تملك مصر غالبية المقومات التي تؤهلها لتحقيق انتعاشة اقتصادية في عصر ما بعد كورونا والاستحواذ على جزء من الاستثمارات الأجنبية الراغبة في الرحيل عن الصين، فلا يوجد فوارق كبيرة بينها وبين الدول المسجلة كنمور صناعية كبرى، باعتبارها تملك الطاقة ورأس المال والأسواق والنقل والمواصلات، وموارد المياه والمواد الخام.
sss
تحتاج الحكومة المصرية في مرحلة ما بعد كورنا إلى أساليب جديدة للترويج للفرص الصناعية داخلها واللعب على وتر الموقع المتوسط في قلب العالم الذي يؤهلها لكي تكون شريان مستمر للتصدير دون توقف، وتوفير المعلومات الكاملة والوافية حول ما يحتاجه رجال الأعمال قبل اتخاذ قراره من التأكيد على استقرار الأنظمة التشريعية الضريبية وقائمة بالخامات المتوافرة وشرح مبسط للقوانين الاقتصادية.
يقول خبراء إن مصر لديها حاليا فرص تؤهلها للمنافسة لم تكن متوافرة قبل سنوات، بعدما تحولت من دولة مستوردة إلي دولة مصدرة للغاز الطبيعي خلال خمس سنوات بسجل يضم 248 اكتشافاً بترولياً جديداً موزعة بين 165 كشف زيت خام و83 كشفًا غازيًا بمناطق الصحراء الغربية والشرقية والبحر المتوسط وسيناء والدلتا وخليج السويس.
ويملك الاقتصاد المصري مزايا نسبية عن الأسواق المجاورة تتمثل في وجود هيكل تصنيعى أكثر تنوعاً، ما ستطلب الاتجاه نحو الصناعات التى تستخدم التكنولوجيا الحديثة، لمواكبة ومسايرة العالم، والموازنة بين إنتاج السلع الاساسية والصناعات الحديثة، ووضع السلع التى يزداد الطلب العالمي عليها، وأن تكون على رأس أولويات عمل الحكومة خلال الفترة المقبلة ما يسهم في نمو حجم الصادرات.
اقرأ أيضًا:
يؤكد الدكتور صلاح الدين فهمي، أستاذ الاقتصاد، أن الحكومة نجحت خلال السنوات الخمس الأخيرة في توفير البيئة الجاذبة لإنشاء بنسبة صناعية، وأنفقت ببذخ على مشروعات البنية التحتية واللوجستيات، ونجحت في حل أزمة العملة الصعبة التي يعتبرها رجال الأعمال أحد العناصر الرئيسية في قراره الاستثماري، لكي يضمن الخروج بأمواله في أي وقت وبالعملة التي يريدها.
في مجال الطرق، نفذت مصر قرابة 400 مشروع أخرجتها من قائمة أكثر الدولة خطورة في الطرق إلى المركز الـ 45 عالميًا في مجال جودتها وأمانها، مع إنشاء العشرات من المحاور النيلية وربط الشبكة القومية للطرق ببعضها البعض، مع تحديث شبكة النقل في السكك الحديدية وتعزيز بـ 110 جرارات جديدة من إنتاج شركة جنرال إلكتريك الأمريكية بتكلفة تقترب من 300 مليون دولار.
ويقول فهمي إن مصر عليها التوقف عن تصدير غالبية إنتاجها الزراعي كمادة خام، والاتجاه لتصنيعه لتحقيق عائد مالي أكبر، فمصر تحتل المرتبة الأولى في إنتاج الزيتون والتمور والموالح، والتي حال تصنيعها وتعليبها يمكن بيعها بقيمة أعلى بكثير.
ويشير خبراء اقتصاديين أن مرحلة ما بعد كورونا تتطلب من مصر اقتناص جميع الخامات المحلية وتحويلها إلى قيمة مضافة ووقف الهدر في سلاسل الإنتاج، بزيادة استثمارات تدوير المخلفات الزراعية والصناعية التي تقدر بنحو 24 مليون طن سنويا يتم حرقها رغم أنها تتضمن مصادر دخل هامة من بينها إمكانية تحويلها إلى 14 الف طن سماد عضوي.
ووفقا لمجلس الأعمال المصري الكندي، فإنه لا توجد خامة عالمية ذات قيمة غير متوافرة في مصر، التي تعد من أكثر الدول ثراء بالمعادن النفيسة والخامات كالرمال السوداء التي تحتوى على معادن صناعة البويات، و”الزركون” الذي يدخل في صناعة السيراميك والعوازل والخزف والأجهزة التعويضية.، والجرانيت المستخدم بصناعة فلاتر تنقية المياه، وخامات الصناعات الكيميائية والأسمدة، كالفوسفات كما تحتوي علي خامات الحراريات والسيراميك، والكوارتز المستخدم في صناعات البصريات.
