مأخوذون في علاقات سالبة، تُهدر من الطاقة والروح أكثر ما تمنح، البعض يسمونها علاقات سامة والبعض يصفها بالإدمان، وفي كل الحالات هي علاقات منتقصة لا تصنع إضافة.
حين نتحدث عن الأذى يكون التوقع أن آخر هو الذي يؤذينا، لكنه وفي أوقات عديدة نحن من نؤذي أنفسنا، وهو الأخطر، فعندما يكون مصدر الأذى من خارج الإنسان يمكن أن نبتعد، يمكن أن نجد طرق عديدة للتعافي لكن ماذا إن كان الإنسان هو الذي يؤذي نفسه؟
تبرير الأذى
حين يشرع الإنسان في تعاطي الأذى لا يعترف لنفسه أنه يُخطئ في حق نفسه، حيث يشرع العقل الباطن في رسم خيالات السعادة المؤقتة أو المتصورة لدى الشخص، فيكون الأذى فاقدًا للوضوح، لكنه واقع إذا انه لا يستشعر الأذى إلا عندما يبعده الطرف الآخر قهرًا، تلك اللحظات التي يجد الإنسان فيها وكأنه غارقًا، فبدل أن ينجو فإن حركاته ودفعه لكل من يسعى لمساعدته تسهل أكثر أن يغرق.
يصنع الإنسان الواقع في الأذى عددًا من التبريرات، وأصعبها تلك التي تحمله هو نفسه المسئولية، بالطبع من الجيد أن يعترف الإنسان بأخطائه، لكن الامعان في الاعتراف بالخطأ وتحميل النفس كل خطيئة أو مشكلة، يقع في دائرة أذى النفس، فهناك أخطاء تحدث لأن آخرين مشاركين فيها، عندما يكون الإنسان رد فعل، فعلى سبيل المثال للتوضيح حين يستفزك أحدهم لضربه فإن مشكلتك أنك لم تتحكم في أعصابك، وأن الأخر نجح في دفعك لفعل شيء هو سيستفيد منه.
لذلك حين تقف مع نفسك لتعترف بخطأ ارتكبته عليك أن تُراجع أيضًا الظروف المحيطة، لتعرف حقيقة خطأك وتتجنب السبب الحقيقي للوقوع في تكرار الخطأ.
تبرير ما يلحق بك من أذى ورؤية نفسك المخطئ دائمًا هو نوع من المازوخية والسعي لتعذيب الروح، والاستمرار في علاقة تُفسد أكثر ما تبني، لأنك تسعى دومًا للتكفير عن ذنوب لم تقترفها وحدك.
عزل المهارات والخبرات عن بعضها
ندرس الكثير من المواد في المسار التعليمي ونمر بالعديد من التجارب، إلا أن كثير منا مُدهشين في التعامل مع الخبرات المكتسبة بحيث تختفي تلك المهارات والخبرات في علاقاتهم، بل أن كثير منا يتعامل مع الخبرات العلمية بوصفها مجرد مواد درسناها وذهبت لمنطقة النسيان بعد اجتياز الامتحان والتتويج بالنجاح، ولو فكر هؤلاء الذين يتعاملون مع يدرسونه بأنه مجرد درس وانتهى، أن تلك المواد لا تقتصر على الكتب والمعامل ولكنها تتسع ليمكن تطبيقها في الحياة، سيجدون أن هناك مشكلات يمكن حلها ببساطة.
فالكيمياء لكي تنجح التجربة هناك معايير، مقادر المواد الداخلة في التفاعل، أجواء التجربة، فزيادة إحدى المواد عن النسب المقررة، ولو طبقنا فكرة نجاح المعادلة على حياتنا فإن العلاقات تفسد لأن النسب ليست صحيحة وهناك افراط في عنصر أو نقص في عنصر.
الواقعون في الأذى سواء ذلك الذي يفعلونه بأنفسهم أو الذي يتحملونه من الآخرين هم يعزلون مهاراتهم المكتسبة من الحياة، فتجد منهم الناجح في عمله، والمتميز في فعل شيء أو لديه موهبة، لكنه يدخل العلاقة أعزل من كل مهارة خالي الوفاض من أي خبرة.
البعض يدخل العلاقات إما بخبرات سيئة مكتسبة من علاقات أخرى وتقع نتائجها على علاقته الحالية، أو أنه يدخل العلاقة بعقل وقلب طفل يتعلم الحياة للمرة الأولى، والأمرين أسوأ من بعض، فالخبرات السيئة دورها الوحيد أن يتعلم الإنسان الحذر فلا يقع في ذات الأخطاء السابقة، أما أن يمارس فشله وأخطاءه في علاقته الجديدة فهذأ خطأ يرتكبه في حق نفسه وعلاقته.
حين يُمارس أحدهم الأذى على نفسه فإنه يُسارع في تبرير ما يمر به، ويجد نفسه مخطئًا حتى يستمر في مسارات تلقي الأذى، فيجد نفسه مخطئ، ويبدأ في محاولات تكفير الذنب الذي افترضه، عازلًا كل الخبرات والمهارات التي تعلمها، وواضعًا نفسه في العلاقة بلا خبرات حتى تلك التي يكتسبها من ذات العلاقة، فقد نجح الطرف الآخر في دفعه إلى موقع المخطئ دومًا والتبرير الذي لا ينتهي.
وسعيًا للتعافي من الأذى فعلى الإنسان أن يفكر بشكل أكبر شمولية فيستخدم ما تعلمه في حياته لإدارة علاقته، والنظر إلى الأخطاء وفق سياقها وليست في المُطلق، فالأذى حين يقع من الإنسان على نفسه يكون هو الأسوأ، وعندما يبدأ احدهم في تبرير ما يمر به ويبالغ في التبرير والتقاط الاعذار لتمرير أذى الغير فإنه بحاجة لدعم حقيقي، وبحاجة أن يهرب من تلك المساحة لينجو، وإلا سقط في أذى أكبر، فهل نعقل لما نُمارسه على أنفسنا من ضغوط؟