احتفلت الطوائف المسيحية التي تتبع التقويم الغربي من الكاثوليك والبروتستانت بـ “عيد الفصح” أو عيد القيامة، أمس الأحد، بينما يحتفل المسيحيون الأرثوذكس بالعيد في التاسع عشر من هذا الشهر. وذلك وسط ظروف استثنائية بسبب انتشار فيروس كورونا، وبعد أن فرضت معظم الدول إغلاقًا تامًا وقيودًا على حركة المواطنين، ومنعت التجمعات والصلوات الجماعية.
sss
يُجمع المسيحيون في كل أنحاء العالم على أن القداديس الخاصة بـ “عيد القيامة” هي ما تميزه عن غيره من الأعياد المسيحية، إذ يشعر كل من يشارك فيها بـ “روحانيات استثنائية”. وبالإضافة إلى القداديس التي تقام خلال فترة الصوم؛ يكثف المسيحيون حضورهم للصلوات في “أسبوع الآلام”.
رغم ذلك، احتفل ملايين المسيحيين في أوروبا وأمريكا بالعيد أمس “افتراضًا” عبر الإنترنت، بلا مسيرات أو “قداديس” تحت إجراءات العزل الصحي العام الهادف لمكافحة تفشي الوباء. وبينما خضع معظم الناس لقيود البقاء في المنزل، لجأ كثيرون إلى خدمات كنسية “أون لاين” لإحياء هذا اليوم المقدس لديهم.
ووجّه جوس جوميز، أسقف ولاية لوس أنجلوس، رسالة مكتوبة إلى القساوسة والمصلين في جميع أنحاء البلاد، جاء فيها أن “الأجيال القادمة ستنظر إلى ما نحن فيه باعتباره الصوم الأكبر لعام 2020، وقت أظلمت الأرض كلها فجأة بسبب المرض والموت، وقد تكون كنائسنا مغلقة، لكن المسيح ليس في الحجر الصحي وإنجيله ليس مقيدًا بالسلاسل”.
وأدى الخوف من تفشي كورونا إلى تغيير عادات وطقوس الاحتفال بعيد القيامة في كل من أستراليا ونيوزيلندا، إذ اضطر كثير من السكان إلى المشاركة في “قداس العيد” عبر الإنترنت، وأقاموا الحفلات في الباحات الخلفية لمنازلهم وتنزهوا على الشواطئ، مراعين قواعد التباعد الاجتماعي.
“قيامة العزلة”
من جانبه، حث البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، أمس الأحد، الناس على ألا يستسلموا للخوف من الوباء، خصوصًا بعد تصاعد معدلات الإصابات والوفيات في بعض أوروبا بوتيرة هي الأسرع في العالم.
وركز البابا على بث “رسالة أمل للمؤمنين”، في كلمته بمناسبة عيد القيامة من كاتدرائية القديس بطرس التي خلت من المصلين الذين كانوا يحتشدون في العادة بالآلاف في ساحتها، وكانت هذه الكلمة إلى حد بعيد هي الأكثر تطرقًا للموضوعات السياسية منذ انتخاب البابا عام 2013.
بث بابا الفاتيكان “رسالة أمل للمؤمنين”، في كلمته بمناسبة عيد القيامة من كاتدرائية القديس بطرس التي خلت من المصلين
داعيًا إلى التضامن العالمي في المعركة ضد وباء كورونا، وتداعياته الاقتصادية، كما حث على تخفيف العقوبات الدولية والديون عن كاهل الدول الفقيرة ووقف إطلاق النار في جميع الصراعات، وحذر البابا الاتحاد الأوروبي، من أنه معرض للانهيار ما لم يتفق بشأن سبل مساعدة المنطقة على التعافي.
وقال البابا، إن “عدوى الأمل” ينبغي أن تكون الدرس المستفاد من “قيامة العزلة” هذا العام، وأثنى على الأطباء والممرضين وغيرهم ممن يخاطرون بحياتهم لإنقاذ الآخرين، وامتدح من يمارسون أعمالهم لضمان استمرار الخدمات الضرورية.
وأضاف البابا في كلمته “لا وقت الآن للامبالاة لأن العالم بأسره يعاني ويحتاج إلى الوحدة في مواجهة الوباء”، وكرس البابا كلمته كلها تقريبًا للحديث عن آثار الوباء على العلاقات الشخصية والدولية، وأردف قائلًا: “اللامبالاة والأنانية والشقاق والغفلة كلمات لا نود سماعها في هذا الوقت، ونريد محو هذه الكلمات إلى الأبد”.
