صدر مؤخرا عن معهد “أمريكان انتربرايز AEI/ The American Enterprise Institute، تقرير بعنوان “التمرد مستمر.. قدرات وفرص السلفية الجهادية في إفريقيا”، للباحثة إميلي إستل بيريز، مديرة الأبحاث في مشروع التهديدات الحرجة، والذي يقدم تحليلًا استخباراتيًا مفتوح المصدر حول الحركة السلفية الجهادية وإيران، وتناول الحركات الإسلامية المسلحة في القارة السمراء.
تشير الباحثة إلى أن حركات التمرد السلفية الجهادية تتشكل عندما تكون الثغرات في الحكم والأمن موجودة بالفعل. حيث يستفيدون من هذه الظروف ويسرعونها في بعض الأحيان ولكنهم لا يشرعون بها. وبالمثل، فإن أعظم فرص نجاح الجهاديين تأتي من انهيار الحكم والأمن، وليس من القفزات الهائلة للجماعات في القدرات أو الطموح.
ولفتت إلى أن العنف الطائفي، والحروب الأهلية، والانتفاضات العنيفة، وأي حادثة رئيسية أخرى مزعزعة للاستقرار، تخلق فرصا للتوسع الجهادي، حيثما تكون التمردات موجودة بالفعل، أو تكون الشبكات الجهادية كامنة. كما أن الاستجابات الأمنية القاسية -التي تهدف إلى إخماد الاضطرابات أو قمعها- تغذي التمرد السلفي الجهادي.
أيضا، قد تصبح الجماعات الإفريقية مشاركًا مباشرًا في الجهاد العالمي، لأنها تطور قدرات يمكنها استخدامها في الخارج. وبالفعل، بدأت كل جماعة سلفية جهادية هجمات عابرة للحدود بتركيز محلي. ما يعني أن الجماعات يمكن أن تتحول بسرعة إلى التخطيط للهجوم العابر للحدود عندما تتغير الظروف.
اقرأ أيضا: الجيش النيجيري يدير برنامجًا للإجهاض القسري.. التحرر من الإرهابيين لا يعني الخلاص
ولفت التقرير إلى أنه مع استمرار الجماعات السلفية الجهادية الإفريقية في تطوير قدرات عسكرية وغير عسكرية أكثر تقدمًا. فإنها ستوفر فوائد أكبر للحركة السلفية الجهادية العالمية، من حيث المجندين، والمال، والدعاية، والابتكار، والقيادة، والملاذ الآمن.
لقراءة التقرير كاملا اضغط هنا
القاعدة وداعش بصعود
للحركة السلفية الجهادية صلات طويلة الأمد بالقارة، ويتجلى ذلك في مشاركة مجاهدي شمال إفريقيا في أفغانستان في الثمانينيات، وعمليات القاعدة في شرق إفريقيا في التسعينيات. وبينما أدت الحملة العالمية على شبكات القاعدة في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001، إلى تفاقم الانتكاسات للتنظيم، أدى هذا إلى عكس مسار تقدمه في القارة لفترة وجيزة.
لكن، يشير التقرير إلى أن العقد الماضي كان فترة توسع واضح بالنسبة للقاعدة وداعش، والتي تميزت بالنمو المتسارع للمنضمين، وزيادة عدد التنظيمات السلفية الجهادية النشطة وانتشارها الإقليمي في إفريقيا، والتي تدعم حركة عالمية تشن حربًا على الولايات المتحدة والعديد من حلفائها.
يلفت التقرير إلى أن العديد من الجماعات السلفية الجهادية في إفريقيا جنوب الصحراء صارت تتقدم مع تحول الدول الغربية تركيزها بعيدًا عن مخاوف مكافحة الإرهاب إلى المنافسة الجيوستراتيجية.
يقول: انتهزت حركة الشباب -التابعة للقاعدة في شرق إفريقيا- الفرصة لإعادة تأسيس نفسها في جنوب ووسط الصومال بعد انسحاب القوات الأمريكية في يناير/ كانون الثاني 20211. ومرة أخرى تهدد أمن مقديشو، على الرغم من عودة الجيش الأمريكي إلى البلاد في مايو/ أيار 2022.
أيضا، تستفيد الجماعات المرتبطة بالقاعدة في الساحل من سلسلة من الانقلابات في مالي وغيرها. ما يؤدي إلى تدهور الوضع الأمني، وتقليل ضغوط مكافحة الإرهاب، والتوغل أكثر في رقعة متزايدة من التضاريس.
