لا تستمع إلى آراء الآخرين، تمسك برأيك، نشف دماغك ورأيك لازم يمشي، اثبت نفسك ومشي اللي في دماغك، لا تطلب المساعدة من أحد، وخصوصًا من أمك ومراتك.
لا يحتاج الذكور في مجتمعاتنا إلى تدريب أو تعليم أو تأهيل لاكتساب رعونة وحماقات الذكر في المجتمعات الذكورية، فحرصه على أن لا يكون ابن أمه دائمًا ما يكون البداية، أمه أكثر كائن حي مرتبط به منذ نشأته وتكوينه، أكثر من يهتم به ويعرفه، أكثر من لاحظه عبر كل مراحل نموه، حتى أنها كانت تلاحظ لون (برازه).
كل هذه الخبرة والمعلومات عنه والاهتمام به سيحاول الذكر العتيد التخلص منها وتجنبها والفرار منها في كل قراراته، من أجل أن يثبت للمجتمع أنه رجل، ليس كمحاولة للاستقلال والاعتماد على النفس بقدر ما هي تنصل من تهمة أنه ابن أمه أو بيسمع كلام مراته! تلك الحقيقة التي لا يمكن نفيها، وربما تكون أكثر حقيقة مطلقة في حياته.
لكل إنسان حماقاته، لكن للذكور في المجتمعات الذكورية حماقات موروثة، تأتي من قناعات غير حقيقية، وتصورات خيالية عن مفهومهم للرجولة، وتصورات الذكور عن النساء تصورات ساذجة، فعلى سبيل المثال، يتخيل الذكر أنه يخفي الكثير من أسراره عن أمه وزوجته، بداية من شرب السجائر والحشيش والمدخرات، مرورًا بالعلاقات العاطفية والجنسية وغيرها، ظنًا منه أن الأم ذلك الكائن الطيب الحنون لا يهتم إلا بتزغيطه ورعايته فقط، وأن الزوجة كائن بسيط لا يتجاوز تفكيره الاهتمام بالشوبينج ورعاية الأبناء.
هذه التصورات تجعل الذكر كائن على نياته، في مواجهة أمه وزوجته؛ أكبر جهازين لديهما معلومات عنه.
يربي الذكر منا قطة أو كلب وبعد عام أو أقل يستطيع أن يعرف حالة حيوانه الأليف الصحية والنفسية بسهولة، فيعرف متى يكون جائعًا أو مريضًا أو سعيدًا أو حزينًا، بحكم المعايشة والاقتراب والاهتمام، لكنه يتخيل أنه يمكنه إخفاء الأسرار عن أمه أو زوجته! ويحاول بكل جهد أن يتجاوزهما في اتخاذ أي قرار في محاولة منه ليثبت للمجتمع أنه رجل.
من المواقف التي لايمكن أن أنساها ذات ليلة، استنجدت بي جارتي ذات الثمانين ربيعًا، لأحضر معها لحظة وفاة زوجها، وأتأكد من وفاته. كانت منهارة في غياب أبنائهما، لاكتشف أنها لا تعرف عنه شيئًا؛ فلقد حرص لأكثر من نصف قرن أن يخفي عنها كل شيئ، بداية من مرتبه أو معاشه أو مدخراته، حتى بطاقته (الرقم القومي)، التي لم تكن تعرف مكانها لاستخراج تصريح الدفن.
جارتي العجوز المسكينة لم تكن تعرف مكان مقابر الزوج، لأنه كان مؤمنًا أن الراجل مينفعش يدي سره لواحدة ست، حتى لو كانت مراته وشريكة حياته، وحتى لو كان في فراش المرض الأخير، ستين سنة كانت مجرد جارية بتأكله وتشربه وتربي عياله، لكن من غير رأي، حتى في جواز ولادها، ليتركها تواجه الحياة من بعده وحيدة.
عِشرة ستين سنة عالحلوة والمُرة وثلاثة أبناء، ما كنوش كفاية ليتخلى جاري عن ذكوريته ويثق في شريكة عمره، ويقولها أبسط المعلومات عنه.
في دراسة نشرها الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عام 2017 -مركز الأبحاث والدراسات السكانية- هدفت إلى التعرف على دور المرأة في اتخاذ القرارات داخل الأسرة مثل (التصرف في العائد – استخدام وسائل تنظيم الأسرة – القرارات اليومية). وتكونت مجموعة الدراسة من (21762 سيدة)، خلصت النتائج إلى أن 68.1% فقط من جملة السيدات تشترك مع الزوج في اتخاذ قرار التصرف في العائد، سواء كان عائد الزوجة أو عائد الزوج، وترتفع هذه النسبة في الحضر مقارنة بالريف.
فاللهم باعد بيني وبين حماقات الذكور، كما باعدت بين المشرق والمغرب.