في يناير/ كانون الثاني 2011، وبعد أن تأكد مجتمع الاستخبارات الغربي من انهيار نظام الرئيس حسني مبارك، خرج صناع السياسة في الولايات المتحدة وأوروبا لإعلان دعمهم للثورة المصرية، ودعوة الرئيس الراحل إلى ترك منصبه. قبلها، دعموا الثورات الملونة في دول أوروبا الشرقية، بعد أن تفجرت، من أجل الإطاحة برجال موسكو في هذه الدول.
هذه المرة، يترقب الغرب التطورات الجارية في شوارع إيران، ويعمل المحللون على جمع وربط الأحداث من أجل استكشاف نقاط الضعف التي كشفتها الاحتجاجات. في محاولة لمعرفة أفضل الطرق -وأقربها- للإطاحة بنظام آيات الله، الذي لا ينفك يتعنت في المفاوضات النووية الجديدة.
في تحليل حديث نشرته فورين أفيرز/ Foreign Affairs، يحث كلا من إيريك إيدلمان، وكيل وزارة الدفاع الأمريكية للسياسة الأسبق. وراي تقية، زميل دراسات الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية. صُنّاع السياسة في الغرب على دعم الاحتجاجات التي تعم شوارع طهران ومدن أخرى، و “مد يد المساعدة” للمحتجين الإيرانيين.
يوضح الكاتبان أن الشابة مسها أميني -كردية إيرانية تبلغ من العمر 22 عامًا- التي قتلت في سبتمبر/ أيلول 2022 بعد احتجازها بسبب ارتدائها الحجاب بحسب المواصفات المحددة. لم تكن أول امرأة يتم القبض عليها، ولا أول شخص قتل على يد الشرطة “لكن موتها أشعل حركة احتجاجية، أعطت صوتًا للغضب والإحباط العامين اللذين كانا يتراكمان منذ شهور”.
اقرأ أيضا: “وضع ثوري بلا ثورة”.. ماذا بعد ثلاثة أشهر من الاحتجاجات في إيران؟
وأوضحا: كان المزارعون يشكون من نقص المياه، والطلاب من انعدام الحرية، والمدرسون من قلة الأجور، والمتقاعدون من قلة المزايا. جمهورية إيران الإسلامية أضعف مما كان يعتقد العديد من المحللين وصناع السياسة الغربيين. قد تتمتع الجمهورية الإسلامية بالمرونة، ولكنها ليست منيعة أمام القوى الاجتماعية العاملة في المجتمع الإيراني.
زلزال التظاهرات
منذ نشأته قبل أكثر من أربعة عقود، كانت المظاهرات هي ما يهز النظام الديني الإيراني. في عام 1999، نزل الطلاب إلى الشوارع للاحتجاج على إغلاق صحيفة إصلاحية. في عام 2009، أصبح محمود أحمدي نجاد رئيسًا عن طريق انتخابات مزورة، مما أدى إلى اندلاع الحركة الخضراء -وهي ثورة للطبقة الوسطى تدعو إلى انتخابات نظيفة- وفي عامي 2017 و2019، أدى ارتفاع أسعار الوقود والخبز إلى ثورات بين الفقراء الإيرانيين.
يشير الكاتبان إلى أن الانتفاضات السابقة كانت مشتتة حسب الطبقة التي تتصدرها. لكن “اليوم، على النقيض من ذلك، اجتمع الإيرانيون معًا تحت شعار “المرأة، الحياة، والحرية”. هذا تمرد من أجل الكرامة والحرية ومساءلة الحكومة”.
وأضافا: على غرار الربيع العربي، لا يطالب المتظاهرون الإيرانيون اليوم بالإصلاح، بل يطالبون بزوال الجمهورية الإسلامية. يريدون تغيير النظام. يجب على الولايات المتحدة أن تساعد من بعيد عن طريق زيادة العقوبات وتحسين التواصل بين المتظاهرين.
لكن، رفض المرشد الأعلى علي خامنئي الاحتجاجات، ووصفها بأنها مؤامرات أجنبية. مدعيا أنها كانت “مخططة من قبل أمريكا والنظام الصهيوني المغتصب المزيف”.
بالإضافة إلى هذا، كان دليل النظام التقليدي هو مواجهة المتظاهرين باستعراض سريع للقوة، وتعطيل منصات التواصل الاجتماعي لمنع التنسيق، واعتقال زعماء الاحتجاجات، ثم الانتظار حتى تهدأ الحركة تدريجياً.
