في 8 ديسمبر/ كانون الأول، أجرت واشنطن وموسكو عملية تبادل أسرى، أُعيدت فيها نجمة دوري كرة السلة الأمريكية WNBA بريتني جرينر إلى الولايات المتحدة، مقابل تاجر الأسلحة الروسي فيكتور بوت. كانت جرينر محتجزة منذ فبراير/ شباط لارتكابها جريمة مخدرات بسيطة. بينما قضى بوت أكثر من عقد من الزمان في سجن أمريكي محكوما عليه بتهم الإرهاب والتآمر وتهريب الأسلحة.
بعد التبادل، أصدرت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بيانًا مشتركًا، أشارتا فيه إلى أن إطلاق سراح جرينر تم بوساطة من قادتهما ، ولي العهد محمد بن سلمان، والرئيس محمد بن زايد. ومع ذلك، سرعان ما دحض البيت الأبيض هذا التأكيد، ما أثار تساؤلات حول ما حدث بالفعل.
في تحليله، يشير بينيت نيوهوف، الباحث المشارك في مشروع كوريت التابع لمعهد واشنطن، حول العلاقات العربية- الإسرائيلية. إلى أن رواية الرياض عن مفاوضات الأسرى “كانت أحدث محاولة لها للاستفادة من شراكتها المتزامنة مع واشنطن وموسكو نحو هدف أوسع، هو الانخراط في الدبلوماسية المحيطة بحرب أوكرانيا”.
يقول: طوال فترة الصراع، حاول محمد بن سلمان موازنة هذه العلاقات، والحفاظ على خطوط الاتصال مفتوحة مع روسيا وأوكرانيا والتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لدعم كييف.
اقرأ أيضا: معهد الخليج: زيارة شي إلى السعودية لا تبدو تهديدًا للشراكة مع واشنطن
وأشار إلى أنه خلال مكالمات هاتفية مع الرئيسين، الروسي فلاديمير بوتين، والأوكراني فولوديمير زيلينسكي، بعد أسبوع واحد فقط من الغزو الروسي ، عرض محمد بن سلمان التوسط بين البلدين ، وكرر هذا العرض في عدة مكالمات منذ ذلك الحين.
فرصة ضئيلة
يرى نيوهوف أنه على الرغم من أن السعوديين “لديهم فرصة ضئيلة من خلال التوسط في خفض التصعيد على نطاق أوسع في أي وقت قريب”، نجح محمد بن سلمان في “دبلوماسية الأسرى”.
يقول: بين إبريل/ نيسان، وسبتمبر/ أيلول ، شارك ولي العهد السعودي، شخصياً، في محادثات سرية تتعلق بالإفراج عن عشرة من أسرى الحرب المحتجزين في روسيا، من بينهم أمريكيان. بعد شهور من مفاوضات القناة الخلفية، بينه وبين الأوليجارشي “عضو الدائرة الضيقة المحيطة بالحكم” الروسي رومان أبراموفيتش، والبرلماني الأوكراني رستم أوميروف. تم إرسال هؤلاء السجناء إلى الرياض، ثم عادوا إلى بلدانهم على متن طائرة خاصة.
ولفت إلى أن هذه القناة الخلفية “كانت مرتبطة بمسار تفاوضي منفصل بوساطة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان”.
أوضح: ركز مسار الرياض، فقط، على إطلاق سراح المقاتلين الأجانب الأسرى. بينما شمل مسار أنقرة أنواعًا أخرى من السجناء.
لكن كلا الاتفاقيتين تم تنفيذهما في 21 سبتمبر/ أيلول. إجمالاً، أفرجت روسيا عن 215.سجيناً، وأطلقت أوكرانيا سراح 55.
وأكد نيوهوف أن جهود الوساطة هذه تلتها رسائل شكر لمحمد بن سلمان من بوتين ومسؤولين غربيين مختلفين ، بما في ذلك زيلينسكي ، ووزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين ، ومستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان.
عندما سُئل وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان عما إذا كان الأمير محمد بن سلمان قد شارك في المفاوضات كوسيلة لإعادة تأهيل سمعته في واشنطن وعواصم أخرى ، أجاب: “لم يؤخذ ذلك بعين الاعتبار. أعتقد أن هذه نظرة هزلية للغاية”.
وأضاف أن محمد بن سلمان “استطاع إقناع الرئيس بوتين بأن هذه لفتة إنسانية”.