وفي ساحة “القديس بطرس” في مقر الفاتيكان خالية تمامًا من الجموع الغفيرة التي كانت تكتظ بهم عادة في هذه المناسبة، احتفل البابا فرنسيس، بقداس “خميس الأسرار”، وهو ذكرى العشاء الأخير لللمسيح، وامتنع الحبر المسيحي الأعظم في هذه المناسبة عن غسل الأرجل، وهو تقليد كنسي يرمز إلى غسل المسيح أرجل تلاميذه ليلة العشاء الأخير.
ودخلت الملكة إليزابيث الثانية، ملكة بريطانيا، على خط الاحتفالات الافتراضية بالعيد، وقالت الملكة، وهي الرئيسة الفخرية لكنيسة إنجلترا وويلز، إن “عيد القيامة لم يلغ”، وذلك في أول كلمة ألقتها على البريطانيين بمناسبة العيد، مؤكدة أن فيروس كورونا “لن يغلبنا”.
الملكة إليزابيث الثانية: عيد القيامة لم يلغ في واقع الأمر، نحن نحتاج إلى عيد القيامة بقدر ما كنا نحتاج إليه دائما
وتابعت ملكة بريطانيا: “هذا العام، سيكون عيد القيامة مختلفًا بالنسبة لكثيرين منا، لكن بالبقاء بعيدًا عن بعضنا البعض نضمن سلامة الآخرين، ولكن عيد القيامة لم يلغ في واقع الأمر، نحن نحتاج إلى عيد القيامة بقدر ما كنا نحتاج إليه دائما”.
“كنيسة القيامة” بلا مصلين
لم تستقبل “كنيسة القيامة” في مدينة القدس المحتلة، وللمرة الأولى منذ نحو مئة عام، المصلين والحجاج المسيحيين المحتفلين بعيد الفصح في الأراضي المقدسة، حيث أغلقت سلطات الاحتلال الإسرائيلي الأماكن الدينية أمام الزوار، ومن بينها الكنيسة، خاصة بعد ارتفاع معدلات الإصابات والوفيات في إسرائيل وفلسطين خلال الأيام الأخيرة.
قال المؤرخ الفلسطيني جوني منصور، إن “هذه هي المرة الأولى التي تغلق فيها كنيسة القيامة خلال عيد الفصح في المئة سنة الأخيرة، وهذا العام، حضر ستة من رجال الدين فقط القداس الذي يترأسه المدبر الرسولي لبطريركية القدس للاتين المطران بييرباتيستا بيتسابالا، داخل الكنيسة، مقابل نحو 1500 شخص حضروه العام الماضي”.
وبثت “كنيسة القيامة” القداس لرعاياها عبر شاشات التلفاز ووسائل التواصل الاجتماعي، كما فعلت الأحد الماضي خلال قداس أحد الشعانين الذي بُث باللغة العربية وحضره أكثر من 60 ألف شخص من كل الدول حول العالم.
وقال المطران عطا الله حنّا، رئيس أساقفة بطريركية الروم الأرثوذكس في القدس، في تصريحات، إن كافة الطقوس الدينية المرتبطة بـ “الأسبوع المقدس” أجريت في كنيسة القيامة، حسب البرنامج المتبع كل عام، ولكن من دون حضور مصلين كُثر، بسبب الأزمة التي يمر بها الجميع بسبب أزمة كورونا، داعيًا إلى الالتزام بكافة الضوابط والإجراءات الوقائية الهادفة للحد من انتشار الفيروس.
المطران عطا الله حنّا: من ناحية عاطفية يؤلمني رؤية أروقة الكنيسة فارغة، لكن الوضع الحالي يحتم علينا التصرف من منطلق العقلانية والمسؤولية
وأضاف حنا: “من ناحية عاطفية يؤلمني رؤية أروقة الكنيسة فارغة، لكن الوضع الحالي يحتم علينا التصرف من منطلق العقلانية والمسؤولية، ويمكننا جميعا – مسيحيين ومسلمين- التضرع إلى الله ليحفظ بلادنا وأنفسنا من هذا الوباء الخبيث”.
وقال أحد القساوسة: “حاولنا التكيف مع الوضع وتنظيم احتفالات مركزية نبثها عبر الشاشات ونخلق جوًا إيجابيًا داخل المنازل”. وأضاف: “على الرغم من كل الطاقة السلبية التي حولنا، لابد وأن نلتمس شيئًا من الإيجابية”.
من جهته، يؤكد القس “إيشايا” من مدينة أربيل العراقية الكردية، أنه امتنع عن أداء القداس الكنسي لأول مرة منذ نحو ثلاثين عامًا، قائلًا: “لم يكن هنالك أحد في الكنيسة، حينها تراءى أمامي جميع الذين كانوا في الكنيسة سابقًا، لقد انهمرت دموعي وبالكاد استطعت إكمال أداء الصلاة”.