في التاسع من أبريل عام 2003 دخلت القوات الأمريكية مدعومة بحلفائها من البريطانيين والاستراليين، العاصمة العراقية بغداد، دون أي مقاومة تُذكر، بعد حملة عسكرية ضخمة استمرت 19 يومًا فقط، وحملت شعار “الصدمة والترويع”.

sss

في مشهد احتفالي لا يُنسى، كان بمثابة تتويج للغزو الذي عارضته معظم دول العالم، أطاح الجنود الأمريكيون والحشود الهائلة من العراقيين بتمثال الرئيس العراقي الراحل صدام حسين من “ساحة الفردوس” في بغداد، وهو المشهد الذي كان إيذانًا ببدء عصر جديد من الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط.

 

اقرأ أيضًا: كتائب «حزب الله العراق».. هل تشعل فتيل الحرب بين إيران وأمريكا؟

منذ ذلك اليوم، أصبح تاريخ “سقوط بغداد” من أهم وأخطر الأحداث التي غيّرت وجه تاريخ المنطقة العربية، بل والعالم بأسره، وذلك على مدار 17 سنة من التطورات السياسية الكبرى في الشرق الأوسط، كان أبرزها تجذر الوجود الإيراني في البلاد، وظهور تنظيم “داعش” الذي غيّر خارطة دولتين في المنطقة هما العراق وسوريا، إلى حين، وهي التطورات التي كان لها اتصال مباشر ومستمر بذكرى سقوط عاصمة الخلافة العباسية، وإحدى أعرق حواضر العالم.

“سقوط بغداد” من أهم وأخطر الأحداث التي غيّرت وجه تاريخ المنطقة العربية، بل والعالم بأسره

رغم انسحاب القوات الأمريكية مؤقتًا عام 2011 من العراق، إلا أن ما خلفه الغزو من ويلات الحرب ما تزال آثاره مستمرة حتى هذه اللحظة، بعد أن فتح الاحتلال الأبواب أمام ظهور الميليشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية، وتحويل العراق إلى ساحة للحرب الأهلية، وتصفية الحسابات الدولية، إضافة لدعم عمليات الفساد والجريمة، فضلًا عن انتشار البطالة وتردي الأوضاع المعيشية في البلاد.

ورغم مرور أكثر من 17 عاما على البيان الرافض للغزو الأمريكي للعراق، إلا أن الولايات المتحدة مازالت تدفع ثمن الأخطاء التي ارتكبتها إدارة الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش حتى الآن.

وبحسب تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية فإنه في 26 من شهر سبتمبر 2002، نُشر إعلان في الصفحات الافتتاحية لصحيفة The New York Times، وقع فيه 33 باحثًا في العلاقات الدولية على خطاب مفتوح يعارضون فيه الغزو الأمريكي الوشيك للعراق.

 

السؤال هو: ما التبعات والنتائج التي ترتبت على سقوط بغداد، وكيف يؤثر ذلك السقوط على الأوضاع كافة في البلاد حتى الآن، خصوصًا بعد خروج الشباب العراقي منذ أكتوبر 2019 إلى الشوارع، بشكل أساسي، للمطالبة بإنهاء النظام السياسي العراقي الحاكم منذ عام 2003، وإنهاء النفوذ الأمريكي والإيراني على السياسة العراقية، ماذا لو لم تغزو أمريكا العراق؟

اقرأ أيضًا: «عصبة الثائرين».. ماذا وراء التنظيم المسلح الجديد في العراق؟

الطوفان قادم

وبحسب المجلة الأمريكية، كانت التكاليف المالية والبشرية للحرب فلكية. ويؤكد مشروع “تكاليف الحرب” الذي أجرته جامعة براون على أنَّ الولايات المتحدة أنفقت أكثر من 800 مليار دولار على المخصصات المباشرة للحرب في العراق حتى عام 2016، مع طلب المزيد من المليارات منذ ذلك الحين.

 

وتختلف التقديرات بشأن أعداد القتلى نتيجة غزو العراق واحتلاله، خاصة أنها تستند إلى تقارير مجزأة حول الحد الأدنى من الوفيات المؤكدة. وقدَّرت دراسات علمية أن 655 ألف عراقي قضوا نحبهم في السنوات الثلاث الأولى من سقوط بغداد، ولحقهم حوالي مليون شخص بحلول سبتمبر 2007. واستمر عنف التصعيد أو «الاندفاع» الأمريكي في عام 2008، واستمر الصراع متقطعًا من عام 2009 حتى عام 2014. وبعد ذلك وفي حملتها الجديدة ضد “داعش”، أمطرت الولايات المتحدة وحلفاؤها المدن الكبرى في العراق وسوريا بوابل من القنابل يزيد عددها عن 118 ألف قنبلة، وصبوا عليها أعنف قصف مدفعي منذ حرب فيتنام. وحوَّلوا الكثير من مدينة الموصل والمدن العراقية الأخرى إلى أنقاض، وتوَّصل تقرير استخباراتي عراقي كردي أولي إلى أن أكثر من 40 ألف مدني قُتِلوا في الموصل وحدها.