ما هو دور الخليج في مقايضة جرينر؟
يشير نيوهوف إلى أنه “بغض النظر عن دوافع ولي العهد، أظهرت وساطة السجناء الناجحة أن علاقاته مع جميع الأطراف يمكن أن تؤتي ثمارها في مفاوضات عالية المخاطر. وتعزز مكانته الدبلوماسية في هذه العملية.
وأضاف: عندما تم إطلاق سراح جرينر من الأسر الروسي، أشار البيان المشترك للرياض وأبو ظبي إلى أن “نجاح جهود الوساطة كان انعكاسًا للصداقة المتبادلة والوثيقة” التي تشترك فيها الدولتان مع الولايات المتحدة وروسيا. ومع ذلك، ما هو النطاق الفعلي لجهودهم؟
ساعدت الإمارات العربية المتحدة بالتأكيد في مرحلة التنفيذ. تم إجراء التبادل في 8 ديسمبر/ كانون الأول، في قاعدة جوية في أبو ظبي. بالإضافة إلى ذلك، ذكر موقع أكسوس الاستخباراتي أن محمد بن زايد أثار قضية جرينير عندما التقى بوتين في سان بطرسبرج في 11 أكتوبر/ تشرين الأول ، بعد أن تشاور المسئولون الإماراتيون مع إدارة بايدن مسبقًا.
كانت مشاركة الرياض أقل وضوحا. صرّح وزير الخارجية السعودي أن محمد بن سلمان “تدخل شخصيًا لتسهيل الإفراج عن جرينر”. لكن التصريحات الأمريكية ألقت بظلال من الشك على هذا الدور. وبينما كان المسئولون السعوديون حاضرين لتبادل جرينر في أبو ظبي، لم يتم الكشف عن تفاصيل أخرى حول دور المملكة في تنفيذ المبادلة.
يقول نيوهوف: على عكس محمد بن زايد، لم يلتق محمد بن سلمان شخصيًا ببوتين منذ اندلاع حرب أوكرانيا.
في غضون ذلك ، عندما سُئلت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض كارين جان بيير عن مشاركة الخليج في الصفقة، قالت للصحفيين :”الدول الوحيدة التي تفاوضت على هذه الصفقة هي الولايات المتحدة وروسيا. لم تكن هناك حاجة إلى وساطة”.
وبالمثل، لم تذكر التغطية الإعلامية الأمريكية للمفاوضات أي دور سعودي أو إماراتي خارج أبوظبي التي تستضيف المبادلة نفسها وزيارة محمد بن زايد لروسيا.
وأشار المحلل بمعهد واشنطن إلى أنه “في الأساس، صوّرت إدارة بايدن دور الرياض في إطلاق سراح جرينر بأنه أقل أهمية من دورها في إطلاق سراح سجناء سبتمبر/ أيلول، في حين صور السعوديون أنفسهم كلاعبين رئيسيين في كلتا الصفقتين”.
اقرأ أيضا: الإمارات الفاعل الأكبر.. خريطة النفوذ الخليجي في دول الصراعات العربية
لماذا الوساطة السعودية مهمة؟
يرى نيوهوف أنه كما هو الحال مع الخلافات السابقة حول إنتاج الطاقة، والالتزامات الدفاعية، وقضايا حقوق الإنسان، يبدو أن إدارة بايدن والرياض مرة أخرى غير قادرة أو غير راغبة في إبقاء خلافاتهما وسوء التفاهم سراً.
ومع ذلك، على الرغم من تصريحاتهم العلنية المتباينة بشأن إطلاق سراح جرينر والصعوبات الثنائية الأوسع نطاقاً “أثبت محمد بن سلمان في سبتمبر/ أيلول أن قنواته الدبلوماسية مع روسيا وأوكرانيا والولايات المتحدة يمكن أن تكون مفيدة في حل المشكلات الشائكة مثل تبادل الأسرى”.
يقول: لا يزال ولي العهد السعودي أحد قادة العالم القلائل -إلى جانب محمد بن زايد وأردوغان- الذين لديهم الرغبة والوصول اللازمين لتجاوز الانفتاح الدبلوماسي المحدود في حرب أوكرانيا. هذه السمات، إلى جانب نهجه الطموح في السياسة الخارجية ورفضه للانحياز علنًا إلى جانب في الصراع، تجعله وسيطًا محتملاً فعالاً.
لكن، السؤال هو ما إذا كانت واشنطن ستحتاج -أو تريد- مساعدته في أي مفاوضات مستقبلية.