يقول التحليل: على الرغم من سمعتهم الشرسة، إلا أن الملالي “طبقة رجال الدين الحاكمة” كانوا مترددين في استخدام القوة العشوائية. إنهم، مثل كل الطغاة، يخشون أن تكون جيوشهم مترددة في إطلاق النار على المواطنين. ومع ذلك، فإن استمرار التظاهرات وانتشارها في جميع أنحاء البلاد أربك الحكومة، وصمد أمام استراتيجيتها المحكمة للتعامل مع المعارضة.
وأضاف: هناك دلائل على أن هذه الحركة ستثبت أنها أكثر ديمومة من تلك التي كانت في الماضي. لا تزال الثورة الإيرانية الوليدة تفتقر إلى قادة يمكن التعرف عليهم وهيكل منظم. ولا يمكن لأي ثورة أن تنجح بدون ثوار. لكن بعد أشهر قليلة من الاحتجاجات، ظهرت مجموعات مثل “شباب طهران” نجحت في الدعوة إلى المظاهرات. أيضا، شنت المعارضة إضرابات في معظم المحافظات الإيرانية.
انقسام النخبة
يشير الكاتبان إلى أن المظاهرات أدت إلى انقسام النخبة السياسية في البلاد، وهو شرط مسبق مهم آخر للتغيير الثوري.
كتبا: يخشى المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي -على الأرجح- من أن العديد من المؤسسين المحافظين بدأوا في إبعاد أنفسهم عن الحكومة. وقال علي لاريجاني، رئيس البرلمان السابق: “يجب أن نوفر الأماكن العامة للاحتجاج ووسيلة لإجراء الحوار”. كما أصدر محمد خاتمي، الرئيس السابق، بيانًا واسع الانتشار، أشاد فيه بنوايا المحتجين وشعارهم.
حتى “الجمهورية الإسلامية” وهي صحيفة أسسها خامنئي، رفضت ادعاء المرشد الأعلى بأن الأجانب كانوا وراء الاضطرابات. جاء فيها: “لقد تسببت مشاكل التضخم والبطالة والجفاف وتدمير البيئة في أن الناس، من المتقاعدين والمعلمين والطلاب، “كانوا وراء” الوقفة الاحتجاجية”.
وأشارا إلى أن “مثل هذا الدعم من السياسيين الرئيسيين غير مسبوق، مما يشير إلى ضعف قبضة الجمهورية الإسلامية”.
أيضا، طوال هذه الأزمة، بدا النظام غير مستقر. يشير إيدلمان وتقية إلى أن “خامنئي أمضى السنوات القليلة الماضية في تطهير الحكومة من الجميع باستثناء المتملقين وهو الآن محاط بوسطاء”.
يقولان: الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي هو رجل.. يفتقر إلى الخيال مع المواقف المعقدة. غلام حسين محسني، رئيس القضاء، يتأرجح بين الدعوة للحوار مع المعارضة وبين توجيه التهديدات.
وأشارا إلى أن أجهزة المخابرات الإيرانية أخطأت في بداية الاحتجاجات وفشلت في السيطرة على أبعادها. وتسببت استراتيجية النظام القائمة على العنف المتصاعد حتى الآن في مقتل أكثر من 500 شخص “وهو ما يكفي لتوليد شهداء “ضحايا” لكنه غير كاف لردع حركة الاحتجاج”، حسب وصفهما. كما أن إعدام النظام للمتظاهرين يزيد من عزلته.
وأضافا: يبدو أن الجمهورية الإسلامية تفقد موطئ قدمها.
اقرأ أيضا: تعليق شرطة الأخلاق الإيرانية.. مناورة أم انتصار للمتظاهرين؟
مساعدة واشنطن
يؤكد إيدلمان وتقية أنه يجب على الولايات المتحدة السعي لتغيير النظام في إيران.
يقولان: على الرغم من النتيجة غير المؤكدة، فقد يكون هذا هو السبيل الوحيد لإبطاء جهود إيران لامتلاك أسلحة نووية، وسيحد -إن لم يكن يزيل- تدخل إيران المزمن في الشؤون الداخلية لجيرانها.
وأوضحا أنه “لا تزال المحاور الرئيسية للتغيير السياسي في إيران داخلية. ومع ذلك، يمكن لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن اتخاذ خطوات لمساعدة وتسريع وربما توجيه العملية الثورية”.
