بعد عدة أيام تحل الذكرى الثانية عشر لثورة 25 يناير، مع كل عام يمر يظهر بشكل أكثر وضوحا أن ثورة يناير لم يتبق من ذكرياتها سوى بضع صور لتظاهرات، شباب غاضب يهتف واشتباكات ومصابين، وبضع أطياف من شباب صاروا كهولا.
غابت بوصلة الثورة فصار أغلب من يدعي انتماءه للثورة لا يعرف منها سوى الاحتجاج على الحاكم الحالي، وفي سبيل ذلك قد يدافع عن رجل أعمال يتهرب من الضرائب، ويتضامن مع مستثمر يهرب أمواله إلى الخارج، ويدعم موتورين ليس لهم هدف سوى الانتقام من الدولة والمجتمع.
غياب المشروع الجامع للثورة كان الخطيئة الكبرى، وعدم التوثيق كان الطامة الكبرى، يظن العديد ممن يتذكرون الثورة الآن أنها كانت مجرد مظاهرات، ومجموعة من الشعارات التي لازال يرددها بعض الحالمين.
شهدت أحداث الثورة مناقشات ومداولات سياسية أفرزت عددا من الكوادر الواعدين من شباب وفتيات الوطن، لديهم بخلاف الحلم أفكار ورؤى كانت من المفترض أن تكون نواة لمشروع بناء حقيقي يطرح حلولا للمجتمع، ويقدم فرصة لبناء دولة أكثر حداثة ومرونة، كانت هناك فرصة غيبتها الصراعات الأولى مع تنظيم الإخوان الذي سعى مبكرا إلى الحكم مستغلا حالة السيولة التي خلقتها الثورة.
ربما ضاعت فرصة بناء مشروع الثورة بفعل تقادم السنوات، وتغير معطيات السياسة، والضربات التي تلقتها الثورة من أعدائها، والتشويه الذي بدأ مبكرا واستمر حتى هذه اللحظة، بالإضافة الى تجارب السجن والاغتراب التي عاشها كوادر يناير خلال السنوات اللاحقة.
ورغم غياب فرصة المشروع إلا أن ما قصر فيه كوادر يناير في حق ثورتهم المهزومة، هو أن تكون ذكراها فرصة لصياغة “حكاية الثورة”، الحكاية لا تحتاج إلى مشروع سياسي أو تنظيمي، لا تحتاج إلى أدوات ولا تسبب الخوف والقلق.
حكاية ثورة يناير التي لم تكن مجرد تظاهرات واشتباكات كما رصدتها الصور والفيديوهات المتبقية على فضاء الإنترنت، كما أنها لم تكن مؤامرة تحاك خيوطها في السفارات ومكتب الإرشاد، حكاية الحلم الذي بذل في سبيله الآلاف الدم والعرق دون أن يعرفوا كيف يتحقق.
حتى الآن لم يظهر نتاج يعبر عن الثورة، فقد اقتصرت تجارب التوثيق على روايتين، الأولى لجماعة الإخوان والتي تظهر الجماعة باعتبارها عماد الثورة وقلبها، ورواية كارهي الثورة حيث ألصقوا بها كل ما جال بخاطرهم من آثام وشرور.
مع كل ذكرى للثورة أتمنى أن يخرج إلى النور بعض من نتاج الثورة لدى رواة صادقين، ممن كانوا في القلب منها، تصورت أن يظهر نتاج أدبي حقيقي في صورة شعر أو نثر أو رواية، كل ما صدر في هذا السياق خرج مبتسرا، مثلما كانت الثورة، حكايات لأحداث وبعض الصور الفوتوغرافية التي تترجم سردا، ولكن الفكرة والروح لم يقرب منهما أحد.
حتى المراجعات السياسية وهي أسهل أجزاء الحكاية كتابة لم تبارح بضع مقالات هنا وهناك، كانت في الأغلب بغرض التنصل من الثورة أو للتطهر من الواقع أو التبرؤ من الهزيمة، لم تكن مراجعات جادة ومنظمة بغرض سرد الخلفية السياسية للحكاية، فكل صورة من صور الثورة خلفها عشرات الاجتماعات والبيانات والمناقشات التي سبقت الصورة ورافقتها في الظل.
ألم تكن الثورة ملهمة بدرجة كافية لأبنائها، أم عقمت فلم تنجب من يقدر على سرد ولو جانب بسيط من الحكاية الطويلة؟!
لم يكن القدماء على علم بالكتابة والتدوين، ولكنهم صاغوا حكاياتهم الشعبية في سيرة تغنوا بها، لقنها الأجداد للأحفاد وحملها المسافرون في قلوبهم قبل عقولهم.
المبررات كثيرة في غياب المشروع الوطني والسياسي للثورة، فلم تكن هناك من فرصة خلال الأعوام الماضية، وربما لن تكون هناك فرصة قريبة، ولكن ليس هناك مبرر لتقصيرنا في تدوين حكاية الثورة.
ربما تكون الحكاية هي أول الطريق للبحث عن بوصلة الثورة التي ضاعت منا في زحام الأيام وعتمة السجون، البوصلة التي ننتظرها حتى نعرف من نحن وأين الطريق وما العمل؟