تدرك إسرائيل جيدا حجم الرفض الشعبي على المستوى العربي لمحاولات التطبيع المختلفة، رغم التوسع مؤخرا في تطبيع رسمي مع حكومات وأنظمة عربية، وهو ما يجعل صناع القرار في دولة الاحتلال يفكرون بشكل متواصل في خلق حالة من الاعتماد المتبادل بين تل أبيب ومحيطها العربي. هؤلاء وجدوا ضالتهم في قطاعي الطاقة والمياه، خاصة مع بروز ثلاثة ملفات رئيسية مثلت تحديا استراتيجيا على طاولة العديد من الدول العربية وهي الكهرباء والطاقة عامة والمياه. في الوقت الذي ستلعب فيه هذه القضايا دورا أساسيا في إعادة تشكيل خريطة التحالفات والعداوات في المنطقة خلال الفترة المقبلة.
اقرأ أيضا.. مصر وتركيا.. ترسيم تحالفات يعزز الصراع على لقب “ناقل الغاز” إلى أوروبا
ورغم الصبغة الاقتصادية الواضحة لمجموعة من الاتفاقات الموقعة مؤخرا بين إسرائيل وبعض العواصم العربية، إلا أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال غض الطرف عن الأهداف الجيو سياسية الماثلة في تلك الاتفاقات.
باتت تل أبيب تدرك مؤخرا، أنها فشلت على مدار عقود مضت عبر الحروب تارة، والسياسة والدبلوماسية تارة أخرى، في خلق حالة عربية مهادنة، تغمض بموجبها القوى العربية ذات التأثير عينيها عن الانتهاكات المتواصلة في الأراضي المحتلة.
وأصبح اليوم الحلم الإسرائيلي متاحا ليمر سلامها الدافئ عبر أنبوب غاز ومحطة تحلية مياه.
الماء مقابل الكهرباء
في الثاني والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي وقعت كل من إسرائيل والأردن والإمارات “إعلان نوايا” لاتفاقية “الماء مقابل الكهرباء”، على هامش معرض إكسبو، بحضور المبعوث الرئاسي الأمريكي الخاص لشؤون المناخ جون كيري في دبي.
وخلال فعاليات قمة المناخ الأخيرة في مدينة شرم الشيخ، وقعت الأطراف الثلاثة مذكرة تفاهم للاستمرار في دراسات الجدوى، لإقامة مشروعين متقابلين ومترابطين يعتمد أحدهما على الآخر؛ بهدف إنشاء محطة تحلية للمياه على البحر الأبيض المتوسط (الازدهار الأزرق)، مقابل إنشاء محطة لتوليد الطاقة الكهربائية النظيفة في الأردن (الازدهار الأخضر).
وتنص المذكرة على أن يعمل الأردن على توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية لمصلحة إسرائيل، بينما تعمل تل أبيب على تحلية المياه لمصلحة الأردن، الذي يعاني من الجفاف ويحصل بالفعل على مياه من إسرائيل، فالصحراء الأردنية الواسعة ستشهد بناء محطة للطاقة الشمسية بتمويل من الإمارات، لتزويد إسرائيل بالطاقة الكهربائية، في المقابل تزود إسرائيل جارتها الأردنية بالمياه التي تحتاجها بشدة، عبر تمويل إماراتي مماثل لتحلية مياه البحر.
وتعوّل إسرائيل كثيرا على المشروع الذي كان نتاج فكرة إماراتية، لتدفئة السلام الذي ظل باردا منذ توقيع اتفاق سلام بين عمان وتل أبيب عام 1994، خاصة وأنها تأتي بعد اتفاقية إبراهام لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات ودول عربية أخرى.
