يستعد مجلس الأمن الدولي لتجديد قرار يسمح بإيصال المساعدات الإنسانية إلى ملايين السوريين دون إذن من الرئيس السوري بشار الأسد. في الأسابيع التي سبقت التصويت، شعر الدبلوماسيون وعمال الإغاثة وملايين السوريين بالقلق، من أن روسيا تستخدم حق النقض في مجلس الأمن لمنع المساعدات عبر الحدود.
يشير كل من ناتاشا هول، زميل برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وهاردين لانج، نائب الرئيس للبرامج والسياسات في منظمة اللاجئين الدولية. في تحليلهم المنشور في فورين أفيرز/ Foreign Affairs، إلى أن هؤلاء القلقين “كان لديهم سبب وجيه للقلق”.
يذكر التحليل أنه لطالما جادلت موسكو، أحد أقرب داعمي الأسد، بأن المهمة الإنسانية تنتهك سيادة سوريا. وقد استخدمت حق النقض -الفيتو- في السابق لاستخدام نقاط عبور أخرى لإيصال المساعدات إلى سوريا. لكن، يبدو أنه سيتم تفادي الأزمة هذه المرة، على الأقل خلال الأشهر الستة المقبلة.
يقول: في السنوات الأخيرة، أظهرت روسيا والصين أنهما أكثر استعدادًا لاستخدام قوتهما الدبلوماسية، وحق النقض في مجلس الأمن، لتمكين الحكومات من حرمان شعوبها من المساعدات الإنسانية.
اقرأ أيضا: التقارب التركي السوري.. روسيا تزأر في وجه واشنطن بورقة “الأسد”
هذا الصيف، ساعدت روسيا والصين إثيوبيا في تأخير اجتماعات مجلس الأمن لمناقشة إعلان المجاعة في تيجراي، وفقًا لما ذكره مارك لوكوك، وكيل الأمين العام السابق للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ. حيث لم يتم الإعلان عن المجاعة رسميًا في شمال إثيوبيا، على الرغم من أن ما يقرب من نصف مليون طفل يعانون من سوء التغذية في تيجراي.
لتبرير تقييد أو منع المساعدات، تجادل الصين وروسيا بأن السيادة مصونة حتى عندما تقوم الأنظمة القمعية بشن حرب حصار ضد شعوبها. وبطبيعة الحال، فإن تطبيقهم هو تطبيق غير متسق للغاية مع القانون الدولي، لا سيما بالنظر إلى الحرب الروسية في أوكرانيا.
الحياة الأخيرة
يشير الكاتبان إلى أنه “من خلال تسييس المساعدات الإنسانية كالغذاء والخيام والدواء، وتسليحها “أي تطويعها واستخدامها كسلاح للإضرار وإضعاف وتركيع الخصم”، تعمل الصين وروسيا على توسيع نفوذهما على حساب الاستقرار الدولي والأعراف الإنسانية وحقوق الإنسان”.
وكتبا: إذا تمكنت الحكومات القمعية من التلاعب بمساعدات الإغاثة لمتابعة نزاعاتها الداخلية، فإن المجتمع الدولي يفقد أداة أساسية لتخفيف المعاناة وإدارة الأزمات. يجب على الولايات المتحدة وحلفائها إيجاد طرق لتقليل تأثير تنافس القوى العظمى على الأزمات الإنسانية في سوريا وخارجها. تتمثل إحدى الطرق في إخراج بعض المناقشات حول مساعدات الإغاثة من مجلس الأمن المستقطب.
ولفتا إلى أن “تسليح المساعدات الإنسانية ليس ظاهرة جديدة، لكن نتائجها في سوريا حادة ومأساوية بشكل خاص”.
بعد اندلاع ثورة سوريا عام 2011، رفض نظام الأسد بشكل منهجي المساعدة الإنسانية لشرائح كبيرة من سكانه، ساعيًا إلى إجبار المجتمعات الخاضعة لسيطرة المعارضة على الاستسلام أو القضاء عليها تمامًا.
رداً على ذلك، تبنى مجلس الأمن -بالإجماع- القرار 2165 في عام 2014. سمح هذا القرار لوكالات الأمم المتحدة بتمويل وتسليم وتنسيق المساعدات عبر أربعة معابر حدودية إلى المناطق التي لم تسيطر عليها قوات الأسد دون موافقة النظام. ونتيجة لذلك، وصلت وكالات الإغاثة إلى ملايين الأشخاص الذين كانوا سيبقون دون مساعدة لولا ذلك.
