تراهن وزارة المالية على الفاتورة الإلكترونية في دمج الاقتصاد غير الرسمي، وتتبع التدرج في تطبيق المنظومة لتجعل جميع بيانات أي بضاعة يتم بيعها تظهر على قاعدة بيانات مصلحة الضرائب لحظة إتمامها، ولجأت الحكومة للفاتورة الإلكترونية بعدما كشفت التجارب التي خاضتها على مدار العامين الماليين الماضيين، عن أن الميكنة سلاح فعال في إجبار القطاع غير الرسمي على الظهور، بعد إنهاء الوزارة التعامل بالشيكات الورقية في تسوية تعاملات الحكومة مع كل الجهات واستبدالها بأوامر الدفع الإلكتروني في ديسمبر 2019.
اقرأ أيضا.. الفاتورة الإلكترونية والعدالة الضريبية
واشتملت تطبيقات الفاتورة الإلكترونية أربع مراحل أساسية، كان آخرها شمول المهنيين في نظام الفاتورة الإلكترونية والتي كان محددا لها البدء يوم 15 سبتمبر 2022.
وتأتي إجراءات المالية في ظل أزمة اقتصادية، تسعى خلالها الحكومة إلى تدبير حصيلة مالية من الضرائب، وتتبع أساليب الشمول المالي لتزيد قدرتها على إدارة السوق، كما تتصل هذه الإجراءات بتوصيات مؤسسات مالية، منها صندوق النقد والبنك الدوليين.
أولا: ما هي الفاتورة الإلكترونية:
نسخة رقمية من الفاتورة الورقية التقليدية، ويتم إنشاؤها وإرسالها وتلقيها بواسطة برنامج إلكتروني، بحيث يظهر في برامج مصلحة الضرائب الفاتورة وتفاصيلها لحظة صدورها من المحل التجاري.
في بيان لمصلحة الضرائب، أفادت أن الفاتورة يجب أن تتضمن بيانات مثلا: رقم مسلسل الفاتورة، تاريخ الإصدار، اسم الممول أو المكلف وعنوانه ورقم تسجيله، اسم المشترى وعنوانه ورقم تسجيله، إن وجد، وبيان السلعة المباعة أو الخدمة المؤداة وقيمتها وفئة الضريبة على القيمة المضافة أو ضريبة الجدول المقررة وقيمتها مع بيان إجمالي قيمة الفاتورة أو الإيصال.
ثانيا: أهداف الفاتورة الضريبية:
تهدف إلى متابعة التعاملات التجارية: حيث تمكن الفاتورة الإلكترونية مصلحة الضرائب من متابعة جميع التعاملات بين الشركات بعضها البعض، أو تبادل بيانات الفواتير لَحْظِيًّا بصيغة رقمية، والتحقق من صحة بيانات مصدرها ومتلقيها ومحتوياتها شَكْلِيًّا.
اكتشاف الشركات غير المسجلة: سيظهر التعامل التجاري، أسماء الشركات غير المسجلة حين إتمامها أي معاملة مع أي شركة رسمية خاصة مع إلغاء الفواتير الورقية نِهَائِيًّا.
تساعد الفاتورة الإلكترونية في الحصول على بيانات عمليات المبيعات والمشتريات إِلِكْتِرُونِيًّا ونص الفواتير ذاتها لَحْظِيًّا. أو بمعنى آخر مبيعات الشركات، ومَنْ المشترى، وكمية المبيعات، وحجم الضريبة المستحقة.
كما تمكن الميكنة مصلحة الضرائب تَدْرِيجِيًّا من رؤية الاقتصاد كاملاً من حيث البائع والمشتري، ونوعية السلع والخدمات المبيعة والمشتراة. بالإضافة إلى مستحقات الدولة الضريبية، وسرعة رد الضريبة على القيمة المضافة.
زيادة نسبة الضرائب: ووفقًا للبيان المالي لوزارة المالية تستهدف الوزارة زيادة نسبة الضرائب للناتج المحلي بـ2.5 % خلال خمس سنوات من 14 % إلى 16.5 % بنمو سنوي 0.5 % من الناتج المحلي، مع الحفاظ على استقرار السياسات الضريبية.
وضع منظومة لتحليل المخاطر ورصد التهرب الضريبي: حيث تمكن الفاتورة من تعقب حالات التهرب الضريبي وتقسيمه إلى مرتفع ومتوسط ومنخفض، لتبدأ الوزارة في تتبعها، واتخاذ الإجراءات اللازمة.