تدرك إسرائيل جيدا أي الأبواب التي ستفتح سريعا عند طرقها، حيث يواجه الأردن طلبا متزايدا على الماء، حيث نصت اتفاقية السلام بين تل أبيب وعمان، على تزويد الأخيرة الماء للأراضي الأردنية. بيد أن هذا لم ينه العجز المائي الكبير الذي تواجهه الأردن، وفي أكتوبر/تشرين الأول 2021، اتفقت الحكومتان الإسرائيلية والأردنية على بيع تل أبيب للأردن 50 مليون متر مكعب إضافية من المياه سنويا، ما يضاعف إمدادات المياه الإسرائيلية.
وبمحازاة الأهداف السياسية للتحركات الإسرائيلية الرامية لكسر حالة الرفض الشعبي للتطبيع، أخذت تل أبيب في تحقيق اقصى استفادة ممكنة من الاتفاقيات التي بدأت في توقيعها مع عدد من الأطراف العربية. ففيما يخص اتفاقها مع الأردن، وجدت إسرائيل حلا ناجعا لتعويض حاجتها الماسة إلى الطاقة، فبالرغم من المحاولات الإسرائيلية الحثيثة فإن مشروعات الطاقة المتجددة لا تغطي حاليا سوى حوالي 6% فقط من احتياجاتها من الكهرباء. بينما ستوفر محطة الطاقة الشمسية والتي يملك الأردن مساحات كبيرة من الأراضي المناسبة لإنشائها، طاقة كهربائية تصل إلى 600 ميجاوات، وهو ما يعني أن كامل طاقة المحطة سيحول حصرا إلى إسرائيل مقابل تزويد إسرائيل للأردن 200 مليون متر مكعب من المياه سنويا عبر محطات التحلية.
إغراءات للمغرب
مؤخرا عبرت الحكومة الإسرائيلية عن استعداها لتقاسم التكنولوجيا المتعلقة بالمياه مع المملكة المغربية ، وهو الأمر الذي جاء بعد أسابيع ، من دعوة الملك محمد السادس لأخذ إشكالية نقص المياه بالجدية اللازمة ، حيث أعلنت الخارجية الإسرائيلية استعداد تل أبيب، لتقديم تكنولوجيات حديثة في هذا المجال للمملكة .
وقال حسن كعيبة المتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية، إن “تل أبيب تستطيع العمل مع المغرب في مجالات التكنولوجيا والبنى التحتية وتحلية المياه”.
ولم يغفل المتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية، محاولة إغراء باقي البلدان العربية ، بتأكيده على أن حكومة الاحتلال ، مستعدة لتقاسم تكنولوجيا تحلية المياه مع دول المنطقة، معبرا عن ارتياحه لمستوى التعاون بين المغرب وإسرائيل في مجالات التكنولوجيا والطاقة والبحث العلمي.
شراكة إماراتية إسرائيلية
شهد مؤتمر المناخ في شرم الشيخ توقيع مذكرة تفاهم بين جامعة حيفا وجامعة الإمارات العربية المتحدة ومعهد جيومار الألماني لأبحاث المحيطات في كيل بألمانيا، تمتد على خمس سنوات، بهدف العمل على تحسين المعلومات والأبحاث بشكل كبير في المنطقة. بالإضافة إلى المساعدة في تطوير استراتيجيات الحد من الأضرار في النظم البيئية في شرق البحر الأبيض المتوسط والخليج العربي.
وتعد المذكرة أول تعاون من نوعه يفضي لتعزيز فهم وتطوير استراتيجيات ضابطة للنظام البيئي في البحر المتوسط والخليج العربي.
وسيستخدم المشروع تقنيات مراقبة المحيطات المتقدمة، مثل المركبات التحت مائية، والكاميرات الجديدة، وأجهزة الاستشعار الكيميائية ونماذج النظم الإيكولوجية “البيئية” البحرية ودمج البيانات للتنبؤ بالاستجابات المستقبلية في المحيط، بالإضافة إلى رؤى حول العمليات الحالية سواء في المياه أو في قاع البحر، وتطوير نماذج لمعرفة الشكل الذي سيبدو عليه المستقبل بالنسبة للبحر المتوسط والخليج العربي.
