رغم توافق السعودية والإمارات على بنود وثيقة نقل السلطة التي تنازل بموجبها الرئيس اليمني السابق عبد ربه منصور هادي في أبريل الماضي عن صلاحياته إلى مجلس قيادة رئاسي يضم في عضويته 7 قيادات سياسية وعسكرية وقبلية ويترأسه مستشاره السابق رشاد العليمي، إلا أن صراع النفوذ بين البلدين ومعارك وكلائهما على الأرض حولت تلك الوثيقة إلى مجرد حبر على ورق.
باستثناء انتقال «واجهة السلطة» من الرئيس السابق -الذي استنفد أسباب وجوده وبات استمراره عبئا على مكونات التحالف الذي تقوده الرياض- إلى «مجلس فرقاء» برئاسة العليمي، لم يتغير شيء على الأرض، فلا أفق لحل أو تسوية سياسية مع جماعة الحوثي التي قضمت أكثر من نصف اليمن ولا إرادة عسكرية للدخول في معركة تُجبر الحوثيين على الجلوس إلى مائدة تفاوض، ذلك رغم أن تشكيل المجلس الرئاسي يغلب عليه العسكريون الذين يتحكمون في فرق ومجموعات قتالية بمختلف الأقاليم اليمنية.
وفق ما أعلنه الرئيس اليمني السابق عبد ربه منصور هادي في بيانه المتلفز الذي أذيع فجرا في ختام مشاورات القوى اليمنية بالعاصمة السعودية في أبريل الماضي، فإن مجلس القيادة الرئاسي الجديد تم تكليفه بـ«إدارة الدولة سياسيا وعسكرية وأمنيا، وتيسير ممارسة الحكومة لاختصاصها بكامل صلاحيتها، والتفاوض مع الحوثيين لوقف إطلاق نار دائم في كافة أنحاء الجمهورية والجلوس على طاولة المفاوضات للتوصل إلى حل سياسي نهائي».
وفي محاولة لفض الاشتباك بين الفرقاء الذين جمعتهم جبهة القتال ضد الحوثي، توافقت القوى اليمنية بعد ضغوط سعودية إمارتية في مشاورات الرياض على تضمين وثيقة نقل السلطة بند يهدف إلى وقف النزاع والاقتتال بين القوى المحسوبة على التحالف العربي لدعم الشرعية، على أن يتم تشكيل لجنة أمنية تُتابع تحقيق هذا الهدف وتهيئ الظروف على تكامل القوات المسلحة اليمنية.
نص البند الخامس في وثيقة نقل السلطة على «تشكيل اللجنة الأمنية والعسكرية المشتركة لتحقيق الأمن والاستقرار من خلال اعتماد السياسات التي من شأنها أن تمنع حدوث أي مواجهات مسلحة في كافة أنحاء الجمهورية، وتهيئة الظروف واتخاذ الخطوات اللازمة لتحقيق تكامل القوات المسلحة تحت هيكل قيادة وطنية موحدة في إطار سيادة القانون، وإنهاء الانقسام في القوات المسلحة ومعالجة أسبابه، وإنهاء جميع النزاعات المسلحة، ووضع عقيدة وطنية لمنتسبي الجيش والأجهزة الأمنية، وأي مهام يراها المجلس لتعزيز الاستقرار والأمن».
في 30 مايو الماضي، أعلن المجلس الرئاسي تشكيل اللجنة الأمنية والعسكرية المشار إليها في هذا البند برئاسة وزير الدفاع الأسبق اللواء الركن هيثم قاسم طاهر، وضمت في عضويتها 59 ضابطاً. وفي 25 يونيو تم تدشين عمل اللجنة وتوزيع أعضائها على اللجان والفرق المتخصصة في المجالات العسكرية.
وعلى الطريقة العربية في دفن القضايا وإغراق الملفات أعلن عضو المجلس الرئاسي عيدروس الزبيدي عن تشكيل لجنة تحضيرية تتولى مهمة تحديد مهام وبرامج وخطط اللجان المنبثقة عن اللجنة والتي من المفترض أن تعمل على توفير المعلومات والوثائق المطلوبة لبدء عملها على الأرض.