وبحسب أستاذ الاقتصاد صلاح فهمي، تعمل الحكومة على إنشاء قاعدة بيانات قومية شاملة، تحدد عنوان المواطن ومصادر دخله وسلوكه الإنتاجي والاستهلاكي، وحال وجود مصادر لا تتناسب مع الدخل، يبدأ التعامل معها، ما يسهل أيضًا من معرفة أصحاب النشاطات العاملة في الظل.
ثالثا: الفاتورة والاقتصاد الموازي:
يتضمن الاقتصاد الموازي جميع الأنشطة الاقتصادية التي يمارسها الأفراد أو الشركات دون إحصائها رَسْمِيًّا، ولا يدخل ناتجها في حسابات الناتج المحلي الإجمالي، ما يجعلها لا تدخل في الحصيلة الضريبية، ولا يخضع العاملون فيها لأي حقوق أو ضمانات اجتماعية.
تقديرات حول الاقتصاد الموازي:
وفقًا لآخر إحصاء لاتحاد الصناعات المصرية، يقدر الاقتصاد الموازي بنحو تريليوني جنيه، بقيمة ضرائب تضيع على الدولة سَنَوِيًّا تتراوح بين 330 و 550 مليار جنيه، ويؤكد صندوق النقد العربي أن نسبته تناهز 23.3 % من الناتج المحلي الإجمالي، بينما قدر البنك الدولي حجم هذا الاقتصاد بما يعادل 35 % من حجم الناتج المحلي، بينما ترفع بعض الدراسات الأكاديمية الرقم إلى 60 % من حجم الناتج المحلي، تُصرّف منتجاته في 1200 سوق غير رسمية.
رابعا: مخططات التنفيذ ومراحله:
- المرحلة الأولى: بدأ التشغيل التجريبي في 30 يونيو 2020 على عينة مختارة من ست شركات من مركز كبار الممولين، ليتم تطبيقه بصورة إلزامية على 134 ممولًا من المركز ذاته في 15 نوفمبر 2020.
- المرحلة الثانية: بدأ تطبيق مرحلة جديدة في فبراير 2021.
- المرحلة الثالثة: بدأت في 15 مايو على ممولي مركز كبار الممولين.
- المرحلة الرابعة: كان مخططًا لها التطبيق بداية من 15 سبتمبر 2022 على متوسطي الممولين ومركز كبار المهن الحرة.
عقوبات وإعفاءات وحوافز
تنتهج وزارة المالية سياسة “الترهيب والترغيب” في التعاطي مع القطاع غير الرسمي، بداية من قانون المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر. والذي يتضمن مزايا وحوافز لضم الاقتصاد غير الرسمي (الاقتصاد الموازي)، والتطبيق الإلزامي لمنظومة الميكنة تَدْرِيجِيًّا، والتي تتم إحالة المخالف فيها للنيابة العامة.
من ناحيته، قال وزير المالية، محمد معيط، في مؤتمر صحفي، إن الوزارة وضعت سلسلة من العقوبات على الشركات التي لا تلتزم بتطبيق الفاتورة الإلكترونية، وفقًا للقانون، والذي يجعل للوزارة الحق في إحالة الملف بالكامل للنيابة، وذلك “للحفاظ على حقوق الدولة”.
كانت الدولة قدمت سلسلة من الإعفاءات الضريبية والحوافز، بينها مَنح المشروعات الصغيرة إعفاء لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات، والتغاضي عن سنوات النشاط التي تسبقها حتى لو كانت 20 عامًا، إضافة إلى تسهيل إجراءات رسوم التسجيل، وتقديم تسهيلات بنكية في حالة انضمام النشاط إلى القطاع الرسمي، بمعاملته معاملة المشروعات متناهية الصغر وبفائدة متناقصة.
بالتزامن مع الفاتورة الإلكترونية، وضعت الوزارة، في يونيو 2020، خطة لتطبيق الإيصال الإلكتروني، والذي سيُفرض على شركات التجزئة التي تتعامل مع المستهلكين مباشرة، ما يجعل الاقتصاد غير الرسمي محاصرًا فحتى تعاملاته مع الجمهور أيضًا ستُرصد.
يبدأ تطبيق المرحلة الثالثة لمنظومة الإيصال الإلكتروني على 2000 ممول/ مكلف اعتبارًا من 15 يناير 2023، وكانت المرحلة الأولى للمنظومة قد بدأت بمنافذ تقديم السلع والخدمات في 153 شركة، وفقا للقرار رقم 289 لسنة 2022 في 1 يوليو 2022، كمْ تم ضم 400 شركة ضمن المرحلة الثانية للإيصال في أغسطس 2022.
