حالة جدل كبرى مصحوبة بمخاوف أكبر وحالة من الهلع والفزع الوطني العام أثارها مشروع تعديل قانون هيئة قناة السويس، بعد موافقة مجلس النواب عليه مؤخرًا. ذلك بما تضمنه من بنود غير واضحة، اعتبرتها أحزاب ورموز سياسية تمثل مساسًا بالسيادة المصرية على قناة السويس.
تتزامن هذه المخاوف مع اتجاه الدولة البادي مؤخرًا في الالتزام بسياسة طرح أصول الدولة للاستحواذ الأجنبي. وما أعلنه صندوق النقد مؤخرًا بشأن تمويلات إضافية بقيمة تصل إلى 14 مليار دولار من شركاء دوليين وإقليميين، بينهم دول مجلس التعاون الخليجي، من خلال عمليات البيع الجارية للأصول المملوكة للدولة، وقنوات التمويل التقليدية من الدائنين الثنائيين ومتعددي الأطراف.
نص التعديلات
مشروع القانون الجديد قدمته الحكومة في أغسطس/ آب ووافق مجلس النواب على مجموع مواده بينما أرجئت الموافقة النهائية عليه لجلسة لاحقة لعدم اكتمال النصاب القانوني لتمريره. وينص على أن يُنشأ صندوق باسم “صندوق هيئة قناة السويس”، تكون له شخصية اعتبارية مستقلة.
ويمنح المشروع الجديد للصندوق سلطة جميع الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية للهيئة، بما في ذلك المساهمة بمفرده أو مع الغير في تأسيس الشركات، أو في زيادة رؤوس أموالها، فضلًا عن الاستثمار في الأوراق المالية. وكذا الحق في شراء وبيع وتأجير واستئجار واستغلال أصوله الثابتة والمنقولة والانتفاع بها، للمساهمة في التنمية الاقتصادية المستدامة لمرفق هيئة قناة السويس وتطويره.
اقرأ أيضًا: دوافع الاهتمام الحكومي المفاجئ بصناديق الاستثمار العقاري
وهذا على وجه التحديد ما أثار المخاوف حول الغرض الأساسي من إنشاء الصندوق، في وقت ربطه البعض بشروط صندوق النقد المتعلقة ببيع الأصول للموافقة على القرض المطلوب من مصر.
صباحي: القناة خط أحمر
إذ ندد المرشح السابق لرئاسة الجمهورية حمدين صباحي بمشروع القانون. وقال في منشور عبر صفحته الشخصية بـ “فيسبوك”، إن “قناة السويس خط أحمر حفرناها بأرواح الشعب وبإرادة الشعب أممناها بدماء جيش الشعب هي ملك الشعب”. بينما اتهم الحكومة بالفشل، ومحاولة التفريط في هذا الشريان المائي بالغ الأهمية لمصر.
بحسب بيانات هيئة قناة السويس، بلغ إجمالي إيرادات الهيئة 7 مليارات دولار خلال العام المالي 2021/ 2022، بإجمالي حمول صافية 1.32 مليار طن. وهي أعلى إيرادات في تاريخها، وكذلك أعلى حمولة صافية سنوية لعام مالي.
وقال رئيس حزب التحالف الشعبي، مدحت الزاهد، إن هذا القرار “من شأنه إضعاف مصر وتفريغها من مصادر قوتها وسيادتها على مواردها، بإنشاء شركات وهيئات خاصة تجيز مشروعات تسمح بدخول أطراف أجنبية تنال من قدرة مصر على إدارة هذا الشريان الحيوي”.
الزاهد: القناة عصب القوة المصرية
وأضاف الزاهد، في تصريحاته لـ “مصر 360″، أن روشتة الاقتصاد الليبرالي الحالية تقوم على تسليع القيم والأصول ضمن حسابات ضيقة. وأننا “دخلنا الآن في سكة مبادلة الديون ببيع الأصول الإنتاجية والسيادية والأراضي والشركات الحيوية. بينما لم نستخدم هذه الديون فى تطوير القدرات الإنتاجية، بما يوفر العائد المطلوب. وما يجب الآن هو الابتعاد تمامًا عن مصادر القوة المصرية التى هي عصبها قناة السويس. خاصة وأن الصندوق المزمع إنشاؤه، خارج موازنة الدولة، كغيره من الصناديق الخاصة التي لا تخضع لرقابة البرلمان”.
وعبر صفحته بـ”فيسبوك”، كتب الباحث الاقتصادي، إلهامي الميرغني، أن قناة السويس علامة في تاريخ الوطن، بدأها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، أخفق فى بعضها ونجح في بعضها الآخر، لكنها ملحمة وطنية. “للأسف قناة السويس أصبحت مجرد أصل يباع ويشتري مثل مجمع التحرير ومثل تيران وصنافير.. من يفرط في حقوق بلاده ولو للحظة واحدة يبقى أبد الدهر مزعزع العقيدة سقيم الوجدان”.
