كشف التقرير الدوري للمركز المصري للدراسات الاقتصادية، والذي يُغطي أوضاع 120 شركة من القطاع الخاص المصري تمثل عددا كبيرا من القطاعات الاقتصادية خلال الفترة بين يوليو إلى سبتمبر 2022، استمرار تراجع مؤشر أداء الأعمال لتلك الشركات.
وأكد التقرير تسجيل مؤشر أداء الأعمال تراجعا بمعدل 5 نقاط خلال الفترة بين يوليو إلى سبتمبر الماضي، مقارنة بنفس الفترة من العام قبل الماضي 2021. وعزا التقرير أسباب التراجع إلى صعوبة الاستيراد وبطء إجراءات الاعتمادات المستندية بسبب ضعف قدرة البنوك على تدبير العملة الأجنبية، إضافة إلى تدهور قيمة الجنيه وارتفاع تكلفة الاستيراد وتحرير سعر الصرف والارتفاع المتواصل في أسعار الخامات والطاقة والشحن عالميًا.
اقرأ أيضا.. مطالب بوضع ضوابط قانونية لتحويل الشركات الأجنبية أرباحها إلى خارج مصر.. الإمارات نموذجا
كما فاقمت الحرب الروسية الأوكرانية من حدة المشكلة حيث تسببت في ارتفاع الأسعار العالمية للخامات والشحن واضطراب سلاسل الإمداد وتباطؤ النشاط الاقتصادي العالمي، وفقًا للتقرير الذي صدر خلال شهر يناير الجاري.
وتنقسم الشركات التي أجرى عليها المركزي المصري الدراسات إلى نوعين، الشركات الكبيرة وتشكل نسبة 17%، والشركات الصغيرة وتُشكل نسبة 83%. كما استحوذ قطاع الصناعات التحويلية على نسبة 50% من الشركات التي تتبعها المسح، يليها قطاع الخدمات المالية بنسبة 13%، ثم التشييد والبناء بنسبة 12%، والنقل بنسبة 10%، والسياحة بنسبة 8%، والاتصالات بنسبة 7%.
انكماش القطاع الخاص
توقع المركز المصري، استمرار انكماش القطاع الخاص غير النفطي المصري، فمازالت قيمة مؤشر مديري المشتريات أقل من 50 نقطة وذلك بسبب القيود المفروضة على الواردات نتيجة لقرارات البنك المركزي الصادرة في مارس الماضي. وكان البنك المركزي قام بتعديل تلك القرارات خلال الشهر الجاري تخفيفًا عن المستوردين. فضلاً عن صعوبة توافر العملة الأجنبية واضطرابات سلاسل الإنتاج محليًا.
كما خفض البنك الدولي في تقرير الآفاق الاقتصادية العالمية في أكتوبر الماضي، توقعاته لنمو الاقتصاد المصري عند 4.8%، بدلاً من 5.5% في توقعاته خلال يونيو الماضي بسبب ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة وزيادة تكاليف مدخلات الإنتاج في القطاعات الاقتصادية الرئيسية.
وقدرت وزارة التخطيط، تسجيل معدل النمو خلال الربع الأخير من العام المالي 2021/ 2022 نسبة 3.3%، بانخفاض بنسبة 39% عن الربع الثالث من العام 2022 وهي الفترة من مارس إلى يونيو من نفس العام.
كما تراجع العجز الكلي في الموازنة العامة للدولة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام المالي 2021/ 2022 إلى 6.7% مقارنة بـ6.8% خلال العام المالي السابق 2020/ 2021، كما ارتفعت الإيرادات بنسبة 23%، وزادت المصروفات بنسبة 16.4%.
كما استمر معدل التضخم في الزيادة وبلغ نحو 16.3% خلال أكتوبر 2022، مقابل 7.3% خلال يناير 2021، ويعدّ تبني سعر صرف مرن للجنيه أحد أسباب الموجة التضخمية الأخيرة، بالإضافة إلى الارتفاع الموسمي في أسعار التعليم العام والخاص ومستلزمات التعليم، وارتفاع أسعار السلع الغذائية من خضروات ومنتجات ألبان وبيض وحبوب وخبز، وارتفاع أسعار الملابس الجاهزة.
