للعام الخامس على التوالي، يرأس البابا تواضروس الثاني-بابا الإسكندرية-بطريرك الكرازة المرقسية قداس عيد الميلاد المجيد بـ”كاتدرائية ميلاد المسيح” بالعاصمة الإدارية الجديدة، بعد نحو نصف قرن من احتفال الكنيسة الأرثوذكسية داخل الكاتدرائية المرقسية بالعباسية في القاهرة، والتي شهدت عبر تاريخها رسائل دينية، وسياسية إبان عظة القداس.
واحتفلت الكنيسة الأرثوذكسية بعيد الميلاد المجيد لأول مرة بـ”كاتدرائية ميلاد المسيح” بالعاصمة الجديدة في السادس من يناير عام 2018 بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي، كأول رئيس يحضر القداس داخل الكاتدرائية.
اقرأ أيضا.. هل سقطت الكنيسة المصرية في «بئر التطبيع»؟
إنشاء الكاتدرائية المرقسية
وتعد الكاتدرائية التي تقع على مساحة 15 فدانًا، بزيادة “فدانين” عن نظيرتها بـ”العباسية”، الوحيدة التي تحمل اسم “ميلاد المسيح” بمنطقة الشرق الأوسط، وتستوعب نحو 8200 مصليًا، وتتزين جدرانها بنحو 73 أيقونة تحكي حياة السيد المسيح، والقديسين المصريين، وتتضمن مقرًا بابويًا، وصالة استقبال، وقاعة اجتماعات، ومكاتب إدارية، ومتحف لتاريخ الكنيسة القبطية.
وقبل وعد الرئيس عبد الفتاح السيسي للأقباط خلال قداس عيد الميلاد عام 2017 بنقل الاحتفال إلى كاتدرائية العاصمة الجديدة في العام التالي، ارتبط احتفال عيد الميلاد المجيد بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية على امتداد 3 فترات بابوية من “البابا كيرلس السادس”، مرورًا بـ”البابا شنودة”، وحتى “البابا تواضروس الثاني”، والذي ترأس بها منذ تجليسه عام 2012 خمسة قداديس.
تاريخيًا، وحسب رواية متخصصين، تعد الكاتدرائية المرقسية بالعباسية خامس مقر “بابوي” للكرسي المرقسي، بعد انتقاله من مدينة الإسكندرية إلى الكنيسة المعلقة بمصر القديمة (1040-1077)، ثم كنيسة العذراء بـ”حارة الروم” (1660-1799)، إلى أن أسست الكنيسة المرقسية بالأزبكية، وظلت مقرًا للاحتفالات حتى عام 1964، وافتتحت كاتدرائية العباسية عام 1968 بحضور الرئيس جمال عبد الناصر، والإمبراطور الإثيوبي هيلاسيلاسي، وأقيم قداس عيد الميلاد بها برئاسة البابا كيرلس عام 1969. وهذه الأماكن جميعها بالقاهرة.
ومن بين 35 مكتبا هندسيا اختير “د.عوض كامل” ضمن مسابقة أجرتها الكنيسة لتنفيذ المبنى على مساحة 6200 مترًا، مصممة على الطراز البيزنطي، والبازيليكي بطول 109 مترًا، وشارك في تنفيذها نحو 700 عامل فني، ومائتي صانع، وألف عامل.
ومثلما افتتح الرئيس عبد الفتاح السيسي كاتدرائية ميلاد المسيح عام 2019، إبان حضوره قداس عيد الميلاد المجيد، وضع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر حجر أساس كاتدرائية العباسية في الرابع والعشرين من يوليو عام 1965، على صندوق خشبي مأخوذ من مقر البطريركية القديمة بالأزبكية، وافتتحها في الخامس والعشرين من يونيو 1968.
وحسب فترات البطاركة، لم يتسن للبابا كيرلس السادس سوى رئاسة ثلاثة قداسات لعيد الميلاد المجيد بـ”كاتدرائية العباسية”-1969/1971م-، في حين ترأس البابا شنودة الثالث ما يقرب من 41 قداسًا، مقابل 5 قداديس للبطريرك الحالي البابا تواضروس الثاني.
رسائل البابا كيرلس
رسائل القداس داخل الكاتدرائية المرقسية بالعباسية احتفظت بطبيعتها خلال فترات البطاركة –حسب رؤية كمال زاخر منسق جبهة العلمانيين الأقباط-، رغم اختلاف الظرف التاريخي في بعض الأحيان.
وتضمنت أولى الرسائل البابوية خلال احتفال عيد الميلاد بـ”كاتدرائية العباسية” مضمونًا روحيًا خالصًا، فلم يتطرق البابا كيرلس السادس لأبعد من تهنئة الأقباط بعيد الميلاد المجيد (يناير 1969)، عطفًا على تذكير بالجوانب الإنسانية في الميلاد، ومعجزة ظهور العذراء مريم التي كانت آنذاك، وأثر ذلك في المحبة، والوحدة الوطنية.