يؤكد التحليل أنه مع ذلك، في السنوات الأخيرة، استخدمت روسيا -حليف الأسد الذي لا غنى عنه- نفوذها في مجلس الأمن لتقليل اختصاص القرار إلى معبر واحد بين سوريا وتركيا.
يقول: حتى مع هذه القيود، تصل مساعدات الأمم المتحدة إلى 4.5 مليون شخص محاصر في شمال غرب سوريا، معظمهم من الناجين من حصار الأسد وحملات القصف الروسية.
ومع ذلك، ضمنت جهود موسكو أن الغالبية العظمى من مساعدات الأمم المتحدة يتم تمريرها عبر دمشق، مما يمنح نظام الأسد مزيدًا من السيطرة على توصيل المساعدات.
مناورات روسية
يؤكد التحليل أن هذه السيطرة على مرور المساعدات سمحت للأسد بوقف المساعدات عن مناطق معينة وتوجيهها إلى حلفائه. كما أنها تتيح له تشكيل قصة الصراع نفسه.
والأكثر سوءا، هو أن مركز الأمم المتحدة في دمشق لم يكشف عن حصار الحكومة السورية لمدينة مضايا التي يسيطر عليها المتمردون، حتى تم تداول صور مروعة للأطفال الجوعى في وسائل الإعلام في يناير/ كانون الثاني 2016. كما استخدمت موسكو التهديد باستخدام حق النقض -الفيتو- لانتزاع تنازلات دبلوماسية من أعضاء مجلس الأمن الآخرين، بما في ذلك الولايات المتحدة.
في العام الماضي، هددت موسكو بإغلاق المعبر المتبقي لتأمين موافقة مجلس الأمن على أنشطة الإنعاش المبكر في المناطق التي يسيطر عليها النظام، ودعم أكبر لعمليات الإغاثة عبر الخطوط، حيث يتم توجيه المساعدات الإنسانية عبر دمشق من خلال وعبر الخطوط الأمامية في سوريا التي تسيطر عليها المعارضة.
يشير التحليل إلى أن تسليم المساعدات عبر الخطوط “يمنح نظام الأسد سيطرة أكبر على المساعدات التي تصل إلى شمال غرب سوريا. كما أنه يميل إلى أن يكون منسقًا بشكل سيئ، ويفتقر إلى آليات المراقبة القوية التي تحكم المساعدات عبر الحدود”.
في يوليو/ تموز الماضي، بعد نقاش حاد في مجلس الأمن، أجبرت روسيا -من خلال مسودتها الخاصة- بتمديد الأمم المتحدة عبر الحدود، والتي أعطت مجموعات الإغاثة ستة أشهر فقط للتخطيط لكيفية تلبية الاحتياجات الماسة للسوريين في شمال غرب سوريا.
يقول التحليل: في السابق، كان من المؤكد إلى حد ما تمديد القرار لمدة 12 شهرًا في كل مرة. هذا من شأنه أن يمنح مجموعات الإغاثة القدرة على توظيف عمال الإغاثة، وتخطيط البرامج، وإدارة المستشفيات والمدارس ومرافق المياه، وتوصيل الطعام لخدمة الملايين الذين يعتمدون على تلك المساعدات. مع انتهاء صلاحية القرار في 10 يناير/ كانون الثاني، يجب على مجلس الأمن التصويت مرة أخرى على ما إذا كان سيمدد تفويض الأمم المتحدة لمدة ستة أشهر أخرى.
اقرأ أيضا: هل حان الوقت للاستعداد لانهيار روسيا؟
إحكام الخناق
ترك الإطار الزمني القصير لمدة ستة أشهر وعدم اليقين الدبلوماسي، وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية غير قادرة على التخطيط لاستجابة إنسانية فعالة. على سبيل المثال، لا يمكنهم التوظيف في الوظائف التي قد يتم تمويلها أو لا يتم تمويلها.
