كان عام 2022 مليئًا بالتحولات والمنعطفات الجامحة لليمن، بما في ذلك التصعيد العسكري، والتدهور الاقتصادي الهائل، والهدنة، وتعديل حكومي مفاجئ، وجولة من المحادثات التي تقودها الأمم المتحدة. ومنذ أكتوبر/ تشرين الأول، حرب في طي النسيان. وكانت النتيجة النهائية هي تركيز الحوار في القناة الحوثية- السعودية، مع إبعاد الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، جانبًا.
الآن، تجري محادثات بين المتمردين الحوثيين والمملكة العربية السعودية. ومع ذلك، لا يمكن لهذه المناقشات في حد ذاتها أن تنهي الأعمال العدائية. بل، يجب أن تبدأ الأمم المتحدة في إرساء أسس المفاوضات، التي تشمل جميع أطراف النزاع. بحسب تقدير حديث لمجموعة الأزمات الدولية/ Crisis Group.
يشير التقدير إلى أن الاتفاق بين الحوثيين والسعودية أفضل من تجدد الأعمال العدائية. ولكن، إذا تم بشكل سيئ، أو كان سخيا جدًا للحوثيين، أو ببساطة غير مجد -كما كانت المقترحات السابقة- فقد يشجع ذلك الحوثيين على التهرب من المفاوضات، أو دفع الأطراف الأخرى للعمل كمفسدين. أو يؤدي إلى مرحلة فوضوية جديدة من القتال.
وبما أن الفصائل اليمنية المناهضة للحوثيين يائسة من المفاوضات الحوثية- السعودية التي استبعدوا منها. ولذا إذا كانت الأمم المتحدة ستبدأ مناقشات تهدف إلى تسوية سياسية شاملة، فمن المرجح أن تجد قبولًا كبيرًا.
اقرأ أيضا: كارنيجي: السعودية فشلت باليمن و”أفشلته”
لذلك يجب على السعوديين التأكد من أن أي اتفاق مع الحوثيين يعيد المفاوضات إلى اتجاه الأمم المتحدة. التي رتبت في إبريل/ نيسان، هدنة استمرت ستة أشهر. ومنذ سقوطها، التزمت الأطراف اليمنية والإقليمية في النزاع بهدنة دون اتفاق رسمي، وأوقفوا النيران إلى حد كبير.
لقراءة التقدير كاملا اضغط هنا
مواجهة عسكرية أخرى
بينما يواصل المتمردون الحوثيون المفاوضات الثنائية مع السعودية -التي يرون أنها خصمهم الحقيقي- بدأ الحوثيون وخصومهم اليمنيون في الحكومة المعترف بها دوليًا “مجلس القيادة الرئاسي”، الاستعداد لجولة أخرى من القتال، وتصعيد حرب اقتصادية موازية.
يرى خبراء مجموعة الأزمات أنه إذا تمكنت صنعاء والرياض من التوصل إلى اتفاق، فسيظل القتال متوقفًا. لكن “مثل هذا الاتفاق قد يقنع الحوثيين أيضًا بقدرتهم على تجنب المفاوضات مع مجلس القيادة، مما لا يبشر بالخير فيما يتعلق بآفاق الحوار الوطني الشامل.
وأضافوا: في هذه الأثناء، إذا لم يكن هناك اتفاق، فستظهر مواجهة عسكرية أخرى. لذلك، يجب على الأمم المتحدة والقوى الخارجية دفع السعوديين والحوثيين لإيجاد أرضية مشتركة، مع وضع الأساس لمحادثات متعددة الأطراف، وتوضيح أن اتفاق الحوثي- السعودي، في حد ذاته، لا يمكن أن يحقق السلام في البلاد.
وأشاروا إلى أن حالة “الهدنة دون هدنة” السائدة، هي نتاج مساومة حوثية شاقة، تهدف إلى تحقيق أقصى فائدة من المفاوضات مع السعودية، مع التخلص من خصومهم في المجلس الرئاسي، وتقديم القليل من التنازلات، إن وجدت.
في أواخر سبتمبر/ أيلول، التزم الحوثيون بشروط مسبقة أطلقوا عليها اسم “إغلاق الملف الإنساني” مقابل استعادة الانفراج. شملت رفع جميع القيود المفروضة على حركة المرور من وإلى مطار صنعاء وميناء الحديدة، ودفع رواتب جميع موظفي الدولة، بما في ذلك الأجهزة العسكرية والأمنية في المناطق التي يسيطرون عليها في اليمن.