ويقول فهمي إن تحقيق نهضة صناعية في مصر يتطلب مزيد من الاهتمام بالصناعات المتوسطة والصغيرة كعنصر أساسي في تطوير المادة الخام وتحويلها إلى سلع وسيطة لصالح المصانع الكبرى سواء أكانت محلية أم أجنبية، خاصة مع تغير الاقتصاد العالمي في السنوات المقبلة وتزايد ثقافة الاعتماد على الذات أكثر من نظريات الاقتصادية القديمة التي لا ترى جدوى من إنتاج سلعة يمكن استيرادها بسعر أقل من الخارج.
وضخت الشركة الصينية المصرية للتعدين ضخ 4 ملايين دولار في مشروع استخلاص المعادن من الرمال السوداء في بجيرة غليون بمحافظة كفر الشيخ، وتم تركيب أربع وحدات لفصل الرمال الصفراء من السوداء، بقدرة 250 طن للساعة الواحدة، على أن يتم إنشاء مصنع جديد خلال العام الحالي على مساحة 35 فدان بهدف فصل المعادن من الرمال السوداء بغرض استخدامها بالصناعات الثقيلة.
ورغم هذا الثراء التعديني، استوردت مصر معادن وخامات تعدينية خلال أربعة أعوام بقيمة إجمالية 12.5 مليار دولار حسب تقرير صادر عن هيئة الثروة المعدنية، ورغم إنتاج مصر الكبير من الغاز، إلا أن المجلس التصديري لمواد البناء، يؤكد أن الأسعار الحالية للغاز تعتبر أحد عوائق الاستثمار، وطالب بإعادة تسعير الغاز لـ3 دولارات للمليون وحدة حرارية، مقارنة بالأسعار الحالية بواقع 4.5 دولار.
اقرأ أيضًا:
وربما يكون ملف الرمال البيضاء دليل على الحاجة لتغيير النظرة إلى ملف الصناعات بمصر التي تضم مليارات الأطنان الصالحة للاستخدام في مصانع الزجاج التي لا يزيد عددها عن أصابع اليدين، ما يجعلها تقوم بتصدير الخام إلي تركيا وإيطاليا واليونان التي يقوم بعضها بغسله فقط وتنقيته من الشوائب ويعيد تصديره بعائد أعلى.
وتصدر مصر خامات السليكون الذي يمثل العنصر الأساسي للتطور التكنولوجي العالمي لدخول بمجال صناعة الخلايا الشمسية والرقائق الإلكترونية بسعر منخفض، رغم أن الخام المصري تصل نسبة تركيز للسيليكا يقارب 99.8% ويتم إعادة استيراده مصنع بآلاف الأضعاف من قيمة تصديره.
ويقول الدكتور سمير عارف، رئيس جمعية مستثمري العاشر من رمضان، إن مصر تواجه أزمة في التسويق لنفسها صناعيا في الخارج أو الترويج لمنتجاتها الصناعية، رغم أنها نافذة عبور للسوق الإفريقية التي تضم 1.2 مليار مستهلك، بمجموع ناتج محلي إجمالي يبلغ 2.5 تريليون دولار.
يضيف عارف أن الشركات المصرية عليها محاولة الوصول للخارج عبر شبكة الانترنت وشرح مقوماتها الإنتاجية بالسوق المحلية التي تضم 110 ملايين مستهلك، من أجل وضع نفسها أمام أعين الاستثمار الأجنبي الذي يتعرض لإغراءات كبيرة من أسواق منافسة كالهند والفلبين وفيتنام وماليزيا.
وطالبت دراسة اقتصادية بالاستفادة من التجربة الماليزية في مجال الاستثمار الصناعي، والتي سمحت للأجانب بتملك نسبة 100% من المشروعات الصناعية ما دامت توجه 80% منها إلى التصدير، بجانب إعفاء المستثمرين بالمناطق غير الجاذبة للاستثمار من الضرائب لفترة تزيد على خمس سنوات، كما تعفي المشروعات الصغيرة والمتوسطة من الضرائب للفترة نفسها وتدعم الشركات الصناعية التي توجه إنتاجها للتصدير من خلال إعفائها من الضرائب بنسبة تصديرها للإنتاج شريطة وجود قيمة مضافة في الإنتاج لا تقل عن 50%.