في أول عامين له في المنصب، قاد الرئيس الأمريكي جو بايدن المرحلة الأكثر تحولًا في السياسة الخارجية للولايات المتحدة منذ عقود. حيث استعادت إدارته ذاكرة الحرب الباردة، وبذلت جهدًا هائلًا للرد على روسيا، بعد أن أطلقت العنان لأكبر عدوان (الحرب على أوكرانيا) في أوروبا منذ عام 1945.
كما أنشأت إدارة بايدن _ووسعت- تحالفات جديدة لاحتواء الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وعادت إلى الانضمام إلى الجهود العالمية بشأن سياسة المناخ وقضايا أخرى. لقد جلب بايدن وفريقه جدية متجددة لصنع السياسة الخارجية الأمريكية التي تتناقض بشدة مع فوضى عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
في المقابل، لم تكن كل جهود بايدن ناجحة. كان انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان في عام 2021 كارثيا، رغم أنه أنهى أخيرًا حربًا استمرت 20 عامًا.
مجلة فورين بوليسي الأمريكية، طلبت من 20 خبيرًا تصنيف أداء بايدن، بعد انتهاء نصف مدته الرئاسية، من خلال عدة موضوعات تتعلق بالسياسة الخارجية. يستعرض “مصر 360” بعضا من هذه التقييمات.
اقرأ أيضا: لماذا انقلب بايدن على “عقيدة أوباما”؟
لا حواجز ضد بوتين
ترى أنجيلا ستينت، مؤلفة كتاب “عالم بوتين”، أن إدارة بايدن جاءت إلى السلطة قائلة إنها تريد علاقة “مستقرة ويمكن التنبؤ بها مع روسيا”، وتسعى إلى “إنشاء حواجز حماية”، حتى تتمكن الولايات المتحدة من التركيز على خصمها الرئيسي، الصين.
تقول ستينت: نجح ذلك لبعض الوقت في عام 2021، مع قمة أمريكية- روسية تمت في يونيو/ حزيران، وتعاونا في عدد من القضايا، بما في ذلك الاستقرار الاستراتيجي والهجمات الإلكترونية وتغير المناخ. ولكن، بمجرد أن رأى مجتمع الاستخبارات الأمريكي التعزيز العسكري الروسي الهائل حول أوكرانيا في وقت لاحق من ذلك العام، أدركت الإدارة أن الغزو كان وشيكًا.
وأضافت: شاركت واشنطن هذه المعلومات مع حلفائها المتشككين، وحذرت موسكو من أنها تعرف ما كان يحدث. وعندما قدم الكرملين قائمة مطالبه إلى الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في ديسمبر/ كانون الأول 2021، كانت الإدارة مستعدة للتفاوض، وصولا إلى تقديم بعض التنازلات. كل ذلك كان دون جدوى.
ولفتت ستينت إلى أنه منذ الغزو الروسي، أنشأ الرئيس الأمريكي جو بايدن، بنجاح، تحالفًا قويًا عبر المحيطين، الأطلسي والهادئ، لدعم أوكرانيا وفرض عقوبات على روسيا. تتابع :”قدمت واشنطن نصيب الأسد من المعدات العسكرية إلى كييف، مما مكّن حكومة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من النجاح في ساحة المعركة ودفع الروس إلى التراجع”.
ومؤخرا فرضت الإدارة قيودًا على الأسلحة التي ستزود بها أوكرانيا، مما قد يثير مخاوف مفرطة بشأن التصعيد الروسي. الأمر الذي جعل من الصعب على أوكرانيا تحقيق هدفها، المتمثل في استعادة السيطرة على أراضيها.
بين بايدن وبوتين
تشير ليانا فيكس، زميلة أوروبا في مجلس العلاقات الخارجية، إلى أن بايدن أراد استقرار علاقة الولايات المتحدة بروسيا. ولكن، عندما قرر بوتين قلب رقعة الشطرنج بحربه ضد أوكرانيا، نجح بايدن في تغيير المسار بشكل مفاجئ.
تقول فيكس: ظل بايدن ثابتًا على المبادئ ولم يقع في فخ المفاوضات الروسية في الفترة التي سبقت الحرب. كانت استراتيجيته المتمثلة في نشر معلومات استخباراتية عن استعدادات روسيا للحرب على الملأ بمثابة ابتكار حاسم وخلاق.
أضافت: لم يكن بايدن قادرًا على ردع بوتين عن بدء الحرب. لكن هذا سيكون معيارًا عاليًا جدًا لقياس النجاح، خاصة إذا كان الهدف هو إبعاد الناتو عن الحرب.
وتابعت: بعد استخفاف أوباما بروسيا كقوة لا يستهان بها، وإعلان خليفته دونالد ترامب، افتتانه ببوتين، يمكن القول إن سياسة بايدن تجاه روسيا هي الأكثر نجاحًا منذ أكثر من عقد.
الصين والمحيطات
تؤكد بوني جلاسر، مديرة برنامج آسيا في صندوق مارشال، أن إدارة بايدن تستحق درجات عالية للتركيز المستمر على الصين ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ، على الرغم من حرب روسيا في أوكرانيا.
