مر ما يقرب من 9 أشهر -حتى الآن- على دعوة رئيس الجمهورية للحوار الوطني في إفطار الأسرة المصرية، لا يعلم أحد ما المدة التي سوف يستغرقها الحوار حين يبدأ، ولكن من غير المفهوم أن يستمر الإعداد لحوار كل هذه المدة، مناقشات مطولة استغرقها مجلس أمناء الحوار لتقسيم اللجان وتوزيع الموضوعات واختيار أسماء المشاركين، وحتى الآن لم يتم الإعلان عن موعد بدء جلسات الحوار.
مع كل يوم تتأخر فيه جلسات الحوار يزداد النقاش حول جدوى الحوار من أساسه، ويثور التساؤل حول الطريقة التي ترى بها الدولة الحوار، فما يبدو واضحا أن هناك خلافا بين مفهوم الدولة للحوار ومفهوم المعارضة.
في الوقت الذي ترى فيه المعارضة الحوار كفرصة لمراجعة الدولة فيما اتخذته من قرارات وما نفذته من سياسات، وبدء مرحلة جديدة تعتمد على التشاور بين الدولة والمعارضة قبل اتخاذ القرارات المهمة ورسم السياسات العامة، فإن ما نراه من جانب الدولة لا يعبر بأي حال عن ذلك التصور.
خلال الشهور الماضية اتخذت الدولة عددا من القرارات المصيرية، أهمها قرار التعاقد على قرض صندوق النقد الدولي، والقبول بشروطه الصعبة، بالإضافة إلى طرح وثيقة ملكية الدولة، وهو ما ينبئ بأن الدولة لا ترى في الحوار سوى فرصة للاستماع إلى بعض الآراء المخالفة دون التقيد تجاهها بأي التزامات.
يؤكد المتابعون لما يجري من تجهيزات للحوار المنتظر، أن الحوار سوف يتم بين الدولة ومؤيديها والمعارضة، وأن تشكيل اللجان تم باعتبارات تضمن التمثيل المتوازي بين الطرفين، ولكن هل يضمن التمثيل وحده جدية الحوار؟
أصدرت الحركة المدنية وهي ممثل المعارضة في تجهيزات الحوار، عددا من البيانات والتصريحات التي تعبر عن استيائها من أداء الحكومة خلال الشهور الماضية، فإن الحكومة لازالت مستمرة في سلوك نفس السبل التي قد تسببت في الأزمة الحالية والتي استدعت الدعوة للحوار من الأساس، بالإضافة إلى تباطؤ حركة الإفراجات عن سجناء الرأي والتي كانت أحد المحركات الأساسية لفكرة الحوار.
نشرت صفحة الحوار الوطني الخميس الماضي آخر ما توصلت إليه من نقاشات حول تقسيم لجان الحوار ومحاور العمل داخل كل لجنة، بمراجعة تلك المحاور ومتابعة ما تم تسريبه من أسماء مقترحة لعضوية اللجان، يبدو أن جلسات الحوار سوف تتناول موضوعات مهمة وأن اللجان ستشمل في عضويتها ممثلين لأغلب المجتمع السياسي في مصر، ورغم ذلك لازالت الشكوك تدور حول قدرة الحوار على تغيير دفة الدولة السياسية والاقتصادية.
لم تعترف الحكومة الحالية ولو لمرة بأنها قد أخطأت في أي من خطواتها السياسية والاقتصادية، ولا يبدو أن ثمة نية في التراجع، لازالت الحكومة تتخذ قراراتها الاقتصادية منفردة، ولازالت القيود السياسية والأمنية المفروضة على المجال العام قائمة، ولايزال الآلاف من سجناء الرأي يقبعون داخل زنازينهم في انتظار لحظة فرج، يعلقون آمالهم على لجنة العفو التي لم تعلن حتى الآن عن أي منهجية في عملها.
بعض من شروط صندوق النقد الدولي سبق وطرحها للنقاش عدد من رموز المعارضة وهو ما قوبل وقتها بالهجوم والتخوين والسجن، مثل ضرورة إفصاح كل مؤسسات الدولة عن حجم أنشطتها الاقتصادية والمزايا والإعفاءات التي تحصل عليها، ومنح الأجهزة للرقابية الفرصة لمحاسبتها.
ما لم تقبله الدولة من معارضيها في الملف الاقتصادي، فرض عليها قسرا من جانب صندوق النقد الدولي، وما ترفضه حاليا من المعارضين حول الإصلاح السياسي وحقوق الإنسان سوف يتم فرضه في وقت لاحق من قوى دولية.
تخوفات عدة تنتاب الجميع من أن تكون الأصوات الداخلية لا تحمل الصدى الكافي لتصل إلى أذن صناع القرار، وأن تكون اللغات غير العربية أكثر فهما من لغتنا المصرية الأصيلة.
يحتاج الحوار قبل أن يبدأ الى دفعة ثقة جديدة من جانب الدولة، خطوة تشجع المشاركين في الحوار أن يبذلوا جهودهم في صياغة أفضل المقترحات.
ربما يكون الحوار فرصة أخيرة لبناء جسر بين الدولة والمجتمع بعد أن انقطعت الصلات بتأميم العمل السياسي، وتعيين المؤسسات المنتخبة، وتوحيد الخطاب الإعلامي، تلك الفرصة ربما تحمل الأمل للمواطن المصري بأن ثمة فرصة لتحسين الأوضاع ومراجعة أخطاء الماضي وصياغة مستقبل مختلف.
أسوأ ما يمكن أن يحدث هو تصور الحوار مجرد تنفيس عن عدم الرضا الشعبي ببعض الانتقادات، يقابلها رد حكومي بأنه “ليس في الإمكان أفضل مما كان”.