عادت موجة الخصخصة من جديد وسط جدال لا يتوقف، بين من يراها قد تنقذ الاقتصاد من أزمته الراهنة وآخرون يعتبرونها ليست حلا. ذلك بعد أن جربتها مصر في عقد التسعينيات وخلفت وراءها تشريدا للعمال وإهدارا لشركات قطاع عام.
في هذا الملف يطرح “مصر 360” تساؤلات عديدة حول هذه القضية الشائكة، وعلاقة وثيقة ملكية الدولة بعودة الخصخصة، وأين تذهب حصيلتها المالية. وكذا حدود المساءلة حول تقييم شركات القطاع العام التي تُطرح لهذه العملية.
كما يرصد الملف الآثار الاجتماعية لخصخصة القطاع العام، وكيف تتمدد الخصخصة إلى الخدمات العامة، وما هو دور صندوق مصر السيادي فيها. وهو يعتمد في ذلك على آراء وتحليلات كتابه من الخبراء بهذا الملف.
للاطلاع على الملف كاملًا..
خصخصة التسعينيات
يستعرض محمد حميد المحرر الاقتصادي بـ “مصر 360″، في تقارير ثلاثة، الخصخصة التي عرفتها مصر في تسعينيات القرن الماضي، وتأثيراتها على المواطنين.
وكانت الخصخصة إحدى الركائز الأساسية لبرنامج الإصلاح الاقتصادي والتكيّف الهيكلي الذي أطلقته مصر في العام 1991. وذلك ضمن محاولاتها وفق “تصورات” القائمين على الحكم آنذاك لمواجهة الظروف الاقتصادية الصعبة التي عايشتها وقتها. ونتيجة لهذا البرنامج تم بيع 382 مؤسسة مملوكة للدولة، بعضها خصخصة كلية وأخرى جزئية. فيما بلغ إجمالي حصيلة بيع الشركات العامة بموجب برنامج الخصخصة 57.4 مليار جنيه مصري (حوالي 9.4 مليار دولار تقريبًا) حتى عام 2009، وفق إحصائيات البنك الدولي.
وقد شاب برنامج الخصخصة -الذي اعتمدته مصر في التسعينيات وأوقفته مؤقتًا بعد ثورة يناير كثير من الفساد، في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك “1981-2011″، قبل أن تعود إليه مجددًا في صورة سياسة طرح الشركات للاستحواذات.
وفي تقاريره، يستعرض المحرر أبرز الشركات التي تعرضت لخصخصة التسعينيات، وما آلت إليه أحوالها، متطرقًا إلى ما أهدر من أموالها بفعل الفساد الذي شاب صفقات البيع هذه.
بينما يحاول تتبع الأموال من حصيلة خصخصة الشركات الحكومية حتى الفترة قبل ثورة يناير 2011، متطرقًا إلى حصيلة البيع في 2022، والتي وجه أغلبها لسداد أقساط وفوائد الديون، كاشفًا كيف أفقدت هذه السياسة نصف مليون مصري وظائفهم حتى العام 2003.
وثيقة ملكية الدولة
وفي تقريره عن “وثيقة ملكية الدولة.. هل عاد زمن الخصخصة من جديد؟”، يقول محمد حميد، إنه منذ أن كُشف عن وثيقة ملكية الدولة في مايو/ أيار الماضي، تُحاول الحكومة بث الطمأنينة عبر تصريحات المسئولين بأنها ليست عودة لبرنامج الخصخصة، أو وجود نية لاستكمال بيع الأصول المملوكة لها.
ويضيف أنه بعيدًا عن التوصيفات، فإن تخارج الدولة، يعني الإقرار بإنهاء إدارتها للأصل. سواء كان شركة، أو غيرها من تلك الأصول التي ستدور عليها دائرة الخصخصة.
وقد قسمت وثيقة ملكية الدولة القطاعات الاقتصادية إلى ثلاث فئات. أعطت لكل منها لونها الخاص، بينما كان الأحمر يُشير للقطاعات التي ستتخارج الدولة منها نهائيًا، والأخضر يعني استمرار الدولة في الاستثمار لأسباب اجتماعية واستراتيجية، والأصفر يساوي مشاركة الحكومة مع القطاع الخاص في التمويل والإدارة.
وحددت الوثيقة آليات هذا التخارج أو الشراكة مع القطاع. فيما أشارت إلى أن 50% من استثمارات الحكومة وجهت إلى البنية التحتية والتعليم والصحة.
معايير تخارج الدولة من القطاعات:
1. تصنيف السلعة أو الخدمة، وما إذا كانت ذات علاقة بالأمن القومي (بما في ذلك السلع المرتبطة بالاحتياجات اليومية للمواطن).
2. أهمية دخول الدولة كمنظم وممول وداعم للصناعات المستقبلية التكنولوجية ذات الصلة بالثورة الصناعية الرابعة لتوطينها في مصر.
3. مدى جاذبية القطاع/ النشاط للاستثمارات الخاصة.
