شهد سعر الدولار ارتفاعًا كبيرًا أمام الجنيه في سابقة تعدّ هي الأولى في سعر الصرف. إذ انخفض سعر الجنيه أمام الدولار بقيمة بلغت في أقصاها إلى 4.47 جنيه خلال ساعتين في بداية التعاملات الصباحية، أمس الأربعاء، فيما ختم نهاية التعاملات بانخفاض أمام الدولار بلغ 1.9 جنيه.
اقرأ أيضا.. “التعويم” يغرق المصريين مجددًا.. وصايا الصندوق تهوي بالجنيه لأدنى مستوى في تاريخه
وفي بداية التعاملات الصباحية وصل سعر صرف الدولار إلى 32.17 جنيه بنسبة انخفاض للجنيه بلغت 16.13%، ثم عاودت نسبة الانخفاض إلى التراجع ليصل سعره في نهاية التعاملات إلى 29.6 جنيه بنسبة تراجع 6.8%.
يتفق المحللون والخبراء، الذين تحدث معهم “مصر 360” على أن البنك المركزي تدخل لتحجيم وكبح جماح الدولار أمام الجنيه، خوفًا من ارتفاع سعره بقيم غير مسبوقة، قد لا يستطيع التعامل معها.
وكانت التعاملات على السندات وأذون الخزانة أظهرت شراء الصناديق السيادية الخليجية سندات وأذون حكومية مصرية في منتصف تعاملات يوم أمس الأربعاء بقيم تقترب من 250 مليون دولار “نحو 7 مليارات جنيه”. وهذه السندات والآذون بآجال سداد حتى 2025.
وتعبر عمليات الشراء الخليجية للسندات الحكومية عن دخول سيولة دولارية للبنوك، عن طريق بيع الدولار من قبل تلك الصناديق للحصول على الجنيه اللازم لشراء السندات التي تباع بالعملة المحلية.
تحكم المركزي في السعر
يقول الدكتور مدحت نافع، أستاذ التمويل والمحاضر بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن ما جرى أمس من ارتفاع وانخفاض لسعر صرف الجنيه دليل على تحكم البنك المركزي في عملية تسعير الجنيه، وأن الجنيه لم يُترك كليًا لآلية العرض والطلب المعمول بها في أسواق الصرف.
ويُضيف لـ”مصر 360″، أن تدخل البنك المركزي جاء بعدما ارتفع سعر صرف الجنيه عن المُستهدف الذي يريده البنك. وكان سعر الجنيه انخفض أمام الدولار إلى 32.17 جنيه، ثم تراجع انخفاض الجنيه ليصل سعره في نهاية اليوم إلى 29.8 جنيه.
ويُتابع نافع، أن البنك المركزي تدخل عبر ضخ دولار في البنوك والأسواق عبر الآليات المتبعة. وذلك من أجل تلبية بعض الطلبات وليس كلها، وبالتالي خفض الطلب على الدولار، والتحكم في سعره والوصول إلى السعر المُستهدف الذي يريده البنك وهو 29.8 جنيه.
ويرى “نافع” أن عملية تسعير الجنيه المصري ليست محررة بالكامل. إذ يتدخل البنك المركزي بين الفينة والأخرى لكبح جماح الدولار. موضحًا أن أزمة تسعير الدولار الحالية أنه يتم تسعيره من جانب البنك المركزي في ظل ندرة وشح، وإذا تم تسعير أي سلعة أو عملة في ظل نقص وندرة فسيكون سعرها غير حقيقي. وعليه فإن سعر الدولار الحالي ليس حقيقيًا أو عادلًا أمام الجنيه.
ويُوضح أستاذ التمويل، أنه ما دام هناك شح وندرة في المعروض من الدولار ستظل أسعاره مرتفعة. وذلك على الرغم من انخفاض سعر الدولار أمام بعض العملات خارج مصر.
اشتراطات صندوق النقد
ويتفق محمد مهدي، المحلل الاقتصادي، مع رأي “نافع”، فيما يتعلق بتدخل البنك المركزي في عملية سعر صرف الجنيه أمام الدولار، وأن المركزي حصل على استثناء من صندوق النقد الدولي في التدخل حال وجود تحركات سعرية كبيرة للدولار أمام الجنيه.
