تترقب القوى السياسية انطلاق جلسات الحوار الوطني بعد انعقاد استغرق عدة أشهر لمجلس الأمناء ” ضم 19 عضوًا من مختلف التيارات”، وأسفر عن تعيين منسق عام، وتشكيل المجلس، والاتفاق على العديد من المحاور السياسية، الاقتصادية، والاجتماعية والملفات المطروحة في كل منها، والتي وصلت تقريبًا إلى 113 قضية في 19 لجنة فرعية، بعد نحو 16 جلسة.
كان الرئيس عبد الفتاح السيسي دعا في السادس والعشرين من إبريل/ نيسان الماضي، إلى إجراء “حوار وطني”، حول مختلف القضايا بين الفصائل السياسية الحزبية، والشخصيات العامة، باستثناء “تنظيم الإخوان” المصنف “إرهابيًا”.
تساؤلات الجدول الزمني
لعدة أشهر استحوذت دعوة “الحوار الوطني” على اهتمام الشارع السياسي، بعد أن أفردت لها وسائل الإعلام مساحات واسعة، وأعادت وجوها سياسية غائبة منذ سنوات إلى ساحة الرأي العام، ومع حماس زائد لدى النخب، وقيادات الأحزاب “المؤيدة، والمعارضة” لأجواء الحوار التي اتخذت طابعًا جديًا، صاحبه وضوحا بأهدافه إثر توافق على تهيئة المناخ العام.
إلا أن تأخُر الانعقاد، أثار تساؤلات بين النخبة حول غياب الجدول الزمني لبدء جلساته، وذلك وسط ترقب لما طرحته “أحزاب الحركة المدنية”، في بيانها المتضمن عدة مطالب من بينها “تهيئة الأجواء المناسبة لبدء الحوار”، و”عدم إهدار فرصة البدء في مسار التحول الديمقراطي، والالتزام بما تم الاتفاق عليه بخصوص سرعة الإفراج عن سجناء الرأي”.
بيان الحركة المدنية-الصادر في 20 يناير/ كانون الثاني الجاري-، والذي فسرته قوى “خارجية” لم يشملها الحوار الوطني بأنه نذير “مقاطعة” للحوار الوطني، دفع المنسق العام ضياء رشوان، نقيب الصحفيين، إلى التأكيد على أن مثل هذه التصريحات لا تعدو كونها “شائعات” تتعارض تمامًا مع توافق “مجلس الأمناء” -والذي يضم 12 حزبًا، وشخصيات عامة، بينها أحزاب الحركة المدنية، حول إرسال أسماء المشاركين/المتحدثين في الجلسات.
تضم الحركة المدنية 7 أحزاب، وعدد من الشخصيات العامة. وهي على الترتيب (الإصلاح والتنمية، العدل، المصري الديمقراطي الاجتماعي، الدستور، التحالف الشعبي الاشتراكي، تيار الكرامة، والمحافظين).
وفي الوقت ذاته، نفت د. فاطمة خفاجي عضو مجلس أمناء الحوار الوطني-وعضو الحركة المدنية، تعطل “الحوار الوطني”، رغم إقرارها بأنه يسير ببطء في الفترة الأخيرة، مرجحة أن البطء لم يكن من جانب أعضاء مجلس الأمناء، وإنما من القائمين على الحوار.
وقالت: إن النقاشات تأثرت بسبب انشغال النخبة بـ”المؤتمر الاقتصادي”، ومن بعده “مؤتمر المناخ”، لكن أعضاء مجلس الأمناء استنكروا تعطيله أكثر من ذلك.
مطالب الحركة المدنية
وأضافت خفاجي، لـ”مصر360″، أن مطالب الحركة المدنية المضمنة في بيانها الأخير “إيجابية”، وعندما قبلت الحركة بـ”المشاركة في الحوار الوطني” قدمت أوراقًا، وقُبلت من جانب مجلس الأمناء، أهم هذه المطالب كان الإفراج عن المحبوسين من أحزاب سياسية.