4. تمكين الاستثمارات الخاصة، مع السماح بتعزيز فرص التكامل الممكنة مع الاستثمارات العامة.
5. تخارج الدولة من الصناعات/ القطاعات المشبعة سوقها، والتي لا تحتاج إلى دعم الدولة.
6. مستوى ربحية الأصول المملوكة للدولة.
لكن رغم تلك التطمينات التي تبثها الحكومة، فإن خطتها تكشف عن حقيقة واحدة؛ وهي الحصول على 40 مليار دولار عبر تسييل أكبر قدر ممكن من الأصول المملوكة لها. سواء عبر البيع المباشر أو التنازل عن حق الإدارة والتشغيل لشركات خاصة.
وقد أعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، أن الحكومة تهدف إلى الحصول على 10 مليار دولار سنويًا كنتيجة لتلك الوثيقة المعلَّنة. وحتى تُنفذ تلك العملية، سيكون لصندوق مصر السيادي دور كبير فيها، وفق ما أكده الرئيس التنفيذي للصندوق أيمن سليمان.
ويعزز ذلك شرح الدكتور فخري الفقي، رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، بأن صندوق مصر السيادي سيكون ترس الحكومة في عملية بيع الأصول أو عقد الشراكات خاصة مع الصناديق المالية العربية.
ووفقًا للفقي، ينصب تفكير الحكومة على توحيد جهة واحدة تؤول إليها بعض الأصول والممتلكات والشركات المملوكة للدولة لتكون هي المسئولة عن استثمارها أو بيعها، وسيكون هذا هو دور الصندوق السيادي.
ويتماشى هذا مع إنشاء صندوق مصر السيادي صندوق فرعي، تكون مسئوليته تسريع عملية برنامج الطروحات الحكومية في البورصة، ذلك أنه سيتولى عمليات طرح الأصول المصرية للشراكة مع القطاع الخاص خلال الفترة المقبلة، بالتنسيق مع هيئة الرقابة المالية وعدد من المؤسسات الدولية.
خصخصة الخدمات العامة
في تقريره عن “صندوق مصر السيادي”، يستعرض الكاتب لؤي هشام، الاتجاه المتسارع نحو خصخصة الخدمات العامة في مصر. بما يشمل الاستثمار في المياه والقطاعين التعليمي والصحي. وهو يتطرق إلى الأعباء التي قد يفرضها هذا على الرسوم المدفوعة من قبل المواطن للتمتع بهذه الخدمات.
ويقول الكاتب إن “صندوق مصر السيادي” يشرح الكثير عن فلسفة الدولة في التعامل مع جهازها البيروقراطي، الذي يُنظر إليه على أنه ضعيف وعاجز ومليء بالتقييدات. وبالتالي استحداث جهاز إداري جديد وموازٍ يتمكن من تحقيق نمو اقتصادي.
ويرى عمرو عدلي، أستاذ الاقتصاد السياسي بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، أن الصندوق أقرب إلى أن يكون جهة إدارية جديدة منها إلى صندوق سيادي. ويُؤمل أن يعرف المستثمر التعامل معه. وهو “مزيج بين وزارة الاستثمار ووزارة قطاع اﻷعمال لكن له ولاية قانونية أوسع”.
وبتعبير عدلي، فإن عملية “إعادة الترتيب اﻹداري” هذه ترتبط بإيجاد وسائل إدارية تسهل التعامل مع المستثمرين، عبر جهة إدارية تتمتع بولاية قانونية كبيرة، وتعمل كذراع ممركزة تتصل مباشرة بالسلطة التنفيذية وتملك من الموارد ما يتيح لها اتخاذ قرارات استثمارية.
على جانب آخر، يعبّر الصندوق السيادي عن فلسفة التشريع المتبعة في الأعوام الأخيرة. وهي قائمة على استحداث المزيد من الصناديق “المغلقة” (كصندوق تحيا مصر وصندوق الوقف الخيري). والتي لا يُعرف حجم أموالها بشكل شفاف وكذلك أوجه إنفاقها. وهو ما توفره البنود التشريعية في قوانين تلك الصناديق من غياب للرقابة البرلمانية والقضائية.
وأعفى القانون المعاملات البينية للصندوق والكيانات المملوكة له بالكامل من كافة الضرائب. ولا تسري هذه اﻹعفاءات على توزيعات اﻷرباح أو الصناديق الفرعية أو الشركات التي يساهم فيها الصندوق دون أن يمتلكها بشكل كامل. بل أن الصندوق السيادي مُحصّن كذلك من الطعن في عقوده.
أصول ضخمة
وقد توسع الصندوق السيادي حاليًا في استثماراته في الصحة والتعليم والمياه والكهرباء والبنية التحتية والسياحة والآثار والطاقة المتجددة وصناعات السكك الحديدية وقطاع المصارف والخدمات المالية الإلكترونية، ويسعى للدخول في القطاع الصناعي.
