تستعد الحكومة ممثلة في لجنة تسعير الوقود، إعلان التسعيرة الجديدة للوقود والبنزين للربع الأول من عام 2023، بعد سلسلة من الاجتماعات مع ممثلي وزارة البترول وغيرها من الجهات المعنية بتسعير الوقود وفق معطيات ومتغيرات السوق. وسط ترقب الشارع وتخوف من تطبيق أية زيادات جديدة تنعكس ارتفاعا على أسعار السلع والخدمات في السوق المحلية.
اقرأ أيضا.. زيادة من 50 قرشا لـ”جنيه”.. أسعار جديدة للبنزين تحرق محدودي الدخل
وباعتبار مصر من الدول التي تستورد من 25 إلى 30% من احتياجاتها النفطية فإنها ترتبط مباشرة بالتسعيرة اليومية لحركة خام برنت. خاصة في ظل اتباع الحكومة برنامجًا لهيكلة تسعيرة الوقود كل 3 أشهر. ومع استعداد لجنة التسعير لإعلان خريطة أسعار الثلاثة أشهر القادمة فهناك أكثر من سيناريو للأسعار المقرر تطبيقها بداية يناير. لكن التخوف السائد هو مدى قدرة السوق على تحمل أية زيادات جديدة على مستوى المنتجات البترولية.
كيف تحدد الأسعار؟
وفقًا لما هو متبع في مصر، يتم تطبيق آلية للتسعير التلقائي لبعض منتجات البترول منذ يوليو 2016 بعد أن وصلت بأسعارها إلى مستوى التكلفة من خلال برنامج تحرير أسعار الوقود.
وتحدد لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية الأسعار كل 3 أشهر بناءً على التغير في متوسط الأسعار العالمية خلال الربع عام السابق للقرار. إلى جانب التحرك في سعر الصرف بالإضافة إلى تكاليف الشحن وغيرها.
وتربط كثير من بلدان العالم، سعر الوقود بالتغيرات التي تحدث في أسعار خام برنت. فإذا ارتفع سعر النفط يرتفع سعر الوقود، وإذا انخفض ينخفض السعر وهكذا. وقد شهدت أسعار “برنت” خلال 2022 ارتفاعًا ملحوظًا حيث تراوح سعر البرميل بين 85 و 95 دولارًا. نتيجة التأثر بتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.
وكانت لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية قررت في أكتوبر الماضي خلال اجتماعها الأخير، تثبيت سعر بيع الوقود في السوق المحلية والإبقاء على الأسعار الحالية السائدة للربع الأخير من 2022.
لكن وزير البترول طارق الملا، خرج بعد القرار وصرح أنه كان من المفترض زيادة أسعار المحروقات في مصر بنسبة 10% وفق آلية التسعير التلقائي لمراجعة أسعار المحروقات، إلا أنه تم تأجيلها مراعاة للبعد الاجتماعي.
هيكلة دعم الوقود
وقال عمرو الحديدي رئيس هيئة البترول السابق، إن التسعير التلقائي للوقود قلص من حجم الدعم الموجه إلى المواد البترولية خلال السنوات الماضية، حيث تراجع إلى حوالي 18.4 مليار جنيه خلال العام المالي 2021/2022، مقارنة بـ 28.2 مليار جنيه خلال 2020/2021، وفي العام المالي 19/2020 سجل دعم المواد البترولية 18.7 مليار جنيه.
أضاف الحديدي في تصريح خاص، أن دعم البترول شهد تباينًا واضحًا بداية من العام المالي 14/2015 الذي سجل حينها 73.9 مليار جنيه. وفي عام 15/2016 بلغ 51 مليار جنيه. ثم عاود الارتفاع في العام المالي 16/2017 وسجل نحو 115 مليار جنيه.
وسجل أقصى ارتفاع في عام 17/2018 حيث بلغ 120.8 مليار جنيه. لتبدأ مرحلة تقليص الدعم بشكل واضح في عام 18/2019 والذي سجل حينها 84.7 مليار جنيه.
فيما صرح الدكتور مصطفي مدبولي، رئيس الوزراء، أن إجمالي دعم المحروقات في موازنة 2022/2023 يقرب من 30 مليار جنيه لدعم المحروقات والبوتاجاز، موضحًا أن الحكومة وضعت احتياطات عامة لتدخل الدولة في العام المالي القادم في حالة وجود أرقام تجاوزت الأرقام المتواجدة في الموازنة.