لكن أستاذ الاقتصاد بجامعة جون هوبكنز في ميريلاند، “ستيف هانك” المُتخصص في التضخم، يقول إن نسبة التضحم الحقيقية السنوية تصل الى 88%. ويُضيف في تغريدة على تويتر :” المصريين لم يعرفوا هذا من قبل، وكما حدث عام 2016 عندما حُفّض سعر العملة المصرية فتضاعف سعر صرف الدولار أمام الجنيه، يدفع الثمن الفقراء وأفراد الطبقة المتوسطة”.
وذكر المركز المصري في تقريره، أن البنك المركزي لجأ إلى زيادة أسعار الفائدة خلال العام الماضي، لاستيعاب موجة التضخم. وكان البنك المركزي قرر في نهاية ديسمبر الماضي رفع أسعار الفائدة بمقدار 300 نقطة أساس لتبلغ 16.25%.
عجز ميزان المدفوعات
سجل ميزان المدفوعات المصري خلال العام المالي 2021/ 2022 عجزًا بقيمة 10.5 مليار دولار، مقارنة بتحقيقه فائض كلي بلغ نحو 1.8 مليار دولار خلال العام المالي السابق 2020/ 2021. وارتفع عجز حساب المعاملات الجاري بنحو 10.2% عن قيمته خلال العام المالي السابق ليسجل 16.6 مليار دولار.
وأرجع المركز المصري هذا العجز إلى ارتفاع العجز في الميزان التجاري غير البترولي بمعدل 13.7%، ليسجل 47.8 مليار دولار، نتيجة ارتفاع الواردات غير البترولية بنسبة 18.7% عن قيمتها خلال الفترة من العام المالي السابق عليه 2020/ 2021.
وسجلت الواردات غير البترولية قيمة 73.7 مليار دولار، مقارنة بصادرات 25.9 مليار دولار، أي أن العجز بلغ 47.8 مليار دولار. كما زاد عجز ميزان الاستثمار بمعدل 27.1% بقيمة 15.8 مليار دولار خلال العام المالي 2021/ 2022.
وقد حد من ارتفاع عجز الحساب الجاري، ارتفاع فائض الميزان التجاري البترولي بنحو 4.4 مليار دولار، مقابل عجز طفيف في العام المالي 2020/ 2021 بقيمة 6.7 مليون دولار، وذلك بسبب زيادة الصادرات البترولية بقيمة 9.4 مليار دولار في ظل ارتفاع قيمة صادرات الغاز الطبيعي.
كما زادت إيرادات السياحة بقيمة 5.9 مليار دولار لتسجل 10.7 مليار دولار خلال العام المالي 2021/ 2022، كما زادت إيرادات قناة السويس بنسبة 18.4% لتسجل 7 مليار دولار، وزادت متحصلات النقل لتسجل 9.7 مليار دولار، وتحويلات المصريين من الخارج ارتفعت إلى 31.9 مليار دولار.
تراجع مؤشرات القطاعات الاقتصادية
سجل قطاع الصناعات التحويلية تراجعا بنسبة 6 نقاط، بسبب صعوبة الاستيراد، وضعف القدرة الشرائية، ونقص المواد الخام، وارتفاع معدلات التضخم. وتراجع قطاع التشييد والبناء بنسبة 5 نقاط عن الفترة بين يوليو إلى سبتمبر مقارنة بالفترة مارس إلى يونيو 2022.
وسجل قطاع الاتصالات انخفاضا بنسبة نقطة واحدة بسبب مشكلات الاستيراد وندرة المواد الخام ومستلزمات شركات القطاع علاوة على ضعف السيولة.
