رغم رفع البنك المركزي الفائدة بمعدل إجمالي يصل إلى 8% في 2022، قفزت السيولة المحلية بالقطاع المصرفي المصري بنحو 1.6 تريليون جنيه، لتصل إلى مستوى 7.402 تريليون جنيه بنهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي، مقابل 5.822 تريليون جنيه بنهاية الشهر ذاته من العام السابق، ما يثير تساؤلات حول مدى فاعلية رفع الفائدة في مواجهة ارتفاع الأسعار بالسوق المحلية.
رفع المركزي الفائدة بأعلى معدل في تاريخه عبر سلسلة قرارات، بدأها في 22 مارس/ آذار بزيادتها 1% عند 9.25% للإيداع و10.25% للإقراض. ثم رفعها في 19 مايو/ أيار 2022 بقيمة 2% عند 11.25% للإيداع و12.25% للإقراض، ثم 2% مجددًا في 27 أكتوبر/ تشرين الأول عند 13.25% للإيداع و14.25% للإقراض، وأخيرًا 3% في 22 ديسمبر/ كانون الأول الماضي لتبلغ 16.25% للإيداع و17.25% للإقراض.
في جميع قرارات رفع الفائدة كان الهدف المعلن هو استهداف التضخم، الذي سجل لإجمالي الجمهورية مستوى 21.9% على أساس سنوي مقابل 19.2% لشهر نوفمبر/ تشرين الثاني، ونحو 6.5%، للشهـر ذاته من العام السابق، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.
على المستوى النظري، يفترض أن الفائدة تسحب السيولة النقدية من السوق عبر تقليص الطلب على السلع. أو بمعنى آخر سحب السيولة التي يفترض توجيهها للاستهلاك إلى الادخار أو الإيداع بالبنوك. وهي أولى الطرق لخفض التضخم في أي اقتصاد لكن ذلك لم يحدث في الحالة المصرية.
السيولة المحلية
تتكون السيولة المحلية من المعروض النقدي (إم 1) وأشباه النقود، والمعروض النقدي يتكون من النقد المتداول خارج الجهاز المصرفي “أموال مع الأفراد” والودائع الجارية غير الحكومية بالعملة المحلية لدي جميع وحدات الجهاز المصرفي مطروحًا منها أرصدة الشيكات والحوالات المشتراة.
أما أشباه النقود فهي الودائع غير الجارية غير الحكومية بالعملة المحلية والودائع بالعملات الأجنبية غير الحكومية الجارية وغير الجارية لدى وحدات الجهاز المصرفي.
وارتفع المعروض النقدي إلى 1.739 تريليون جنيه بنهاية ديسمبر/ كانون الأول 2022 مقابل 1.382 تريليون جنيه بنهاية ديسمبر 2021، بينما سجل النقد المتداول خارج الجهاز المصرفي 831.227 مليار جنيه مقارنة بـ 701.882 مليار جنيه بنهاية ديسمبر 2021.
ارتفاع وارد من الخارج
يقول الدكتور صلاح الدين فهمي، الخبير الاقتصادي، إن الأرقام الأخيرة “طبيعية” فالتضخم الموجود بالسوق المحلية ناتج عن شقين؛ أولهما أنه ناجم عن نقص المعروض وليس الطلب والثاني أنه مستورد من الخارج في ظل الاعتماد على الاستيراد في تلبية حاجة السوق.
أجرى البنك المركزي المصري، أخيرًا، تعديلات على مستهدفات التضخم للثلاث سنوات المقبلة، ليحدد المعدلات المستهدفة للتضخم عند مستوى 7٪ (± 2) في المتوسط خلال الربع الرابع من عام 2024، ومستوى 5٪ (± 2 نقطة) في المتوسط خلال الربع الرابع من عام 2026.
أضاف فهمي أن رفع الفائدة ساهم في زيادة الودائع لكنه لم يضبط الأسعار لأنها ناجمة عن ارتفاع سعر الصرف وقلة المعروض من السلع وهو أمر سيتغير بدءًا من مارس المقبل مع دخول البضائع المحتجزة واستقرار سعر الصرف وبالتالي انضباط الأسعار.
