اضطرت “ثناء عبدالحميد” ربة منزل من منطقة الظاهر بالقاهرة، إلى شراء كيلو هياكل دجاج بـ60 جنيها، لتوفير وجبة بروتين ساخنة، تساعد أطفالها على التدفئة في أيام الشتاء الباردة، “ثناء” فكرت في الأمر بعد مرور شهر كامل لم تعرف فيه اللحوم بأنواعها طريقا لبيتها.
حال “ثناء” يشبه قطاع عريض من المصريين الذين يعانون ارتفاع أسعار الدواجن البيضاء “بروتين الغلابة” بعد أن تعدى سعر الكيلو الثمانين جنيها. حال اللحوم الحمراء ليس أفضل بالتأكيد، خاصة بعد أن ارتفع سعر الكيلو ليتراوح بين 250 و300 جنيه حسب المنطقة. فجأة أصبحت جميع أصناف البروتين الحيواني بعيدة المنال.
اقرأ أيضا.. كم تحتاج أسرة مصرية صغيرة للعيش على حد الكفاف؟
وبحسب دراسة نشرت في مجلة الاقتصاد الزراعي والعلوم الاجتماعية المجلد العاشر، الصادر بشأن المتغيرات المؤثرة على الكمية المستهلكة من اللحوم البيضاء والحمراء بين عامي 2000 إلى 2016 للتنبؤ بالكمية المستهلكة حتى عام 2022، يستهلك المصريون 150 ألف طن شهريا من الدواجن بينما يبلغ حجم الإنتاج 1.5 مليون دجاجة سنويا.
وبحسب الدراسة أيضا، يتجه إجمالي إنتاج واستهلاك اللحوم الحمراء في مصر، للزيادة بين عامي 2000 و2016 بنسبة 1% سنويا ومعدل الاستهلاك زاد أيضا بنسبة 1.148% سنويا، لذلك توضح الدراسة أنه في حالة زيادة السعر العالمي بنسبة 1% يقل الاستهلاك بنسبة 0,349 سنويا.
كما تقول الدراسة إنه خلال السنوات الأخيرة، أجرت الحكومة عدة محاولات للتوسع في إنتاج اللحوم الحمراء والدواجن للوصول إلى معدل يقترب من الاستهلاك المحلي، حيث تستهلك مصر 900 ألف طن من اللحوم الحمراء فيما يبلغ حجم الإنتاج 470 ألف فقط سنويا، ما يخلق فجوة بين الطلب والعرض تصل إلى 430 ألف طن.
من ناحية أخرى، ورغم أن 38 ألف منشأة تعمل الآن في قطاع الدواجن المصري، كانت تحقق اكتفاء ذاتيا بنحو 1.4 مليار طائر، و14 مليار بيضة، إلا أن الأسعار ارتفعت بمعدلات غير مسبوقة، وصلت في بعض الأحيان إلى أكثر من 200%.
عدد من الخبراء تحدث إلى “مصر 360” بشأن أسباب ارتفاع أسعار البروتين الحيواني، وخاصة الدواجن، إذ تنوعت تلك الأسباب بين ارتفاع سعر الدولار وأزمة احتجاز الأعلاف في المواني المصرية، بالإضافة إلى أسباب فنية أخرى، خاصة بالمربي والمزارع.
يقول المهندس مراد شاكر، أحد منتجي الدواجن في محافظة الدقهلية، إن نقص الأغذية الحيوانية والأعلاف يهدد مستقبل صناعة الدواجن التي حققت نسبة اكتفاء ذاتي يصل إلى 99%. موضحا أن أكثر من 40% من مربي الدواجن وأصحاب المزارع الصغيرة خرجوا من عملية الإنتاج، الذي قال إن الأزمة تهدد بتوقفها تماما،
كما أضاف: “من الممكن أن تؤدي أزمة الأعلاف إلى أغلاق المجازر والمزارع التي تستوعب 3.5 مليون عامل، كما يبلغ حجم استثماراتها 100 مليار جنيه”.
وأرجع “مراد” أزمة نقص الدواجن وارتفاع الأسعار، إلى لجوء المربين إلى التخلص من الكتاكيت بإعدامها قبل ثلاثة أشهر مع بداية أزمة العلف، ثم التخلص من الأمهات المنتجة للبيض والجدود ببيعها لحوم، لتدارك نزيف الخسائر مبكرا، لكن الأمر أحدث فجوة كبيرة بين حجم الإنتاج والطلب، كما سبب الاعتماد بشكل كلي على الشركات الكبيرة، التي بدورها خفضت الإنتاج، إلى احتكار سوق البيض والكتاكيت، حيث يباع الكتكوت الواحد بـ22 جنيها بينما وصل كيلو الدجاج إلى 70 جنيها في المزارع.
كما توقع “مراد” تراجع الأسعار خلال شهر من الآن أو مع بداية شهر رمضان المقبل، مع دورة الإنتاج الجديدة خلال 45 يوما، لكنه اشترط الاستمرار في الإفراج عن الأعلاف بشكل مستمر دون توقف، وتوفير مخزون كافٍ لمدة 6 أشهر.
لكن سامح السيد، رئيس شعبة الدواجن بالغرف التجارية بمحافظة الجيزة اختلف مع “مراد” ونفى خروج المربين الصغار من منظومة المنتجين، وقال لـ”مصر 360″، إنهم فقط تراجعوا قليلا بسبب عدم توافر الأعلاف، مؤكدا أنهم عادوا للإنتاج فور الإفراج عن الأعلاف منذ أسبوعين، كما بدأوا مرحلة الإنتاج الجديدة بدليل ارتفاع سعر الكتكوت من 2 جنيه إلى 17 جنيها حاليا، وخلال 35 إلى 45 يوما ستنخفض الأسعار وتنتهي الأزمة”.
رئيس غرفة الجيزة أشار إلى أن المواطن لن يشعر بزيادة الإنتاج قبل منتصف فبراير أو بداية مارس، حتى تنتهي الدورة الإنتاجية الجديدة، موضحا: “الأزمة السابقة كانت بسبب عدم توافر الأعلاف لكن الدولة حاليا تدخلت ونظمت سوق الأعلاف، لكن لايزال المعروض حاليا أقل من الطلب، وهو ما أدى لزيادة الأسعار”.
الأعلاف.. 70% من تكلفة إنتاج الدواجن
من ناحيته، يقول المهندس محمد عبدالسلام، رئيس شعبة الدواجن بالغرفة التجارية، إن حجم الإفراجات الجمركية عن الأعلاف وحلول الحكومة التي بدأت قبل قرابة شهر من الآن، لم تحدث مردودا إيجابيا على الأسعار، لأن الكميات المفرج عنها لا توازي حجم الاستهلاك المحلي. إذ تمثل الأعلاف 70% من تكلفة إنتاج صناعة الدواجن في مصر، وعند حدوث أزمة في العلف يتأثر الإنتاج بالنسبة ذاتها.
وقدر “عبدالسلام” نسبة من خرجوا من منظومة الإنتاج خلال الثلاث أشهر الأخيرة مع بداية الأزمة بـ30% من المنتجين، لأن الأزمة وصلت إلى حد الشح في سوق العلف، لكنه أضاف: “كان ذلك قبل تدخل الدولة، والبدء في الإفراج عن الأعلاف الموجودة في المواني”.
وأضاف لـ” مصر 360″: “نتمنى أن يتبع قرار رئيس الوزراء الأخير الاستمرار بصفة دائمة في الإفراج عن المواد المكدسة داخل المواني بكميات مناسبة تسمح بعودة مصانع الأعلاف المتوقفة والمربين إلى المنظومة لإنقاذ الصناعة التي حققت طفرة في مصر، ومتابعة توزيع الخامات على المصانع لأن المحتكرين من المستوردين يخزنون الأعلاف لتعطيش السوق. حيث نحتاج إلى مليون و100 ألف طن ذرة صفراء و500 ألف طن صويا شهريا”.
لا يختلف الحال بالنسبة لسوق اللحوم الحمراء، سوى في حالة الركود غير المسبوقة، وبحسب محمد ريحان عضو شعبة القصابين بالغرفة التجارية، الذي قال لـ”مصر 360″: “كان الجزار بيبيع عجلا أو اثنين بالمتوسط في الأسبوع، لكنه حاليا في أحسن الأحوال يبيع ربع عجل واحد طول الأسبوع”، مضيفا أن سعر الكيلو وصل إلى 250 جنيها ومع ذلك يمثل خسارة للجزار لأن سعر كيلو القائم يباع بـ120 جنيها في المزارع الكبيرة التي تحكمت في السوق بعد خروج المربي الصغير”.