ولأن نوايا الفرقاء الحقيقة لم تكن مع توحيد القوى والوحدات العسكرية تحت مظلة واحدة أو إعادة هيكلة القوات المسلحة، ولأن كل طرف من تلك الفرق يعمل وفق أجندة قوة إقليمية تضمن استمرار الدعم وتدفق الرواتب، تم تجميد عمل اللجنة ضمنيا، وفق ما أفادت مصادر يمنية مطلعة، وذلك نتيجة «خلافات بين أعضاء مجلس القيادة الرئاسي اليمني، وغيابهم خارج البلاد» وهو ما أدخل اللجنة في حالة من السبات توقفت على أثره كل أنشطتها بما فيها اللجان الفرعية.
نفس المصادر أشارت إلى أن اللجنة التي تم تشكيلها طالبت قادة الوحدات العسكرية والأمنية الحكومية وغير الحكومية بعد صدور قرار التشكيل بتسليم كشوفات منتسبيها استعدادا لعملية دمج وتوحيد القوات، إلا أن تلك الوحدات تراخت بعدما عاد كل قائد إلى مرجعيته.
في غضون ذلك اندلعت في أغسطس الماضي مواجهات مسلحة بمحافظة شبوة الغنية بالموارد النفطية بين مجموعات من المفترض أنها تتبع جميعها الحكومة الشرعية، إذ اشتبكت قوات جنوبية مدعومة من الإمارات مع قوات أخرى من الجيش اليمني تنتمي لحزب الإصلاح التابع لجماعة الإخوان الممثلة في مجلس القيادة الرئاسي بعضوين هما عبد الله العليمي والشيخ سلطان العرادة محافظ مأرب.
وشهدت مدينة عتق مركز محافظة شبوة صراع دام أسفر عن مقتل العشرات بعد أن أصدر محافظها المحسوب على الإمارات عوض ابن الوزير العولقي، قرارًا بإقالة بعض القيادات الأمنية المحسوبة على حزب الإصلاح وفي مقدمتهم عبد ربه صالح لكعب قائد قوات الأمن الخاصة بالمحافظة.
رشاد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي قال في بيان يعلق فيه على ما جرى من اشتباكات حينها إن «المواجهات في شبوة تجر اليمن إلى الصراع بعيدًا عن روح التوافق الذي جاء بموجب إعلان نقل السلطة»، مضيفًا أنه عمل على قطع دابر الفتنة من خلال إقالة بعض القادة العسكريين في المحافظة.
لم تُدفن فتنة شبوة؛ فالفتنة أوسع من تلك المحافظة اليمنية الاستراتيجية. حسابات الصراع يتم تحريكها أو تصفيتها خارج أراض اليمن التي تحولت إلى ساحة للحرب وتوسيع النفوذ بين قوى إقليمية متصارعة كما الحال مع إيران ودول التحالف العربي، وحليفة ظاهريا كما هو الحال بين السعودية والإمارات.
لم تقبل الرياض بأن يتمدد النفوذ الإمارتي في الجنوب ويصل إلى مناطق معروف بولائها إلى السعودية، أما أبو ظبي فلم تتوقف محاولات تعزيز نفوذها، فواصلت القوات الموالية لها تقدمها لبسط سيطرتها على ما تبقى من محافظات الجنوب بدعوى محاربة التنظيمات الإرهابية في تلك المحافظات، وأطلق المجلس الانتقالي الجنوبي نهاية أغسطس الماضي عملية «سهام الشرق العسكرية» للسيطرة على محافظة أبين المحاذية للعاصمة المؤقتة عدن. ما دفع مستشار وزير الإعلام بحكومة الشرعية اليمنية مختار الرحبي أن يتهم «الانتقالي» باستخدام محاربة الإرهاب كغطاء للقضاء على ما تبقى من الجيش الوطني وإخضاع محافظة أبين لسيطرته الكاملة.