في المقابل سجل قطاع السياحة تحسنًا في الأداء بنسبة 5 نقاط عن الفترة بين يوليو إلى سبتمبر 2022، وهو نفس أداء الفترة بين مارس إلى يونيو 2022. كما حقق قطاع الخدمات المالية أفضل أداء على مستوى كافة القطاعات الاقتصادية بعدما ارتفع بنسبة 13 نقطة، وذلك نتيجة انتعاش البورصة المصرية وعودة المستثمرين الأجانب بسبب خفض سعر الصرف، مما جعل الأسهم المصرية جاذبة للأجانب، وإعفاء صناديف الاستثمار المقيدة في البورصة من ضريبة الدخل.
بينما سجل قطاع النقل أكبر تراجع على كافة القطاعات الاقتصادية بنسبة 11 نقطة خلال الفترة بين يوليو إلى سبتمبر 2022، وذلك بسبب قيود الاستيراد، وما تسببت فيه من انخفاض في حركة نقل البضائع وتراجع تصدير واستيراد المنتجات.
وأكد تقرير المركز المصري للدراسات الاقتصادية، أن أبرز المعوقات التي واجهت القطاعات الاقتصادية هي ارتفاع تكاليف الإنتاج، وضعف القوة الشرائية، وزيادة الرسوم المفروضة على الخدمات الحكومية، وإجراءات التعامل مع الجهات الحكومية.
فضلاً عن ارتفاع التضخم، وتخبط السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية، وعدم توفر العمالة المؤهلة، وانتشار الفساد، وعدم وجود شفافية في سوق الأوراق المالية، وصعوبة شروط منح الائتمان، والجرائم والسرقات وتغير سوق الصرف وارتفاع سعر الفائدة على القروض.
أولويات تحسين مناخ الأعمال في مصر
اتفقت آراء كل المصنعين والاقتصاديين والشركات الـ120 التي استطلع المركز المصري آرائهم على مجموعة من الإجراءات التي يجب على الحكومة اتخاذها لتحسين جودة الأعمال في مصر، وأبرزها هي التحول الرقمي للخدمات الحكومية، وتسهيل الإجراءات الحكومية، وسياسات الاستثمار، والمنظومة الضريبية، وتخفيض الرسوم المفروضة على الخدمات الحكومية، وتراجع التضخم، ودعم القطاعات المتضررة من الأزمة، وخفض أسعار الطاقة، وتوفير العمالة المؤهلة، والمنظومة الجمركية.
توقعات متذبذبة للفترة القادمة
وتوقع تقرير المركز المصري، استمرار تراجع مؤشرات الإنتاج والمبيعات المحلية والصادرات للشركات الكبيرة، وانخفاض مؤشر الطاقة الإنتاجية، وارتفاع مؤشر المخزون السلعي مما يعكس تراجع الإنتاج. فيما سجلت مؤشرات الإنتاج والمبيعات المحلية واستغلال الطاقة الإنتاجية للشركات الصغيرة والمتوسطة تراجعًا أيضًا لكن بنسب طفيفة، وانخفاض في مؤشري الصادرات والمخزون السلعي.
كما توقعت الشركات الكبيرة والصغيرة والمتوسطة، ارتفاع مؤشر أسعار المُنتجات النهائية خلال الفترة بين يوليو إلى سبتمبر، وذلك بسبب توقع ارتقاع مؤشر الأجور للشركات الكبيرة، حيث تشهد تلك الفترة الزيادة السنوية المعتادة في الأجور على مستوى شركات القطاع الخاص، كما حقق مؤشر الأجور للشركات الصغيرة والمتوسطة قيمًا مرتفعة نسبيًا عن الفترة التي سجلها خلال مارس إلى يونيو 2022.
كما توقعت الشركات الكبيرة ارتفاع مؤشري الاستثمار والتشغيل خلال الفترة القادمة، بينما تظل قيم مؤشري التشغيل والاستثمار للشركات الصغيرة والمتوسطة في مستويات أقل ما يعكس حدة المشكلات التي يعاني منها الاقتصاد المصري.