استضافت مصر هذا العام مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي.. والمساحات الخضراء والأشجار هي في صلب مسألة المناخ، فالأشجار تمثل أداة حيوية لمواجهة آثار التغير المناخي. ولكن نصيب المواطن المصري من المساحات الخضراء أقل بكثير من المعدلات العالمية المثلى.
لذلك صدر عن مركز التنمية والدعم والإعلام “دام” ورقة جديدة بعنوان “الأخضر في مصر: بين زحف الإسمنت وزحف الأرباح“، يناقش فيها الباحث ماريو ميخائيل السياسات العمرانية المتعلقة بالمساحات الخضراء والأشجار وارتباطها بالشفافية والعدالة.
للاطلاع على الورقة كاملة..
غياب الحوار المجتمعي
هناك نقص حاد في المساحات الخضراء منذ عقود بمصر. ولقد شهدت البلاد في السنوات الأخيرة إزالة مساحات خضراء وقطع أشجار من شوارع المدن، بهدف التوسع في إنشاء المحاور والطرق.
السياسات الساعية لتطوير المدن في الآونة الأخيرة كانت تسعى لتحقيق توازن بين زيادة المساحات الخضراء وتطوير الطرق. ولكن شاب تلك السياسية بعض العيوب التي أثرت سلبًا على تفاعل السكان مع أحيائهم. فلقد تمت إزالة مساحات خضراء لها أهمية تاريخية وثقافية وصحية لسكان المناطق، مثلما حدث في مصر الجديدة والمعادي وغيرها بالقاهرة.
للاطلاع على الورقة كاملة.. اضغط هنا
جزء من مساعي الحكومة للتعويض عن قطع الأشجار هو زيادة المساحات الخضراء والأشجار في المناطق الجديدة. ولكن المساحات الخضراء والأشجار في أحياء المدن المصرية التاريخية لها أثر بيئي هام إلى جانب أنها تعبر عن الهوية المعمارية لتلك الأحياء، وهي جزء لا يتجزأ من تاريخ تلك الأحياء. وتلك الأحياء في حاجة إلى وجود كل مساحة خضراء ممكنة. خاصة مع عدم تناسب المساحات الخضراء مع عدد السكان. لذلك، فإن زراعة أشجار في المناطق الجديدة فقط لا يكفي وقد لا يحقق التوازن المطلوب.
وإن كانت هناك حاجة ملحة لنزع الأشجار، فيجب أن تتم بعد حوار مجتمعي مع أهالي المناطق للوصول إلى الحل الأمثل. فربما قد تكون هناك بدائل لقطع الأشجار إذا كانت الأشجار ستشكل خطرًا على المواطنين أو ستتسبب في مشكلات في البنية التحتية.
وإن كان قطع الأشجار هو الحل الوحيد، فيجب أن ينفذ عبر عمليات شفافة توضح للمواطنين أسباب قطع الأشجار وعقب حوار مع المواطنين لمناقشة البدائل.
للاطلاع على الورقة كاملة.. اضغط هنا
غياب الحوار المجتمعي أوصل المصريين أيضًا إلى مشاعر القلق حول مساحاتهم الخضراء. ما فتح المجال لانتشار معلومات مغلوطة حول بعض المشاريع. فبعض مشاريع التطوير مثل حدائق أنطونيادس في الإسكندرية لم تكن تتضمن قطع أشجار. ولكن عندما رأى سكان المناطق الجرارات شعروا بالقلق فظهرت التكهنات. خاصةً مع قطع الأشجار في مناطق أخرى سابقًا.
ويرجع انتشار تلك الأنباء غير الدقيقة إلى عاملين؛ الأول هو غياب الشفافية في أعمال التطوير، والثاني ضعف التواصل بين المسئولين والمواطنين.
وجميع تلك الأزمات ظهرت لأن مشاريع التطوير التي تضمنت إزالة مساحات خضراء وأشجار – أو التي لم تتضمن- كانت تتم بشكل مفاجئ وبلا حوار مجتمعي مطول أو شفافية كافية.
اقرأ أيضًا: 6 توصيات من «مركز التنمية والدعم والإعلام» للتغلب على تراجع المساحات العامة
غياب “العدالة الخضراء”
بالإضافة إلى نقص المساحات الخصراء، يضع غياب العدالة في المساحات الخضراء المصريين غير القادرين ماديًا أمام عقبات مالية كبيرة لتوفير تذاكر الدخول للأماكن التي قد تكون باهظة الثمن أو الدفع في وسائل مواصلات مكلفة للوصول إلى المتنفس الأخضر المتاح، ذلك بسبب سوء توزيع الحدائق. هذا فضلًا عن انتشار المشاريع الخدمية الخاصة بدلًا من المرافق العامة المجانية.
