يصل الرئيس الصيني شي جين بينج، اليوم الأربعاء، إلى المملكة العربية السعودية، في زيارة متعددة الأنشطة، تشمل “قمة صينية عربية” في 9 ديسمبر/ كانون الأول. ويعقد اجتماع آخر ثنائي بين كبار صانعي القرار في البلدين، كما حدث عام 2019، عندما استضاف شي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في بكين.
وفقًا لوكالة الأنباء السعودية، تهدف الزيارة الحالية إلى تعزيز “الشراكة الاستراتيجية” مع بكين. وهي صياغة أثارت مخاوف في واشنطن بسبب تأثيرها المحتمل على علاقات الرياض المتوترة مع الولايات المتحدة.
يشير تحليل أعده كلا من سيمون هندرسون مدير برنامج برنشتاين حول الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى. وكارول سيلبر هي مديرة الأبحاث في برنامج تنافس القوى العظمى والشرق الأوسط. إلى أن زيارة شي للرياض هي اختبار آخر لقدرة بكين على ملء فراغ واشنطن المزعوم.
يقول التحليل: عندما زار الرئيس الأمريكي جو بايدن المملكة قبل خمسة أشهر، قال للقادة العرب المجتمعين: “لن ننسحب ونترك فراغًا تملأه الصين أو روسيا أو إيران. لن تذهب الولايات المتحدة إلى أي مكان”. ستختبر أحداث هذا الأسبوع هذا التعهد.
اقرأ أيضا: بلومبرج: أمريكا لم تتخل عن أمن الخليج.. فقط “رقمنت” وسائلها
صواريخ العلاقة الثنائية
لم تقم الصين والمملكة العربية السعودية علاقات دبلوماسية رسمية حتى عام 1990. يرجع ذلك -في جزء كبير منه- إلى اعتراف الرياض طويل الأمد بالحكومة الصينية في المنفى في تايوان، بدلاً من حكومة الجمهورية الشعبية في بكين.
مع ذلك، بدأت الاتصالات مع بكين قبل عدة سنوات. ففي عام 1988، زودت الصين السعوديين بخمسين صاروخًا باليستيًا متوسط المدى من طراز CSS-2. وهي صفقة لم تكن واشنطن على علم بها، حتى لاحظ محلل استخباراتي أن أحد الأسلحة يتم سحبها من مطار خاص يملكه الأمير سلطان بن عبد العزيز -وزير دفاع المملكة في ذلك الوقت- وأنه تم تسليم الصواريخ ذات القدرة النووية إلى هناك، عن طريق طائرات الشحن. ثم تم وضعها لاحقًا في زوج من مواقع الإطلاق الصحراوية، وقاعدة إمداد في منطقة جنوبية نائية.
وقتها، تفاقمت مخاوف الولايات المتحدة بسبب إدراك أن الصفقة تم ترتيبها من قبل نجل الأمير سلطان -بندر- الذي كان يعمل سفيراً للمملكة في واشنطن. علاوة على ذلك، حدد استطلاع الأقمار الصناعية لمنصات الإطلاق الثابتة أن “طهران” و “تل أبيب” أهداف محتملة.
يشير التقرير إلى أنه تم عرض صواريخ CSS-2 مرة واحدة فقط في عام 2014. ومنذ ذلك الحين تم استبداله بأشكال صينية أكثر حداثة. بالإضافة إلى ذلك، تم رصد ذخائر ذات مدى أقصر، والتي يبدو أنها صواريخ M-11 الصينية في القواعد السعودية. وربما تم توفير معدات تصنيع هذه الأسلحة عبر باكستان.
النفط والاستثمار
تعتبر الصين هي الشريك التجاري الأكبر للمملكة العربية السعودية. في إبريل/ نيسان، كانت بكين تستورد أكثر من مليوني برميل يوميًا من النفط السعودي، أي أكثر من ربع صادرات المملكة -على الرغم من انخفاض هذا الحجم منذ ذلك الحين- لذلك، فإن كلا البلدين من المستثمرين المهمين في اقتصادات بعضهما البعض.
ووفقًا لصحيفة فاينانشيال تايمز، تتصدر المملكة قائمة الاستثمارات الصينية المعلنة في منطقة الخليج العربي. لتصل قيمتها إلى أكثر من 100 مليار دولار على مدار العشرين عامًا الماضية.
وبحسب ما ذكر التقرير، فقد زودت الصين السعوديين ببعض المدفعية والطائرات بدون طيار التي استخدموها في حربهم المستمرة ضد المتمردين الحوثيين في اليمن. وفي عام 2017، منحت بكين المملكة ترخيصًا لإنتاج طائرات صينية بدون طيار محليًا، مما يشير إلى محاولة للتهرب من الضغط من الولايات المتحدة، التي سعت منذ فترة طويلة لكبح تكتيكات الرياض في الصراع.