كما يوسع تنظيم الدولة الإسلامية في نيجيريا عملياته في المناطق التي تثير قلق الحكومة النيجيرية بشكل أكبر. حيث استغلت الجماعات السلفية الجهادية شبكات الاتجار غير المشروع عبر غرب إفريقيا، وتعميق التعايش بين الإرهاب والجريمة.
حتى في شمال إفريقيا، بعد أن أدت الحملات العسكرية والشرطية إلى تدهور الجماعات السلفية الجهادية بشكل كبير في السنوات الأخيرة. تشير اتجاهات الحكم والأمن -لا سيما في ليبيا وتونس- إلى فرص للمسلحين لإعادة تجميع صفوفهم.
آثار التوسع الجهادي
تساعد القواعد والفروع الإفريقية في دعم الحركة السلفية الجهادية العالمية. يشير التقرير إلى أن تنظيم القاعدة والجماعات الإفريقية التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية “هم أكثر من مجرد حركات تمرد محلية أعيدت تسميتها”.
يقول: حتى التنظيمات التابعة، التي أعلنت الانضمام والولاء حديثًا، يمكنها جني فوائد ملموسة من مشاركتها في الشبكات الجهادية الإقليمية والعالمية. مع استمرار الجماعات السلفية الجهادية الإفريقية في تطوير قدرات عسكرية وغير عسكرية أكثر تقدمًا، فإنها ستوفر فوائد أكبر للحركة العالمية. من حيث المجندين، والمال، والدعاية، والابتكار، والقيادة، والملاذات الآمنة.
وعلى الرغم من أن الجماعات المتمركزة في إفريقيا مسئولة عن العديد من الهجمات على المصالح الغربية المحدودة في القارة. إلا أن جزءًا بسيطًا فقط من الهجمات الإرهابية العابرة للحدود يعود إليها.
ظهرت هجمات تنظيم الدولة في ألمانيا عام 2016، والمملكة المتحدة في عام 2017، من مخططي هجوم خارجي في ليبيا. وحاولت حركة الشباب استهداف الطيران الدولي في السنوات الأخيرة، بمحاولة تفجير طائرة تغادر مقديشو في عام 2016. وأيضا كان هناك هجوم على غرار ما حدث في 11 سبتمبر/ أيلول في الفلبين في عام 2019.
تلفت الباحثة إلى أن “ما تميل استراتيجيات الأمن القومي إلى تجاهله، هو أن نضج الجماعات السلفية الجهادية الإفريقية سيؤدي إلى زيادة التهديد الإرهابي العابر للحدود. الجهاد المحلي والعالمي مرتبطان ارتباطًا وثيقًا”.
تقول: خلايا الهجوم -المجموعات الصغيرة من الأفراد المتورطين في هجوم إرهابي- صغيرة. لكنها تعتمد على عقدة تهديد ذات بصمة أكبر. كما تسمح هذه القواعد الإقليمية -أيضًا- بإعادة تشكيل عقد التهديد، مما يعني أن مكاسب مكافحة الإرهاب ضد متآمرين وهجمات وبنية تحتية معينة تكون عادةً مؤقتة، لا سيما عندما تكون هناك منظمة داعمة.
وذكرت أن الملاذات السلفية الجهادية توفر القدرات والموارد، بما في ذلك “التجنيد، الحركة، التمويل، الاتصالات، مكافحة التجسس، دعم إعلامي، التدقيق والتدريب والتلقين، الخبرة في تصميم المعارك والتخطيط”.
اقرأ أيضا: هل يشهد الصومال أول مقاربة سياسية دولية مع “القاعدة”؟
القدرات والموارد والفرص
حاولت الباحثة استكشاف الروابط التي يمكن استخدامها لتقييم القوة النسبية للجماعات السلفية الجهادية، من حيث تعقيدها وفعاليتها ومرونتها. مثل المهارات العسكرية والتقنية، ولكنها تدرك أن تقييمات قوة الجماعات المسلحة غالبًا ما تبالغ في تقدير هذه المقاييس “الصعبة”.
لذلك، هناك قدرات “أكثر ليونة”، بما في ذلك قدرات لصفات التنظيمية، التي تؤثر على قدرة المجموعات على التعافي من المصاعب. مشيرة إلى أن أي سياسة فعالة لإضعاف الحركة السلفية الجهادية العالمية، ستتطلب حجب أو تقليص القدرات العامة للجماعات.
وتناول البحث القدرات والموارد والفرص السلفية الجهادية، مثل “الحوكمة”. حيث تأخذ هذه المعايير في الاعتبار قدرة المجموعة على كسر السكان لإرادتها، إما عن طريق القوة، أو الإقناع والظروف المحلية، التي تخلق فرصًا للجماعات المسلحة للتأثير على المجتمعات.
