نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي، كشف إفصاح صادر عن البورصة المصرية أن ياسمين وفريدة خميس ابنتي رجل الأعمال الراحل محمد فريد خميس نقلا حصتهما البالغة 24.61% في شركة النساجون الشرقيون إلى شركة إنجليزية تحمل اسم FYK LIMITED بقيمة 1.37 مليار جنيه (52.62 مليون دولار).

لكن بيان شركة النساجون الشرقيون بعد ذلك، أوضح أن فريدة وياسمين هما المالكتين للشركة الإنجليزية الجديدة بنسبة 100%. وهذا ما أكده موقع معلومات الشركات الحكومي في بريطانيا. وقد أوضح أن شركة FYK Limited تأسست في يناير/ كانون الثاني 2018، وتوجد في مانشستر. وهي شركة خاصة نشاطها بمجال الخدمات الغذائية وتجارة البن والكاكاو.

هذه الحادثة تُعيدنا إلى وقائع أخرى تشبهها، كشفتها تسريبات مثل “سويس ليكس”، و”أوراق بنما”، و”أوراق الجنة”، التي كشفت عن وجود شركات لرجال أعمال مصريين يمارسون أعمالهم داخل مصر. بينما ملكية شركاتهم في دول تعرف بـ”الملاذات الضريبية”.

اقرأ أيضًا: هل تلحق مصر بسفينة الإصلاح الضريبي العالمي؟

لكن لماذا يؤسس رجال أعمال شركاتهم في دول الملاذات الضريبية بدلًا عن مصر؟ ومما يتهرب رجال الأعمال؟ ومن هم أبرز رجال الأعمال الذين أسسّوا شركات أو وردت أسماؤهم في دول الملاذات الضريبية؟

بداية؛ الملاذ الضريبي هو ولاية قضائية قد تكون دولة مثل هولندا أو دويلة مثل جزر كايمان أو إقليم يقع داخل الدولة تكون فيه الضريبة على الربح والدخل منخفضة جدًا أو معدومة. وهي ميزة تبحث عنها وتتمتع بها الشركات المؤسسة على أرضيها.

كما تمنح تلك الملاذات “السرية” الكاملة لملاك الشركات المؤسسّة على أراضيها. وبالتالي، فهي تؤمن لجوء رجال الأعمال للتهرب من الضرائب.

وبحسب شبكة العدالة الضريبية يوجد 80 ملاذًا ضريبيًا حول العالم. وهي بلدان وأقاليم تنزح إليها ثروات العالم.

شركات مصرية بملكيات أجنبية

في أحدث التسريبات الخاصة بالتتبع المالي، كشفت وثائق “باندورا” أن رجلي الأعمال نجيب وناصف ساويرس يمتلكان عدة شركات “أوف شور” في جزر العذراء البريطانية. إذ كان نجيب ساويرس يمتلك شركة قنوات on tv من خلال تأسيسه شركة تسمى هوا ليمتد Hawa Ltd. وقد تم تحويل أسهم ملكيتها إلى شركة جيمني تكنولوجي Gemini Technologies المملوكة أيضًا لساويرس. ثم في أواخر 2012 باع ساويرس محطة on tv إلى المنتج والموزع طارق بن عمار. بينما تُظهر سجلات وثائق باندورا عملية نقل أسهم نجيب ساويرس من الشركة الأوف شور إلى بن عمار.

كذلك يمتلك نجيب ساويرس حصة 51.7% من شركته أوراسكوم للاتصالات والأعلام والتكنولوجيا القابضة عبر شركة شركة أو تى إم تى أكويزيشن إس إيه آر إل. وانتقلت إليها أسهم شركة أوراسكوم منذ عام 2012.

وشركة أو تى إم تى أكويزيشن إس إيه آر إل OTMT ACQUISITION S.A.R.L تأسست في لوكسمبورج في 2005 براسة نجيب ساويرس، حسب الموقع الإلكتروني للشركة.

اقرأ أيضًا: الإمارات: مغارة الأموال المشبوهة

وتمتلك تلك الشركة المملوكة لنجيب ساويرس شركات تعمل بشكل أساسي في دول مصر وكوريا الشمالية ولبنان وباكستان ودول أخرى في إفريقيا والشرق الأوسط.

ليس ساويرس فقط، لكن يمتلك رجل الأعمال محمد حازم بركات نسبة 12.35% من شركة بي انفستمنت القابضة. وهو رئيس مجلس الإدارة غير التنفيذي للشركة. ويمتلك بركات وعائلته هذه النسبة عن طريق مجموعة من الأسهم باسمه. لكن النسبة الأكبر المملوكة له يمتلكها عبر شركة تسمى فوراي كابيتال للاستثمارات.

وشركة فوراي الأخيرة تأسست في جزر العذراء البريطانية عام 1997، ثم شُطبت عام 2016. وكانت تلك الشركة مملوكة لشركة أخرى تأسست أيضًا في جزر العذراء البريطانية تسمى DELLCREST CORPORATION، وتأسست عام 1993. وذلك وفقًا لتسريبات أوراق بنما.

