اتسعت دائرة الأزمات داخل القطاع الطبي، على خلفية قرار نقابة الصيادلة الصادر في بيان رسمي -الأسبوع الماضي- بمنع أعضائها إعطاء الحقن للمواطنين بجميع صيدليات مصر. ذلك بعد حبس طبيبة صيدلانية، واثنين من مساعديها؛ بتهمة التسبب في وفاة طفلتين نتيجة إعطائهما حقنًا دون اختبار حساسية، ومزاولة المتهمين العمل بدون ترخيص.
وقبل أسبوعين، أصدرت وزارة الصحة قرارًا وزاريًا بخصوص تنظيم عملية السماح للصيادلة المؤهلين بإعطاء الأدوية من خلال الحقن العضلي، أو تحت الجلد، بعد مراجعة الضوابط المنصوص عليها في السابق، ومن خلال التنسيق، والتشاور بين الوزارة، والجهات المعنية المتمثلة في كل من “لجنة الصحة بمجلس النواب، نقابة الأطباء، نقابة الصيادلة، هيئة الدواء المصرية” بما يضمن حقوق الصيادلة والتيسير على المرضى.
التدريب شرط
تضمن القرار الذي قال المتحدث الرسمي للوزارة الدكتور حسام عبد الغفار إنه اتخذ حرصا على صحة وسلامة المواطن، عدة نقاط، من بينها: عدم إعطاء الحقن للمرضى إلا بوجود وصفة طبية من الطبيب المعالج تستوجب حقن المريض بالدواء المطلوب. وكذا اجتياز الصيدلي للدورات التدريبية من خلال وزارة الصحة، أو الجهات التي تحددها الوزارة. مع التأكد من توافر الأدوية المضادة للأعراض التحسسية، وعدم إعطاء المرضى سوى الحقن العضلية، وتحت الجلد فقط.
وبعد أن كانت الصيدليات في مدن مصر بشكل عام والقرى النائية على وجه الخصوص، قبلة للمواطنين لأخذ الحقن المصروفة من “روشتة طبيب”، أو لكبار السن من علاج هيئة التأمين الصحي، استحال الوضع إلى رفض قاطع من “الصيادلة” لتأدية الخدمة التي كانت تمنح يوميًا بلا مقابل.
اقرأ أيضًا: بزنس سوق الدواء.. القطاع العام يخرج من حلبة المنافسة والخاص يستحوذ على 90%
3 ملايين حقنة يوميًا
طبقًا لإحصائية -غير رسمية- حسبما أفاد د. ثروت حجاج عضو نقابة الصيادلة، فإن ما يقرب من 3 ملايين حقنة يوميًا يعطيها الصيادلة للمواطنين مجانًا، قبل الأزمة الأخيرة، وما تبعها من منع نقابي.
وأصدرت نقابة الصيادلة بيانًا -بنهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي- تطالب أعضاءها بمنع إعطاء الحقن بجميع أنواعها داخل صيدلياتهم، درءًا للشبهات، وسدًا لباب الذرائع، وحفاظًا على الصيادلة من التعرض للمساءلة القانونية عن خدمة تطوعية يؤدونها.
بيان النقابة تضمن تأكيدًا على التزامها بالقانون في هذا الشأن، وكل ما يحافظ على قيمة المهنة، والصيدلي.
وعلى نحو يؤكد ارتباط البيان بحبس “صيدلانية الإسكندرية” على خلفية اتهامها بإعطاء حقنًا لطفلتين من جانب العاملة بالصيدلية دون اختبار حساسيتهما، تساءل عضو نقابة الصيادلة: “ما علاقة الزميلة المحتجزة بالحقن؟”، لافتًا إلى أن الواقعة تعد حالة شاذة، بجانب انتفاء صفة التعمد في الفعل”.
وفي تصريح لـ”مصر360″، قال “حجاج”: “إن الأم ظلت تترجى الطبيبة الصيدلانية لأجل إعطاء الحقن لابنتيها، بما يعني أن الخطأ أمر وارد في الواقعة”. واستطرد: “الفريق القانوني التابع لنقابة الصيادلة يتابع الواقعة المنظورة حاليًا أمام القضاء، معربًا عن أمله في إخلاء سبيل الطبيبة على ذمة القضية”.
حماية الصيادلة.. كيف؟
اعتاد المواطنون المرور على الصيدلية الأقرب لمكان السكن لأخذ الحقنة الأولى الموجودة بـ”روشتة الطبيب”، وضبط مواعيد باقي الحقن مع “الصيدلي”.