لكن، ثمن إنهاء الحرب أعلى، وهو أن يتوقف السعوديون عن دعم منافسيهم اليمنيين، وأيضًا أن يدفعوا لهم مبالغ إعادة الإعمار.
الصراع مع مجلس القيادة
لم يتصاعد الصراع العسكري بشكل كبير منذ انقضاء الهدنة في أكتوبر/ تشرين الأول، لكن الصراع الاقتصادي الموازي تصاعد.
في أكتوبر/ تشرين الأول، ونوفمبر/ تشرين الثاني، شنت القوات الحوثية هجمات بطائرات بدون طيار، وصواريخ على منشآت تصدير النفط في جنوب اليمن، مما أوقف الشحنات، وقطع مصدرًا حيويًا لإيرادات الحكومة. كما ألمح الحوثيون إلى تجديد حربهم عبر الحدود مع السعودية والإمارات.
رد المجلس الرئاسي بالمثل، وصنّف الحوثيين على أنهم جماعة إرهابية، وتعهد باستهداف مصالحهم المالية والإعلامية. ومع ورود تقارير عن قيام الجانبين ببناء القوات والعتاد في الجبهة، تظل فرص اندلاع قتال جديد عالية بشكل خطير.
لكن، يؤكد التقدير أنه في الوقت الحالي، لا يبدو أن أيًا من الطرفين مستعد للعودة إلى الحرب.
يقول: رغم كل صخبهم، قد يدرك الحوثيون أن تجدد القتال سيكون مكلفًا، لأسباب ليس أقلها القيود الاقتصادية الشديدة التي يواجهونها. من جانبهم، فإن قوات مجلس القيادة الرئاسي ليست في وضع جيد يسمح لها بالعودة إلى المعركة. رغم غضبهم من هجمات الحوثيين على منشآت تصدير النفط -مصدر دخلهم الرئيسي- وربما توترهم من المفاوضات الحوثية- السعودية التي لا رأي لهم فيها.
وأضاف: ناقش مسئولو مجلس القيادة الرئاسي -علنًا وفي السر- العودة إلى الحرب. لكن المجلس، الذي تشكل في إبريل/ نيسان، ليحل محل الرئيس اليمني المعترف به دوليا، عبد ربه منصور هادي، كسلطة تنفيذية للبلاد، كافح لتوحيد صفوفه.
ومع هذا، فيما يبدو أنه علامة على الرغبة في إنهاء دورها. تواصل الرياض التعامل مع الحوثيين، على الرغم من هجماتهم على البنية التحتية لتصدير النفط والغاز. ويشير التقدير إلى أنه “يبدو أن الحوثيين أيضًا يضربون بنبرة أكثر تصالحية مع السعوديين، في السر والعلن”.
ومع ذلك، لم يتوصل الطرفان إلى حل وسط. يضغط الحوثيون من أجل اتفاق مكتوب مفصل يفي بمطالبهم مقابل هدنة ممتدة، ينسحب السعوديون من الحرب، ويتوقفون عن دعم المجلس الرئاسي، ويدفعون للحوثيين مقابل إعادة الإعمار. بينما يسعى السعوديون إلى تفاهم لإنهاء الحرب، ويترددون في الالتزام بأي شيء كتابيًا.
اقرأ أيضا: هل الحوثيون على استعداد لتقديم تنازلات من أجل السلام؟
القناة الحوثية- السعودية
ليست جديدة، لكنها أصبحت منذ أكتوبر/ تشرين الأول، القناة الرئيسية -إن لم تكن الوحيدة- للمفاوضات.
مع تقدم المحادثات خلال الصيف، بدأ المسئولون العمانيون -الذين ساعدوا الأمم المتحدة في التوسط في الهدنة في المقام الأول- في نقل الرسائل بين كبار المسؤولين الحوثيين والسعوديين. وعندما انقضت الهدنة، استمرت هذه الاتصالات.
وكما يقول المسئولون السعوديون والغربيون، فإن المحادثات الحوثية- السعودية تتمحور حول اقتراح سعودي، ليس فقط لتمديد الهدنة، ولكن أيضًا لإنهاء الحرب.
