عادة ما يتم الاحتفاء في نهاية كل عام ومع بداية عام جديد بأهم وأفضل الشخصيات التي لعبت أدوارا بارزة أو قامت بإنجازات كبيرة أو حققت نجاحات عظيمة، لكن عام 2022 تحديدا وربما لأعوام متعددة سابقة عليه لا يمكن إلا أن يكون المواطن المصري هو بطل هذا العام بلا منازع.
المواطن المصري، والذي تحمل ولا يزال لسنوات عديدة أوضاع اقتصادية واجتماعية بالغة الصعوبة، ازدادت ضراوتها أكثر في العام الماضي، وهو هنا رب الأسرة الذي يكد ويبذل قصارى جهده لتوفير المتطلبات الأساسية له ولأسرته، وست البيت التي تدير بيتها بمنتهى الكفاءة مهما كانت الضغوط والظروف وتحاول التكيف مع أي أوضاع، والأب الذي لا يزال همه الأول تعليم أبنائه وتوفير إمكانيات المستقبل لهم، والأم التي لا تزال تغرس القيم والمبادئ في وجدان ونفوس أبنائها، والشباب والفتيات الذين يبدأون حياتهم في ظروف بالغة الصعوبة ومع ذلك يتمسكون بأحلامهم حتى وإن قبلوا بأوضاع وأعمال لا تتناسب مع طموحاتهم ولا تتلاءم مع مستواهم التعليمي، هو النساء اللائي مازلن يبحثن عن موقع قدم لهن في المجتمع ليدافعن عن حقوقهن ويتمسكن بها، والشباب الذي لا يزال قادرا على التواكب مع العصر وملاحقته والتعبير عن نفسه وأفكاره وتصوراته بسبل وطرق مختلفة حتى وإن اختلف البعض معها.
المواطن المصري، هو كل رجل أعمال أو صاحب مؤسسة أو شركة أو جهة عمل حاول ولا يزال الحفاظ على نشاطه الاقتصادي أو التجاري دون تسريح للموظفين أو العمال أو تخفيض رواتبهم أو تصفية نشاطه تماما وترك البلاد، وهو كل سياسي لا يزال يحاول ويراهن ويتمسك بالفرص المتاحة دونما تنازل عن مبادئ أو انغماس في البحث عن مصالح خاصة، وهو كل موظف عام لا يزال يؤدي دوره وواجبه بكفاءة ونزاهة، وهو كل صحفي يبحث عن مساحة لتكون الصحافة سلطة رابعة تراقب وتحاسب وتكشف وتواجه، وكل محام لا يزال يؤمن أن دوره الدفاع عن الحق وتوفير سبل العدالة، وكل طبيب يحترم علمه وتخصصه وقسمه المهنى ويهتم حقا بصحة الناس وعلاج أمراضهم دون أن يحول مهنته لاستثمار وتجارة، وكل رجل شرطة يؤمن أن دوره حماية المجتمع والناس وتوفير الأمن وتطبيق القانون لهم لا تلفيق التهم ولا التغول بسلطته، وكل جندي جيش يدرك أن دوره هو حماية حدود البلاد واستقلالها والدفاع عن ترابها حتى الاستشهاد في سبيلها، وكل موظف أو عامل لا يزال يتمسك بلقمة العيش الحلال مهما بدت قليلة أو صعبة.
المواطن المصري، هو هؤلاء الذين لا يزالون يبذلون من وقتهم وجهدهم وأموالهم من خلال جمعيات أهلية أو خيرية لتوفير خدمات أساسية ومعيشية تساعد فقراء المصريين على الحياة ومصاعبها، وهو هؤلاء الذين لا يزالون يحملوا هم الوطن ومشاكله ويعبرون عن آرائهم قولا وكتابة وبكل السبل المتاحة رغم الخوف الذي يملأ أركان المجتمع، وهو هؤلاء الذين لا يزالون يؤمنون أن مصر تستحق أن تكون وطنا للحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية رغم صعوبة وبؤس الأوضاع الراهنة.
المواطن المصري هنا هو كل أم شهيد ضحى بروحه وحياته دفاعا عن الوطن أو بحثا عن مستقبل أفضل له، مشاركا في ثورات الوطن أو مدافعا عن حدوده وأمنه، وهو كل أسر سجناء الرأي الذين يتحملون العبء مضاعفا دفاعا عن حق أبنائهم وسعيا للحظة التي يتحررون فيها من ظلم السجن.