تقول: لقد بدأت في تقديم ما تسميه إستراتيجيتها “الاستثمار والمحاذاة والمنافسة” تجاه الصين، عن طريق توجيه مليارات الدولارات إلى صناعة أشباه الموصلات الأمريكية والبحوث العلمية، والإبقاء على معظم القيود التي فرضها الرئيس السابق دونالد ترامب على الصين.
وأضافت: هي خطوة مهمة إلى الأمام من خلال تقييد صادرات أشباه الموصلات في محاولة لإحباط تطوير الصين للتكنولوجيا العالية.
ومع ذلك، فقد تم إحراز تقدم ضئيل في وضع الحواجز حول المنافسة الصينية- الأمريكية المكثفة، مثل تدابير الحد من المخاطر بين جيشي البلدين، وتوقف التعاون في مجال تغير المناخ والصحة العامة العالمية، وحتى الاتجار بالمخدرات. حيث وضعت بكين شروطا مسبقة غير عملية أو علقت المحادثات بسبب السياسات الأمريكية تجاه تايوان.
اقرأ أيضًا: هل يساعد اجتماع شي- بايدن في إنهاء عزلة الصين؟
كذلك، اتخذ مسئولو بايدن خطوات مرحب بها لتعزيز أمن تايوان، بما في ذلك ما يقرب من 3.8 مليار دولار في موافقات مبيعات الأسلحة، وتعزيز العلاقات الاقتصادية بينهما، والتعاون في سلاسل توريد أشباه الموصلات. كما تم إقناع حلفاء الولايات المتحدة بتحذير بكين من استخدام القوة لتغيير الوضع الراهن في مضيق تايوان.
لكن، تلفت جلاسر إلى أن اقتراح بايدن بأن تايوان يمكنها إعلان الاستقلال إذا اختارت القيام بذلك، إلى جانب الزلات والقرارات الأخرى، قوضت مصداقية دعم الولايات المتحدة لسياسة “الصين الواحدة”، وبالتالي زيادة مخاطر الحرب.
التحالفات.. اختبار القيادة
يؤكد أندرس راسموسن، الأمين العام السابق لحلف الناتو، ومؤسس التحالف الديمقراطي، أن الغزو الروسي لأوكرانيا يعد أكبر تحدٍ في السياسة الخارجية، يواجهه أي رئيس أمريكي منذ نهاية الحرب الباردة.
يقول :”في هذا الصدد ، أثبت بايدن أنه على قدر المهمة، وقد أظهر أن واشنطن لا يزال بإمكانها قيادة العالم الديمقراطي.
تحت قيادة بايدن، قدمت الولايات المتحدة مساعدات عسكرية كبيرة لأوكرانيا، مما سمح لقواتها بوقف التقدم الأولي لروسيا وتحويل مسار الحرب
ويلفت راسموسن إلى أن الرئيس الأمريكي “اتخذ نهجًا حازمًا بالمثل مع بكين بشأن تايوان، حيث ألزم الولايات المتحدة مرارًا وتكرارًا بمساعدة الجزيرة في حالة غزو الصين”.
لكنه، في الوقت نفسه، أشار إلى أسوأ نقاط السياسة الخارجية لبايدن، وهي الانسحاب الفوضوي للولايات المتحدة من أفغانستان، الذي وصفه بأنه لم يكن سهلاً أبدًا. لكن الفشل حتى في التنسيق مع الحلفاء أو إشراك الحكومة الأفغانية يعني أن الكثير من التقدم الذي تم إحرازه على مدار العشرين عامًا الماضية قد ضاع بلا داعٍ.
لكن، بشكل عام، كان نهج بايدن هو النهج الصحيح ” الحزم مع الخصوم أثناء إعادة بناء التحالفات مع الشركاء التقليديين “، هذا هو الغرض من قمة بايدن من أجل الديمقراطية، التي عُقدت لأول مرة في ديسمبر/ كانون الأول 2021، واستؤنفت في وقت لاحق من هذا العام. كما أنها تعكس عمل تحالف الديموقراطيات، الذي سيجمع كبار السياسيين وقادة الأعمال ونشطاء الديمقراطية من جميع أنحاء العالم في قمة كوبنهاجن للديمقراطية في مايو/ أيار القادم.
الشرق الأوسط
في تقييمها، توضح لينا الخطيب، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مؤسسة تشاتام هاوس، أن أكثر الإنجازات الملموسة لإدارة بايدن في الشرق الأوسط كانت مقتل زعيم القاعدة أيمن الظواهري، والوساطة في صفقة الحدود البحرية الإسرائيلية اللبنانية.
تقول الخطيب :”لسوء الحظ، لا يوجد الكثير للحديث عنه بخلاف ذلك. لم يكن هناك إحياء للاتفاق النووي الإيراني على الرغم من جهود واشنطن، وكان اهتمام الولايات المتحدة بالصراعات في سوريا واليمن وليبيا متواضعًا في أحسن الأحوال. كما أثارت زيارة بايدن إلى السعودية التزامات فاترة من حلفاء الخليج العربي لزيادة إنتاج النفط.