ينقل التقدير عن دبلوماسيين إقليميين وغربيين قولهم إنه في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول، اطلعت السعودية على تفاصيل اقتراح سلام مع القيادة الحوثية، و”رؤية” لليمن يصفها المسئولون السعوديون بأنها “خارطة طريق للتسوية”. ووفقًا لهؤلاء المسئولين، رفض الحوثيون العرض، وأرسلوا عرضًا مضادًا كرر مطالب طويلة الأمد.
لكن المسئولين الحوثيين يقدمون رواية مختلفة. يقولون إنهم تمسكوا فقط بمواقفهم التفاوضية، زاعمين أن السعوديين لم يقدموا أي اقتراح رسمي من أي نوع. وبدلاً من التبادل المتسلسل للمسودات -كما قالوا- كانت المحادثات أشبه بتبادل غير رسمي.
يقول التقدير: يبدو أن السعوديين قدموا اقتراحهم شفهياً. بينما دفع الحوثيون الرياض إلى تقديم اقتراح مكتوب يتناول شروطهم، إما لتجديد الهدنة -المزيد من وجهات الطيران، ورفع القواعد في الحديدة، ودفع جميع الرواتب في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم- أو لإنهاء الحرب -الانسحاب السعودي الكامل من اليمن وأموال إعادة الإعمار- وتصر الجماعة على أنها لا تهتم كثيرًا بالمقترحات السعودية التي لا تفي بهذه المتطلبات.
مأزق أممي
يمثل المسار الحوثي- السعودي مأزقًا محتملاً للأمم المتحدة، واللاعبين الدوليين الآخرين، الذين يسعون إلى إنهاء حرب اليمن. بينما كان واضحًا أن التفاهم الحوثي- السعودي من نوع ما، ضروري لإنهاء الأعمال العدائية.
يرى التقدير أن “الحوثيون يصرون على أن اتفاقا ثنائيًا فقط، بينهم والسعوديين -وليست المحادثات مع المجلس الرئاسي- يمكن أن يوقف القتال. يتصورون الحوار مع خصومهم المحليين، ولكن فقط بعد أن يسحب السعوديون الدعم العسكري والمالي لهذه القوات”.
يقول: يبدو أن المتمردين يرون في المفاوضات فرصة لتعزيز فكرتهم عن السلام: ليس محادثات متعددة الأطراف برعاية الأمم المتحدة تؤدي إلى تسوية حقيقية، ولكن صفقة مع السعوديين تستبعد جميع الفصائل اليمنية الأخرى. هذا هو أكثر ما يخشاه خصوم الحوثيين.
لذلك، تواجه الأمم المتحدة تحديين رئيسيين. أولهما، يجب أن تضمن استمرار المحادثات بين الحوثيين والسعودية، مع نزع عزيمة المتمردين على فكرة أنه يمكنهم تجنب الحوار مع خصومهم. كما يجب أن توضح أن الشرعية الدولية لجميع الأطراف تتوقف على المشاركة في المحادثات التي تقودها الأمم المتحدة. الثاني، يجب إقناع الحوثيين بالعودة إلى تلك المحادثات قبل أن ينهار المجلس الرئاسي، أو يتحد خلف العودة إلى الحرب.
ومع ذلك، على الرغم من خطورة هذه اللحظة، فهي فرصة أيضًا لتشكيل تصور لما يعنيه السلام في اليمن: ليس رؤية الحوثيين للهيمنة، وليس مطالب الحكومة الفاترة باستسلام المتمردين، ولكن سلسلة من التنازلات. من خلال محادثات متعددة الأطراف، تقر بالحقائق على الأرض، وتشير إلى حسن نية جميع الأطراف.
وأوضح أنه “مع يأس الفصائل المناهضة للحوثيين من استبعادها من القناة الحوثية- السعودية وتخوفها من المستقبل، فإن الأمم المتحدة في وضع جيد لبدء مناقشات رفيعة المستوى مع القادة اليمنيين الرئيسيين حول عملية سياسية لديها تفويض لقيادتها”.
وأكد تقدير مجموعة الأزمات: من خلال بدء هذه العملية الآن، وبدعم من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وحكومات دول الخليج، يمكن للأمم المتحدة أن تؤكد نفسها كمنصة رئيسية للمفاوضات في اليمن، والوسيط الوحيد الممكن للتوصل إلى سلام متعدد الأطراف. بغض النظر عن نتيجة المحادثات بين الحوثيين والسعودية.