بينما تشتد رحى المعارك بين كييف وموسكو، يتفاخر المسؤولون في أوكرانيا بكون ما يصل إلى خُمس القوات المسلحة الأوكرانية من النساء. تُظهر الصور ومقاطع الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي الجنود الذكور وهم يطبخون، والنساء يقاتلن، والجميع يحتضنون القطط والجراء. بينما سافرت النسويات الأوكرانيات البارزات إلى واشنطن للضغط على الولايات المتحدة من أجل الحصول على أسلحة.
في سردها لدور النساء في الحرب الأوكرانية. تشير أولجا أولكير، مديرة برنامج أوروبا وآسيا الوسطى في مجموعة الأزمات الدولية، إلى أنه “إذا كانت هناك طريقة نسوية لشن الحرب، فإن أوكرانيا تريد أن يعرف الجميع أن هذه هي الطريقة التي تخوض بها معركتها ضد روسيا”.
تقول أولكير: يبذل الرئيس فولوديمير زيلينسكي، وغيره من كبار المسئولين، جهودهم لشكر المدافعين والمدافعات عن البلاد. هذا أمر يثلج الصدر من منظور المساواة بين الجنسين وفعالية القتال. من أجل الانتصار في نزاع تكون فيه سيادتها على المحك، يجب أن تجتذب أوكرانيا الأفضل والأذكى للخدمة، بغض النظر عن الجنس.
تضيف: الرواية العسكرية النسوية الأوكرانية تضع البلاد في تناقض حاد مع روسيا، التي يبدو أن قيادتها تبنت الذكورة السامة كقيمة أساسية. حتى قبل ظهور التقارير التي تفيد بأن الجنود الروس قد اغتصبوا واعتدوا جنسياً على رجال ونساء وأطفال أوكرانيين، كان تصنيف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لبلاده -وغالبًا هو نفسه- متجذرًا فيما أسماه بالتقاليد. ولكن قد يعرّفه الآخرون بأنه نظام أبوي.
اقرأ أيضا: جولة في “مترو كييف”.. حكايات القابعين بانتظار نهاية الجحيم الروسي
المجتمع يتغير
من أجل كتابة هذا المقال الذي نشرته فورين أفيرز/ Foreign Affairs عملت أولكير على مدار عدة أشهر. حيث أجرت محادثات مع ما يقرب من عشرة من المسئولين والمحللين الأوكرانيين والغربيين. الذين رغبوا جميعًا في عدم الكشف عن هويتهم من أجل التحدث بصراحة. لتجد أن “ادعاءات الجيش الأوكراني بكونه بطلًا للمساواة بين الجنسين لا ترقى إلى الواقع”.
تقول: من شبه المؤكد أن النساء يشكلن 9% أو 10% فقط من القوات المسلحة. يشير هذا التناقض إلى مشكلة أكبر، أوكرانيا -مثل العديد من المجتمعات- تكافح من أجل التوفيق بين قوة وقدرة نسائها، والمواقف القديمة حول أدوار الجنسين.
كانت النساء الأوكرانيات في الصدارة في احتجاجات ميدان في 2013-2014، مما أدى إلى سقوط الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش، الذي أراد إلغاء صفقة مع الاتحاد الأوروبي لصالح توثيق العلاقات مع موسكو. لكن التغطية الصحفية، ورسائل النشطاء خلال الاحتجاجات، غالبًا ما كانت تتماشى مع الصور النمطية التقليدية للجنسين.
تضيف: يمكن تمييز نفس الديناميكية اليوم فيما يتعلق بالجنود. قبل غزو فبراير/ شباط، أقام الجيش سلسلة من مسابقات ملكات الجمال للمجندات، واقترح أن تسير الطالبات في أعقاب مسيرة عسكرية.
لكن، في مواجهة حرب واسعة النطاق، يتغير المجتمع الأوكراني بسرعة أكبر من أي وقت مضى.