وقد أمم قناة السويس الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، في 26 يوليو/ تموز 1956. وكانت تخضع قبل ذلك لإدارة الحكومة الفرنسية، وجاء قرار التأميم صادمًا للقوى العظمى وقتها، وردت عليه بعدوان ثلاثي كلف مصر دماء وجهدًا كبيرًا لمعالجة آثاره.
عمار علي حسن: بيع لجدران البيت
عبر حسابه على “تويتر”، كتب الدكتور عمار علي حسن، الباحث في علم الاجتماع السياسي: “يبدو أننا قد انتهينا من بيع الأثاث، وبدأت مرحلة بيع جدران البيت. أتحدث عن قانون ينظره البرلمان الآن. عن إنشاء صندوق لهيئة قناة السويس يكون من حقه شراء وبيع وإيجار واستئجار الأصول الثابتة والمنقولة والانتفاع بها.. يا لضيعة أرواح الذين استشهدوا في التأميم، والذين دفعوا أثمانًا بسببه”.
وتدافع الحكومة عن مشروع القانون بإعلان أن الصندوق الجديد “يهدف إلى المساهمة في التنمية الاقتصادية المستدامة لمرفق قناة الـسويـس. بما يشمل تطويره من خلال الاستغلال الأمثل لأمواله، وفقًا لأفضل المعايير والقواعد الدولية. ما من شأنه تعظيم قيمتها ومجابهة الأزمات والحالات الطارئة التي تحدث نتيجة أي ظروف استثنائية أو قوة قاهرة أو سوء الأحوال الاقتصادية”.
إلا أن عاطف مغاوري، رئيس الكتلة البرلمانية بحزب التجمع وعضو اللجنة التشريعية بالبرلمان، يرى أن ما ورد بالتعديلات الجديدة على القانون يخالف المبرارت المروج لها لتمرير المشروع بكونه يهدف لتوفير احتياطي لمواجهة الأزمات المالية.
يقول: “فوجئنا بتوسيع التعديلات فى مواد القانون، بإنشاء صندوق له رئيس هيئة ومجلس إدارة وجمعية عمومية. ما يعني جهة موازية لقناة السويس، تمتلك أصولًا، ولها حق البيع والاستئجار والمشاركة وطرح أوراق مالية”.
ويضيف مغاوري أن أنشطة الصندوق الواردة ضمن نصوص قانون الهيئة تمثل أنشطة موازية للمنطقة الاقتصادية. ويشير -ضمن تصريحاته لـ”مصر 360″- إلى أن مصر بها آلاف من صناديق الاستثمار، بقيمة تقديرية 36 مليار جنيه، هي خارج الموازنة وسيطرة الدولة والرقابة، على حد قوله.
التحالف الشعبي: خصخصة للقناة
ومن جانبه، حذر حزب التحالف الشعبي الاشتراكي مما أسماه “خصخصة قناة السويس”. وذكر -في بيان- أن “أهداف هذا المشروع الجديد صريحة وواضحة وتتعلق بالاستثمار وتأسيس شركات وشراء أو بالأحرى بيع أصول وخلافه. وبذلك تمتد أيادي السلطة الحاكمة إلى قناة السويس ذاتها. وهو أمر كان لا يمكن أن يتخيله غالبية المصريين، وإن كان الأمر بصدور وثيقة ملكية أصول الدولة قد أصبح واضحًا منذ شهور”.
وتلزم المادة (43) من الدستور المصري الدولة بحماية قناة السويس وتنميتها، والحفاظ عليها بصفتها ممرًا مائيًا دوليًا مملوكًا لها. كما تلزمها بتنمية قطاع القناة، باعتباره مركزًا اقتصاديًا متميزًا.
إلا أن حزب التحالف الشعبي الاشتراكي يشكك في نوايا الحكومة فيما يتعلق بحماية السيادة المصرية على القناة. ويضيف في بيانه أن “توقيت ظهور تعديل القانون وتأسيس هذا الصندوق الخاص الذي يخصخص القناة عمليًا، بعد أيام فقط من توقيع اتفاق لم تعلن بنوده مع صندوق النقد الدولي، خلافًا لكل التقاليد المرعية في مثل هذه الاتفاقات، يثير شبهات كثيرة حول الشروط التي تم فرضها عمومًا. ومن بينها التوسع في خصخصة مرافق مصر الاستراتيجية، بما فيها قناة السويس”.