لكن فادي يوسف-ناشط قبطي- اعتبر أن عيد الميلاد بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية ارتبط في ذهن شباب الأقباط بصورة مصر التي تتبلور في حضور مختلف قيادات الدولة، والشخصيات العامة السياسية، والدينية، معتبرًا أنها خلال سنوات البابا شنودة حملت حاضنة للشباب، وبدت كنافذة على الشأن العام من خلال التقاء كبار رجال الدولة، ورموزها بالمجالات كافة إبان القداس، واستقبالات المقر البابوي.
رسائل البابا شنودة السياسية
وترأس البابا شنودة الثالث قداس عيد الميلاد المجيد لأول مرة في عهد الرئيس الراحل محمد حسني مبارك عام 1985، بعد توقف استمر نحو 3سنوات، وأربعة أشهر، في أعقاب قرار الرئيس الراحل محمد أنور السادات بعزله في سبتمبر 1981.
القداس الذي أعاد الأضواء الإعلامية لـ”الكاتدرائية المرقسية بالعباسية”، واعتبره مقربون من البطريرك الراحل حدثًا تاريخيًا، حمل رسائل صريحة لـ”الباب شنودة” جاءت في إشادة البطريرك بحكمة الرئيس، في ضوء عظته التي حملت عنوان “حكمة الميلاد”.
وقال “زاخر” لـ”مصر360″ تعقيبًا على تضمين عظة قداس عيد الميلاد رسائل دينية، وسياسية: فإن الأمر يختلف من عصر لآخر، بتغير النظم السياسية، ومن ثم تغير تعاملها مع الاقباط والكنيسة، مشيرًا إلى أن تعاطي الكنيسة معها كان يتغير بتغير الفعل.
ولم تلجأ الكنيسة إلى تحميل عظة “قداس عيد الميلاد” رسائل بعينها إلا إذا انقلبت السلطة على النسق السائد، وصبغ التوجه الديني بصبغة سياسية مثل ما حدث مع قدوم الرئيس الراحل محمد أنور السادات.
العزلة والملاذ
ومع عودة البابا شنودة الثالث مرة أخرى لـ”المقر البابوي” بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية، سطرت عزلة الأقباط في مرحلة ما بعد تولي الرئيس الراحل محمد أنور السادات مقاليد الأمور –مطلع سبعينيات القرن الماضي- تاريخًا لانغلاق شباب الأقباط داخل الكاتدرائية، وإطلاق صيحات الغضب خلف أسوارها إبان أحداث طائفية خلال فترة حكم الرئيس الراحل محمد حسني مبارك، أبرزها “أحداث الكشح” الثانية عام 2000، وأزمة “وفاء قسطنطين” عام 2004، وأحداث نجع حمادي عام 2010، وغيرها، مما استدعى اندلاع تظاهرات قبطية داخل أسوار الكاتدرائية المرقسية، انعكست على رسائل بابوية حملتها عظات البطريرك الراحل.
هذه الأحداث المتلاحقة منذ فترة التسعينيات، جعلت من الكاتدرائية، وتحديدًا مقرها البابوي طرفًا في القضايا الخاصة بالأقباط، وظلت هكذا طوال فترة “مبارك”-حسب الكاتب الصحفي هاني لبيب- غير أن نقاشات هذه الفترة جرت بشكل مؤسسي يرتكز على الحقائق، والمعلومات-على حد وصفه.
ولم تكن الكاتدرائية تسعى لأن تكون حاضنة للشباب خارج السياق الروحى-على حد قول المفكر القبطي كمال زاخر-، غير أن الأقباط بشكل عام، وليس الشباب فقط لجأوا إلى الكنيسة كغطاء بديل، بعد إقصاء السلطة السياسية –آنذاك-للأقباط من المشهدين العام، والسياسي.
آخر رسائل البابا شنودة في عيد الميلاد
أما رسائل البابا شنودة –سواء في قداس عيد الميلاد بكاتدرائية العباسية، أو في عظات أسبوعية- فإنها انبثقت عن خبرته بالعمل العام قبل رهبنته، وتجاربه، حسب رؤية كمال زاخر “مؤسس جبهة العلمانيين الأقباط”، لافتًا إلى أن البطريرك الراحل وجد نفسه محملًا بحماية رعيته في مواجهة انحياز السلطة السياسية خلال فترتي “السادات، ومبارك” للتيارات المتطرفة، ومغازلتها-على حد قوله.
