها مدينة بنحو 5.2 مليار يورو، تعاني انعدامًا في السيولة في مفاجئة غير متوقعة، ما سبب أزمة حينها لسوق الأوراق المالية وفقدان الثقة في القطاع العقاري بالكامل.
سوء استغلال الموارد المالية
ويقول الخبير المالي العالمي محمد العريان إن استمرار تقديم الدعم لشركات “الزومبي” يأتي بزعم الحفاظ على الوظائف لكنه يمثل سوء استغلال الموارد المالية التي كان من الممكن أن تستفيد منها شركات أخرى ناجحة وتوفر أعدادًا أكبر بكثير من الوظائف.
اقرأ أيضًا:
ويضيف، في مقال كتبه مؤخرًا، أن ظاهرة شركات الزومبي تعبر عن مشكلة أوسع بكثير، تتمثل في تمدد حجم الديون العالمية إلى مستويات قياسية في العقدين الماضيين لتصل إلى 250 تريليون دولار، أو ما يعادل ثلاث مرات حجم الاقتصاد العالمي، وبما يشكل عبئًا بـ35 ألف دولار لكل شخص في العالم.
وارتبط مصطلح “الشركات الزومبي” باليابان في التسعينات مع انفجار فقاعة أسعار الأصول العقارية التي تمت المبالغة في تقييمها، وحرص البنوك على دعم وإقراض شركات ضخمة بزعم أنها كيانات عملاقة أكبر من أن تتعرض للانهيار لكنها انهارت بالفعل.
دعم بسبب العمالة فقط
وتقول الدكتورة سلوى العنتري، مدير عام قطاع البحوث بـالبنك الأهلي المصري، إن الشرائح الاجتماعية والشركات الصغيرة هي التي تحملت أعباء الأزمة المالية العالية في 2008، وهي أيضًا التي ستتحمل تبعات أزمة كورونا الاقتصادية، بينما يذهب الدعم الحكومي في العالم غالبًا للشركات العملاقة لمنعها من الانهيار.
حتى وقت قريب، كانت الكثير من شركات قطاع الأعمال العام المصري تحمل سمات تلك النوعية من الشركات بخسائر سنوية تبلغ 313 مليون جنيه واستمرت الحكومة في دعمها بسبب العمالة فقط، قبل أن تتخذ الدولة حزمة مساعدات بتغيير الإدارة وتطوير العمل فانتقلت إلى الربحية النسبية.
وتضيف “العنتري” أن تلك النوعية من الشركات تحقق أرباحًا لا تتعدى سداد الديون والرواتب، وغالبًا ما يتم الإبقاء عليها باعتبارها تؤدي دورًا اجتماعيًا أو خدمات معينة للجمهور بأسعار مخفضة، أو ضمها أعدادًا كبيرة من العمالة يصعب توطينها في وظائف أخرى.
ويتحدث خبراء الاقتصاد في العالم حاليًا، على أن الارتفاعات الكبيرة في نسبة التعطل عن العمل عالمياً، تدفع الحكومات لاستمرار دعم الشركات التي تضم أعدادًا ضخمة من العمالة، ما يصب في صالح “شركات الزومبي”، على حساب الشركات الصغيرة ومتناهية الصغر التي لم تلقى الاهتمام ذاته.