منذ أن فازت قطر باستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم في عام 2010، عملت القيادة القَطرية على الاستفادة من هذا الحدث الكبير لدفع استراتيجية الأمن القومي لديها.إذ عملت المقاطعة العربية التي فرضت على قطر من قبل أربع دول مجاورة في يونيو/حزيران 2017 على دفع القيادة القطرية إلى التسريع في هذه الخطط، حيث عانت البلاد من العزلة.
تقرير للكاتبة إليونورا أرديماجني، نشر في موقع معهد دول الخليج العربية في واشنطن، قال إن رئيس أركان القوات المسلحة القطرية، أقر في مقابلة أجريت معه عام 2019، بأن التحديات والصراعات المتزايدة في المنطقة، إضافةً إلى انتشار الإرهاب، دفعت قطر لتعزيز مؤسساتها العسكرية والأمنية. وأشار إلى أن هذا يتم من خلال “تنمية العنصر البشري باعتباره المحور الأساسي لتنفيذ استراتيجية الدفاع والأمن”. وفي الوقت ذاته، أشار إلى أهمية التعاون الاستراتيجي “وضرورة تضافر الجهود لتعزيز الأمن والسلام والاستقرار”.
اقرأ أيضا.. سؤال الهوية في كأس العالم
استراتيجية أمنية
وبحسب التقرير وضعت قطر استراتيجية أمنية لجميع جوانب بطولة كأس العالم. كما تم تصميم برنامج أمن وسلامة الجماهير، ليتم من خلاله تدريب أفراد الأمن الحكوميين والتابعين للشركات الخاصة. حيث عقدت برامج محددة ودورات تدريبية وتدريبات مشتركة من أجل بناء قدرات الكوادر الأمنية القطرية. كما أجرى مستشارو الشرطة الأوروبيون واليوروبول “وكالة تطبيق القانون الأوربية” تدريبات لأفراد الأمن للتعامل مع الأزمات المحتملة أو سيناريوهات الطوارئ.
كما أنه من المتوقع أن تستضيف قطر، ذات الثلاثة ملايين نسمة، أكثر من مليون مشجع. نظرًا لعدد سكانها الصغير نسبيًا، ولضمان تأمين هذا الحدث الكبير، كان لا بد لقطر من البحث عن شركاء دوليين. لذلك تم تنظيم عملية درع كأس العالم، التي تضم الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وتركيا وباكستان، لحماية المجال الجوي والمياه الإقليمية لقطر من التهديدات الإرهابية وغيرها.
تدريبات “وطن”
ما بين 23 وحتى 27 من أكتوبر/تشرين الأول عقدت هذه الدول، إلى جانب العديد من الدول الأخرى (ومنها السعودية والكويت والأردن)، تدريبات أمنية مشتركة في قطر للمرة الثانية. شارك في تدريبات “وطن” الأمنية المشتركة 32 ألف عنصر أمني حكومي و17 ألف عنصر من قطاعات الأمن الخاصة.
بالنسبة لكأس العالم، استعانت قطر على نطاق واسع بمصادر أمنية خارجية من الدول الشريكة للتعامل مع نقص العناصر الأمنية لديها، بالإضافة لنقص الخبرة في تأمين الأحداث الدولية الكبرى. وقعت قطر عدة اتفاقيات أمنية مع دول شريكة مع الالتزام بتغطية التكاليف المالية المتعلقة بنشر العناصر الأمنية الأجنبية، في حين ستكون كل وحدة أجنبية تحت قيادة بلدها الأصلي.
على سبيل المثال، ترسل تركيا 3000 عنصر من شرطة مكافحة الشغب للمساعدة في تأمين الملاعب والفنادق، و50 خبير متفجرات، و80 من الكلاب المدربة على الشَّم أو الضبط ومكافحة الشغب. كما ستدعم أنقرة طواقم الأمن القطرية في العمليات الخاصة، وتفكيك القنابل والمتفجرات، والتدابير الأمنية ضد التهديدات الكيماوية والبيولوجية والإشعاعية والنووية. وستقدم الولايات المتحدة العون في التصدي للتهديدات التي تشكلها أنظمة الطائرات المُسيرة.
شراكة تركية
بالإضافة إلى أنه سيتم نشر فرقة مهمات مشتركة من القوات البرية والبحرية التركية، إلى جانب سفينة حربية تركية لتأمين الشواطئ القطرية. ووضعت المغرب خطة لإرسال ما يقدر بنحو 6000 عنصر أمني، مكلفين بشكل أساسي بدعم فرق الاستخبارات والأمن السيبراني. وافقت حكومة باكستان على إرسال قوات عسكرية، تشمل ضباط الجيش والضباط المكلفين الجدد. وعرضت مديرية الأمن الأردنية وظائف في مباريات مونديال قطر لجنود أردنيين متقاعدين تحت سن 45.
كما تلعب الدول الأوروبية كذلك دورا بارزا في دعم طواقم الأمن القطرية. قالت وزارة الداخلية الفرنسية إنها ستقوم بنشر ما يقدر بحوالي 220 من ضباط إنفاذ القانون لتقديم “خبرة عالية المستوى ودعم لوجستي متخصص”، لا سيما رجال الشرطة المتخصصين في العمليات البوليسية المضادة للطائرات المُسيرة وعمليات إزالة الألغام. تساعد بريطانيا في الأعمال البوليسية البحرية والجوية. إذ سيتم تشغيل سرب تايفون، والذي تأسس في عام 2020 في بريطانيا بشكل مشترك من قبل عناصر سلاح الجو الملكي والقوات الجوية الأميرية القطرية، من قاعدة كونينجسبي التابعة لسلاح الجو الملكي، وسيركز السرب نشاطه على مكافحة الإرهاب من خلال عمليات أمنية جوية.