ويضيف: “مع تزايد حدة الأزمة ونقص المعروض من حيوانات الذبح، لجأ المربين للتخلص من ماشيتهم، من الإناث وصغار السن ببيعها للجزارين بالمناطق والمحافظات الريفية، نتيجة عدم قدرتهم على الاستمرار في تربيتها مع ارتفاع سعر الأعلاف، ما يهدد بالقضاء على الثروة الحيوانية في مصر”.
بينما أرجع هيثم عبدالباسط، عضو غرفة القصابين بالغرفة التجارية، جزءا كبيرا من الأزمة إلى نقص المطروح في السوق، وارتفاع أسعارها لاحتكار أصحاب المزارع الكبيرة للسوق بعد خروج المربي الصغير، لدرجة أن الثروة الحيوانية المحلية بأكملها مهددة بالانقراض لحساب المستورد من العجول (الإسبانية، والأوكرانية) التي يبيعها أصحاب المزارع على أنها أصناف بلدية.
“عبدالباسط” يقول إن القصابين يطالبون وزارة التموين بحصر أصحاب المزارع وتقييم قيمة العجول المستوردة وتكلفة الإنتاج وتحديد سعر عادل للربح لضبط الأسعار والسوق.
حسين عبدالرحمن أبو صدام، نقيب الفلاحين، يقول إن الإنتاج المحلي من اللحوم الحمراء يغطي أقل من 60% من احتياجات مصر، حيث تعاني البلاد عجزا في إنتاج اللحوم الحمراء يزيد عن 40%.
وحذر من زيادة معدل ذبح صغار العجول وإناث المواشي (العشار) خارج المجازر الحكومية “السلخانات” لانخفاض أسعارها عن عجول التسمين، وبيعها للمستهلكين بنفس الأسعار بما يحقق مكاسب عالية للجزارين، لكن يهدد بدمار الثروة الحيوانية في المستقبل.
وأكد “أبو صدام” أن أزمة الأعلاف الجافة انعكست أيضا على الأعلاف الخضراء ووصل سعر قيراط البرسيم إلى 500 جنيه على أرضه وارتفع سعر حمل التبن زنة 260 كيلو إلى 400 جنيه ووصل سعر طن الردة إلى 9000 جنيه، الأمر الذي دفع الفلاحين للتخلص من الماشية.
من ناحية أخرى، بلغ إجمالي ما تم الإفراج عنه خلال الفترة من (16 أكتوبر 2022 حتى 25 يناير 2023) 2.291 مليون طن أعلاف، منها 1.594 مليون طن ذرة، و702 ألف طن فول صويا وإضافات أعلاف بإجمالي مبلغ 1.154 مليار دولار، بحسب مجلس الوزراء.
كيف يمكن حل الأزمة؟
تحاول الحكومة ممثلة في هيئة السلع التموينية، توفير أعلاف أو بدائل عن الأعلاف المستوردة، إذ أعلنت الهيئة الممارسة الثانية لها، لاستيراد 50 ألف طن ذرة صفراء، في منتصف يناير/كانون الثاني الجاري، لبيعها إلى القطاع الخاص من خلال البورصة السلعية في محاولة لضبط أسعار علف الدواجن وتقييد الاحتكار.
وبحسب الخبراء، تطلب الأزمة إيجاد حلول وتدخل من قبل وزارة التموين كطرف في استيراد الذرة والأعلاف مع التوجه لاستيراد قطعان مواشي صغيرة السن من السودان لتربيتها في مصر لأنها شبيهة بالبيئة المصرية، مع وقف العمل بالمجازر لتنمية الثروة والحد من عمليات الذبح العشوائي.
كما دعا الخبراء إلى تشديد الرقابة على القرى والمناطق الريفية لمنع ذبح الإناث وصغار السن المهددة بالانقراض، وأيضا استيراد وطرح رؤوس حية مع الأعلاف للجزارين قد تساهم بحل الأزمة بنسبة 40%، بالإضافة إلى ضرورة التوسع في إنتاج الأعلاف محليا.