واستطردت قائلة: “هناك أسماء طالبنا بالإفراج عنها، ولا يصح أن تتحاور الأحزاب، وبعض أعضائها سجناء”.
بدوره، كشف ضياء رشوان المنسق العام للحوار الوطني عن إجمالي من خرجوا من سجناء الرأي، فيما بعد إطلاق دعوة “الحوار”، لافتًا إلى أن العدد يقترب من 1000 سجين، إلى جانب 12 آخرين من الصادر بشأنهم أحكام قضائية خرجوا بعفو رئاسي.
المنسق العام قال: إن البعض يرى الوتيرة ليست سريعة في هذا الشأن، لكن هناك خطوات جادة، يأتي ذلك في ضوء مناشدات مستمرة من جانب مجلس الأمناء لـ”الرئيس عبد الفتاح السيسي” بتفعيل صلاحية العفو الرئاسي، لأن المجلس لا يملك إلا مناشدته باعتباره يملك حق العفو عن المسجونين، في حين أن النيابة العام لها سياق قانوني، ولا تفرج إلا عمن يستحق.
ملف “المحبوسين”
وأضاف رشوان، في تصريحات متلفزة: أن مجلس “الحوار الوطني” حقق تقدمًا كبيرًا خلال الشهور الماضية في هذا الملف تحديدًا، حتى أصبح خبر الإفراج متكررًا، واستطرد: “هناك بعض الأسماء الأكثر شهرة لم يتم العفو عنها، لكن الأمور كلها محل بحث، وهذا الملف سيكون إنهاؤه مرضيًا للجميع”.
ورغم هذا، ومع انتهاء ترتيبات الحركة المدنية للمشاركة في لقاءات مرتقبة للحوار الوطني، بات مطلب “الإفراج عن السجناء” حجر عثرة أمام إقدامها على جلسته الأولى-التي لم تحدد بعد-، وحسب تصريحات د. فاطمة خفاجي، فإن تحديد موعد بدء جلسات الحوار، بدون الإفراج عن السجناء، قد “يجمد” مشاركة الحركة.
هل تعلق مشاركتها؟
وتضيف خفاجي أن الحركة المدنية حتى صدور بيانها، وبعده لم تعلن تعليق مشاركتها في الحوار الوطني، وينتظر الجميع موعد بدء الحوار، ويحدوهم أمل في الاستجابة لمطالب البيان الأخير، وهي مطالب نشرت على موقع الحوار الوطني.
وأردفت قائلة: “ليس فقط الإفراج عن السجناء هو المطلب الأهم، وإنما إزالة العقبات التي تواجه المفرج عنهم من أجل أن يستمتعوا بحياتهم، ولن يبدء حوار إلا إذا تمت الاستجابة لهذه المطالب”.
ويرى مراقبون أن الحوار الوطني يفتح مجالًا للتواصل بين السلطة، وأحزاب المعارضة لأول مرة منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي شؤون البلاد عام 2014، وهو ما يعد دليلًا على “بداية حراك سياسي ديمقراطي في مصر”، وفرصة ذهبية أمام الجميع كما وصفها الناشط الحقوقي جورج إسحاق عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان.
ليس معطلًا
ويناقش “الحوار الوطني” عبر لجانه الـ 19 ما يقرب من 113 قضية، ما بين سياسية، اقتصادية، واجتماعية، وتمثل في مجملها أولويات العمل الوطني.
من جانبه رفض كمال زايد عضو مجلس أمناء الحوار الوطني، وصف الحوار الوطني بــ “المعطل”، لافتًا إلى أن ثمة إجراءات كثيرة اتخذت داخل 19 لجنة لبلورة أهم القضايا المطروحة للنقاش.
وقال: إن كل لجنة تنطوي على جلسات عدة، والمتحاورين غير متكررين، وننتظر في الفترة المقبلة بدء الجلسات.
