دفع الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/ شباط، كلا من السويد وفنلندا -وهما دولتان محايدتان عسكريا حتى الآن- إلى القلق من نوايا موسكو التوسعية، والسعي للحصول على عضوية الناتو في مايو/ آيار، من أجل ضمان عدم اقتراب الآليات العسكرية الروسية من أراضيهما.
لكن، كانت تركيا العضو الأكثر قلقًا بشأن انضمامهما إلى الناتو، بسبب ما تراه “موقفًا متساهلًا” تجاه ثلاثة كيانات تعتبرها أنقرة كيانات إرهابية، وهي حزب العمال الكردستاني (PKK) -الذي تم تصنيفه كمنظمة إرهابية من قبل أعضاء الناتو بما في ذلك الولايات المتحدة- حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) -الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني- وحركة فتح الله جولن.
لذلك، يشير كلا من سونر كاجابتاي مدير برنامج الأبحاث التركي في معهد واشنطن، ومايكل سينج المدير الإداري للمعهد، وسودي أكجوندوجدو الباحثة في برنامج البحوث التركية. إلى أنه على الرغم من أن أنقرة ستوافق -على الأرجح- على توسع الحلف في دول الشمال في المستقبل، إلا أن السويد لا تزال تواجه العقبات، وقد تلعب روسيا دور المفسد بينهما، ما لم تسهل واشنطن العملية.
يقول التحليل: بينما صادقت 28 من أصل 30 دولة عضو في الناتو على انضمام السويد وفنلندا، صمدت تركيا والمجر حتى الآن. يبدو المسؤولون الأوروبيون متأكدين -نسبيًا- من أن الهيئة التشريعية المجرية ستوافق في النهاية. تاركة تركيا – وعلى وجه الخصوص الرئيس رجب طيب أردوغان الذي ستكون موافقته مطلوبة حتى يتصرف المجلس التشريعي التركي- العقبة الرئيسية في طريق التوسع التاريخي لحلف شمال الأطلسي.
ترك هذا المسؤولين السويديين والفنلنديين، ونظرائهم في حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة، يتدافعون لفهم وتلبية مطالب أنقرة في الوقت المناسب، قبيل قمة الناتو في يوليو/ تموز 2023.
اقرأ أيضا: بعد “مصافحة المونديال”.. هل تتجاوز الخلافات المصرية- التركية العقبة الليبية؟
ماذا تريد تركيا؟
في يونيو/ حزيران، وخلال قمة الناتو في مدريد وقع كبار الدبلوماسيين الأتراك والسويديين والفنلنديين مذكرة ثلاثية لمعالجة المخاوف التركية.
تتعهد السويد وفنلندا في المذكرة، بعدم تقديم الدعم لحزب الاتحاد الديمقراطي، أو فرعه العسكري “وحدات الحماية الشعبية”، وتؤكدان مجددًا على اعتبار حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية. بالإضافة إلى ذلك، يؤكدان أنهما يعززان قوانينهما الوطنية ضد الإرهاب والتحريض العلني، وأنه ليس لديهما أي حظر أسلحة ضد تركيا، وسوف يصدرون الأسلحة بحرية إلى شركاء الناتو.
علاوة على ذلك، تلزم المذكرة السويد وفنلندا بعدة خطوات. منها إنشاء “آلية مشتركة للحوار والتعاون” لمكافحة الإرهاب ومكافحة الجريمة المنظمة. محاربة الإرهاب وفقًا لسياسة الناتو، وتعزيز تشريعاتها المحلية حسب الحاجة لتحقيق هذه الغاية. النظر في طلبات الترحيل المعلقة لتركيا، وإنشاء “الأطر القانونية الثنائية اللازمة” لتسهيل التسليم. مع التحقيق ووقف تمويل حزب العمال الكردستاني وأنشطة التوظيف، ومحاربة المعلومات المضللة التي تفيد الجماعات الإرهابية.