وأضافت: من الصعب تخيل أن العلاقات الأمريكية- السعودية ستصبح فعالة حقًا ما دام بايدن وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في السلطة.
كما أنه وفقا للخطيب، ردًا على الاحتجاجات الجماهيرية والقمع العنيف للنظام في إيران، أصدرت واشنطن كلمات قوية وعقوبات إضافية “لكنها لم تهتم كثيرًا بدور طهران الإقليمي المدمر في الشرق الأوسط”.
تقول :”صرنا غير متأكدين من علاقة الولايات المتحدة المستقبلية بالمنطقة، مع تحول حلفاء الولايات المتحدة بشكل متزايد إلى براجماتية تجاه روسيا والصين. ربما كانت اتفاقات إبراهيم، التي توسطت فيها إدارة ترامب، خطوة نحو الاستقرار في المنطقة، لكنها ما زالت تقف في تناقض حاد مع التوترات الإسرائيلية- الفلسطينية.
اقرأ أيضا: فورين بوليسي: بايدن لن يتمكن من تجنب الشرق الأوسط.. وإيران وإسرائيل ستحددان أجندته للعامين المقبلين
تابعت: على الرغم من وفاة أيمن الظواهري، لم تنتصر الولايات المتحدة وحلفاؤها بعد في ما يسمى بالحرب على الإرهاب.
وأكدت: لم تكن إدارة بايدن فاشلة تمامًا في الشرق الأوسط – لكنها حتى الآن واحدة من أقل الإدارات الأمريكية تميزًا في الذاكرة.
تآكل الثقة
ويوضح ستيفن كوك، كاتب العمود في فورين بوليسي، وكبير زملاء مجلس العلاقات الخارجية، أنه “كثيرا ما قال بايدن الأشياء الصحيحة عن الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، لكن شركاء واشنطن هناك يجدون صعوبة في تصديقه”.
وأضاف :”على الرغم من أن بايدن ليس مسؤولاً عن هذا الوضع ، إلا أنه ارتكب أخطاء أيضًا. إن تصميمه على العودة إلى الاتفاق النووي عندما يكون الردع والاحتواء خيارات أفضل أدى إلى تآكل الثقة بين شركاء واشنطن.
وأوضح أن “سحب بطاريات الدفاع الجوي باتريوت من السعودية، بينما كانت صواريخ الحوثي تسقط على السعوديين، أمرًا غير حكيم. بعد هجمات مماثلة للحوثيين على الإمارات، كان من المناسب أن يتصل بايدن بالإماراتيين ويؤكد لهم دعم واشنطن. لذلك، ليس من المستغرب أن يميل أصدقاء الولايات المتحدة بشدة إلى علاقاتهم مع بكين وموسكو.
الديمقراطية وحقوق الإنسان
يرى كينيث روث، المدير التنفيذي السابق لـ هيومن رايتس ووتش، أنه ” يُحسب لبايدن وقوفه بحزم ضد اثنين من كبار الأوتوقراطيين في العالم، الرئيس الصيني شي جين بينج، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين. لقد جمع تحالفات ضد تهديداتهما العسكرية، وانضم إلى الجهود المتعددة الأطراف لإدانة فظائعهما، وفرض عقوبات عليهما”.
لكن، للأسف، لم تكن تلك التحركات موازية لقادة استبداديين، تعتقد إدارة بايدن أنها بحاجة إلى دعمهم لأسباب أخرى، كما يقول روث.
تابع: تخلى بايدن عن مخاوفه بشأن مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي وقصف المدنيين اليمنيين، سافر بايدن إلى الرياض للتوسل إلى ولي العهد السعودي لضخ المزيد من النفط دون جدوى. امتنع بايدن عن ضخ 130 مليون دولار من المساعدات العسكرية لمصر، لكنه سمح للمساعدات الأمريكية المتبقية البالغة 1.17 مليار دولار بالمضي قدمًا.
ولفت إلى أن قمة بايدن الإفريقية استبعدت القادة الذين استولوا على السلطة في انقلابات عسكرية، لكنها شملت آخرين يستخدمون طرقًا أكثر دقة لسحق الديمقراطية، مثل الرئيس الرواندي بول كاجامي والرئيس الأوغندي يويري موسيفيني. حتى أن بايدن سمح لنفسه بالتقاط صور له وهو يشاهد كأس العالم مع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، على الرغم من الفظائع الجماعية التي أشرف عليها آبي للتو في تيجراي.
وأكد روث: يكمن خطر هذا النهج الانتقائي في أنه من الواضح أنه غير مبدئي. تتطلب المبادئ اتخاذ موقف حتى عندما يكون من الصعب. بدا أن بايدن يعتنق حقوق الإنسان فقط عندما لا تكون هناك تكلفة.
هذه الانتهازية تترك العديد من ضحايا حقوق الإنسان في العالم في مأزق. كما أنه يضعف تصريحات بايدن المتعلقة بحقوق الإنسان كلما أطلقها.