تؤكد أولكير أنه مع تزايد القتال الذي يأخذ الرجال، يعمل عدد متزايد من النساء الآن كقادة للأسر. كما تقوم النساء بأدوار قيادية في دعم القوات والجهود الإنسانية. عندما يتوقف القتال، قد تتولى هؤلاء النساء مناصب قيادية جديدة في السياسة والأعمال. بعبارة أخرى، تستعد أوكرانيا لإعادة التفكير بشكل أساسي في أدوار الجنسين، مما قد يسمح لها بتمكين المزيد من مواطنيها والعمل كنموذج للدول الأخرى.
أدوار النساء
كان النوع الاجتماعي يلوح في الأفق بشكل كبير في الحرب الروسية. في تبرير غزوه لأوكرانيا، حيث استخدم الرئيس الروسي بوتين كليشيهات متحيزة ضد المرأة.
في 7 فبراير/ شباط -قبل أسبوعين من إرسال القوات للاستيلاء على الجار الغربي لروسيا- أشار بوتين في مؤتمر صحفي إلى أن كييف -وزيلينسكي على وجه التحديد- يجب أن تذعن للمطالب الروسية، من خلال تقديم ما كان في أحسن الأحوال تراث ذكوري ، وفي أسوأ الأحوال مزحة اغتصاب.
أيضا، ربما ليس من قبيل الصدفة أن الجيش الروسي زاد أكثر من الذكور في السنوات الأخيرة.
في عام 2008، عندما زحفت القوات الروسية إلى جورجيا، كان حوالي 9 % من القوة من الإناث. الآن، تشكل النساء 4% فقط من الجنود.
وفي عامي 2014 و2015، أشادت الصحافة الروسية بالمتطوعات اللاتي شاركن في القتال في دونباس.
اليوم، النساء الوحيدات اللواتي يظهرن في الرتب هناك هن مبرمجات استهداف الصواريخ، الذين تم تحديدهم في أكتوبر/ تشرين الأول من قِبل أحد الصحفيين الاستقصائيين.
توضح أولكير: مع استثناء محتمل للعمل كطيارين عسكريين، تُمنع النساء الروسيات من تولي أدوار قتالية في الخطوط الأمامية.
في المقابل، فتحت أوكرانيا جميع التخصصات العسكرية للنساء. لكن الحكومة كانت غامضة بشأن نسبة القوات المسلحة التي يشكلونها. وقدم نائب وزير الدفاع السابق تقديرًا بنسبة 25%، وقدر زيلينسكي الرقم بنسبة 22%، فيما قالت وزارة الدفاع الأوكرانية أن النسبة 15 %.
قد تكون هذه التقديرات دقيقة قبل فبراير/ شباط. وبالعودة إلى ديسمبر/ كانون الأول 2021، ارتدت ما يقرب من 33000 امرأة الزي العسكري، ضمن قوة قوامها ما يقرب من 200000 – حوالي 17%- نتاج الزيادة المطردة في مشاركة الإناث، بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014.
اقرأ أيضا: 4 أسباب تمنع انتشار الأسلحة النووية بعد حرب أوكرانيا
نسبة ضئيلة
في الأشهر التسعة الماضية، انخفض عدد النساء المقاتلات بشكل حاد. وفقًا للبيانات التي حصلت عليها أولكير من الخبراء الأوكرانيين، فإنه اعتبارًا من يوليو/ تموز، بلغ عدد النساء في الخدمة العسكرية بأوكرانيا -بما في ذلك الجيش النظامي وقوات الدفاع الإقليمية وحرس الحدود وقوات المخابرات والنقل- أقل من خمسين ألفا.
ولكن، بسبب ارتفاع عدد الرجال في القوات المسلحة بشكل أسرع من عدد النساء، فقد انخفض نصيب المرأة في القوات المسلحة.
تقول أولكير: زعم زيلينسكي وفريقه أن 750.000 شخص يخدمون الآن في الجيش الأوكراني. ولكن حتى لو كان الرقم الحقيقي للقوة الإجمالية أصغر. ووجود كثير من المتخصصين، مع الأخذ في الاعتبار معدلات انضمام الأوكرانيين إلى القوات المسلحة. فإن هناك من يعتبر أن 600000 تقدير أفضل. لتصير نسبة النساء في القوات المسلحة الموجودة تقريبًا 8%.