وتلزم المذكرة البلدين كذلك بضمان عدم وجود عقبات تنظيمية تمنعهم من تصدير الأسلحة إلى تركيا أو حلفاء الناتو الآخرين. مع دعم مشاركة تركيا في سياسة الأمن والدفاع المشتركة للاتحاد الأوروبي، والمشاركة في مشروع التعاون المنظم الدائم للاتحاد الأوروبي (PESCO) بشأن التنقل العسكري.
يلفت المحللون الثلاثة إلى أنه على الرغم من اتفاق الأطراف الثلاثة على هذه النقاط، لا تزال هناك أسئلة حول إلى أي مدى يجب أن تذهب هلسنكي وستوكهولم -أو ترغبان في الذهاب- من أجل إرضاء رئيس تركيا.
يقول التحليل: بينما أشار أردوغان إلى أن أنقرة راضية عن التقدم الذي أحرزته فنلندا، التي لديها عدد قليل من المواطنين الأكراد أو علاقات مع الجماعات الكردية، كانت المفاوضات التركية- السويدية أكثر صعوبة.
عقبة السويد
السويد لديها شتات كردي كبير، يشكل الأكراد حوالي 1% من سكانها، البالغ عددهم ما يقرب من عشرة ملايين مواطن. ولديها -تاريخيا- رؤية واسعة لحماية حرية التعبير، ما يعقد أي جهد لتلبية التوقعات التركية.
بالإضافة إلى ذلك، من المعروف أن المنظمات غير الحكومية السويدية تعمل مع حزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب. وتحظى الأحزاب اليسارية في السويد، تقليديًا، بدعم الناخبين الأكراد، الذين يتعاطفون مع الحركات الكردية المختلفة.
بعد انتخابات 11 سبتمبر/ أيلول في السويد وتشكيل حكومة يمينية جديدة، أشارت بعض التقارير إلى أن أنقرة تعتقد أخيرًا أن ستوكهولم تحرز تقدمًا نحو تلبية مطالبها. ومع ذلك، من غير المرجح أن يطرح البرلمان التركي انضمام السويد إلى الناتو للتصويت حتى تقدم، وفق التحليل، عدة خطوات.
يجب أن يدخل قانون مكافحة الإرهاب الجديد في السويد حيز التنفيذ في أوائل عام 2023. ويستوجب أن تزيد السويد من تعاونها مع تركيا فيما يتعلق بحزب العمال الكردستاني، مثل إعاقة قدرة المنظمة على جمع الأموال على أراضيها. وأن توضح ستوكهولم إلى أي مدى هي مستعدة للذهاب لفرض أحكام مكافحة التحريض الواردة في مذكرة مدريد. مثل قمع عرض أعلام حزب العمال الكردستاني ورموز أخرى في المظاهرات، أو الحد من التجمعات المؤيدة للحزب. وبالطبع، أن تتوصل ستوكهولم وأنقرة إلى اتفاق بشأن ترحيل أي فرد إلى تركيا.
اقرأ أيضا: كيف استفاد أردوغان من فشل روسيا في أوكرانيا؟
عوامل أخرى
وفق التحليل، هناك ثلاثة عوامل أخرى تلوح في الأفق بشكل كبير في عملية صنع القرار في أنقرة بشأن الانضمام إلى الناتو. أهمها، صفقة بيع طائرات F-16 المقترحة. حيث تولي النخب التركية أهمية كبيرة لطلب أنقرة طائرات مقاتلة جديدة من واشنطن لتحديث الأسطول الحالي للبلاد، لكن البيع لا يزال متوقفًا في الوقت الحالي.
هنا، يشير التحليل إلى أن أردوغان “قد ينظر إلى قدرته على الاعتراض على توسيع حلف الناتو على أنه وسيلة ضغط، لضمان إتمام عملية الشراء”.
أيضا، هناك العلاقات مع روسيا. قد يسعى الرئيس فلاديمير بوتين إلى منع -أو تأخير- موافقة أنقرة على توسع الناتو، من خلال خطوات مثل تقديم قروض سخية وتدفقات مالية كبيرة إلى تركيا التي يعاني اقتصادها من ارتفاع التضخم -حاليًا أكثر من 80%- منذ ما يقرب من عام الآن.