خامسا: مواقف قوى السوق:
- مطالبة بالتأجيل: أبدى بعض التجار تأييدهم للفاتورة الإلكترونية، غير أنهم طالبوا الحكومة بتأجيل تطبيقها حتى انتهاء تداعيات فيروس كورونا على الاقتصاد الرسمي، لما تحتاجه من وقت لاستيعابها وتلافي أي مشكلات قد تنجم عنها.
- توفير وتسهيل طرق تطبيقها: قال متى بشاي، نائب رئيس شعبة الأدوات الصحية بالغرفة التجارية، إن تطبيق منظومة الفاتورة الإلكترونية “يحتاج إلى توفير شبكة إنترنت قوية، وتدريب العاملين عليها، خاصة أن كثيرا من المحال التجارية ليس لديها محاسبين من الأساس، ويقوم صاحب المحل بتسوية الأمور بنفسه”.
- تخوفات العمال: ويخشى البعض أن تؤدي جهود حصر الاقتصاد غير الرسمي، في تزايد معدلات البطالة واستغناء بعض أصحاب المنشآت عن قدر من العمالة مع تزايد التكاليف، ووفقًا لمنظمة العمل الدولية، يوجد أكثر من ستة عمال من بين كل عشر، وأربعة شركة من بين كل خمسة، تدخل ضمن الاقتصاد غير الرسمي على مستوى العالم. ولم تتراجع تلك النوعية من الاقتصاد، بل تتزايد لارتباطها في المقام الأول بارتفاع معدلات الفقر والعجز الشديد في العمل اللائق.
- حصار القطاع غير الرسمي: قد تؤدي جهود الميكنة في التعاطي مع الاقتصاد غير الرسمي في تضييق الخناق على بعض التجار وأصحاب الورش. ويوضح صلاح الدين فهمي، أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر، أن إلغاء التعامل النقدي سيجعل حصول أصحاب الورش والمصانع غير الرسمية على المادة الخام أو وضع أموالهم في حسابات بنكية أمرًا مستحيلًا.
- التقديرات الجزافية والنصيب العادل: تطبق مصلحة الضرائب المصرية ميكنة جميع الإجراءات الضريبية، والذي يعد مشروعًا ضخمًا. يتضمن يتم ميكنة كافة الإجراءات للقضاء على الاتهامات المستمرة للضرائب من وجود تقديرات جزافية.
ووفق مركز كبار الممولين، فإن مصلحة الضرائب في طور التفكير بمشروعات أخرى أكثر تقدمًا، لسد الفجوة بين الاقتصاد الرسمي والاقتصاد الموازي. وذلك بهدف العمل في ظل نظام، يقضي بأن يدفع الجميع نصيبه العادل من الضريبة. كما توفير قاعدة بيانات سلسلة تتبع للشركات الوهمية.
- محدودية مالكي النشاط، حيث ترجع الملكية إلى شخص واحد في الغالب. فضلاً عن محدودية حجم المنشأة وعدد العمالة، فالأنشطة غير الرسمية تستخدم عددًا لا يتجاوز 5 أفراد بالمتوسط، بينهم المالك. وغالبيتهم يتسمون بتدني المستوى التعليمي، ما يجعلهم دائمًا في تخوف من التعامل مع الاقتصاد الرسمي، أو غير ملمين بكيفية تقنين أوضاعهم. حتى حال امتلاكهم الرغبة.
سادسا: تأثيرات محتملة
يخشى أصحاب القطاع غير الرسمي من تقلُّص قدرتهم على توفير البدائل المختلفة للمستهلكين بأسعار أقل؛ فمنتجاتهم موجهة للشريحة منخفضة الدخل. وفي عرف بعض أصحاب المشروعات غير الرسمية فإنّ شرعنة نشاطهم قد تؤدي لرفع الأسعار؛ ما يفقدهم شريحة جمهورهم المفضلة.
وتظل الأسواق العشوائية الوسيلة التي يراهن عليها أصحاب المشروعات غير الرسمية في تصريف منتجاتها حتى بعد تطبيق الفاتورة الإلكترونية. خاصة بعد ارتفاع أعدادها بصورة ملحوظة خلال السنوات العشر الأخيرة، لتبلغ 1999 سوقاً عشوائية في 230 مدينة. وذلك وفق لتقرير التنمية البشرية المحلية لعام 2015، الصادر عن وزارتي التنمية المحلية والتخطيط.