ارتفعت بالفعل الودائع غير الحكومية بالجنيه المصري في البنوك لنحو 5.411 تريليون جنيه بنهاية ديسمبر/ كانون الأول 2022 مقابل 4.469 تريليون بنهاية الشهر ذاته من 2021. كما ارتفعت الودائع بالعملات الأجنبية إلى 1.160 تريليون جنيه،مقارنة بنحو 650.82 مليار جنيه خلال الفترة المقارنة.
الودائع تحت الطلب
بحسب تقرير البنك المركزي الصادر أمس الثلاثاء، انقسمت الودائع بالجنيه إلى ودائع تحت الطلب بقيمة 908.395 مليار جنيه بنهاية 2022 مقابل 680.464 مليار جنيه في الفترة ذاتها من العام السابق، وتوزعت الودائع تحت الطلب بين قطاع الأعمال العام بقيمة 57.027 مليار جنيه، والقطاع الخاص بواقع 596.573 مليار، والقطاع العائلي 256.532 مليار جنيه.
بحسب التقرير أن الودائع تحت الطلب بالعملات الأجنبية ” دولار ويورو وإسترليني وغيرها” تعادل نحو 309.862 مليار جنيه في 2022، مُقسمة بين قطاع الأعمال العام بنحو 22.638 مليار جنيه، والقطاع الخاص ما يعادل 199.618 مليار، والقطاع العائلي ما يعادل نحو 97 مليار جنيه.
“القفزة الكبيرة في الودائع” تحت الطلب أو ما يمكن وصفه بالحسابات الجارية، تشير إلى رغبة العملاء من أصحاب تلك الأموال، أن يكون لديهم حرية السحب بأي وقت حدث إما لأهداف استهلاكية أو انتظارهم لتوجيهها لاستثمارات أخرى طويلة الأجل أو أعلى مخاطرة من الودائع الادخارية.
والودائع تحت الطلب هي الأموال النقدية المودعة في حساب بنكي، ويمكن لصاحبها سحبها في أي وقت من دون تقديم إشعار مسبق للمصرف؛ أو الودائع المستحقة الدفع في غضون ثلاثين يومًا.
لماذا ارتفعت الودائع الجارية؟
يقول مسئول مصرفي إن الارتفاع في الحسابات الجارية مرتبط بارتفاع القروض في قطاع الشركات والأفراد، فالحصول على قرض يتطلب فتح حساب جاري، بجانب تفضيل البعض وضع أمواله في حساب جاري ترقبًا لأوضاع السوق بدلًا من الشهادات لأن الأخيرة لا تتسم بمرونة الخروج ويخسر أصحابها حال كسرهم لها قبل اكتمال مداها الزمني.
لكن المسئول المصرفي يقول إن الوضع “سيتغير” مع شهادات الـ 25% التي دفعت قطاع من تلك الحسابات الجارية للتحول لشهادات باعتبار أن عائدها مرتفع كما أن مداها الزمني قصير لا يتعدى عام واحد. معروف أن التعامل بهذه الشهادات توقف اليوم.
سجلت حصيلة شهادات الـ 25% داخل بنكي مصر والأهلي المصري نحو 465 مليار جنيه منذ طرحها في 4 يناير/ كانون الثاني الماضي وحتى أول أمس الاثنين،بينما لم يعلن بنك القاهرة حصيلته منها حتى الآن خاصة أنه طرحها لمدة 5 أيام فقط.
بلغ حجم الودائع لأجل وشهادات الادخار بالعملة المحلية ما يعادل 850.217 مليار جنيه، موزعة بين ودائع قطاع الأعمال العام بنحو 48.485 مليار جنيه، وقطاع أعمال خاص 185.579مليار ، وقطاع عائلي بنحو 616.153 مليار جنيه.
يتوقع محللون أن يضع البنك المركزي في حساباته خلال اجتماع لجنة السياسة النقدية المقبل غدا الخميس عدم تأثر التضخم في مصر برفع الفائدة، خاصة في ظل تأثير الارتفاعات المتتالية لها على القطاع الخاص والاستثمار.
وواصل أداء القطاع الخاص في مصر، الانكماش خلال ديسمبر/ كانون الأول الماضي للشهر الخامس والعشرين على التوالي، إذ سجل مؤشر مديري المشتريات لمصر، في ديسمبر 47.2 نقطة وهو أقل من النقطة المحايدة عند “50 نقطة”، وفق تقرير مدراء المشتريات الصادر عن مؤسسة ستاندرد آند بورز جلوبال.