اقرأ أيضًا: لماذا أسست الدولة صندوق استثمار خاص لقناة السويس؟
ووفق بيان الحزب، فإن “الشبهة تزداد هنا بسابق تصريحات وزير المالية حول رفض مصر خصخصة قناة السويس أو السد العالي. وهو ما يشير إلى أن خصخصة تلك المرافق الاستراتيجية كانت بالفعل ومنذ فترة موضع تفاوض مع الدائنين الدوليين، وممثلهم صندوق النقد الدولي”.
الديمقراطي الاجتماعي: آخر مسمار بنعش الموازنة
وقد رفض الحزب الديمقراطي الاجتماعي مشروع القانون الجديد. بينما اعتبره محمود سامي الإمام، رئيس الكتلة البرلمانية للحزب، “أحد خطايا الحكومة الحالية، تضاف إلى السياسية المالية الخاطئة التي تعالج الديون بتفتيت الموازنة وتفريغها من محتواها”، على حد قوله.
وأضاف إمام، في حديثه لـ”مصر 360″، أن التوسع في إنشاء الصناديق الخاصة خارج الرقابة ضد السياسة المالية العامة والانضباط المالي للدولة. وهو أحد أسباب ضعف المؤسسات المالية، التي ثبت عدم جدواها”، معتبرًا أن “الصندوق آخر مسمار في نعش الموازنة واستمرار للسياسة المالية الخاطئة”.
بينما أبدى حزب الإصلاح والتنمية تحفظًا على مشروع التعديلات، وطالب نائب رئيسه المهندس علاء عبد النبي، في حديثه لـ”مصر 360″، بأن تشترط موافقة البرلمان قبل وزير المالية، عند استقطاع جزء من موارد الهيئة لصالح هذا الصندوق حال إقراره.
اجتماع طارئ للحركة المدنية
وممثلًا عن الحركة المدنية الديمقراطية، أشار رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، مدحت الزاهد، إلى اجتماع طارئ مقرر أن تعقده الأحزاب الاثنى عشر التي تضمها الحركة، لمناقشة هذه القضية. بينما طالب بسرعة تأسيس جبهة للدفاع عن قناة السويس ضد مشروع القانون الجديد.
جبالي: القناة مال عام لا تفريط فيه
وفي كلمته بالجلسة العامة أمس الثلاثاء، أكد رئيس مجلس النواب المستشار الدكتور حنفي جبالي، أن قناة السويس مال عام لا يمكن التفريط فيه. وقد شدد على أن مشروع القانون المقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام القانون رقم 30 لسنة 1975 بنظام هيئة قناة السويس، لا يتضمن أي أحكام تمس قناة السويس. ذلك لكونها من أموال الدولة العامة، ولا يجوز التصرف فيها أو بيعها.
وأضاف رئيس النواب أن مشروع القانون -الذي وافق عليه مجلس النواب في مجموعه بجلسته الأخيرة- والمتضمن إنشاء صندوق تابع لهيئة قناة السويس، لم تستكمل إجراءات الموافقة عليه بصورة نهائية بعد.
كما أكد أن ما تضمنه مشروع القانون من حق الصندوق، المزمع إنشاؤه، في بيع أو شراء أو استئجار أو استغلال أصوله الثابتة أو المنقولة، هو أمر طبيعي، يتفق مع طبيعة الصناديق كوسيلة من وسائل التمويل والاستثمار، ولا يمس بشكل مباشر أو غير مباشر قناة السويس. ذلك لأن لفظ “الأصول” لا يمكن أن ينصرف إلى القناة ذاتها. فهي مال عام لا يمكن التفريط فيه، على حد قوله.
رأس مال الصندوق
وتحدد المادة (15 مكررًا “3”) من مشروع القانون المقدم من الحكومة موارد الصندوق في عدة مصادر. هي: رأس مال الصندوق، ونسبة من إيرادات هيئة قناة السويس، أو تخصيص جزء من فائض أموال هيئة قناة السويس لصالح الصندوق بعد الاتفاق مع وزير المالية، وعائد وإيرادات استثمار أموال الصندوق، بالإضافة إلى الموارد الأخرى التي تحقق أهداف الصندوق، ويقرها مجلس الإدارة، ويقبلها رئيس مجلس الوزراء.
كما يكون للصندوق موازنة مستقلة، يتبع في وضعها وإعداد القوائم المالية لها معايير المحاسبة المصرية. وتبدأ السنة المالية له وتنتهي في الموعد المقرر بنظامه الأساسي. ويُرحل فائض الصندوق من عام إلى آخر. كما يكون للصندوق حساب خاص ضمن حساب الخزانة الموحد بالبنك المركزي.
وتمنح الخزانة العامة للدولة أموال الصندوق المودعة بالحسـاب نفس العائد الذي تمنحه البنوك التجارية. كما يجوز فتح حساب بأحد البنوك التجارية بعد موافقة وزير المالية، وتخضع كافة حسابات الصندوق والحسابات الختامية له لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات.