إن استغلال المساحات الخضراء العامة في مشاريع أو لأغراض ربحية مثل تأجيرها لمستتثمرين مثل حديقة السواح أو استغلال المساحات لبناء مطاعم وكافيهات مثل حديقة الميريلاند، يضع عوائق أمام المواطنين الراغبين في التمتع بمساحاتهم الخضراء، ويجعل الأمر محصورًا في القادرين ماديًا.
ويتضح غياب العدالة أيضًا في التوزيع الجغرافي للحدائق. حيث أن هناك مناطق داخل المحافظات تكثر فيها الحدائق ومناطق أخرى تندر وتكون مساحاتها محدودة. وهو ما يظهر كذلك في سوء التوزيع بين المحافظات، فالحدائق مثلًا تتركز بنسبة أكبر في القاهرة والإسكندرية، بينما تقل في المحافظات الأكثر تهميشًا.
للاطلاع على الورقة كاملة.. اضغط هنا
تكلفة اقتصادية بالغة
الاستمرار بتقليص المساحات الخضراء وعدد الأشجار في بعض المناطق بالمدن سيفاقم من كارثة تلوث الهواء التي تكلف الدولة وتؤثر على الصحة العامة.
يقول البنك الدولي في 2016/ 2017 إن تلوث الهواء في القاهرة الكبرى فقط يكلف 47 مليار جنيه سنويًا. وهذا الرقم يعادل نسبة 1.35% من الناتج المحلي الإجمالي. كما أن التعرض للملوثات تسبب في 12.6 ألف حالة وفاة سنويًا. فكانت نسبة الوفيات من أمراض القلب والصدر 59% والالتهابات الحادة في الجهاز التنفسي 14% و13% سكتات دماغية، و14% من الوفيات نتجت عن سرطان الرئة وأمراض الرئة والسكري.
كما توصلت دراسة في 2018 إلى أن القاهرة هي المدينة الأكثر تلوثًا في العالم (2018, Conca). لذلك تلوث الهواء يمثل أزمة كبيرة تواجهها المدن المصرية. ولكن الجدير بالذكر بأن وزيرة البيئة في 2021 قالت إن أحمال تلوث الهواء انخفضت في القاهرة بنسبة %25 (العراقي، 2021). مما يوضع بأن هناك تحسنا، ولكن ال تزال أزمة تلوث الهواء باقية.
اقرأ أيضًا: تجريف وخنق مصر لمصلحة من؟!
توصيات
يقول الباحث ماريو ميخائيل إن حل أزمة تناقص المساحات الخضراء في مصر لا يأتي بالتوقف عن مشاريع التطوير، بل بتحسين عمليات التطوير؛ لدمج سكان الأحياء وخاصة الفئات الأكثر حاجة في المناطق الأكثر تهميشًا في تلك المشاريع. مقدمًا عددًا من التوصيات لتحقيق ذلك، تشمل:
– أن يأتي قطع الأشجار وتقليص المساحات الخضراء كخيار أخير، يُلجأ إليه في حالات الضرورة القصوى، بحيث تكون جميع الحلول الأخرى قد استنفدت. وفي حال إزالة مساحات خضراء أو قطع أشجار يجب أن تتم العملية بعد إجراء حوار مجتمعي مطول مع أهالي المنطقة المتضررة والخبراء، تناقش فيه جميع البدائل الممكنة لتجنب الإزالة أو تعويض الضرر الناجم عنها، بالإضافة إلى تحقيق الشفافية الكاملة عن طريق توفير المعلومات حول الأسباب والأهداف من تقليص المساحات الخضراء في الحي.
– زيادة الإنفاق بالمحافظات المختلفة على التوسع في المساحات الخضراء وزراعة الأشجار، خاصة في المناطق الأكثر حاجة للمساحات الخضراء.
للاطلاع على الورقة كاملة.. اضغط هنا
– يجب التوسع بالاستثمار في مرافق عامة في المساحات الخضراء والحدائق العامة الحالية والمستقبلية مثل ملاعب الأطفال وأماكن للجلوس، وتوفير مياه للشرب، وحمامات عامة.
– تحقيق التوازن بين تحقيق العائد والخدمات العامة. وأن يغلب على المساحات الخضراء صفة المرافق العامة المجانية وليس الكافيهات والمطاعم الخاصة والمكلفة.
– تحقيق التوازن بين تحقيق العائد من الحدائق من أجل الصيانة وغيرها من التكاليف من جهة ومجانية الحدائق من جهة أخرى، من خلال جعل دخول الحدائق مجانيًا للفئات الأكثر احتياجًا.
– ابتكار آلية إلكترونية وتلفونية تمكن سكان الأحياء من الشكوى بسهولة في حال قطع أشجار أو إزالة مساحات خضراء أو حدوث أي ضرر بيئي في أحيائهم، على أن يكون التحقيق في تلك الشكاوى من مهام لجان مستقلة تمثل فيها جميع الجهات مثل الحكومة والسكان والمجتمع المدني.
– الاستمرار والتوسع في المبادرات الحكومية والرئاسية مثل “اتحضر للأخضر” و”100 مليون شجرة”.