لا يزال ناقوس الخطر فيما يتعلق بالتغيرات المناخية على نغمته الحادة المحذرة من أوضاع بيئية وصحية خطرة سيقبل عليها العالم، إذا ما لم تتغير استراتيجيات تعاملنا مع الكوكب الذي نعيش على سطحه. هذا في وقت سيكون الأطفال أكثر عرضة للمخاطر، وبالتحديد من هم في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وعلى رأسهم الأطفال في مصر.

ففي ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أصدر مكتب المملكة المتحدة للشؤون الخارجية والكومنولث والتنمية (FCDO) ورقة موقف، ذكرت أن أزمة المناخ تؤثر على تعليم 40 مليون طفل كل عام. حيث أوضحت، أنه على الصعيد العالمي، يتأثر 222 مليون من الفتيات والفتيان الضعفاء بالصراع والكوارث التي يسببها المناخ وتضعف قدرة الأطفال على الذهاب إلى المدرسة أو البقاء فيها وحتى قدرتهم على التعلم.

بينما أظهر مؤشر مخاطر المناخ لدى الأطفال، الذي أصدرته منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في أكتوبر/ تشرين الأول، أن قرابة مليار من الأطفال الأكثر ضعفًا في العالم هم معرّضون للخطر على المستوى الصحي بسبب التغيرات المناخية. وقد حذر المؤشر من أنه إذا فشل العالم في التحرك، فسيصبح كل الأطفال (عرضة للخطر).

والأطفال عالميًا، وفق البيانات والدراسات الدولية الرسمية، هم الأكثر عرضة للخطر من الناحية البدنية والأقل قدرة على تحمل الصدمات والبقاء على قيد الحياة في ظل كوارث بيئية مثل الفيضانات والجفاف وموجات الحر. كما أن نسب الوفاة بينهم هي الأعلى مقارنة بالبالغين في مواجهة أمراض يحتمل أن تتفاقم بسبب تغير المناخ، مثل الملاريا وحمى الضنك. أو من المواد السامة، مثل الرصاص وأشكال التلوث الأخرى، حتى عند التعرض لجرعات أقل منها.

أما منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فهي من أكثر مناطق العالم ضعفًا عندما يتعلق الأمر بتغير المناخ، وفقًا لمؤشر المخاطر، بما ستشهده من ارتفاعات بدرجة حرارة بوتيرة أسرع من المتوسط العالمي. مع توقع ارتفاع درجات الحرارة في الصيف بما يصل إلى 4 درجات مئوية بحلول 2071-2100 مقارنة بدرجات الحرارة قبل العصر الصناعي.

مصر.. فئة المخاطر الشديدة

بين عامي 2015 و2017، كثفت مصر من مساهمتها في مجابهة التغير المناخ، باعتبارها رئيسة للجنة رؤساء الدول والحكومات الإفريقيين بشأن تغير المناخ. وقدمت القاهرة مبادرتين في هذا الشأن: “مبادرة الطاقة المتجددة الإفريقية” و”مبادرة التكيف الإفريقية”. كما لعبت دورًا في تنظيم المؤتمرات الإقليمية، مثل المنتدى الأول لرؤساء وكالات ترويج الاستثمار الإفريقية للتصدي لتهديدات التغير المناخي المتسارع وفقدان التنوع البيولوجي. واستضافت مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 بشرم الشيخ، الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف (COP 27).

يعكس هذا الاهتمام المخاطر المناخية الكبيرة التي تواجهها مصر. فهي بحسب مؤشر المخاطر البيئية تقع في فئة “المخاطر الشديدة للغاية”. حيث حصلت على درجة 7.3 (من 10 درجات). وهي الأعلى في المنطقة.

وقد تتعرض مصر بشدة للصدمات المناخية والبيئية. على سبيل المثال: يتعرض ما يقدر بنحو 5.3 مليون طفل لموجات الحر. بينما ارتفع متوسط ​​درجات الحرارة في البلاد بمقدار 0.53 درجة مئوية في كل عقد من العقود الثلاثة الماضية. وتحتل البلاد واحدة من أعلى ثلاث مراتب بين دول المنطقة في أربعة مؤشرات مخاطر من أصل سبعة.

ووفقًا للتقرير، ستزداد شدة وتواتر موجات الحرارة في مصر بشكل كبير. ومن المتوقع أن تستمر مدتها بين 9 و77 يومًا أطول مما يتم تسجيله حاليًا. لذا فمن المرجح أن تشهد المناطق شديدة الجفاف في مصر زيادة سريعة في درجات الحرارة وموجات الحر.

نتيجة لهذا، فإن السنوات القادمة مرجحة لأن تشهد تأثيرات كبيرة على مستوى صحة الإنسان وخاصة الأطفال والنمو السكاني. فضلًا عن صحة الحيوان والزراعة وموارد المياه والنظم البيئية. ما يزيد عبء معيشة الأسر والمجتمع.

مصر.. الغذاء والمياه والتلوث

في تقرير مصر ضمن مؤشر مخاطر المناخ لدى الأطفال الخاص بـ “يونيسف”، يعيش قرابة (88%) من الأطفال في مناطق ذات مخاطر تلوث عالية بالمبيدات الحشرية. بينما يتعرض 60% منهم للتلوث بالرصاص.

كذلك يشير التقرير إلى تفاوتات جغرافية كبيرة في الوصول إلى شبكات المياه. حيث لا يتمكن سوى 60% من الأسر ذات الدخل المنخفض في المحافظات الحدودية من الوصول إلى مصادر شبكات المياه. ما يؤدي إلى حدوث انقطاعات في خدمات إمدادات المياه لعدة ساعات في الأسبوع. خاصة في المناطق الريفية في كل من الوجه القبلي والوجه البحري.