ويقول لـ”مصر 360″، إن انخفاض سعر الجنيه أمام الدولار بنسبة 16.13% كبير لدرجة تجعل تدخل المركزي واجبًا لكبح جماح سعره. متوقعًا أن يصل سعر الدولار إلى 34 جنيهًا. ذلك لأن الدولار بات سلعة وليس عملة، وتتم عليه مضاربات كثيرة.
ويرى مهدي، أن ترك الجنيه لآلية العرض والطلب هو أحد أبرز اشتراطات صندوق النقد الدولي. كما أن عملية تدخل البنك المركزي المصري أيضًا تمت في إطار الاتفاق الذي تم مع الصندوق أثناء المفاوضات لحصول مصر على قرض بقيمة 3 مليار دولار.
وكانت مصر ارتبطت مع صندوق النقد الدولي ببرنامج للإصلاح الهيكلي اتفقت عليه مع الصندوق يقضي بأن يمتنع البنك المركزي عن التدخل لتثبيت سعر الصرف، وأن يتركه مرنًا.
وبحسب الموقع الإلكتروني للصندوق، فإنه في السابق لم يكن التوجيه المُكثف لسعر الصرف يعود بالنفع على مصر بشكل جيد، فقد أدى إلى فترات من تراكم الاختلالات، وهو ما أفضى بدوره إلى تراجع الأصول بالنقد الأجنبي لدى البنك المركزي والبنوك التجارية.
اقرأ أيضًا: “التعويم” يغرق المصريين مجددًا.. وصايا الصندوق تهوي بالجنيه لأدنى مستوى في تاريخه
ويُوضح الصندوق، أن عمليات تخفيض سعر صرف الجنيه تسببت في ارتفاعات حادة في معدل التضخم، وأضعفّت النشاط الاقتصادي مع فقدان المستهلكين والمستثمرين ثقتهم في سلامة أوضاع الاقتصاد المصري. ووفقًا للصندوق، فإن هدف برنامجه هو تحديد قيمة الجنيه المصري على أساس حر أمام العملات الأخرى “أي إرساء نظام سعر صرف مرن”، الأمر الذي من شأنه أن يحافظ على احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي، ووفقًا لهذا البرنامج سيتحرك سعر الصرف صعودًا وهبوطًا، حيث يرتفع أو ينخفض تماشيًا مع الأوضاع الاقتصادية.
أما عن فوائد مرونة سعر الصرف، يذكر الصندوق، أنها ستساعد الاقتصاد المحلي في مصر على التكيف بسلاسة أكبر في مواجهة الصدمات الخارجية، وتدعم قدرة مؤسسات الأعمال المصرية على بيع سلعها وخدماتها في الخارج، وتشجع على المزيد من الاستثمار وذلك بالحد من احتمالات حدوث تغيرات مفاجئة كبيرة في سعر الصرف.
وفي تقرير مُقدم إلى صندوق النقد الدولي نشره الصندوق الثلاثاء الماضي، قالت الحكومة المصرية إن البنك المركزي قد يتدخل أحيانًا في أوقات التقلب المفرط في أسعار الصرف، لكن دون اللجوء لاستخدام الأصول الأجنبية الصافية للبنوك بقصد تثبيت أو ضمان مستوى سعر الصرف.
ويعاود مهدي حديثه قائلاً، إن شروط صندوق النقد الدولي تُجبر الحكومة على إتباع سياسة سعر صرف مرنة للجنيه أمام العملات الأجنبية ومنها الدولار، لافتًا إلى أن أغلب البنوك المركزية تتدخل في تسعير أسعار صرف عملاتها مثلما يحدث مع اليوان الصيني أو حتى الدولار، لكنها تكون بنسب محددة.
ويتوقع المحلل الاقتصادي، أن تكون هناك تحركات أخرى لسعر صرف الجنيه، لكنها ستكون بنسب تتراوح بين 70 قرش إلى واحد جنيه، ولن تقل عن ذلك أو تكون قروش معدودة مثلما كان يتم خلال شهري أغسطس وسبتمبر الماضيين.
ويُوضح مهدي، أن استقرار سعر صرف الجنيه المصري فوق الـ30 جنيهًا أمام الدولار سيكلف الحكومة مليارات الجنيهات سواء بدفعها فوائد على أدوات الدين الحكومي المحلي أو الأجنبي، أو زيادة في فواتير المستلزمات والمنتجات من الخارج، وكل هذا يُشكل عبئًا على ميزان المدفوعات، ويدفع بزيادة العجز في الموازنة العامة.