من الخطوات المقترحة للكاتبين أن تعلن الولايات المتحدة رسميًا أنها ستنهي المفاوضات مع إيران بشأن عودة مفترضة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة -وهي اتفاقية تبطئ تقدم إيران بشأن الأسلحة النووية مقابل تخفيف العقوبات- كما يجب على الولايات المتحدة -أيضًا- أن توضح أنها لن تتفاوض مع حكومة تقوم بقمع الشعب الإيراني وتزعزع استقرار جيرانها.
وأوضحا أن “مثل هذه التصريحات من شأنها أن تحرم النظام من قدرته على خلق الأمل بين السكان بأن العقوبات قد ترفع في ظل حكمه”.
وأشارا إلى أنه يجب على الولايات المتحدة أن تستهدف المسئولين الإيرانيين المدانين بارتكاب أفظع انتهاكات حقوق الإنسان، مما يعزز الأمل بين الشعب الإيراني في مساءلة الحكومة. و “يجب أن يكون هذا مصحوبًا ببيانات صاخبة ومستمرة للحكومة الأمريكية تدعم المتظاهرين وتلفت الانتباه إلى أسوأ حالات القمع”.
كما يقترح الكاتبان أن تساعد الولايات المتحدة أيضًا في محاولة التخلص من الرقابة، وتعزيز تبادل المعلومات بين المتظاهرين.
كتبا: يمكن أن يساعد إرسال محطات” ستار لينك”، على النحو الذي اقترحه إيلون ماسك”قطب وسائل الاتصال الاجتماعي”، في مثل هذا الجهد من خلال تمكين المعارضة من الالتفاف على رقابة النظام، والحجب على وسائل التواصل الاجتماعي. يمكن إعادة استخدام مثل هذه التطبيقات للسماح للإيرانيين بمشاركة صور أعمال الاحتجاج في أجزاء مختلفة من البلاد، مما يتيح التنسيق بين مجموعات مختلفة من المتظاهرين، ومن خلال إجبار الحكومة على إرهاق قواتها الأمنية.
خطوات أخرى
يشير الكاتبان إلى أنه يجب على الولايات المتحدة أيضًا استخدام قنوات التواصل الاجتماعي الشعبية، مثل Telegram، لتزويد المعارضين بمعلومات دقيقة حول ما يجري في جميع أنحاء البلاد. بما في ذلك الاحتجاجات، وانتهاكات حقوق الإنسان، وعمليات الإعدام.
وأوضحا: يمكن للتوسع والاستخدام المبتكر لقنوات الاتصال هذه أن يساعدا قادة الاحتجاج الجدد على الظهور وإغراق دعاية النظام.
بالإضافة إلى ذلك، يجب على الولايات المتحدة تكثيف البث من قبل إذاعة “صوت أمريكا” الفارسية، و”راديو فاردا”، وتمويل البث التلفزيوني الخاص من قبل المغتربين الإيرانيين، والذي يمكن أن يوفر وقودًا إضافيًا للحريق المشتعل في شوارع المدن الإيرانية.
ولفتا إلى أنه في ديسمبر/ كانون الأول 2022، توقف عمال النفط وعمال الصلب عن العمل بدافع التعاطف مع المحتجين في أحد أكبر الإضرابات العامة في إيران منذ عقود. لذلك “يجب على واشنطن أن تبذل قصارى جهدها لدعم هذه الإجراءات، ومساعدة النشطاء النقابيين على التواصل مع بعضهم البعض”.
وأوضحا أن المساعدة الأمريكية ساعدت حركة التضامن البولندية المناهضة للاستبداد في أواخر الثمانينيات في دفع انهيار الاتحاد السوفيتي. و”يمكن لجهد موازٍ في إيران اليوم أن يساعد في تأجيج انهيار مماثل في الجمهورية الإسلامية”.
وأكدا: حتى الآن، لا يبدو أن الاحتجاجات على وشك إسقاط الحكومة، لكن الثورات بطبيعتها لا يمكن التنبؤ بها. من أجل مصلحة الشعب الإيراني والمصالح الأمنية الأمريكية في المنطقة، يجب على إدارة بايدن أن تفعل كل ما في وسعها للتأكد من أن الإيرانيين الذين يضعون حياتهم على المحك لإثارة التغيير ينجحون في استعادة بلادهم.