وتشير التقديرات إلى أن عدم كفاية المياه والصرف الصحي والنظافة تسبب فيما بين 4400 إلى 9200 حالة وفاة في مصر في عام 2017.

كما أن البلاد سجلت بفعل سوء التغذية نسبة 12.8% من التقزم بين الأطفال في عام 2021 مقارنة بـ 21.4% في عام 2014. فيما يبقى التحدي الخاص بمواجهة فقر الدم الذي ارتفع إلى 43% في عام 2021 من 27.2% في 2014. وإن كانت مصر نجحت بالفعل في خفض نسب الهزال وزيادة الوزن، حتى وصلت إلى 3% و11.5% على التوالي في 2021 مقابل 8.4% و14.9% في عام 2014.

أطفال مصر.. التعليم والمناخ

يعد نظام التعليم المصري الأكبر في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مع شموله لأكثر من 21 مليون طالب مسجلين (باستثناء التعليم العالي). وبينما يشير “تقرير مصر” إلى أن القاهرة استثمرت في برنامج طموح لإصلاح التعليم، شدد على ضرورة الاستفادة من التقدم المهم الذي تم إحرازه في السنوات الماضية. وكذا التصدي للتحديات المتبقية.

يذكر التقرير أيضًا أن هناك علاقة قوية بين مستوى تعليم الطفل ومرونته في مواجهة الصدمات والضغوط المناخية والبيئية. إذ يعزز التعليم قدرة الطفل على التكيف. وبالتالي، يقلل من تعرضه لتغير المناخ.

وغالبًا ما يكون الأطفال والأسر والمجتمعات المتعلمة أكثر تمكينًا وقدرة على تكييف استعدادهم واستجابتهم والتعافي من الصدمات. فيما أن الأطفال الذين يعيشون في أسر ذات مستوى تعليمي منخفض هم أكثر عرضة للتسرب من المدرسة لدعم أسرهم ماديًا والتعامل مع تأثير الصدمات.

يذكر التقرير أنه مع وجود فجوات بين الجنسين في الالتحاق بالتعليم، ستظل الفوارق الاجتماعية والاقتصادية والجغرافية
من بين المحددات الرئيسية للحصول على التعليم في مصر.

بالنسبة للفقر، يقدر التقرير أن حوالي 30% (31 مليون نسمة) من المواطنين بمصر، بما في ذلك 14 مليون طفل، يعيشون تحت خط الفقر النقدي الوطني. وقد تزايد معدل انتشار الفقر في مصر خلال العقدين الماضيين، وخاصة في المناطق الحضرية. وهو أمر يشكل عقبة رئيسية أمام إعمال حقوق الطفل.

كذلك، نتج عن جائحة COVID-19 مزيد من الخسائر على مستوى التعلم في مصر، بسبب الفجوة الرقمية بين الطبقات الغنية والطبقات الفقيرة. وهو ما يؤدي إلى تفاقم عدم المساواة في التعليم.

توصيات

إن آثار أزمة المناخ على مصر مقلقة للغاية. وهناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لحماية الأطفال والشباب من خلال تكييف الخدمات الاجتماعية الحيوية مع تغير المناخ، وإعداد هذه الفئات من المواطنين لمواجهة التغيرات المناخية بالتثقيف وضمان سماع الأصوات المعنية بهذا الملف والتصرف بناءً عليها، وإعطاء هذه الفئات الأولوية في تمويل المناخ والسياسات وتخصيص الموارد.

وبشكل عام، لن يؤثر تغير المناخ على الجميع بالتساوي. إذ غالبًا ما تتداخل مناطق الفيضانات والجفاف مع مناطق الفقر المرتفع وانخفاض فرص الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل المياه والصرف الصحي. وهذا يعني أن الأطفال والأسر المحرومة بالفعل بسبب الفقر -والذين لديهم موارد أقل للتكيف- من المحتمل أن يواجهوا بعض الأخطار المباشرة لتغير المناخ. والطفل الذي يعيش في فقر أو محرومًا من المياه والصرف الصحي الملائم قبل الأزمة سيكون الأكثر تأثرًا بالفيضانات أو الجفاف والعواصف. كما سيقل بالتبعية احتمال تعافيه بسرعة. بل وسيتعرض لمخاطر أكبر في أزمات لاحقة.

وبينما يشكل تغير المناخ تهديدًا عالميًا، فإن معالجته أمر حتمي أيضًا لتحقيق العدالة، إذ أن تغير المناخ يضر الأطفال الأشد فقرًا والأكثر ضعفًا أولًا وبشكل أكثر حدة وأطول مدى.

وقد أكدت الدراسات أن الإجراءات التي تحد من استخدام الوقود الأحفوري مثل الفحم والنفط والغاز الطبيعي يمكنها تحسين جودة الهواء بشكل كبير وتوفير فوائد فورية ومحلية لصحة الأطفال. وعلاوة على ذلك، فإننا عندما نتخذ خطوات لبناء المدن الجديدة وبنيتها التحتية، مع وضع تغير المناخ في الاعتبار فيما يشمل الترويج لوسائل النقل الصديقة للبيئة، سنجد تحسينات فورية في صحة أطفالنا. وكذلك الأمر عندما يتم استخدام المزيد من الطاقة المتجددة ويخلق المزيد من المساحات الخضراء.