ويعتقد، أنه خلال العام الجاري سيكون هناك ضغط على الدولار بسبب اضطرار الحكومة لسداد ما يقارب 42 مليار دولار فوائد وأقساط ديون، إضافة للزيادة في عملية الاستهلاك بسبب اقتراب شهر رمضان والذي سيكون خلال شهر مارس، آذار المقبل.
وكان وزير المالية محمد معيط ذكر في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أن كل زيادة 1% في سعر الفائدة يكبد الموازنة العامة للدولة بين 30 إلى 32 مليار جنيه عبء دين بما يؤدي إلى زيادة تكلفة الفائدة في الموازنة العامة الدولة، وبالتالي أثر على الدين وعجز الموازنة.
ضرب السوق السوداء
من جهته، يصف الدكتور رمزي الجرم، الخبير المصرفي، ما جرى لسعر صرف الجنيه من انخفاض، أمس الأربعاء بـ”القفزة غير المسبوقة” والتاريخية، حيث تعد المرة الأولى التي يكسر فيها سعر صرف الدولار مقابل الجنيه المصري حاجز الـ32 جنيهًا.
ويقول لمصر 360، إن تلك الزيادة المُفاجئة والطارئة والشديدة التي حدثت أمس الأربعاء، في أسعار صرف الدولار وغيرها من العملات الأجنبية الأخرى، لا يمكن أن يكون نتيجة للعرض والطلب الموجود في الأسواق، فهذه القفزة الواسعة لا تكون إلا من خلال سياسات وإجراءات يتبناها صانعو السياسة الاقتصادية والنقدية في البلاد، من أجل إعادة التوازن لسوق صرف النقد الأجنبي.
ويُضيف الجرم، أنه من المتوقع أن يكون لدى صانعي القرار اتجاه نحو توفير حصيلة وافرة من موارد النقد الأجنبي، يتم توفيرها للمستوردين من داخل الجهاز الرسمي، من خلال ضرب السوق السوداء، عن طريق رفع أسعار العملات الأجنبية في القطاع المصرفي، مما سيلجئ عملاء البنوك والمتعاملين معهم إلى التنازل عن قيمة أرصدتهم بالعملات الأجنبية للبنك، مقابل الجنيه المصري، مما يزيد من الطلب على العملة المحلية، وبالتالي زيادة قوتها مرة أخرى.
فضلا عن سعي طائفة كبيرة من العملاء نحو الاستفادة من مُعدلات الفائدة المُرتفعة والتي وصلت إلى نحو 25٪؛ في ربط شهادات الإيداع مرتفعة العائد، مما سيؤدي إلى سحب أي كتل نقدية زائدة في الأسواق، كانت مُخصصة للاستهلاك، وبالتالي انخفاض معدلات التضخم بشكل حقيقي، وفقًا للخبير المصرفي.
ويُتابع الجرم، أنه ربما يكون من المُناسب في الظرف الشديد الذي يواجه الاقتصاد المصري، أن يتم ضرب المضاربين في السوق السوداء على الدولار، من أجل عدم المزايدة على أسعار العملات الأجنبية خلال تلك الفترة، وتحقيق التوازن في أسواق صرف النقد الأجنبي.
ويختم حديثه، أن الاقتصاد المصري تأثر بالأوضاع الاقتصادية السيئة التي خلفتها الأزمة الروسية الأوكرانية، ومن قبلها أزمة جائحة كورونا، وكل ذلك أثر في محدودية موارد النقد الأجنبي نتيجة لتعطل سلاسل الإمداد العالمية، وارتفاع أسعار السلع الأساسية المُستوردة، خصوصا القمح والبترول، والتي تسببت في فجوة شديدة، كانت لها انعكاسات سلبية شديدة على عدم وجود موارد دولارية للإفراج عن البضائع المكدسة في المواني المصرية، مما خلق أزمة كبيرة، وتبدى ذلك، في انخفاض عرض السلع الغذائية الأساسية في الأسواق، ما أدى إلى ارتفاع أسعارها، وبالتالي زيادة حدة مُعدلات التضخم بشكل غير مسبوق.