وأضاف عضو مجلس الأمناء في تصريح لـ”مصر360″أن الحركة المدنية لم تعطل الحوار الوطني، وقدمت كل ما طلب منها، والموضوعات جاهزة تمامًا للنقاش، وهناك بعض الأمور محل خلاف، ونتمنى أن يتم تجاوزها قريبًا.
شائعات ضد “الحوار الوطني”
في السياق ذاته، جدد ضياء رشوان تأكيده على جدية الحوار، نافيًا أن يتحول إلى “مناسبة”، أو “احتفالية”، لإعلان أشياء شكلية. وقال إنه منذ انطلاق دعوة “الحوار” تتواصل الشائعات لإفسادها. وحسب رشوان، فإن مروجي الشائعات ممن ينتمون لـ”كيانات إرهابية” كانت تتمنى المشاركة، يعزفون على وتر انسحاب “القوى المدنية”، أو تجميد مشاركتها. لكن حقيقة الأمر تتبلور في أن كل القوى الوطنية من كافة الفصائل السياسية حريصة على المشاركة، وجادة في إجراءاتها لإنجاح الحوار الوطني، باعتباره “بوابة جديدة” فتحت من أجل مستقبل لجمهورية جديدة، وإعادة الاعتبار لتحالف 30 يونيو 2013.
ولم يخف مؤيدون، ومعارضون، وجود خلافات في الرؤى بين أطراف سياسية مشاركة في الحوار الوطني، لكن ذلك لا ينفي –وفق تصريحات المنسق العام- جدية الجميع، وسعيهم لتجاوز أية أزمة متوسطة، أو كبيرة إبان النقاشات، ويستطرد: “لم تستمر أزمة أكثر من 24 ساعة”.
ويرجع “رشوان” السبب الرئيسي لتداول شائعات حول مستقبل “الحوار الوطني” إلى خشية المروجين لأكاذيب “الانسحاب”، وغيره، من اقتراب المرحلة الجادة، والتي ستكون تحت نظر المصريين، لأن ثمة اتفاق على علنية الجلسات.
ويشير رشوان إلى أن المصريين سيندهشون من كثرة الأسماء المطروحة في التخصصات المختلفة، لافتًا إلى أنه لا يليق بهذه الكيانات السياسية المدعومة من الرئيس أن تدخل إلى حوار غير جاد.
وسبق أن أقر مجلس الأمناء قبول جميع الأسماء التي تقدمت بها الحركة المدنية للمشاركة في الجلسات الفعلية المترقبة، بجانب كونه يضم 44 مقررًا، ومقررًا مساعدًا للجانه المختلفة.
لا شروط قبل الحوار
ورفض كمال زايد توصيف مطالب الحركة المدنية بأنها “شروط” لقبول الحوار، نافيًا رهن تحقق المطالب بقبول المشاركة. وقال: إن هذه مطالب مطروحة للحوار في إشارة إلى “الإفراج عن المحبوسين، وتهيئة المناخ العام، وغيرها”، ولا يشترط أن تتحقق قبل إجراء الحوار.
وأضاف زايد لـ”مصر 360” أن ثمة تفاؤل بالحوار، ونأمل أن تبدأ الجلسات قريبًا، وأن يحقق أهدافه لصالح الشعب، مؤكدًا حرص جميع الأطراف على إنجاح الحوار.
ومؤخرًا، أعلنت صفحة “الحوار الوطني” على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” عن الموضوعات التي استقر على نقاشها مجلس الأمناء داخل اللجان الفرعية تمهيدًا لبدء الجلسات الفعلية، في المحاور “السياسية، الاقتصادية، والاجتماعية”، ومن المقرر أن تعقد الجلسات 3 أيام أسبوعيًا، بحضور مختلف القوى السياسية، النقابية، والمجتمع الأهلي، الشخصيات العامة، والخبراء.