وبينما توقع بعض المحللين انهيار اقتصاد البلاد قبل الصيف الماضي، لكن هذا لم يحدث إلى حد كبير بفضل المساعدة المالية من روسيا. بما في ذلك تحويل بقيمة 5 مليارات دولار لبناء محطة أكويو للطاقة النووية في جنوب تركيا، التي بنتها روساتوم الروسية.
يقول التحليل: تدفقت السيولة النقدية الروسية في جميع أنحاء البلاد، مما وفر شعوراً بالراحة، وسمح للبنوك التركية بتجديد الديون الخارجية، وبالتالي منع الانهيار الاقتصادي. ويمكن لضخ نقود مماثلة، توفر شريان حياة اقتصاديًا في الأشهر المقبلة، أن تؤثر على أردوغان.
العامل الأكثر أهمية داخليا هو الانتخابات التركية. وفقًا للدستور التركي، يجب إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة في البلاد معًا قبل 18 يونيو/ حزيران 2023. ومع ذلك، يتفق المحللون على أن أردوغان قد يختار إجراء انتخابات مبكرة في منتصف مايو/ أيار – وتحديدًا في 14 مايو الذكرى السنوية لأول انتخابات حرة ونزيهة في عام 1950- ليضع نفسه كممثل للناخب العام ضد القوى غير الديمقراطية.
الرغبة في النصر
يدرك أردوغان أن تركيا وأوروبا تتمتعان بعلاقة حب وكره. كذلك، يدرك أيضًا أن الكيانات الموالية له تسيطر على حوالي 90% من وسائل الإعلام التركية.
لذلك، يمكنه تقديم أي تنازلات سويدية لأنقرة، مثل عمليات التسليم المحتملة، أو فك ارتباط ستوكهولم بحزب الاتحاد الديمقراطي، أو قانون مكافحة الإرهاب السويدي الجديد الناتج عنه حملات قمع ضد شبكات حزب العمال الكردستاني في السويد. باعتباره انتصارًا دبلوماسيًا شخصيًا.
ومن المؤكد أن رواية النصر هذه ستعزز شعبية أردوغان في استطلاعات الرأي، من أجل تحقيق أقصى قدر من الدفع السياسي.
ويضيف التحليل: من المرجح أن تفضل واشنطن الابتعاد عن المفاوضات السويدية/ الفنلندية/ التركية. مدركة أن تحميل هذه المحادثات بأعباء العلاقات الأمريكية- التركية، من غير المرجح أن يجعلها أسهل.
ومع ذلك، هناك العديد من الخطوات التي يمكن أن تتخذها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن والتي قد تكون مفيدة. مثل تقديم المشورة إلى ستوكهولم وهلسنكي للتعامل مع أنقرة في مسائل مكافحة الإرهاب وتصدير الأسلحة. وحث هلسنكي على مواصلة السير في عملية العضوية مع ستوكهولم، وذلك -إلى حد كبير- من أجل إبعاد أنقرة عن مفهومها المطروح مؤخرًا بأنه يمكنها التصديق على العضوية الفنلندية مع حجب قرار بشأن السويد، وبالتالي إطالة أمد العملية وتوسيع النفوذ التركي.
أيضا، يوصي المحللون صناع القرار في واشنطن بأن يوضحوا لتركيا بشكل خاص أن عدم التصديق على عضوية فنلندا والسويد في الوقت المناسب سيعقد العلاقات الأمريكية- التركية. مع الاهتمام باستمرار بيع طائرات F-16 الأمريكية قبل الانتخابات التركية العام المقبل.
وأوضحوا: إذا لزم الأمر، يمكن للبيت الأبيض إرسال طلب البيع إلى الكونجرس وإجباره على التصويت. وفي هذه الحالة تكون الطريقة الوحيدة التي يمكن للمشرعين من خلالها منعه، إذا صوت كلا المجلسين “النواب والشيوخ” ضده. وهو أمر لم يحدث في الذاكرة الحديثة.