لكن وزارة المالية تراهن على إغراء التجار بالقدرة على الحصول على قروض من البنوك، وتوسعة النشاط. بخلاف الإعفاءات التي يتضمنها مشروع المشروعات المتوسطة الصغيرة ومتناهية الصغيرة، وجعلت الانضمام لمنظومة الفاتورة الإلكترونية شرطًا لتعامل الشركات مع الوزارات، ومصالح الدولة، وفقًا لقرار مجلس الوزراء، اعتبارًا من أول يوليو 2021
وينص القانون على إعفاء مشروعات الاقتصاد غير الرسمي التي تتقدم بطلب لتوفيق أوضاعها من ضريبة الدمغة. بالإضافة إلى رسوم التوثيق والشهر العقاري لعقود تأسيس الشركات والمنشآت وعقود التسهيلات الائتمانية والرهن المرتبطة بأعمالها.
كما منعت الوزارة المتراخين عن الاستفادة من برامج دعم الصادرات. ولن يتمكن المصدرون من دعم الصادرات الذي تقدمه الدولة لهم، سوى بعد الانضمام لمنظومة الفاتورة الإلكترونية.
معوقات في منظومة الفاتورة الإلكترونية والتكويد:
تصطدم مشروعات التطوير في مصلحة الضرائب بنقص الكوادر البشرية القادرة على الاضطلاع بها. وذلك في ظل ضم المصلحة قطاعًا عريضًا من حملة المؤهلات المتوسطة، وغير القادرين على التعاطي مع التكنولوجيا، في أبسط صورها.
تواجه مساعي الرقمنة أيضًا مشكلات تتعلق بطبيعة المؤسسات غير الرسمية، في ضعف حجم الموارد المتاحة للمنشأة، خاصة ما يتعلق بالتكنولوجيا، إذ إن غالبيتها يتعامل بالطابع اليدوي في الإنتاج والدفاتر الورقية، وبعضها لم يعتمد على الحواسب الآلية، أو شبكة الإنترنت. وهو ما يجعل قدرته على الرقمنة شديدة الصعوبة.
يقول الدكتور عبد العزيز هاشم، إن مشروع تطوير مصلحة الضرائب يتضمن محور الموارد البشرية وتطويره، من خلال مشروع متكامل. وخلق منظومة عمل متكاملة ترتكز على التحديث المستمر، وفق الخبرات العالمية المتميزة. وهو الأمر الذي يتطلب تدريب الكوادر البشرية؛ بما يتسق مع هذا التطور.
يقول هاشم إنه يتم خلق صف ثان، يكون داعمًا بخبراته وقدراته وإمكاناته لإستراتيجية الوزارة في تحقيق خططها نحو التنمية. وما يتطلبه ذلك من وجود كفاءات بشرية تدير منظومة العمل الجديدة، لافتًا إلى أنه يتم توفير أفضل برامج التدريب للعاملين بوزارة المالية ومصالحها المختلفة. خاصة في ظل ما تشهده من حجم أعمال ومشروعات كبيرة لتحقيق رؤية مصر 2030
نظام التكويد:
هو معيار لتوحيد كود السلع والمنتجات والخدمات التابعة لكل شركة وهو شبيه ببصمة اليد. ويتسم بأنه غير متكرر على مستوى العالم، ويضمن طباعية أيّ منتج لشركة بعينها دون قدرة على تزييفه.
طريقتان للتكويد:
الأولى: إذا كانت أكواد سلع وخدمات الشركة وفقًا لنظام التكويد العالمي GS 1 ستقوم بتسجيل هذه الأكواد على منصة الفاتورة الإلكترونية. وذلك للتأكد من تفعيل تلك الأكواد على قواعد بيانات منظومة الفاتورة الإلكترونية.
الثانية: إذا كانت أكواد السلع والخدمات داخلية، فيجب ربطها بنظام التصنيف السلعي GPC. ومن ثم تسجيل أكواد الـ EGS على منصة الفاتورة الإلكترونية والمكونة من الكود الداخلي بنظام GPC– رقم التسجيل– EG. وبعدها تراجع المصلحة الأكواد وتقرها، وبموافقتها يتم استخدام أكواد الـ EGS في إصدار الفاتورة. أما حال وجود سلعة أو خدمة ليس لها GPC فيتم التواصل مع شركة GS 1 لتحديد الكود الخاص مجانا.
فوائد التكويد: يساعد نظام التكويد وفقًا لمنظومة الفاتورة الإلكترونية في التعرف على نسبة المكون المحلي بالمنتج المصري. وهو ما يساعد في دعم الصناعة الوطنية، ودعم نسبة المكون المحلي في المنتج النهائي.
وبلغ عدد الشركات التي انضمت لمنظومة الفاتورة الإلكترونية، حتى منتصف عام 2021 إلى 1800 شركة من كبار الممولين. وقفز عدد الفواتير على المنظومة لأكثر من 20 مليون فاتورة إلكترونية.