يستهدف الصندوق السيادي المصري حاليًا طرح عدد جديد من مشروعات البنية التحتية على القطاع الخاص، الذي تتصدره الصناديق السيادية الخليجية، وهي تتنافس فيما بينها على السيطرة على مشروعات البنية التحتية في مصر، مدعومة بفوائض مالية ضخمة تمكّنها من شراء أصول ومشروعات ضخمة.
المشروعات الجديدة التي أعلن عنها الصندوق الشهر الماضي، تتضمن إنشاء 21 محطة لتحلية المياه، بتكلفة تصل إلى 3 مليارات دولار، يحتاجها برنامج تحلية المياه الحكومي، مستهدفًا إنتاج 3.3 مليون متر مكعب من المياه المحلاة يوميًا في المرحلة الأولى. على أن تصل في نهاية الأمر إلى 8.8 مليون متر مكعب يوميًا. ذلك تماشيًا مع المخططات العامة لشركات مياه الشرب والصرف الصحي في المحافظات، التي تطل على البحرين الأحمر والمتوسط، حيث تسعى الصناديق الخليجية إلى الاستثمار في المواني المصرية.
تحلية المياه والمواني
مؤخرًا، أبدت الصناديق السيادية الخليجية القطرية والسعودية والإماراتية رغبة في الاستثمار بعدد من المشروعات المصرية الكبرى، على رأسها المواني. حيث يستهدف جهاز قطر للاستثمار إنشاء مصنع للهيدروجين الأخضر والأمونيا بتكلفة مليار دولار في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس. ذلك فضلًا عن الاستثمار في ميناء دمياط، كجزء من استثمارات بقيمة 5 مليار دولار تعهد بها الصندوق لدعم الاقتصاد المصري. كما يستهدف صندوق الاستثمارات العامة السعودي الاستثمار في محطات سيمنز للكهرباء، كجزء من خطة الصندوق لاستثمار 10 مليارات دولار في مصر.
400 مليار دولار
تقود البنية التحتية الاستثمارات العامة للدولة المصرية. وبالتالي، فهي تُشكل العنصر الأكثر جاذبية بالنسبة للصناديق السيادية، وفق الخبير الاقتصادي الدكتور علي الإدريسي.
وقد قدرت هالة السعيد وزيرة التخطيط، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، حجم استثمار مصر في البنية التحتية بنحو 400 مليار دولار. وذكرت أن ما مرت به الدولة من فترة عدم استقرار وتدهور في البنية التحتية لفترات عديدة. استدعى ضرورة ضخ استثمارات كبيرة في البنية التحتية لتحسين حياة المواطنين وكذلك لجذب المستثمرين.
اقرأ أيضًا: ملفات خاصة| الاستحواذات الخليجية على أصول مصر.. الصفقات والآثار الممتدة
ويشير تقرير صادر عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، إلى استثمارات الدولة في التشييد والبناء وتصل 33 مليار جنيه، وفي قطاع النقل حوالي 307 مليار جنيه. بينما في قطاع المشروعات الخضراء تصل لقرابة 336 مليار جنيه، منها 200 مليار جنيه في مجالات النقل، و2.4 مليار جنيه في الكهرباء. فيما في التنمية المحلية تبلغ 26.4 مليار جنيه، وبالإسكان 4.5 مليار جنيه، لتصل الاستثمارات الخضراء حوالي 40% من الاستثمارات العامة للدولة.
ويلفت “الإدريسي” إلى أن الصناديق السيادية الخليجية تسعى لجمع أكبر قدر من المكاسب، وهي تجده في مشروعات البنى التحتية في مصر. خاصة وأن الاستثمار في المشروعات الصناعية أو التجارية محفوف بالمخاطر.
السيطرة والتوجيه والتأثير
“هذه الصناديق لا تسعى للمكاسب فقط”؛ يقول الدكتور صلاح الدين فهمي، أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر ورئيس وحدة الأبحاث العلمية بالمركز الدولي للاستشارات الاقتصادية. إذ يرى أن الصناديق السيادية الخليجية في الأساس تسعى للسيطرة والتوجيه والتأثير على الدول المجاورة، وعلى رأسها مصر.
ويشير “فهمي”، في حديثه لـ”مصر 360″، إلى أن هذه الصناديق بطبيعتها “بعيدة” عن موازنة دولها. وبالتالي فهي تملك حرية الحركة في توجيه رأسمالها أينما يريد العاملون عليها. هذا فضلًا عن كون أغلب المشروعات الناجحة في مصر مرتبطة ارتباطا وثيقا بالبنية التحتية، بسبب استثمار الحكومة الكبير في البنية التحتية خلال السنوات الماضية.
ووفق هذه الرؤية، فإن مثل هذه المشروعات بالنسبة لهذه الصناديق تمثل “الربح مرتين”؛ بالعائد وبالسيطرة.
اقرأ أيضًا: تحرير سعر الصرف.. صناديق الخليج تقتنص فرصة تراجع الجنيه ومصر تخسر أصولها ودولاراتها
ويعتقد فهمي أن الحكومة تُحاول التخلص من عبء إدارة المشروعات. خاصة محطات تحلية المياه وتوليد الكهرباء كما في محطات سيمنس التي تسعى لبيع نسب منها. بينما يلفت إلى أن الحكومة ومن خلال وثيقة “ملكية الدولة” تبدي مرونة كبيرة في التخلي عن كثير من مشروعات البنية التحتية التي استثمرت فيها خلال السنوات الماضية.
ووفق هذا، فإن الحكومة ومن خلال بيع حصص أو نسب في مشروعات البنية التحتية، تعمل على تخفيف عبء العجز المزمن في الموازنة العامة للدولة. وقد بلغ مستويات قياسية خلال العام الحالي، وفقًا لرئيس وحدة الأبحاث العلمية بالمركز الدولي للاستشارات الاقتصادية.
وقد توقعت الحكومة ارتفاع العجز الكلي في العام المالي 2022/ 2023 إلى 558 مليار جنيه، مقابل 475.5 مليار جنيه خلال العام الماضي 2021/ 2022 ليبلغ 6.1% من الناتج المحلي الإجمالي.
وبسبب هذه العوامل كلها، فإن أستاذ الاقتصاد يرى أن الصناديق السيادية الخليجية ستستحوذ على مزيد من المشروعات الكاملة أو حصص في بعضها خلال الفترة المقبلة، مدفوعة بموافقة الحكومة على وثيقة “ملكية الدولة” التي تتيح دورًا أكبر للقطاع الخاص. إضافة إلى خفض قيمة الجنيه بنسب تقترب من 20% منذ بداية العام الجديد.