يكون رأس مال الصندوق المرخص به مائة مليار جنيه مصري. بينما رأس ماله المدفوع عشرة مليارات جنيه مصري، تسدد من هيئة قناة السويس. ويجوز زيادة رأس مال الصندوق بموافقة الجمعية العمومية للصندوق. ذلك وفقًا لضوابط النظام الأساسي للصندوق. كما تُعد أموال الصندوق من الأموال المملوكة للدولة ملكية خاصة.
إدارة الصندوق
ويكون للصندوق -وفق التعديلات الجديدة- مجلس إدارة برئاسة رئيس هيئة قناة السويس وعضوية 4 من أعضاء مجلس الإدارة أو المديرين بهيئة قناة السويس؛ 3 أعضاء من ذوي الخبرة في المجالات الاقتصادية والقانونية والاستثمارية، يختارهم رئيس مجلس الوزراء. وتكون مدة عضويتهم 4 سنوات قابلة للتجديد.
كما تشترط التعديلات أن يكون للصندوق مدير تنفيذي من ذوي الخبرة العملية في مجال الاستثمار متفرغ لإدارته. ويكون تعيينه لمدة عامين قابلة للتجديد. ويمثل الصندوق في صلاته مع الغير وأمام القضاء. ويصدر بتعيينه وتحديد اختصاصاته ومعاملته المالية قرار من مجلس إدارة الصندوق.
كما يكون للصندوق جمعية عمومية تشكل بقرار من رئيس مجلس الوزراء برئاسة رئيس وعضوية 17 عضوًا. ويكون ضمن اختصاصاتها متابعة أداء الصندوق لأعماله وتقييمها والوقوف على مدى تحقيقه لأغراضه. وتصدر قراراتها بأغلبية أصوات الحاضرين.
قناة السويس تاريخيًا
فى 25 إبريل/ نيسان 1859 بدأ العمل فى حفر قناة السويس، وتدفقت مياه البحر الأبيض المتوسط في بحيرة التمساح (18 نوفمبر/ تشرين الثاني 1862). وكانت وقتئذ عبارة عن منخفض من الأرض، تحف به الكثبان الرملية ويقع في منتصف المسافة بين بورسعيد والسويس.
تلاقت مياه البحرين الأبيض والأحمر (18 أغسطس/ آب 1869)، فتألف منها ذلك الشريان الحيوي للملاحة العالمية، وبذا انتهت أعمال هذا المشروع الضخم، الذي استغرق تنفيذه 10 سنوات، بعد استخراج 74 مليون متر مكعب من الأتربة بأيادي عمالة مصرية استخدمت وقتها كسخرة. وقد بلغت تكاليفه 433 مليون فرانك (17 مليونًا و320 ألف جنيه)، أي ضعف المبلغ الذي كان مقدرا لإنجازه.
كيف ضاعت القناة؟
في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 1869 تم افتتاح القناة في حفل أسطوري، بحضور 6 آلاف مدعو، في مقدمتهم الإمبراطورة أوجيني زوجة إمبراطور فرنسا نابليون الثالث، وإمبراطور النمسا، وملك المجر، وولي عهد بروسيا، وشقيق ملك هولندا، وسفير بريطانيا العظمى في الآستانة، والأمير عبد القادر الجزائري، والأمير توفيق ولي عهد مصر، والكاتب النرويجي الأشهر هنريك إبسن، والأمير طوسون نجل الخديو الراحل سعيد باشا، ونوبار باشا.
وعبرت القناة في ذلك اليوم السفينة “ايجيل” وعلى متنها كبار المدعوين، تتبعها 77 سفينة منها 50 سفينة حربية. وأقيمت بهذه المناسبة احتفالات ومهرجانات، أنفق فيها الخديو إسماعيل نحو مليون ونصف مليون جنيه.
وفي 15 فبراير/ شباط 1875 اشترى بينجامين دزرائيلي، رئيس الوزراء البريطاني، من الخديوى اسماعيل 176 ألفًا و602 سهم مقابل مبلغ 3.976.580 جنيه إنجليزي. وهذه الأسهم المصرية المباعة كانت تمثل 44% من مجموع الأسهم، وكانت تعطي مصر حق الحصول على 31% من مجموع ربح الشركة.
وتنازلت الحكومة في 17 إبريل/ نيسان 1880 للبنك العقاري الفرنسي عن حقها في الحصول على 15% من ربح الشركة مقابل 22 مليون فرنك. وبذلك أصبحت الشركة تحت السيطرة المالية لفرنسا وإنجلترا؛ للأولى 56% من الأسهم، وللثانية 44%.