جهود جوية مشتركة
ورغم الشراكة، أكد بيان لوزارة الدفاع البريطانية أن القوات الجوية الأميرية القطرية هي التي ستشرف على الأمن الجوي في نهائيات كأس العالم. وستشارك إسبانيا وإيطاليا كذلك في الجهود الأمنية، حيث تساهم مدريد بـ 115 من ضباط شرطة مكافحة الشغب، وستقوم روما بتوفير 560 جنديًا من القوات المسلحة وقوات شبة المسلحة التي تسمى الكارابينيري، مع 46 مركبة برية وسفينة وطائرتين.
بالنسبة لقطر، توفر استضافة كأس العالم فرصة غير مسبوقة لبناء خبرة أمنية محلية أقوى من خلال برامج التدريب والمناورات المشتركة وتبادل المعرفة. صرحت عضو البرلمان الفرنسي أميليا لكرافي (Amélia Lakrafi)، “تتمثل الفكرة في أنه سيكون هناك تبادل للمهارات”. ويتعلق هذا بشكل خاص بالعمل البوليسي وبالتهديدات غير التقليدية كذلك.
تحسين القدرات الشرطية
فعلى سبيل المثال، قام حلف الناتو وسلوفاكيا بتدريب القوات القطرية على مواجهة التهديدات التي تشكلها المواد الكيماوية والبيولوجية والإشعاعية والنووية. وقدمت رومانيا التدريب لحماية الشخصيات البارزة والتصدي للتهديدات الناجمة عن العبوات المتفجرة بدائية الصنع.
منذ أن تم تكليفها بهذا الحدث في عام 2010، ركزت قطر على تحسين قدراتها البوليسية. وتم إطلاق مشروع ستاديا التابع للإنتربول في عام 2012. بتمويل من الدوحة، عمل المشروع، الذي استغرق 10 سنوات، على إنشاء مركز امتياز لمساعدة الدول الأعضاء على التعامل مع الاستعدادات البوليسية والأمنية للفعاليات الرياضية الكبرى، مع إنشاء شبكة من الخبراء في المجال الأمني في الوقت ذاته. أجرت أكاديمية الشرطة الوطنية التركية تدريبات، وقدمت دورات لتدريب 960 ضابط شرطة قطريًا قبل كأس العالم.
تبادل المعلومات
وتضمنت التدريبات تحليل السلوك وإدارة الأزمات، ومكافحة جرائم الكراهية، وسلامة الرياضة والحفاظ على النظام العام في المناسبات الاجتماعية. كما استضاف المعهد الملكي للشرطة المغربية بالقنيطرة وفدًا أمنيًا قطريًا لحضور ندوات حول إدارة الحشود الجماهيرية وحماية الشخصيات رفيعة المستوى. في مايو/آيار، وعمل مؤتمر “الميل الأخير لبطولة كأس العالم لكرة القدم 2022” على جلب ممثلين أمنيين من الـ32 دولة، التي تأهلت منتخباتها للمشاركة في كأس العالم، إلى الدوحة.
كذلك أسس المؤتمر مركز التعاون البوليسي الدولي لتبادل المعلومات والإشراف على الأنشطة الشرطية أثناء البطولة. ويتم الإشراف على غرفة العمليات هذه من قبل اللجنة العليا للمشاريع والإرث برئاسة رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية القطري خالد بن خليفة بن عبد العزيز آل ثاني.
القومية الاجتماعية
يوفر كأس العالم فرصة لقطر لتقديم نفسها كأمة في رسالة للجمهور المحلي والدولي على حدٍ سواء. ولهذا أطلق قادة قطر على التدريبات الأمنية المشتركة اسم “وطن”. على مدار العقد الماضي، كان بناء الأمة يمثل أولوية بالنسبة لأمير قطر وللحكومة (ويتضح ذلك في رؤية قطر الوطنية 2030)، خاصة منذ عام 2017. مع هيمنة الوافدين على السكان، أصبح المواطنون القطَريون يمثلون أقلية في بلدهم. ولاحظ بعض المحللين أن منتخب كرة القدم القطري للرجال يشكل مثالًا على “القومية الاجتماعية“، وهو مفهوم للقومية يتم تعريفه من خلال “الروابط الاجتماعية والثقافة بدلاً من العِرق المشترك”، وهذا يمثل نموذجًا مصغرًا يعكس المجتمع القطري.
من خلال هذه الصياغة، كان قرار التجنيد المرتبط بتنظيم كأس العالم أحد أوضح الإجراءات العلوية التي تربط بين مفهومي الأمن وبناء الأمة في استضافة كأس العالم (تم إقرار الخدمة العسكرية الإجبارية في عام 2013). تشمل العناصر الأمنية القطرية المدنيين الملتحقين بالخدمة العسكرية الإلزامية والدبلوماسيين العائدين من الخارج. يحضر المجندون إلى معسكر الخدمة الوطنية خمسة أيام في الأسبوع، ويحضرون الدورات التدريبية التي يجريها مسئولون من اللجنة العليا للمشاريع والإرث.
ووفق تقرير لرويترز، أخبر هؤلاء المسئولون المجندين أن “واجبهم الوطني” يقتضي تقديم المساعدة أثناء نهائيات كأس العالم. ولضمان الأمن الوطني، وخاصة عند استضافة الأحداث الدولية الكبرى، تحتاج قطر إلى الخبرة التقنية والمساعدة من جانب الشركاء؛ ومع ذلك، لن يكون هذا كافيًا دون شعور بالانتماء المجتمعي الواسع النطاق.