القيادي النقابي د. ثروت حجاج يقول إن الأزمة الراهنة أثبتت للمسئولين أن هناك نعمة كانت موجودة في الشارع المصري، ولم يعرها الناس اهتمامًا. حيث كان الذهاب إلى الصيدليات لأخذ الحقن أمر روتيني، وخدمة تمنح بكامل الرضا دون أجر، والآن لم تعد موجودة”. وتساءل: “في أي قطاع مهني تؤدى خدمة يومية دون أجر؟”.
وحسبما أفاد د.محمد أنسي الشافعي، نقيب صيادلة الإسكندرية، فإن قانون مزاولة مهنة الصيدلة ليس به ما يسمح، أو يمنع “الطبيب الصيدلي” من إعطاء الحقن داخل الصيدلية. لكن من اشتراطات فتح الصيدليات وجود محرقة سرنجات داخل الصيدلية”.
كما أنه لا يوجد تشريع فيما يخص إعطاء الصيادلة للحقن داخل الصيدليات. بما يعني غياب الحماية للصيادلة، وخاصة بعد إحالة صيدلانية الإسكندرية إلى محكمة الجنايات، على حد قوله.
تحرك إيجابي ولكن
التحرك الرسمي الإيجابي قد يتمثل فيما دعت إليه وزارة الصحة في الرابع من ديسمبر/ كانون الأول الجاري لتدريب “الصيادلة” على الحقن الوريدي والعضلي خلال 24 ساعة من استلام التكليف، لتمكينهم من إعطاء هذه الحقن بالصيدليات دون مشاكل، قال عضو نقابة الصيادلة د.ثروت حجاج: “إن تحرك الوزير إيجابي كحل للأزمة. لكنه على صعيد آخر لا يمثل أية حماية للصيدلي”.
يضيف حجاج أن الصيادلة منذ عشرات السنوات حملوا على عاتقهم “إعطاء الحقن” للمواطنين دون مقابل. وهو يتساءل: “هل نحن الآن كصيادلة نحتاج إلى تدريب لتعلم إعطاء الحقن، ومن يحمي الصيدلي حال حدوث خطأ؟”.
وقد أعلن المتحدث باسم وزارة الصحة مؤخرًا أن الوزارة بدأت في برنامج تدريب “الصيادلة بالفعل”، وأرسلت لمختلف المديريات للتعرف على الصيادلة الراغبين في الحصول على البرنامج التدريبي، أو الصيادلة العاملين في القطاع الخاص.
اقرأ أيضًا: في غياب القانون.. بيع الأدوية “أون لاين”: صحة المصريين في مواجهة تجارة غير مشروعة
رأي نقابي مؤيد
يقول د.محمد الشيخ، نقيب صيادلة القاهرة إن قرار وزارة الصحة بالسماح للصيادلة بـ”إعطاء الحقن” داخل المستشفيات والصيدليات عقب اجتياز دورة تدريبية “حماية” للصيادلة والمرضى، وتصويب لإجراءات سابقة.
وأضاف أنه برغم اختيارية الدورات التدريبية التي ستعقدها وزارة الصحة للصيادلة كشرط لتمكينهم من إعطاء الحقن. إلا أنها ستنظم ترخيص السماح بذلك وفق شهادات اجتيازها.
وحسب رؤية عضو النقابة د. ثروت حجاج، فإن خدمة “إعطاء الحقنة” تشكل ضغطًا على الصيادلة إذا ما وضعنا في الاعتبار اقتراب الصيدليات من مناطق سكنية مأهولة، وتضم في طياتها أقارب الصيدلي، وأسرته، ومعارفه.
ويضيف أن قانون المسئولية الطبية المزمع إقراره بعد مناقشة تجرى حاليًا بين نقابة الأطباء وأعضاء لجنة الصحة بمجلس النواب، لن يحل أزمات الصيادلة. “لكنه إذا أقر ضمن بنوده تأمين الصيدلي فمرحبًا به”.
أزمات أخرى
يشير “حجاج” أيضًا إلى أزمات أخرى تعوق عمل الصيدلي تتجاوز مسألة الحقن. وهو يستنكر -على سبيل المثال- إدراج الصيادلة تحت طائلة “الغش التجاري” حال وجود “علبة دواء منتهية الصلاحية” داخل إحدى الصيدليات.
ويوضح هذه الأزمة، فيقول إن الشركات ترفض استرجاع الأدوية منتهية الصلاحية. وحين يخاطب “الصيادلة” المسئولين لتنظيم الأمر، يأتي الرد: “هذه علاقة تجارية بين الصيدلي وشركة الدواء”. ويتساءل: “ماذا يفعل الصيدلي في هذا التوقيت، وهل هناك قانون في أية دولة بهذا الشكل؟”.