المواطن المصري، هو كل شريف يبحث عن حياة كريمة حرة آمنة ويتحمل كل الضغوط والأوضاع الصعبة رغم كل ما قد يصيبه من يأس وإحباط وغضب، ومع ذلك لا يزال يؤدي دوره وواجبه دون كلل أو ملل، أملا في لحظة آتية مقبلة تتحسن فيها الأوضاع وتتحقق فيها الأحلام.
كثيرا ما ننتقد هذا المواطن ونغضب مما نراه سلبية وخوف ورضا بالحال مهما كان بؤس أحواله، وهو غضب ونقد أحيانا يكون في محله، لكنه في النهاية لا يبخس حق هذا المواطن في تحية قدرته على الصمود والانبهار بتمكنه من التكيف واستمرار الحياة بكل مصاعبها. هؤلاء الذين تتحول مقاومتهم ونضالهم فقط لأجل أن تستمر الحياة وتتوافر الاحتياجات الأساسية يستحقون في مثل هذه الظروف أن يكونوا أبطالا وأن نعبر لهم عن كل الامتنان والتقدير والتفهم حتى وإن اختلفنا معهم في جوانب أو أولويات أخرى.
بطل العام الماضي، والأعوام السابقة، والذي سيواجه بكل أسف تحديات تبدو أكبر وأصعب هذا العام، هو ذلك الذي وصفه شاعر جيلنا بامتياز مصطفى إبراهيم بأنه:
يشبه بطل أسطوري وخيالي
معملش حاجة تستحق الذكر
غير إنه واقف لسه على رجليه
*******
في كلمته بالكاتدرائية لتهنئة المواطنين المسيحيين بعيد الميلاد المجيد، تحدث الرئيس عبد الفتاح السيسي عن أنه يرى ويسمع بوضوح قلق وخوف الناس من الأوضاع الحالية، وأنه حريص على أن يطمئنهم وأنه دائما ما يتحدث علنا عن مشاكل مصر والتحديات التي تواجهها كى يكون المصريون على علم بها، وأنه (لو في حاجة هعملها هقولكم) تعليقا على بعض الأصوات المنتقدة لمشروع صندوق قناة السويس أو بعض عمليات البيع التي تتم في الفترة الماضية، والتي وصف بعضها أيضا بأنه غير مسئول ولا يعرفوا الحقائق والتفاصيل، كما أشار إلى أنه سعيد بخوف المصريين على بلدهم لكن رسالته الأساسية لهم (متخافوش)، مع تحذيره من أن استمرار الحرب الروسية الأوكرانية قد يتسبب في زيادة صعوبة الأوضاع، وقال إننا نعاني نعم لكن الأمر لا يحتاج لأن نخاف أو نقلق.
ومن موقع هؤلاء المواطنين الخائفين القلقين، يبدو إيجابيا أن يصل بوضوح للرئيس قلق الناس وخوفهم سواء على مصر كدولة ووطن ومجتمع، أو على أنفسهم وعلى أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية وقدراتهم وإمكانياتهم المادية التي تتضاءل قيمتها وتتدهور يوما بعد الآخر، لكن لا يبدو ذلك كافيا، فالخوف والقلق مبرر كما قال الرئيس نفسه، والأهم هو سياسات وإجراءات محددة وواضحة ضمن خطة وتصور أشمل لمواجهة الأوضاع الحالية، والسيطرة على الارتفاع الجنوني للأسعار، وإعادة توجيه أولويات الإنفاق العام بما يحقق توفير الخدمات الأساسية للمواطنين ويضمن الاستثمار في مشروعات لها عوائد قريبة الأجل توفر مصادر دخل سريعة.
الناس خوفها وقلقها نابع من واقع يعيشونه يوميا، وبالتالي مواجهة هذا الخوف والقلق وطمأنتهم فعليا لا يمكن أن يكون إلا بسياسات وإجراءات لا نقول تنهي الأزمة وإنما على الأقل تحد من آثارها وتحسن الوضع الحقيقي الذي يعيشه المواطنين. ولا يمكن الوصول لذلك إلا عبر حوار جاد متصل مع سياسيين وخبراء ومتخصصين لكن ليس على طريقة المؤتمر الاقتصادي الذي كان أقرب إلى مؤتمر دعائي يدافع عن سياسات الحكومة، ولا يمكن الوصول إلى ذلك إذا ظلت السلطة تتصور أن أى خلاف معها في السياسة أو التوجه أو الرأي أو الإجراءات أو الأولويات تعبير عن عدم فهم أو عدم مسئولية.