وجّهت شرطة مكافحة الإرهاب الأسترالية، السبت الماضي، تهمة «الإرهاب» لشابيّن، على خلفية مخطط إرهابي محتمل لجماعة يمينية متطرفة، يهدف لشن هجمات على أهدف ومبانٍ بما في ذلك مساجد ومنشآت خدمية تابعة للمسلمين خارج العاصمة سيدني. اعتُقل الشخصان تزامنًا مع إحياء ذكرى «مذبحة نيوزيلندا» مرور عام على مجزرة المسجدين التي وقعت بمدينة «كرايست تشيرش» في 25 مارس 2019، وأدت لاستشهاد 51 شخصًا من المسلمين خلال صلاة الجمعة.
sss
ووجهت السلطات لأحد الشابيّن، يبلغ من العمر 23 عامًا، والذي وصفته بأن لديه توجهات «نازية جديدة» مناهضة للحكومة، اتّهامات بالتخطيط لأعمال إرهابية، ومن المقرر أن يمثل مع المتهم الثاني، وهو عضو في نفس الجماعة، أمام المحكمة السبت، بتهم التورّط «في المراحل الأولى من التخطيط والإعداد لعمل إرهابي» ومحاولة الحصول على أسلحة نارية عسكرية ومواد لصناعة المتفجّرات.
مايك بورغيس: تهديد اليمين المتطرف في أستراليا حقيقي ويتزايد
جاءت عمليات التوقيف بعدما حذّر مدير عام منظمة المخابرات الأمنية الأسترالية مايك بورغيس، من تزايد الخطر الذي يشكله التطرف اليميني على البلاد. وقال بورغيس: «إن تهديد اليمين المتطرف في أستراليا حقيقي ويتزايد». وأضاف «تجتمع خلايا صغيرة في الضواحي في أنحاء أستراليا بشكل دوري لتحية الأعلام النازية وفحص الأسلحة والتدرّب على القتال ومشاركة عقيدتها القائمة على الكراهية». وأكد أن «هذه المجموعات باتت أكثر تنظيمًا وأكثر وعيًا أمنيًا مما كانت عليه في السنوات السابقة».
ولا جدال أن ذكرى المذبحة، والاتهامات الموجهة للشابين الأستراليين، فضلًا عن تصاعد وتيرة العمليات الإرهابية التي نفذتها تنظيمات وأفراد ينتمون لليمين المتطرف في أوروبا مؤخرًا.. كل ذلك مدعاة لطرح السؤال التالي: هل يتخلى العالم عن خرافة الربط بين «الإرهاب والإسلام»؟
الإرهاب أساسه الغرب
في 9 فبراير الماضي، أعربت السفيرة هيفاء أبو غزالة، الأمين العام المساعد بالجامعة العربية، في تصريحات بمناسبة «أسبوع الوئام العالمي بين الأديان»، عن «رفض الجامعة العربية مجددًا لأي محاولات للربط بين الإسلام والإرهاب، وذلك في ضوء القيم والمبادئ التي يدعو إليها الدين الإسلامي الحنيف والمتمثلة في التسامح وقبول الآخر واحترامه بصرف النظر عن عقيدته أو لونه أو جنسه والتعايش السلمي وتعزيز الحريات الأساسية بما في ذلك الحرية الدينية».
من جانبها، خاضت مؤسسات إسلامية عريقة من بينها الأزهر الشريف، خلال الآونة الأخيرة، نقاشات ذات طابع دولي لدحض الربط المخل بين الإرهاب الإسلام، مؤكدة أنه لا توجد آية واحدة في القرآن تدعو لقتل أو ترهيب اليهود والنصارى، وأنه ليس في القرآن مكان لهذه القسوة الوحشية، بل إن المسلمين هم أكثر المتضررين من الجماعات الإرهابية.
من جهة أخرى، رفض «البابا فرنسيس»، بابا الفاتيكان، في تصريحات أدلى بها 31 يوليو 2016، الربط بين الإسلام والإرهاب، مؤكدًا أنه يمكن للكاثوليك كما للمسلمين أن يكونوا عنيفين ومحذرًا أوروبا من أنها تدفع قسمًا من شبابها نحو الإرهاب.
وقال بابا الفاتيكان: «ليس صحيحًا أو حقيقيًا القول إن الإسلام هو الإرهاب. لا اعتقد أنه من الصواب الربط بين الإسلام والعنف، ففي كل يوم حين أقرأ الصحف أرى أعمال عنف في إيطاليا: «أحد يقتل صديقته، آخر يقتل حماته، وهؤلاء كاثوليك معمدون»، مضيفًا «إذا تحدثت عن أعمال عنف إسلامية يتعين عليّ أيضًا أن أتحدث عن أعمال عنف مسيحية. في كل الديانات تقريبًا هناك دومًا مجموعة صغيرة من الأصوليين. هم موجودون عندنا أيضًا».