يقول التحليل: كان التأثير على الأرض ملموسًا. أفاد منتدى المنظمات غير الحكومية في شمال غرب سوريا، العام الماضي، أنه تم إلغاء أكثر من 8500 وظيفة غير حكومية في شمال غرب سوريا، وتعليق أكثر من 400 من الأنشطة الطبية والتعليمية والحماية ومرافق المياه والصرف الصحي.
خلاصة القول، هي أن مجرد التهديد باستخدام حق النقض الروسي قد أدى بالفعل إلى “ضمور الاستجابة الإنسانية”.
يضيف: بالنسبة لروسيا، هذه هي النقطة على الأرجح. لم يستطع النظام السوري وروسيا استعادة شمال غرب البلاد بسرعة بالقوة. سيواجهون تمردا موسعا ومعقدا بسبب وجود القوات التركية. لكن، من خلال قصر المساعدات على المنطقة أثناء قصفها بشكل متقطع، فإنهم قادرون على احتواء المعارضة وإضعاف السكان المدنيين.
ولفت إلى أن قطع المساعدات عبر الحدود كليًا من شأنه أن يزيد من إحكام الخناق.
تابع: سيدفع ملايين السوريين ثمناً باهظاً. سيحاول الكثيرون الفرار إلى تركيا أو البلدان المجاورة الأخرى، التي أغلقت أبوابها إلى حد كبير في وجه اللاجئين السوريين. يمكن أن تؤدي النتائج إلى زعزعة استقرار منطقة هشة بالفعل، ما يؤدي إلى معاناة إضافية سيدفع المانحون الأمريكيون والأوروبيون فاتورتها.
وأوضح أن الولايات المتحدة وألمانيا والمملكة المتحدة “كانوا بالفعل المانحين الأكثر سخاء للمساعدات الإنسانية في جميع أنحاء العالم على مدار العقد الماضي، وسيتعرضون لضغوط شديدة للحفاظ على هذه المستويات”.
والأسوأ من ذلك، أن الآثار الضارة لتدهور الوضع الإنساني في سوريا يمكن أن تنتشر بسهولة خارج المنطقة.
هل الإذن مطلوب؟
يشير المحللان إلى أنه من المرجح أن يستجيب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان -الذي يستعد للانتخابات في وقت لاحق من هذا العام- لموجة جديدة من اللاجئين السوريين من خلال دفع التدفق إلى أوروبا. بعد أن أدت آخر حركة كبيرة للاجئين والمهاجرين السوريين، في 2015-2016، إلى ترسيخ الانقسامات داخل المجتمعات الأوروبية، ورفع مستوى الأحزاب اليمينية المتطرفة، وتحدى المفاهيم الأوروبية لحقوق الإنسان.
أضافا: من المؤكد أن بوتين سيسعد لرؤية أوروبا تواجه مثل هذا الوضع مرة أخرى.
وأوضحا أنه “لا ينبغي أن تكون الحكومة القمعية “السورية” قادرة على تحديد مواطنيها الذين يتلقون مساعدات خارجية، مع العلم أن روسيا والصين ستحميانها في مجلس الأمن”. وأنه يجب على الولايات المتحدة وحلفائها إيجاد طرق لتقليل المأساة الإنسانية التي تنتج عندما تتنافس القوى العظمى في الأزمات الإنسانية. في بعض الحالات، سيكون إخراج مجلس الأمن من المعادلة خطوة أولى مهمة”.
حتى قبل إصدار القرار 2165، جادل عدد من الباحثين القانونيين بأن قرار مجلس الأمن ليس مطلوبًا لإضفاء الشرعية على توصيل المساعدات عبر الحدود في مواجهة معارضة الحكومات القمعية. الحجة ذات شقين في الأساس.
أولها لا توجد قاعدة في القانون الدولي تنص -بشكل لا لبس فيه- على أنه من غير القانوني للوكالات الإنسانية للأمم المتحدة عبور حدود دولية إلى جزء من دولة لا تملك الحكومة الوطنية سيطرة إقليمية عليها لتقديم مساعدة إنسانية محايدة في تعاون كامل. مع السلطات المحلية والمجتمعات المحلية.
وثانيًا، يشير رفض نظام الأسد السماح بالمساعدات الإنسانية للسكان المحتاجين طوال الصراع إلى نمط تكون فيه البدائل مثل المساعدات عبر الحدود ضرورية.