اقرأ أيضًا: محمد عبد الغني: نجاح “الحوار الوطني” مرهون بتغيير حقيقي في السياسات الاقتصادية ورفع مستوى المعيشة
ويشمل المحور السياسي خمس لجان يندرج تحتها عدد من الموضوعات، أبرزها:
أولاً: لجنة مباشرة الحقوق السياسية والتمثيل النيابي:” النظام الانتخابي في ظل الضوابط الدستورية، وينقسم إلى: قانون مجلس النواب، قانون مجلس الشيوخ، الإشراف القضائي بين الدستور، والضرورة العملية، عدد أعضاء المجلسين، التفرغ لعضوية المجلسين”.
ثانيًا:”لجنة المحليات:”قانون المجالس الشعبية المحلية، الاختصاصات والتشكيل- النظام الانتخابي”، قانون الإدارة المحلية نحو اللامركزية:”التقسيم والهياكل-التمويل-محافظة القاهرة، العاصمة الإدارية الجديدة”.
في حين يحوز المحور الاقتصادي على اهتمام أعضاء “الحوار الوطني” ونالت مناقشات قضاياه عدد من الجلسات الأولية، وكان على أولوية الاهتمام بهذا المحور، ملفات ارتفاع الأسعار والتضخم وملف الاستثمار والسياحة والموازنات العامة.
وفيما يخص لجنة حقوق الإنسان، والحريات العامة:” التعذيب، إقامة الدعوى الجنائية، و”أوضاع السجون”-مراكز الإصلاح، ومراكز الاحتجاز (الإشراف القضائي-اللوائح المنظمة)، و”تعديل أحكام الحبس الاحتياطي، وتقييد الحريات، وقواعد التعويض عنهما، والتحفظ على الأموال، والمنع من السفر، استئناف الجنايات، وحماية الشهود، والمبلغين، و”حرية التعبير والرأي” –أحكام حرية وسائل الإعلام، والصحافة، واستقلالها، وحيادها، وتعددها، والعقوبات السالبة للحرية في قضايا النشر، والعلانية، وقانون حرية تداول المعلومات.
غموض تعطل بند “الإفراج عن المحبوسين”
وحول تعطل إجراءات الإفراج عن المحبوسين، وما تسبب في بيان “الحركة المدنية” قال النائب محمود سامي عضو مجلس الأمناء: “إن لجنة العفو كانت تسير بشكل جيد، لكن منذ شهرين تقريبًا لا توجد أعداد مفرج عنهم في قضايا الرأي، من المتفق عليها”.
وأضاف لـ”مصر360″ أن التفاهم كان موجودًا حول هذه المطالب، واعتبرت الحركة المدنية أن الأجواء مهيأة، وجيدة للحوار، ولكنها تعطلت لسبب ما، ولا أحد يعرف ما هي الأسباب.
وفي شأن تعليق “المشاركة” في الحوار مقابل الإفراج عن المحبوسين، يقول”سامي”: “لا نود أن نقول شرطًا، بل نطالب بتهيئة المناخ، غير أنه ليس منطقيًا دعوة أحزاب لحوار، ولديها أعضاء معتقلين”.
واستطرد: “استغرقنا وقتًا طويلًا لتحديد المحاور، ومجلس الأمناء، وهناك توازن كبير في تشكيل اللجان بين المعارضين، والمؤيدين، ومجلس الأمناء أيضًا متوازن جدًا، ويتبقى الجزء الأخير “تهيئة أجواء مناسبة، والإفراج عن المعتقلين”.
ويرى سامي أن الأحزاب المشاركة في الحوار الوطني ليس لديها أعضاء متورطين في أعمال عنف، كما أن الجميع يعتقد أن الحوار إيجابي، ونافذة جيدة، وسيفيد الدولة، والأحزاب، في ظل أزمات متلاحقة، والاقتصادية منها بشكل خاص.
ويشير عضو مجلس الأمناء إلى أن الحوار الوطني كدعوة من رئيس الجمهورية، لا بد أن يلزم الجهات المعنية بتلبية طلبات الحوار، وإتمامه لمصلحة البلد.