يؤصلّ الكاتب الألماني يورجن تودينهوفر في كتابه «الصورة العدائية عن الإسلام» هذا الربط الغربي بين الإرهاب والإسلام، قائلًا: «إن الغرب مثله في ذلك مثل غيره من تحالفات القوى الأخرى، لم تكن تعنيه أبدًا حقوق الإنسان والديمقراطية في الشرق الأوسط، كل ما يعنيه هو مصالحه الخاصة، لذلك فالربط بين الإسلام والإرهاب يمثل بالنسبة إليه أهمية سياسية واستراتيجية بعيدة المدى، تكمن في أنها تقدم له مسوغًا مريحًا للحروب الهجومية التي يشنها الغرب من حين لآخر».
الكاتب الألماني يورجن تودينهوفر: الربط بين الإسلام والإرهاب يمثل بالنسبة للغرب أهمية سياسية واستراتيجية بعيدة المدى
وحدد «يورجن» طبيعة الإشكالية بين الغرب والعالم الإسلامي، قائلًا: «إنها تكمن في القرارات الخاطئة التي اتخذها الغرب بشأن العالم الإسلامي طيلة خمسين سنة الماضية. فهذه القرارات كانت ناتجة عن جهل الغرب بأبسط الحقائق حول العالم الإسلامي، لذلك فقد عامله خلال الأعوام المئتين الأخيرة بطريقة الاستعمار والإبادة مستخدمًا أسلوب التحطيم والتدمير والاحتلال. ثم يؤكد أن الاستعمار الغربي للعالم الإسلامي، والذي امتد لأكثر من مئة عام سلب من المسلمين التنمية والنهوض في مرحلة حاسمة من مراحل تطور الاقتصاد العالمي وبذلك جعلهم أكثر فقراً وضعفاً.
وأكد «يورجن» أكثر من مرة أن الإرهاب أساسه الغرب، إذ وظَّفه لخدمة مصالحه الخاصة في العالم، وأعطى مثالًا على ذلك بالقول: إن 17 منظمة من المنظمات المصنفة إرهابية في أوروبا ليس لها أي علاقة بالإسلام. لكن لماذا لم تلعب هذه المنظمات الإرهابية غير المسلمة دورًا في الوعي الجماهيري في الغرب؟ يجيب المؤلف عن ذلك قائلًا: لأنها لا تمثل خطورة على المصالح الغربية الحيوية، ولا تمارس أعمال القتل ضد الغربيين!
المسلمون.. ضحايا لا إرهابيين
في 18 يوليو 2018 قال الدكتور أحمد الطيب، شيخ الزهر، خلال مشاركته في منتدى «شباب صناع السلام» بالعاصمة البريطانية لندن، إن «الإسلاموفوبيا» ظاهرة مصطنعة، موضحًا أنه «لو كان صحيحًا أن الإسلام هو دين الإرهاب؛ لكان من المحتَّم أن يصبح كل ضحايا العمليات الإرهابية على مستوى العالم من غير المسلمين، ولكن الواقع يقول إن العكس هو الصحيح، وإن المسلمين كانوا ومازالوا هم ضحايا هذا الإرهاب».
وأكد رئيس «مجلس حكماء المسلمين» أن «الإرهاب أُلصق بالإسلام وحده من بين سائر الأديان، والتأمل الدقيق يوضح أن إمكانيات المنطقة التقنية والتدريبية والتسليحية، لا تكفي لتفسير ظهور هذا الإرهاب ظهورًا مباغتًا بهذه القوة الهائلة التي تمكنه من التنقل واجتياز الحدود والكر والفر في أمان تام»، مشددًا على أن «الإرهاب ليس صنيعة للإسلام أو الأديان، ولكنه صنيعة سياسات عالمية جائرة ظالمة ضلت الطريق وفقدت الإحساس بآلام الآخرين من الفقراء والمستضعفين».
رئيس «مجلس حكماء المسلمين»: الإرهاب ليس صنيعة للإسلام أو الأديان، ولكنه صنيعة سياسات عالمية جائرة ظالمة ضلت الطريق وفقدت الإحساس بآلام الآخرين من الفقراء والمستضعفين
وتقول الكاتبة د. آمال موسى أستاذة علم الاجتماع في الجامعة التونسية «ربما النقطة الجديرة بالتركيز والتسويق في ذكرى مذبحة نيوزيلاندا، هي أن الإرهاب حقًا لا دين له، ولا دين أيضًا لمن يتخذون منه ممارسة في التعامل مع المشكلات والآخرين المختلفين عنا. عندما كنا نقول إن الإرهاب لا دين له، وإن الإسلام بريء من الإرهاب والإرهابيين الذين يحاولون تشويه مقاصده ورسالته. ولكن الواقع يرد بالصوت والصورة، كيف أن الإرهاب فعلًا لا دين له، مهما بالغ الكثيرون في التنقيب عن الأسباب من داخل المدونات الدينية».
وترى الكاتبة أن «هذه النوعية من الجرائم هي نتاج سببين؛ أولهما استسهال العالم الربط بين الإرهاب والإسلام، وخلق «فوبيا» ضد المسلمين والانخراط في حملة تشويه عمياء، والسبب الثاني الانخراط بقوة أيضاً في إرساء ثقافة معاداة المهاجرين واعتبارهم غزاة ومحتلين ومغتصبي حقوق المواطن الأوروبي».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر: