مثل ساحة حرب تُدار العلاقات بين النساء والرجال، من منتصر ومن مهزوم، خطط وترتيبات للإيقاع بأحدهم أو إحداهن، ومع كل معركة هناك اتهامات متبادلة، إنها الحرب كما نعرفها، أما الأحاديث عن التكامل وبناء الحياة فهي تلك الهدنة التي يرتاح خلالها الطرفان قبل البدء بجولة جديدة، وربما لا يُدرك الطرفان أن الهزيمة مشتركة والنجاح كذلك.
الرجال أنانيون
لا أفضل تلك الأحكام المسبقة، ولكننا حين نلاحظ سلوكيات الكثير من الرجال نجد الأنانية كصفة متجذرة، في البدء الفرحة العارمة بالذكر الولد الذي يحمل اسم العائلة، ويعد امتدادًا لها، له من الامتيازات ما ليس لغيره، في فيلم “حب لا يرى الشمس” يجتهد الأب ليزوج ابنه من امرأة أخرى حتى ينجب له ولدًا يحمل اسم العائلة، وفى فيلم بنات شربات، بعد أن تنجب الزوجة ثلاث بنات يُطلقها زوجها لأنه يُريد الولد امتداده، قد تعكس الدراما الوضع في الواقع لكنها بصورة أخرى ترسخ للمفاهيم، فنجد المرأة الأم تعزز من وضع الذكر، تغرس به الأنانية، وتمنح مزايا متاحة فقط بحكم النوع.
يتربى الكثير من الذكور على قيم الأخذ، ويستمر في حياته كذلك، ففي الصغر يحق للولد أن يأخذ كل شيء، من حقه أن يلبس ما يريد، ويأكل ما يحب، ويخرج وقتما يشاء، للذكر حقوق تصل حد الاطلاق، فإن كانت هناك أسر تضع ضوابط على الحقوق التي يكتسبها الرجل لكونه ذكر، تظل هذه الضوابط اكثر انفتاحًا عنها عند التعامل مع البنت، ومن ثم تأتي الأنانية قيمة مخلصة لكل ما يناله الرجل، ولا يتوقف ذلك عند حدود الأسرة الصغيرة، يستمر في دوائر أكثر اتساعًا، فهناك وظائف يفضلون فيها الرجال، لأن المرأة سوف تتزوج وتحمل وتلد وما يعقب ذلك من إجازات، مفهوم رأسمالي قائم على استغلال الرجل كعامل يمكنه منح جل وقتها، بينما يتم التعامل مع الأنثى كونها مستهلك، وبرغم هذا المنطق الذي يجد بعض أصحاب الأعمال فيه وجاهة لكنه يرسخ لحقوق مكتسبة مرتبطة بالجندر.
النساء مصنع أنانية الرجال
الرجل الذي يولد ويتعلم أن يأخذ قبل أن يُعطي يستمر في تلك الحالة مدفوعًا بعادات تجذرت في روحه، حتى أنه عندما يؤسس لأسرة ويبدأ في العطاء أو الالتزام بمسئوليات القيادة بما تتطلبه من بذل جهود، فإن أولى العقبات التي تواجهه أنه يعطي ولا يأخذ، والبعض قد ينحرف إلى علاقات خارج الزواج بحثًا عن الأخذ. تنمو الأنانية كشجرة تُثمر وتُصبح من متلازمات الحياة، فلا نرى فيها شيء خارج السياق، إننا عندما نعتاد أي شيء جميلًا أو قبيح، نتعامل معه كونه ثابت من ثوابت الرؤية، الأنانية صفة مثل غيرها، حق مكتسب للرجل بحكم نوعه، بل أن النساء يُدافعن عنه باستماته، سواء كن منتجات له في تربية أولادهن الذكور، أو تربين عليه، انهن اعتادنا ذلك ولا أحد يجرؤ على كسر العادات.
والمرأة الأم مخلصة في منح كل شيء لابنها الذكر، حتى وإن فسد فهو الذكر، الذي لن يُعاقب ولن يوجه له اللوم، حتى تلك النساء اللواتي يتمردن على تلك الصورة وهذا العطاء الأمومي، قد يواجهن بالاتهام والتقصير، والمبررات الجاهزة بأنه ولد يفعل ما يحلو له وقتما يحلو له، فهل تغيرت تلك الصورة الآن؟
قد نجد في المدن بعضًا من أشكال التغيير في تربية الولد الذكر، لكن تظل الغالبية منتجة للرجل الأناني.
النساء خائفة
من المُدهش أن تقرأ رواية لمؤلف أفغاني تدور في أفغانستان قبل استيلاء طالبان عليها، وهي رواية ألف شمس ساطعة للكاتب خالد الحسيني، لتجد مشهد يتحدث عن بكارة الأنثى، اختزال النساء في غشاء البكارة وإعدادها منذ اللحظات الأولي للوعي أن تُحافظ على الكنز بين رجليها، فهو شرف العائلة، يظهر أن تلك الصور ليست مرتبطة بالمنطقة العربية فقط ولكنها مرتبطة بوجود الأنثى بشكل عام، وإن كان الغرب قد تخلص من تلك المتلازمة في طريقه للتطور، فما يزال الشرق معبأ بصور عديدة تخص المرأة.
والمرأة الأم تُربي ابنتها على الخوف سواء كان ذلك معلن أو خفي، فكل تصرف وأي سلوك يسبقه كثير من التحذيرات، ويعقبها كثير من اللوم، لا ترفعي صوتك، لا تضحكي بصوت عال، لا تتأخري، لا ولا عشرات من قولة (لا) تسبق أو تلي كل فعل تقوم به الفتاة.
تشب البنت وهي مقيدة بقولة (لا) خائفة من كسر القواعد، تضحك ثم تضع يدها على فمها لتكتم الضحكة أو تواريها خوفًا من أي شخص يراها فتخضع للعقاب.
كثير منا يرى فتيات تضحكن وتتحركن بأريحية في الشوارع فتأتي نظرات اللوم، وتواجه تلك الفتيات باتهامات تخص انعدام التربية وتنزع عنهن الخلق الحسن، فهؤلاء الفتيات يسعين لأي فعل يكسر قواعد البيت وحدود الخوف، ولكن هذا يحدث بعيدًا عن سجونهن المنزلية.
النساء تلازمهن مشاعر وسلوكيات الخوف، تخاف أن تستقل سيارة زميلها حتى لا يتهمها زملاءها، وتخاف أن تأتي متأخرة، وتخاف من اعلان صداقتها برجل، وتخاف من عشرات التفاصيل، وبينما أخريات يحاولن كسر الخوف تأتي الحوادث بمثابة عقاب كما يراه المحيطون بها، فإن تأخرت وتعرضت لملاحقة أو حادثة فمن حولها يوجهون لها اللوم لأنها جاءت متأخرة، وإن حاول أحدهم التحرش بها، فإن المحيطين سيسارعون باتهامها بأن شجعت المتحرش بما تلبسه.
إنها الاتهامات الجاهزة للمرأة فقط لأنها امرأة.
الأولاد خجلون والبنات أكثر جرأة
علّها ملاحظة تخص في أغلبها أبناء المُدن وذلك أن التكنولوجيا واهتمامات الذكور بالألعاب والفضاء الالكتروني جعلت أغلبهم يعزف عن الحياة الاجتماعية بما تشمله من تنمية للمهارات الشخصية وجرأة الاقتحامات، فبتنا نُلاحظ أولاد خجلون، بينما انبرت البنات تكسر القيود مستمدة من تجارب الغرب ثقة وقوة، لكنها سمات مؤقتة، وصفات مرتبطة بصغر العمر، هل سيستمر الشباب الصغير في خجلهم؟ أم أن جملة أنت رجل ستحررهم من الخجل، كما أن جملة أنت ست ستعيد الفتيات إلى حظيرة الخوف؟