وأشار في بيان له، إلى أن متوسط سعر السولار على الدولة خلال الـ3 أشهر الأخيرة وصل لـ11 جنيها للتر ويتم بيعه بـ6.75 جنيها أي أن الدولة تتحمل 4 جنيه وربع ومصر تستهلك يوميا 42 مليون لتر سولار.
أسباب ترجح الزيادة
ومنذ بداية 2022، شهدت كلا السوقين المحلية والعالمية متغيرات وتقلبات عديدة على مستوى الأسعار “نفط، فائدة، سعر الصرف”، وبالتبعية التأثير على إعادة هيكلة سعر بيع المشتقات البترولية ووصولها إلى مستويات قياسية خاصة بالنصف الثاني من 2022، خاصة وأن الزيادة في فاتورة الاستيراد ارتفعت خلال العام الجاري بما يقارب الـ 35%.
ويقول مدحت يوسف نائب رئيس هيئة البترول الأسبق في تصريح خاص، إن ارتفاعات أسعار النفط إلى مستويات 85 دولار للبرميل تُرجح كفة تحريك أسعار المنتجات البترولية في السوق المحلية خلال الـ3 أشهر المقبلة. إذ لا يمكن أن تتحمل موازنة الدولة الارتفاعات المتتالية في أسعار النفط العالمي، في ظل السعر المقدر للبرميل بالموازنة عند 80 دولار.
أوضح أن قرار أوبك بخفض إنتاج النفط عالميًا حافظ على استقرار سوق تداول النفط وتحقيق التوازن بين منتجي ومستهلكي البترول والغاز. ما ساعد على ارتفاع سعر خام برنت لما فوق 85 دولار للبرميل.
أكد أن مصر من الدول المستوردة لاحتياجاتها النفطية، وبالتالي فإن ارتفاع سعر خام برنت يؤثر بشكل مباشر على تسعيرة الوقود محليًا. خاصة أن الحكومة تتبع برنامجا لهيكلة تسعيرة الوقود كل 3 أشهر. إذ أن تقييم منحنى الأسعار يكون للـ3 أشهر السابقة على قرار تعديل الأسعار. وليس على أساس ارتفاع أو هبوط الأسعار طيلة العام.
وبشأن سعر صرف الجنيه، لفت إلى أنه على مدار العام فإن سعر صرف الجنيه تراجع بنحو 35:40% أمام الدولار؛ تأثرًا بالأحداث العالمية وقرارات البنك المركزي برفع الفائدة لكبح جماح مستويات التضخم بالسوق.
لفت إلى أن سعر الصرف حاليًا تجاوز الـ 24.70 جنيه، مقارنة بمستوى في حدود 17 دولار بداية 2022، ومن ثم هناك تراجع في سعر الصرف نتج عنه ارتفاع فاتورة الاستيراد من الخارج بنحو 35%، الأمر الذي يُحتم على الحكومة اللجوء إلى تحريك أسعار الوقود لتجنب تحمل مزيد من الأعباء على الموازنة، لكن ذلك سيأتي على حساب المواطن وهنا لا بد من إيجاد حل لهذه المعادلة.
من ناحيته صرح مصدر بهيئة البترول، أن السيناريو الأقرب للتطبيق بداية يناير هو تحريك الأسعار بما لا يزيد عن 10% بسبب التغير على مستوى كل من سعر الصرف وخام برنت، مستبعدا اللجوء إلى سيناريو التثبيت للمرة الثانية على التوالي. وأضاف أن “سعر الصرف شهد تغيرا كبيرا خلال الـ 6 أشهر اللي فاتت .. إذا اعتبرنا أن الحكومة رفضت تحريك الأسعار بداية أكتوبر لحماية المواطن من ارتفاع الأسعار” وبالتالي الفارق الذي تتحمله الدولة هنا كبير للغاية ويستوجب تحركا على مستوى التعريفة بداية من 2023.
التأثير على محدودي الدخل
وفي ظل الارتفاعات الحالية على مستوى أسعار السلع والمنتجات بالسوق، فإن أي تحريك آخر على مستوى أسعار المحروقات سيتسبب في موجة أخرى من الزيادة في تكلفة بيع السلع وشحن ونقل المنتجات -وفق مدحت يوسف-.
الحكومة سعت للتغلب على تقلبات أسعار النقط بمضاعفة التحوط ضد الأسعار من خلال عقود خاصة بالتأمين ضد مخاطر ارتفاع أسعار النفط مع بنكين عالميين. وهو توجه حكومي تتبعه الدولة منذ سنوات، لتأمين الموازنة ضد مخاطر تذبذب أسعار البترول العالمية، لكن خطط التحوط لم تؤت ثمارها.. يواصل يوسف.
لابد أن تتوصل الحكومة إلى حل جدي لمُعضلة ارتفاع أسعار النفط المتتالية. إذ لا يمكن الضغط المتتالي على المواطنين بزيادة سعر الوقود كل 3 أشهر. لا بد من ابتكار آلية جديدة تُخفف تلك الضغوط على السوق بسبب زيادة أسعار النفط العالمي.
لفت يوسف إلى أن تحقيق الاكتفاء الذاتي من النفط قد يكون حلًا لتلك الأزمة لكنه ليس متاحًا على المدى القريب. ومن ثم الحفاظ على توازن السوق وأوضاع المواطنين يعتبر مسئولية الحكومة حاليًا. بالإضافة إلى إقرار آلية تحافظ على وضع السوق من التأثر بالتحركات العالمية.
واصل: موجة الأسعار الأخيرة جعلت هناك حالة من التخوف لدى المواطنين من أي تحريك جديد، وبالتالي قدرة السوق على استيعاب الحركة المنتظرة في تسعيرة الوقود ستزيد من تلك المعاناة بدرجة كبيرة.
من جانبه فإن الخبير البترولي رمضان أبو العلا ليس لديه أدنى شك في كون تحريك أسعار البنزين يؤثر في شرائح مجتمعية عدة، بما يشمل الأنشطة التجارية. وما يتبع ذلك من ارتفاع لأسعار السلع والمنتجات. إذ إن جميعها مرتبط بالزيادة الجديدة في تكلفة مدخلات التشغيل “النقل والتوزيع”.
تابع: “وينفق محدودو الدخل نسبًا كبيرة من دخولهم في توفير الطاقة الأساسية اللازمة لحياتهم اليومية -بنزين وسولار- وبالتالي فإن أي زيادة في أسعار هذه السلع يترتب عليها مزيد من المعاناة لهذه الفئة”.
ويرى أبو العلا أنه لا بد للحكومة أن تعمل بشكل رقابي على الحد من التبعات الاقتصادية والاجتماعية السلبية لأي قرار خاص بتحريك أسعار البنزين. ومن ثم ضبط ممارسات البعض الاستغلالية برفع زيادات غير مبررة في أسعار السلع.
تعويض فجوة البترول
فيما دفعت الفجوة الحالية بين ما يتحمله المواطن من ارتفاع على مستوى أسعار الوقود، وما تحققه الحكومة من مكاسب بالنسبة لصادرات الغاز الطبيعي، إلى التساؤل عن أسباب عدم تعويض تلك المكاسب لفارق الدعم الخاص بالوقود المُباع للمواطن.
هنا يرى خبراء الطاقة أنه من المفترض أن يتم توجيه جزء من قيمة الغاز المصدَّر لتوفير البنزين والسولار بسعر ملائم للفئات الأقل دخلاً. خاصة خلال الفترة الراهنة التي شهدت تحريك أسعار السلع والمنتجات المختلفة بما فيها النفط.
ووضح رمضان أبو العلا، أن مكاسب الغاز تندرج تحت بند “البترول والغاز” في الموازنة العامة، وبالتالي أي مكاسب يحققها الغاز المسال يعود بالنفع على القطاع ككل. ومن ثم لا بد أن تعوض تلك المكاسب تغيرات وتقلبات سوق النفط والمواد البترولية التي تستوردها مصر”.
وشهد الإنتاج المصري من الغاز الطبيعي حالة استقرار ووصل خلال العام المالي 2021/2022 إلى نحو 6.7 مليار قدم مكعب يوميًا. بينما ارتفعت صادرات مصر من الغاز المسال بنحو 44% خلال العام المالي المنقضي بفضل محطتي إسالة الغاز “إدكو ودمياط”. وتعول عليه الحكومة كثيرًا في توفير عملة دولارية جيدة للموازنة العامة للدولة خلال الفترة الراهنة.