في حين يمتلك رجل الأعمال صفوان ثابت، الذي أُفرج عنه قبل أيام من السجن، نسبة 50.7% عبر شركة تسمى فرعون للاستثمارات المحدودة pharon investment limited. وهي شركة أوف شور تأسست في عام 2010، ومملوكة بالكامل لعائلة ثابت. وذلك حسب تحقيق صحفي نشرته المصري اليوم عام 2015.

اقرأ أيضًا: “دار تقاعد” الفاسدين.. كيف أصبحت دول الخليج جنة الهاربين؟

كما ارتبط اسم مجموعة من رجال الأعمال المصريين بشركات تأسست في دول الملاذ الضريبي، كشفت عنهم تسريبات أوراق بنما قبل سنوات. وشملت الوثائق أسماء شركات مصرية تربطها علاقات برجال الأعمال. ومنها:

مجموعة “أراب كول المحدودة”، حيث أظهرت الأوراق نجيب ساويرس كحامل أسهم بالشركة. وكذا شركة “داتا للاستثمار” التي كان وسيطها في بنما حسن بورخيس. وأيضًا شركة “أراب فالكون للاستثمار”، والمسجلة بالإسكندرية، وكان وسيطها في بنما أحمد محمد السعداوي. وكذلك شركة “إيزيس ديفلوبمنت”، ووسيطها بيتر كامبل، وشركة “أسوشيتيد إنترناشيونال ديفلوبمنت”. فضلًا عن شركة “بى إف سى” لليخوت، وشركة بزارى للهندسة ووسيطها الدكتور فريد محمد البزارى، وشركة “جرايستون” للبترول المحدودة وحاملا أسهمها صلاح دياب وكامل دياب.

ذلك بالإضافة إلى شركة بتروليوم فينشرز إنترناشيونال، وشركة تكنو أويل المحدودة، وشركة ريسبروك للبترول المحدودة، وموسوفون نومينييز المحدودة عن طريق وسيط، وهو شركة بيكو للبترول، وشركة “سيلفر أروو ووسيطها شركة سيلفر أروو، وشركة كلايمور للاستثمارات ووسيطها شركة “تى.جى. سى” للاستشارات، وشركة بريدجسبورت ووسيطها محمد رياض سوسة.

وكذلك، شركة “إس. إن. إن” المالية ووسيطها شركة الصباح للتطوير والاستثمار، وشركة صن للسياحة، وشركة سوري للتجارة ووسيطها مراد لامى عياد، وشركة شارما للاستثمار والوسيط داوود حمزة، وشركة أرورا للاستثمارات الدولية ووسيطها حسن التلاوي، وشركة زهيركو القابضة ووسيطها زهير الجندى، وشركة إنفكتس للموارد وحاملا أسهمها ديفيد واكو ديال ومالا سونيا دفتاري.

لماذا يهربون؟

بحسب ورقة بحثية صادرة عن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، فإن تلك الملاذات الضريبية تلجأ إليها الشركات بهدف التلاعب في حساباتها، بحيث تظهر أغلبية أرباحها في الشركة المُسجلّة في الملاذ الضريبي، وتختفي من موطن الشركة الأصلي، وبالتالي، ينتهي الأمر بأن الشركة لا تدفع ضرائب في الدولة التي تُحقق فيها أرباحها.

وتوضح الورقة البحثية أن حجم الثروات النازحة إلى الملاذات الضريبية تقدر بنحو 18 تريليون دولار. وفي حال تمت معاملة تلك الثروات ضريبيًا، سيكون المبلغ المستحق عليها ما بين 189 إلى 288 مليار دولار. وتُقدر شبكة العدالة الضريبية، تكلفة ممارسة التهرب الضريبي في مصر بنحو 68 مليار جنيه سنويًا.

وتُوضح البيانات، التي نشرتها ورقة “المبادرة المصرية”، أنه بين عام 1970 وحتى 2013 بلغ عدد الشركات التي تأسست في دول الملاذات الضريبية والعاملة في مصر نحو 479 شركة. ذلك بإجمالي رأس مال مصدّر حوالي 12.21 مليار دولار.

وجاءت جزر العذراء البريطانية كأكبر الدول استثمارًا في مصر من دول الملاذ الضريبي بعدد 112 شركة. وتليها جزيرة بنما بعدد 92 شركة، تليها لوكسبمورج بعدد 85 شركة، ثم جزر كايمن بعدد 85 شركة، ثم برمواد بعدد 22 شركة.

كما يُوضح تقرير البنك المركزي، أن من بين أكبر الدول المستثمرة في مصر هناك بعض الدول التي تُعرف بأنها دول ملاذات ضريبية. حيث بلغت قيمة استثمارات دولة مثل هولندا في العام المالي 2021/ 2022 حوالي 2.41 مليار دولار. بينما دولة لوكسمبورج نحو 224.9 مليون دولار، ودولة سويسرا نحو 649.4 مليون دولار، وبرمودا حوالي 66.5 مليون دولار.

هل هي مخالفة للقانون؟

نقلًا عن وزير الدولة الفرنسي الأسبق لشؤون الميزانية كريستيان ايكيرت، فإنه ليس ممنوعًا امتلاك شركة أوف شور أو حسابًا في الخارج. لكن المهم هو معرفة ما هو النشاط الحقيقي وراء تلك الحسابات، وما هو مصدر تدفقاتها المالية.