تواصل وزارة المالية في سبيل سد فجوتها التمويلية الدولارية، استغلال جميع أدوات الدين الخارجية المتاحة. ذلك من خلال طرح سندات مستدامة للمرة الأولى في تاريخها، بمبلغ نصف مليار دولار في النصف الأول من العام 2023. جنبًا إلى جنب مع الاستعداد لطروحات سندات خضراء وزرقاء وباندا وصكوك.
فعلى هامش مؤتمر يورمني مصر، المنعقد حاليًا بالقاهرة، قال وزير المالية الدكتور محمد معيط، للصحفيين، إن الحكومة تجري مشاورات مع بنوك – لم يسمها- من أجل المساعدة في الترويج للطرح، الذي سيتم خلال النصف الأول من 2023 (النصف الثاني من العام المالي 2023/2022).
مؤتمر يورومني مصر هو منصة الالتقاء الرئيسية لأهم العاملين في كبرى مؤسسات القطاع المصرفي والمالي في مصر والمنطقة والعالم.
وتعد “سندات الاستدامة” أشمل من السندات الخضراء رغم أنهما يتشاركان معًا في المشروعات التي تحد من التغير المناخي وتراعي البيئة. لكن “المستدامة” تمتد للمشروعات التي تحمل أثرا اجتماعيًا أيضًا مثل تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة.
وظهرت هذه السندات “المستدامة” في 2021 بعد 13 عامًا من إطلاق السندات الخضراء في 2008، لتركز على 17 مجالًا أهمها القضاء على الفقر والجوع، وتحسين مستويات الصحة والتعليم. فضلًا عن الاهتمام بالمساوة بين الجنسين، وتوصيل المياه للمناطق التي لا تصل إليها، والنظافة الصحية، وتوفير الطاقة النظيفة بسعر معقول، والعمل اللائق والصناعة، والابتكار والحد من أوجه عدم المساواة، وتعزيز المجتمعات المستدامة.
اقرأ أيضًا: هل تحتاج مصر إلى “اقتصاد حرب” للخروج من نفق الأزمة العالمية المظلم؟
ديون لتحسين الحياة
بحسب هايك رايتشلت، مدير علاقات المستثمرين والتمويل المستدام بوحدة خدمات الخزانة التابعة للبنك الدولي، فإن تلك السندات هدفها تحسين حياة البشر من استدامة سُبل الحصول على خدمات التعليم والصحة والوظائف والمياه والصرف الصحي والغذاء والطاقة وإعادة تأهيل البيئة الطبيعية وحمايتها.
تفتح تلك السندات أفاقًا تمويلية جديدة أمام مصر. خاصة وأن البنك الدولي يعمل على جمع 10 مليارات دولار مخصصة لتلك النوعية من السندات التي تلقى أيضًا اهتمامًا من قطاع متنام من المستثمرين الراغبين في تمويل مشروعات غير مضرة بالبيئة، وتنعكس على تحسين الأحوال الاجتماعية للمواطنين.
وتعاني وزارة المالية، حاليًا، من أزمة دولارية كبيرة بسبب الأزمة الروسية الأوكرانية التي رفعت تكاليف الاستيراد من الخارج. إلى جانب قرارات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، التي رفعت الفائدة وسحبت الأموال الساخنة من الأسواق الناشئة ومن بينها مصر التي شهدت تخارج 22 مليار دولار منذ ديسمبر/ كانون الأول 2021.
وتراهن وزارة المالية، حاليًا، على قرض صندوق النقد الدولي الذي سيتم حسمه في اجتماع المجلس التنفيذي للصندوق في 16 ديسمبر/ كانون الأول الحالي، بعد الوصول لاتفاق على مستوى الخبراء.
وفي هذا السياق، أكد الدكتور محمد معيط، وزير المالية، خلال مؤتمر الرؤساء التنفيذيين CEO’s Thoughts، الذي عُقد منذ 4 أيام بالقاهرة، أن الفجوة التمويلية التي تحتاج مصر لسدها تبلغ نحو 16 مليار دولار خلال السنوات الأربع المقبلة، أي نحو 4 مليارات دولار سنويًا. لكنه قال إن اتفاق مصر مع صندوق النقد الدولي بعث برسالة إلى الداخل والخارج حول “إتباع الحكومة لإجراءات متزنة”.
قرض وسندات
وأعلن صندوق النقد الدولي نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، التوصل إلى اتفاق على مستوى الخبراء على برنامج للإصلاح الاقتصادي مدته 46 شهرًا. على أن يتضمن حصول القاهرة على قرض بقيمة 3 مليارات دولار. إلى جانب تدبير 6 مليارات دولار، منها مليار دولار من صندوق الاستدامة التابع للصندوق، و5 مليارات دولار من شركاء دوليين وإقليميين.