واستحوذ على العديد من الأصول مثل مبنى مجمع التحرير، ومبنى وزارة الداخلية. بالإضافة إلى مبنى الحـزب الوطني، وأرض ومباني المدينة الاستكشافية، ومبنى القرية الكونية بمدينة السادس من أكتوبر. فضلًا عن أرض ومباني ملحق معهد ناصر، وأرض حديقة الحيوان بطنطا. وكذلك تطوير “باب العزب” كحي أثري سياحي. إضافة إلى توليه طرح شركات تابعة للقوات المسلحة –”وطنية” و”صافي”- في البورصة.
بديل للخصخصة
يستعرض محمد سيد أحمد المحرر الاقتصادي بـ “مصر 360″، الطروحات الحكومية بالبورصة المصرية، مستعرضًا مستهدفاتها التي تشمل تنشيط البورصة، ورفع نسبة التداول بها، وتوسيع قاعدة الملكية. مع تحقيق قدر أكبر من الحوكمة في إدارة تلك الشركات، بجانب الاستغلال الأمثل للأصول.
ويقول أن تلك الأهداف تجعل برنامج الطروحات الجديد بعيدًا عن الخصخصة الذي أنتجته الدولة في التسعينيات. فالطرح في البورصة لا يعني استحواذ مساهم واحد على الشركة ويفتحه أمام جمع الراغبين في الشراء. كما يضمن تقييمًا عادلا ونزيها لقيمة السهم.
ويضيف أن الطروحات في البورصة تسمح بدرجات مرتفعة من الشفافية. إذ تقتضي قواعد القيد إفصاح الشركات عن أي أحداث جوهرية تمر بها أو أي قرارات استراتيجية لمجلس إدارتها. ودعوة جمعيتها العمومية للانعقاد بصورة دورية عادية أو غير عادية “طارئة”، حسبما تقتضي الحاجة.
كما يسمح القيد في البورصة للمساهمين بسحب الثقة من مجالس الإدارة حال فشلها في تحقيق أهدافها. والإعلان عن نتائج الأعمال تفصيليًا، فيما يتعلق بالإيرادات والمصروفات وصافي الأرباح أو الخسائر كل ثلاثة أشهر.
وفيما يتطرق المحرر إلى الشركات المستهدفة بالطروحات الحكومية، يستعرض كيف أن الطرح بالبورصة قد يكون سبيلًا جيدًا للحيلولة دون اللجوء إلى سياسة الخصخصة بغرض تنمية موارد الدولة عبر الاستخدام الأمثل للأصول، ودعم سوق المال باستقطاب شرائح وفئات جديدة من المستثمرين.
فوفق الخبراء، تفتح الطروحات أمام الحكومة مجالًا للقيام بدورها الأساسي في الرقابة على الأسواق وعدم مزاحمة القطاع الخاص. كما توفر الطروحات سيولة للشركات عبر زيادة رأس المال التي تسمح لها بالحصول على أموال من البورصة دون تحميلها أعباء الفائدة حال تعاملها مع البنوك أو بمعنى آخر تمويل دون أعباء مستقبلية.
القطاع العام
في تقريره عن “هل تلجأ الحكومة لخصخصة الإدارة لإصلاح القطاع العام؟”، يتطرق المحرر الاقتصادي محمد سيد أحمد، إلى أداء مجالس إدارات الشركات الحكومية الذي قد يؤول بها في نهاية المطاف إلى الخصخصة.
وهو يستعرض مفهوم خصخصة الإدارة (بقاء حقوق الملكية في يد الدولة وترك حق التشغيل فقط للقطاع الخاص)، باعتبارها سياسة مفيدة في حالة تنشيط الشركات الخاسرة، بضخ فكر جديد في الإدارة لديه رغبة في العمل. ذلك لأن مكاسبه لن تتحقق إلا بتحقيق صافي ربح جيد.
بينما يتطرق إلى الأزمات التي يعانيها القطاع العام في مصر، وكيف يمكن معالجتها دون اللجوء إلى الخصخصة. ويوضح أن الاستعانة بالشركات الخاصة في الإدارة يجب أن يتم وفق قواعد محددة تضمن عدم تضارب المصالح، وتمنع ألا تتعمد تلك الشركات تعميق خسائر الشركات الحكومية من أجل زيادة مكاسب شركاتها الخاصة حال عملها في القطاع ذاته.
ويضيف أنه يفترض لعملية الاستعانة بشركات في الإدارة أن تكون لها صفة الاستقلالية. ذلك مع تعيين مراجعين حسابات حكوميين لمتابعة الأداء أولاً بأول.
فيما يتناول آراء بعض الخبراء الاقتصاديين حول طرح حصص من شركات القطاع العام بالبورصة، على أنه وسيلة لتحسين إدارة تلك الشركات. إذ يسمح بتمثيل المشترين في مجالس الإدارات وإجبارها على إصدار تقارير بنتائج الأعمال بصورة ربع سنوية. ما يدفع بتجديد الإدارات باستمرار.