علاوة على ذلك، من بين النساء اللواتي يرتدين الزي العسكري، هناك حوالي 5000 فقط في أدوار قتالية. على الرغم من أن العديد من الموظفين المدنيين، مثل الأطباء والطهاة، قريبون بما يكفي من الخطوط الأمامية لمواجهة الخطر المميت باستمرار.
أيضا، انخفضت نسبة النساء في الحرس الوطني الأوكراني، اللائي تم استبعاد أعضائهن من الإحصاء الرسمي للقوات المسلحة، ولكنهن يخدمن أيضًا في الجبهات الأمامية، إلى النصف تقريبًا منذ الغزو الروسي. وانخفضت الحصة مما يزيد قليلاً عن 12% في يناير/ كانون الثاني، إلى أقل من 7% في يوليو/ تموز، وفقًا للأرقام الصادرة عن وزارة الشؤون الداخلية الأوكرانية.
توضح أولكير: حتى الآن، كان التسجيل للتعبئة طوعيًا للنساء. أجلت الحكومة التسجيل الإلزامي للنساء لمدة عام، حتى أكتوبر/ تشرين الأول 2023. ومع ذلك، تم تسجيل الرجال طوال الوقت، مما يعني أن التعبئة تؤثر على الرجال والنساء المؤهلين بشكل مختلف تمامًا.
الأسطورة الأنثوية
من حيث المبدأ، يُحظر على جميع الأوكرانيين الخاضعين للتعبئة مغادرة البلاد. لكن، في الممارسة العملية، سمح المسئولون الأوكرانيون للنساء بالعبور بحرية، لكنهم منعوا معظم الرجال من فعل الشيء نفسه.
نتيجة لذلك، فإن من بين ما يقرب من ثمانية ملايين لاجئ فروا من أوكرانيا، فإن الغالبية العظمى منهم من النساء. بينما الرجال الذين غادروا بشكل قانوني -لأن لديهم على سبيل المثال ثلاثة أطفال أو أكثر- غالبًا ما يتعرضون للسخرية الجنسية. حيث يتهمهم رفاقهم، ذكورا وإناثا، بأنهم نساء.
تشير أولكير إلى أن الرجال النازحين داخل أوكرانيا “غالبًا ما يواجهون مشكلة في استئجار المساكن والحصول على عمل”. حيث لا يثق أصحاب العقارات وأرباب العمل في إعفاءاتهم العسكرية. بينما واجهت النساء المتحولات جنسيًا -خاصة أولئك اللواتي لا تعكس وثائقهن القانونية جنسهن- صعوبة أيضًا عند محاولتهن مغادرة أوكرانيا.
وعلى الرغم من أن القصص التي تتحدث عن ارتكاب القوات الروسية للعنف القائم على النوع الاجتماعي ضد المدنيين الأوكرانيين وأسرى الحرب هي قصص كثيرة ومدعومة في كثير من الأحيان، إلا أن قصص جرائم مماثلة ارتكبتها القوات الأوكرانية ضد أسرى الحرب الروس، على الرغم من قلة عددها وغير مثبتة بشكل عام، يتم تداولها أيضًا.
تلفت مديرة برنامج أوروبا وآسيا الوسطى في مجموعة الأزمات الدولية، إلى أنه أثناء الترويج لوجود النساء في القوات المسلحة الأوكرانية “يبدو أن المسئولين ووسائل الإعلام حريصون بشكل خاص على نشر الصور التي تؤكد أنوثة المجندات”.
تقول: غالبًا ما تظهر المجندات اللواتي يعرضونهم شعرهن الطويل، الضفائر، المكياج الرياضي، ويقفن أوضاعًا براقة، حتى لو كنّ يحملن سلاحًا مضادًا للدبابات. وفي الوقت نفسه، تشكو المجندات من نقص العتاد، وعدم الوصول إلى برامج التعليم والتدريب العسكري.