ومع هذا، تضطر عديد من الصيدليات إلى الغلق بسبب ضعف القوة الشرائية من جانب، وتراكم الأدوية منتهية الصلاحية التي قد تتسبب في سجن “الصيدلي”، على حد قول “حجاج”.
ولا تمتلك النقابة، وفقا لحجاج، إحصاءً رسميًا بعدد الصيدليات المغلقة لهذا السبب. لكن لديها ذاكرة تؤكد أن قانون الصيادلة لدى نقاشه يركز على العقوبات المفروضة على الصيادلة، دون تطرق إلى وضع بند يحدد علاقتهم بشركات الأدوية.
اقرأ أيضًا: الأدوية المغشوشة.. قاتلة للبشر والاستثمارات
ويعرب “حجاج” عن أمله في أن تتضمن الأيام القادمة نقاشًا حول مشروع قانون ذي شقين “مهني، وتجاري”، يوضح شقه الأول: ما المطلوب من الصيدلي بالضبط؟ والآخر يكفل استمرار الصيدلية كمشروع تجاري يفتح بيوت مواطنين.
ووفقًا لأرقام نقابة الصيادلة، فإن 80 ألف صيدلية تعمل بمحافظات مصر، كان لها دورًا بارزًا إبان أزمة “فيروس كورونا” خلال العامين الماضيين.
كذلك، يلفت عضو نقابة الصيادلة إلى أن نقابته التي كانت ممثلة في الماضي بـ “لجنة التسعير”، تخاطب حاليا هيئة الدواء من أجل تخفيف العبء على الصيادلة، بسبب زيادة أسعار الدواء وإلزامهم ببيع المنتج بسعره القديم رغم الزيادة. ويضيف: “الدواء استقر سعره لسنوات طوال، ولم يقل صيدلي واحد ذات مرة: نريد رفع الأسعار، فلماذا ينظر للصيدلي بصورة مغايرة، رغم أنه مرخص، ومراقب، ومتابع؟”.
عضو نقابة الصيادلة كشف عن عدة مسودات، وقوانين، ومقترحات، لدى نقابته، تتضمن حلولًا للعديد من أزمات “الصيادلة”، معرجًا على أنها ليست مطالب فئوية.
صوت نيابي: التشريع مهم
ويطالب د. أشرف حاتم، رئيس لجنة الصحة بمجلس النواب، مقدم “مشروع قانون المسئولية الطبية”، بتدخل سريع من قبل وزارة الصحة لإنقاذ أرواح المواطنين من عشوائية إعطاء الحقن على يد غير المدربين. وهو يلفت إلى أن بعض الصيادلة يستعينون بـ “مدرسين، وخريجي كليات علوم” للعمل كمساعدين لهم، وهؤلاء من يقومون بإعطاء الحقن، دون أية مؤهلات علمية، مما يعرض حياة المواطن للخطر، ويلقي بمسئولية الأخطاء على الصيدلي في الأخير.
ويشيد رئيس لجنة الصحة بمجلس النواب بالقرارات الوزارية الصادرة مؤخرًا، وما تتضمنه من ضوابط منظمة للصيادلة المؤهلين بإعطاء الحقن للمرضى، دون غيرهم، لقطع الطريق على دخلاء المهنة. ويشير إلى أن قرارات وزارة الصحة جاءت بعد مناقشات بين الجهات المعنية ممثلة في: “وزارة الصحة، ونقابتي الأطباء والصيادلة، ولجنتي الصحة بمجلسي النواب والشيوخ، وهيئة الدواء المصرية”. ويستطرد: “هذه القرارات تضمن حقوق الصيادلة، وتنظم عملية حقن المرضى للحفاظ على صحتهم وسلامتهم”.
يقول عضو نقابة الصيادلة ثروت حجاج إن منح الصيادلة الحماية التشريعية يفتح الباب أمام تعظيم استفادة الدولة من خدماتهم، كما حدث في أوروبا مع أزمة كورونا. يضيف: “يمكننا مثلًا في حملات التطعيم القومية مثل “شلل الأطفال” وغيرها، أن نستفيد من الصيادلة بمنح كل صيدلية 500 جرعة تطعيم مثلًا. على أن يعطي الصيدلي التطعيم مجانًا، بدلًا من تجول أطقم التمريض في الشمس الحارقة لتطعيم الأطفال في المنازل”.
ويدلل حجاج بأمثلة على تعظيم الاستفادة التي يدعو اليها قائلا: “في الماضي كنا نبيع الأنسولين بـ 32 قرشًا، فماذا ربح الصيادلة من هذا؟، وكذلك كنا ضمن حملة “اسأل-استشير” الخاصة بتنظيم الأسرة، ولم نتربح”.