وفضلًا عن السندات المستدامة، تعتزم مصر أيضًا طرح أول سندات “باندا” قبل نهاية النصف الثاني من العام الحالي بقيمة قدرها نصف مليار دولار. وهي سندات مقومة باليوان الصيني، لكنها صادرة عن مقترضين أجانب.
كما أعلن وزير المالية عن استعداد مصر أيضًا لطرح سندات خضراء بحوالي 500 مليون دولار قبل يونيو/ حزيران 2023. ذلك للمرة الثانية، بعد أن باعت أول سندات خضراء سيادية بالمنطقة بقيمة 750 مليون دولار في سبتمبر/ أيلول 2020.
اقرأ أيضًا: الأزمة وأسبابها والواقع الاقتصادي الجديد.. هل لمصر من طريق؟ (1 – 3)
كما طرحت الوزارة أول إصدار لسندات “ساموراي” بالسوق اليابانية، في مارس/ آذار الماضي بقيمة 60 مليار ين “نصف مليار دولار”. لتصبح مصر أول دولة في الشرق الأوسط تصدر سندات دولية مقومة بالين بالأسواق اليابانية، بفائدة منخفضة حينها بنحو 0.85% سنويًا لأجل 5 سنوات.
وكشف وزير المالية، خلال كلمته في يوم التمويل بفعاليات قمة المناخ الشهر الماضي، عن إطار للتمويل السيادي يسمح بإدراج مشاريع إضافية يمكن تمويلها من خلال السندات الزرقاء، مثل مشروعات ترتبط بالمياه والحياة البحرية والشواطئ.
وسط ذلك الزخم من السندات، تطرح وزارة المالية أيضًا صكوكًا سيادية بقيمة تتراوح بين 1.5- 2.5 مليار دولار، بهدف جذب المستثمرين المصريين والأجانب الراغبين في الاستثمار وفقًا للشريعة الإسلامية.
يأتي ذلك رغم أن الموازنة العامة للعام المالي الحالي عند إعدادها في مارس/ آذار 2022 افترضت الحصول على تمويل من الخارج يتراوح بين 5 إلى 6 مليارات دولار. على أن يتم توفير الباقي من السوق المحلية.
هل هناك مخاطر؟
يقول مصدر مسئول بوزارة المالية، لـ” مصر 360″، إن الوزارة تعمل على تنويع مصادر التمويل سواء من الداخل أو الخارج. وهو أمر لا يمثل مشكلة بالنسبة للدين العام. فمتوسط عمر الدين الخارجي حاليا يتجاوز 10 سنوات. كما أن الوزارة تعمل منذ سنوات على إطالة أمد الدين بالاعتماد على الطروحات طويلة الأجل وليس قصيرة الأجل.
يضيف المصدر أن الحكومة وضعت سقفًا ملزمًا للأعباء السنوية التي تؤثر على المديونية. بحيث لا يتجاوز 2% من الناتج المحلي سنويًا، والتوقف خلال الفترة من 2022 – 2027 عن إجراء أي تشابكات مالية جديدة أو إضافية يترتب عليها أعباء مالية للموازنة.
ونفى مجلس الوزراء، في كتاب، أصدره أمس الأربعاء، ما أسماه بـ”ادعاءات” يتم ترويجها بأن مصر ستصبح أكبر مصدر للديون السيادية بين الأسواق الناشئة، وتراجع قيمة السندات السيادية. مؤكدًا ان موازنة العام المالي الجاري تستهدف خفض دين الحكومة العامة للدولة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي إلى 84.2%.
كما تستهدف الموازنة، بحسب كتاب مجلس الوزراء، عودة المسار النزولي لنسبة دين الحكومة العامة للدولة للناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات المقبلة. بالإضافة إلى تقليل نسبة مدفوعات الفوائد إلى 7.6 % من الناتج المحلي الإجمالي و33.3% من مصروفات الموازنة.
خطورة الوضع
تقول المحللة المالية حنان رمسيس إن الدين الخارجي المصري لم يتجاوز المستويات الخطرة. لكن المخاوف مُرتبطة بالفوائد التي تؤثر في بعض الأحيان على احتياطي النقد الأجنبي بالسلب.
أضافت أن تنويع مصادر الدين هدفه اجتذاب فئات من المستثمرين لا يفضلون الاستثمار غير المباشر ويتجهون إلى أدوات الدين باعتبارها مضمونة من الحكومة المصرية.
تطالب رمسيس بالتفكير في المدد الزمنية لتلك الديون والفائدة وتحديد الغرض منها بحيث لا يتم توجيهها لأغراض استهلاكية ولكن لأهداف إنتاجية تدر عائدًا يمكن من خلاله السداد.