لذلك، لم ينس العراقيون ذكرى سقوط بغداد في مشاركاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وتصدرت عدة “هاشتاجات” تذكر بالمناسبة موقع “تويتر”،. وغلبت المرارة على تغريدات العراقيين الذين تحدثوا عن ذكرياتهم في ذلك اليوم #الذكرى_17_لاحتلال_العراق .

ولأن تفشي فيروس “كورونا” أجبر العراقيين على مغادرة ساحات الاحتجاج، انتقلت الاحتجاجات إلى منصات التواصل الاجتماعي، حيث أعرب الشباب عن غضبهم في ذكرى سقوط بغداد. وقال أحد الأكاديميين العراقيين “د.عمر حامد شكور”:

 

من جهته، قال الإعلامي عمر الجنابي في تغريدة على موقع تويتر 

 

فيما قال مغرد آخر يدعى “طلال المشري”

وقال المغرد “عراقي للنخاع”

 

وعلى عكس السنوات الماضية، وبعد مطالبة العراق رسميًا للولايات المتحدة بسحب قواتها التي كانت تحارب “داعش” من البلاد، اختفت كليًا مطالبات القوى والتنظيمات الشيعية بتحويل هذا اليوم إلى عطلة رسمية بوصفه من المناسبات “الوطنية”، حيث ترفع هذه القوى اليوم شعار “مقاومة الأمريكيين”، خصوصًا بعد التصعيد العسكري الأخير، والقصف المتبادل بين جماعة “حزب الله العراق” وقوات التحالف الدولي.

من أطلق “الوحش الطائفي”؟

في مقال مشترك، نشره موقع «تروثديج» الإخباري مؤخرًا، رصد الكاتبان الأمريكيان ميدي بنجامين ونيكولاس ديفيز، الآثار المترتبة على غزو العراق من قبل أمريكا وحلفائها، وكيف أخرج الاحتلال الأمريكي “الوحش الطائفي” من القمقم عن عمد، وفق سياسة «فرِّق تسد».

رصد كاتبان أمريكيان الآثار المترتبة على غزو العراق من قبل أمريكا وحلفائها، وكيف أخرج الاحتلال الأمريكي “الوحش الطائفي” من القمقم عن عمد، وفق سياسة «فرِّق تسد»

ويقول الكاتبان: “لقد عاشت المجموعات العِرْقية المختلفة جنبًا إلى جنب في الأحياء المختلطة، بل وتزاوجت من بعضها البعض. ويخبرنا الأصدقاء المنحدرون من آباء مختلطين من الشيعة والسنة أنه قبل الغزو الأمريكي، لم يعرفوا حتى أيَّ الوالدين من الشيعة وأيَّهم من السنة. ولكن بعد الغزو، مكَّنت الولايات المتحدة طبقة شيعية جديدة بقيادة المنفيين السابقين المتحالفين مع الولايات المتحدة وإيران”.

ويضيف الكاتبان: “أدى قلب ميزان القوى إلى موجات من العنف الطائفي المرعب، لا سيما التطهير العِرْقي من قِبل “فرق الموت” التابعة لوزارة الداخلية تحت قيادة الولايات المتحدة. كما أدَّت الانقسامات الطائفية التي أطلقتها الولايات المتحدة في العراق إلى عودة تنظيم «القاعدة» وظهور «داعش» التي تسببت في الدمار في جميع أنحاء المنطقة بأكملها”.

من جانبه، يرى غريغوري لوكيانوف، الخبير في “المجلس الروسي للشؤون الخارجية”، أن الاحتلال الأمريكي ألحق ضررًا لا يمكن إصلاحه بالعراق في جميع مجالات الحياة في البلد والمجتمع.

وقال لوكيانوف: “لقد عانى العراق من ضرر لا يمكن إصلاحه. هذا، أولًا وقبل كل شيء، ضرر للنظام السياسي. لم يأخذ النموذج السياسي الأمريكي الذي تم تقديمه على الإطلاق التفاصيل الإقليمية بالاعتبار. وكان هذا هو السبب في عدم استعادة السلام في البلاد، حيث ظهرت الصراعات الداخلية على نطاق أوسع. بالإضافة إلى ذلك، تم الكشف عن عدم المساواة في المناطق بشكل واضح”.

وفي إطار حديثه عن مدى الضرر الذي أصاب العراق في مجال السياسة والحكم منذ احتلال بغداد، قال لوكيانوف: “إن ضمورًا كاملًا للحكم السياسي حدث في البلاد بعد عام 2003، حيث تم تشكيل الحكومة تحت سيطرة أمريكية مشددة. لذلك، فإن النخب العراقية الحديثة بشكل عام ليس لديها خبرة في الحكومة، والاحتجاجات الحالية المناهضة للحكومة في العراق هي صدى للتدمير الأمريكي لنخب الحكومة”.