أما عن القدرات والموارد والفرص المنخفضة والمتوسطة العسكرية والتقنية. تحلل إميلي عوامل قدرة التنظيمات على بناء واكتساب واستخدام أدوات لشن الحرب. وهي: صنع القنابل، والوصول إلى أنظمة الأسلحة، والتكتيكات المتطورة، القوة المحلية، القوة الإقليمية، القدرة على الهجوم الإرهابي العالمي، وجود وحدات النخبة، الوصول إلى الموارد، والوصول إلى بيئة متساهلة.
هنا، تلفت إلى أن فرع تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا، الذي صعد بسرعة بفضل الدعم الخارجي والظروف الفوضوية للحرب الأهلية في البلاد. لكنه انهار أيضًا بسرعة، وصار مجموعة رديئة في منطقة نائية، ولا تزال تفتقر إلى قدرات الدعم التنظيمي. وهي تحتفظ بقدرات هجومية متفجرة، ولكنها لا تشن تمردًا ثابتًا. فقط هجمات متقطعة على قوات الأمن.
أما حركة الشباب في الصومال، فقد استمرت بفضل مزيج من استراتيجيتها الخاصة وفشل خصومها في الحفاظ على جهد فعال ضدها. وقد سمح هذا الإصرار للحركة بالتورط في الاقتصاد السياسي الصومالي. كما عززت مهاراتها العسكرية والتقنية، وتطورها التنظيمي. بينما تحول مسلحو “بوكو حرام” في نيجيريا من تهديد وحشي محلي إلى تهديد إقليمي وعالمي محتمل.
سياسة جديدة للمكافحة
يشير التحليل إلى ضرورة إعادة التفكير في سياسة الولايات المتحدة لمواجهة الحركات السلفية الجهادية. حيث تفتقد السياسة الأمريكية لمكافحة الإرهاب وسياسات مكافحة الإرهاب التي يتبعها حلفاؤها وشركاؤها الفرصة لوقف تشكيل التمردات السلفية الجهادية وترسيخها.
تقول: في أسوأ الأحوال، تعمل سياسات مكافحة الإرهاب السيئة -لا سيما عندما ترتكب الجيوش انتهاكات لحقوق الإنسان- على تسريع ترسخ الجهاديين، من خلال السماح للجماعات بتنصيب نفسها كمزودي خدمات أمنية، ومدافعين عن الفئات الضعيفة من السكان.
تضيف: قد تكون الحملات العسكرية فعالة بشكل غير متناسب في الحالات التي تكون فيها قاعدة الدعم السلفية الجهادية محدودة. كما هو الحال في تنظيم داعش في ليبيا وتونس. ولكن، عندما تكون الجماعات الجهادية أكثر ترسخًا، فإن جهود مكافحة الإرهاب العسكرية تقوم -في أحسن الأحوال- بقمع مؤقت للنشاط العسكري، أو تتسبب -في أسوأ الأحوال- في رد فعل شعبي عنيف، يمكن للمسلحين الاستفادة منه.
لذلك “لا يمكن لأدوات مكافحة الإرهاب شديدة الحركية هزيمة التمردات السلفية الجهادية، لأنها لا تسد فجوات الحكم التي سمحت بترسيخ الجهاديين في المقام الأول. ومكافحة الإرهاب رد فعل بطبيعته”. وينبغي على الولايات المتحدة بدلاً من ذلك التركيز على السياسات التي تمنع الجماعات السلفية الجهادية من الترسخ”. يتطلب هذا توجيه التركيز المشترك بين الوكالات العسكرية والأمنية الأمريكية.
وبينما تسعى واشنطن إلى شراكات أقوى في إفريقيا لمواجهة توسع النفوذ الروسي والصيني. تبدو المشاركة في مواجهة الحركات الجهادية هي طريقة للحفاظ على موقفها في القارة وتعزيزه. كما تؤثر الأزمات والصراعات الإنسانية في إفريقيا، فضلاً عن النشاط الجهادي والإجرامي، على الأمن الأوروبي والتماسك السياسي.
لكن، يواجه مجتمع الاستخبارات الأمريكي تحديًا يتمثل في الجمع والمعالجة والتوليف. لأن المحللين العاملين في إفريقيا -وغيرها من المجالات غير ذات الأولوية- منتشرون، وهم مسئولون في كثير من الأحيان عن تغطية العديد من البلدان والمناطق في وقت واحد. وهو -كما ترى الباحثة- اتجاه لن يؤدي إلا إلى تفاقم إعطاء الأولوية لشرق آسيا والغزو الروسي لأوكرانيا.