أيضا، تشعر واشنطن بالقلق من أن السعوديين قد يسمحون للصين ببناء منشآت مدنية تخفي غرضًا عسكريًا. على غرار النشاط الذي أثار الخلافات الأمريكية الأخيرة مع إسرائيل فيما يتعلق بالإدارة الصينية لأجزاء من ميناء حيفا، والإمارات بشأن تقارير عن منشأة بحرية صينية محتملة بالقرب من أبو ظبي، واتفاقيات مشبوهة مع شركة هواوي العملاقة لشبكات الهواتف المحمولة.
بالإضافة إلى ذلك، أجرت القوات الصينية والسعودية تدريبات عسكرية مشتركة، بما في ذلك مناورات بحرية في عام 2021.
اقرأ أيضا: الاحتجاجات الأخيرة تحيي تقليدًا قديمًا في التاريخ الصيني
دعم نووي
في عام 2020، ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن الصين ساعدت السعوديين في بناء منشأة لمعالجة خام اليورانيوم المستخرج محليًا لاستخراج الكعكة الصفراء.
يقول التحليل: على الرغم من أن مثل هذا العمل يمكن أن يكون له استخدامات سلمية -مثل إنتاج الأسمدة- إلا أنه يمكن أن يشكل أيضًا خطوة مبكرة نحو صنع مركب اليورانيوم اللازم في مصنع التخصيب، والذي يمكن أن ينتج بدوره مادة لصنع سلاح نووي.
ورغم أن المملكة نفت وجود أي نية عسكرية، لكنها لا تزال مترددة في رفع مستوى التزاماتها المتعلقة بالضمانات للوكالة الدولية للطاقة الذرية وهو ما قد يتطلب عمليات تفتيش مكثفة لأنشطتها النووية. حسب التحليل.
في الوقت نفسه، حذّر ولي العهد الأمير محمد في عام 2018 من أنه “إذا طورت إيران قنبلة نووية، فسنحذو حذوها في أقرب وقت ممكن”.
يضيف: في لقاءات مع محاورين أجانب، أوضحت الرياض أنها تدعي الحق في مضاهاة قدرات تخصيب اليورانيوم لطهران إذا رغبت في ذلك. وهو تصريح واقعي الآن بأن برنامج إيران يقترب من عتبة الأسلحة. وهنا، فإن التورط الصيني المحتمل مثير للقلق بشكل خاص، بسبب بيعها صواريخ عام 1988 للرياض، وانتشارها السابق للمواد النووية وتصميمات الأسلحة إلى باكستان.
القمة الصينية- العربية
قبيل القمة، أصدرت وزارة الخارجية الصينية “تقريرًا حول التعاون الصيني العربي في العصر الجديد”. أكدت فيه، من بين نقاط أخرى، أن بكين ستعمل مع الدول العربية على تعاون متبادل للمنفعة، لكن الصين ليست مهتمة بملء أي فراغ تتركه الولايات المتحدة.
حتى الآن، لم يتم تقديم أي تفاصيل مسبقة للقمة. لكن -بالطبع- سيترأسها الملك سلمان، وستضم قادة من مجلس التعاون الخليجي ودول عربية أخرى. وهم -على الأرجح- مصر والعراق والأردن. في تقليد واضح لقمة مجلس التعاون الخليجي + 3 السنوية مع المسئولين الأمريكيين.
وبحسب صحيفة عرب نيوز السعودية اليومية، من المتوقع أن تركز الأجندة على تعزيز التعاون المشترك في الاقتصاد والتنمية.
يشير التحليل إلى أنه من المفترض أن تشمل أهداف بكين لهذا التجمع دعم الخليج لسياساتها بشأن القضايا الداخلية الحساسة. مثل مصير تايوان وانتهاكات حقوق الإنسان ضد مسلمي الأويجور في مقاطعة شينجيانج. حيث كانت المملكة “صامتة بشكل واضح بشأن هذه القضية الأخيرة”، وفق الكاتبين الاثنين.
ويؤكد التحليل أنه بافتراض عقد القمة والاجتماعات الأخرى كما هو مخطط لها. فمن المحتمل أن تظهر مجموعة كبيرة من اتفاقيات الاستثمار والتجارة والبيانات في الأيام المقبلة.
ومع ذلك، فإن المقياس الحقيقي للعلاقة السعودية- الصينية “يكمن في تفاصيل الحدث غير المكشوفة، ناهيك عن الكيمياء المرئية للقاءات بين كبار المسئولين”.