وكان البابا شنودة الثالث بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية قد استهل عظته في قداس عيد الميلاد الأخير له بالكاتدرائية (يناير2012) بقوله: ” نرحب بهذا العدد المميز والمشرف من القيادات العسكرية، الذين نحبهم والذين عملوا بكل جهدهم لرفعة بلادنا”.
ونوه خلال كلمته إلى أن العام الجديد جاء وسط أجواء صعبة يقول فيها الناس: مصر إلى أين؟»، وأنا أقول:”قطعاً إلى الخير، لا بلون من التفاؤل، بل الإيمان بتدخل الله، الذي يحب المصريين، كل الأمور سوف تؤول إلى الخير والبركة”.
أول قداس لـ”البابا تواضروس”
واستمرت الكاتدرائية المرقسية بالعباسية مسرحًا لاحتفال الأقباط بعيد الميلاد المجيد، وتوالت رسائلها البابوية خلال فترة البابا تواضروس الثاني بعد تنصيبه بطريركًا “نوفمبر2012”.
ويتذكر “فادي” أول قداس لعيد الميلاد المجيد برئاسة البابا تواضروس “البطريرك 118″ في تاريخ الكنيسة القبطية: جاء هذا القداس بعد فترة انتخابات بابوية عاشتها الكنيسة لمدة 6 أشهر عقب وفاة –نياحة- البابا شنودة، واعتبره شباب الأقباط راحة بعد عناء، وترقب.
ويضيف لـ”مصر360” لا أحد ينسى عظة البابا تواضروس الثاني في أول قداس عيد ميلاد بعد تجليسه-إبان حكم “الإخوان” والتي قال فيها نصًا: عندما يخطئ الرأس، يخطئ كل من خلفه، فالإنسان يحتاج طوال حياته لمن يأخذ بيده للطريق السليم”.
غير أن اللافت حسب قول “زاخر” في مناسبة عيد الميلاد المجيد، وفي السنوات الأخيرة تحديدًا، حرص النشطاء الباحثون عن لفت أنظار القيادة السياسية لهم، وكذلك لقواعدهم الشعبية في دوائرهم، وذلك بحضور القداس في صفوف الكاتدرائية الأولى.
وتابع قائلًا:” قد يكون حضور القداس في هذه الفترة مؤشرًا لرضا القيادات الكنسية عنهم”.
زيارة “السيسي” للكاتدرائية: السعادة
واكتسب قداس عيد الميلاد منذ عام 2015 أهمية خاصة بعد زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي للكاتدرائية المرقسية، وتهنئة الأقباط من داخلها، كأول رئيس مصري يزور الكنيسة أثناء قداس عيد الميلاد.
وهو ما دفع البابا تواضروس الثاني إلى التأكيد سنويًا على سعادة الكنيسة بالزيارة الرئاسية، وزيادتها بافتتاح كاتدرائية ميلاد المسيح بالعاصمة الجديدة.
فوق ذلك قال البابا: إن لحظة افتتاح كاتدرائية ميلاد المسيح ستسجل في كتاب التاريخ الكنسي، مُعرجًا على أنه يُقرأ يوميًا في الكنيسة، ويسمى هذا التاريخ المسجل في هذا الكتاب “سنكسار”.
الكنيسة تبدد مخاوف الانعزال
ورغم إشارة الناشط القبطي إسحاق إبراهيم لما اعتبره رسائل سلبية من نقل قداس عيد الميلاد المجيد من كاتدرائية العباسية لنظيرتها “ميلاد المسيح” بالعاصمة الجديدة، أبرزها –على حد قوله- أن الكنيسة أصبحت للأغنياء الذين يتصدرون الصفوف الأولى، وأنها معزولة عن شعبها، لبعد المسافة، إلا أن “زاخر” قال: إن العلاقة بين الكنيسة، والدولة عادت إلى تاريخها السوي، والرئيس استن سنة جديدة بمشاركة الأقباط عيد الميلاد بشكل منتظم.
وحسب القمص سرجيوس سرجيوس وكيل البطريركية، فإن إجراءات الحصول على دعوات حضور قداس عيد الميلاد المجيد بكاتدرائية ميلاد المسيح لم تتغير عن سابقتها بـ”كاتدرائية العباسية”.
وأصدرت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بيانًا صادرًا عن المقر البابوي نهاية ديسمبر الماضي يؤكد على إتاحة فرصة حضور القداس لكل أبناء الكنيسة وفق تعليمات محددة، أبرزها تقديم البيانات الشخصية إلى الكنيسة التابع لها، أو مكتب وكيل البطريركية بالقاهرة.
واشترطت الدخول بأصل بطاقة الرقم القومي، ودعوة الحضور، مع ضرورة التأكد من ختم الدعوة، مطالبة بعدم حضور أي شخص يعانى من أية أعراض مرضية، للحفاظ على صحة وسلامة الجميع.