الاتفاقية الموقعة، ورغم أنها قائمة على أبعاد علمية خالصة، إلا أنها تحمل بين طياتها أهدافا سياسية، حيث الانخراط لفترات طويلة بين الباحثين العرب، وغيرهم من الإسرائيليين، بشكل يذيب جليد الرفض الشعبي لأي مشاركة إسرائيلية في المحافل المختلفة.
فمن بين أهداف الاتفاقية المعلنة، تعزيز المعرفة لدى جيل جديد من الباحثين وطلاب الدراسات العليا بهذه المجالات وهو أمر ضروري بشكل خاص من وجهة نظر القائمين على الاتفاقية، خصوصا في المناطق الجغرافية حيث توجد صراعات ثقافية وسياسية ودينية.
التطبيع عبر الغاز
وضع قطاع الغاز الطبيعي المزدهر لدى دولة الاحتلال، دفعها لاستخدام تلك الثراوات لتحقيق هدف طال انتظاره وهو دمج نفسها في المنطقة مع جيرانها العرب. وأمام الوفرة الكبيرة في الغاز لدى إسرائيل، واستمرار تدفقه إلى الدول العربية بموجب الاتفاقات التي تربطها مع الأردن ومصر، فإن ذلك يعني في النهاية أن إمدادات الطاقة التي ستوفِّرها الدولتان ستعتمد على تفاهماتهما السابقة مع إسرائيل في المقام الأول.
ووقعت مصر وإسرائيل اتفاقا ينص على بناء خط أنابيب جديد تحت سطح البحر بسعة 10 مليارات متر مكعب في السنة يربط حقل الغاز الإسرائيلي “ليفياثان” بمحطات الغاز الطبيعي المسال المصرية.
وهو الاتفاق الذي قال عنه موشيه ألبو من معهد السياسة والاستراتيجية في جامعة رايخمان الإسرائيلية، إنه بالنسبة للكثيرين في إسرائيل، كان بالفعل معلما مهما في محاولة استمرت لسنوات لاستخدام إسرائيل الغاز لإذابة الجليد في العلاقات مع جيرانها، مع الارتفاع الهائل في أسعار الطاقة والمعارضة الشعبية المتلاشية تدريجيا لإسرائيل في أجزاء من العالم العربي، مشيرا إلى أن العديد من الإسرائيليين يأملون في أن تحقق صفقة تصدير الغاز شيئا أكثر قيمة من الربح وهو المزيد من تطبيع إسرائيل في المنطقة.
وفي الوقت نفسه أكدت وزارة الطاقة الإسرائيلية في أواخر أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي أن إسرائيل ومصر تناقشان إنشاء خط أنابيب بري لزيادة صادرات الغاز الإسرائيلي إلى مصر، بسعة تتراوح بين 3-5 مليارات متر مكعب في السنة، مع بدء التشغيل المقرر بحلول عام 2024.
وعلى نفس الطريق سارت الإمارات التي وقعت عقدا لشراء حصة في حقل تمار للغاز الطبيعي الواقع تحت سيطرة دولة الاحتلال الإسرائيلي في شرق البحر المتوسط بمبلغ يصل إلى 1.1 مليار دولار، وهي أول صفقة تجارية كبيرة بين الإمارات وإسرائيل منذ تطبيع العلاقات بينهما.
وسبق ذلك عام 2016، توقيع دولة الاحتلال اتفاقا تاريخيا لتصدير الغاز بقيمة 10 مليارات دولار لمدة 15 عاما مع شركة الكهرباء الوطنية الأردنية، في أهم صفقة منذ توقيع معاهدة السلام بين البلدين في عام 1994، بحسب يوسي أبو، الرئيس التنفيذي لشركة الغاز الإسرائيلية “نيوميد إنرجي”.