عندما تيقنت الرياض أن رهانها على الجيش الوطني خاسر وأن مجلس القيادة الرئاسي فشل في توحيد القوات المتناحرة العاملة تحت جبهة الشرعية، لجأت إلى تدشين قوات يكون ولائها بالكامل لها، كما اتجهت إلى تعزيز نفوذها في مناطق الجنوب اليمني.
فبعد غيابه عن العاصمة المؤقتة عدن لنحو شهرين عاد رئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي من الرياض رفقة عضو المجلس عبدالرحمن المحرمي، وفي اليوم التالي لعودته أصدر مرسوما بتدشين قوات «درع الوطن»، لتكون احتياطي القائد الأعلى للقوات المسلحة والذي يحدد عدد هذه القوات ومهامها ومسرح عملياتها في أمر عملياتي يصدر عنه.
وتتكون قوات «درع الوطن» من 9 ألوية تتألف من مقاتلين ينتمون إلى عدد من المحافظات الجنوبية بالإضافة إلى محافظة البيضاء وسط اليمن، وهم خليط من السلفيين وأبناء القبائل، ولها معسكرات في محافظات لحج وأبين وفي منطقة العبر بمحافظة حضرموت، فيما يجري تجهيز ألوية أخرى في منطقة شرورة جنوب السعودية.
وأوكل مرسوم أخر صدر عن العليمي قيادة قوات «دراع الوطن» إلى العميد بشير المضربي الصبيحي القيادي السلفي المدعوم من السعودية والذي شارك في معارك تحرير عدن وقاعدة العند الجوية بمحافظة لحج من الحوثيين عام 2015.
وتدعم السعودية تلك القوات بمئات المركبات والعربات القتالية، ومختلف أنواع الأسلحة، فضلا عن التدريب والتأهيل. كما أن مقر الإدارة العامة لها في الرياض، وفق مراسلات بين قياداتها، بحسب ما نقلت وسائل إعلام يمنية.
وبحسب مراقبين يمنين، فأن ظهور قوات «دراع الوطن» في مسرح العمليات العسكري يرسل إشارات بشأن رغبة السعودية ليس في فض الشراكة العسكرية والأمنية مع الإمارات فحسب، بل في تقوية نفوذها في محافظات الجنوب عبر مجموعات وتشكيلات قتالية تابعة لها، وهو الأمر الذي أثار غضب أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يرى أن وجود هذه القوات يؤثر على مشروعه الانفصالي المدعوم من الإمارات.
وأكدت مصادر يمنية أن السعوديين يسعون إلى كسب وتعزيز النفوذ جنوب البلاد، في ظل تعاظم التنافس مع الإماراتيين الذين نجحوا في تعزيز حضورهم في المناطق الساحلية اليمنية، عند خطوط الملاحة البحرية في خليج عدن ومضيق باب المندب، باتجاه القرن الأفريقي.
ومن المتوقع أن تنتشر مجموعات من قوات «درع الوطن» في وادي وصحراء حضرموت جنوب شرق اليمن، على الحدود مع السعودية، والتي يسعى المجلس الانتقالي بدعم إماراتي للسيطرة عليها وإخراج قوات المنطقة العسكرية الأولى وضمها إلى مشروعه الانفصالي.
وبعد تصعيد «الانتقالي» ضد المنطقة العسكرية الأولى والتلويح باجتياح وادي وصحراء حضرموت عسكريا؛ اعتبر ناشطون وكتاب سعوديين، أن حضرموت خط أحمر بالنسبة لبلادهم، محذرين من أن المملكة لن تسمح بإثارة الفوضى في محيطها وعمقها الجيوسياسي.
ودعت مرجعية قبائل حضرموت في بيان لها صدر الشهر الماضي السعودية إلى تحمل مسئوليتها في حفظ الأمن والاستقرار في حضرموت، مطالبا إياها بإدارة هذه المعسكرات التي تقع في نطاق مسئوليتها، وفتح باب التجنيد العاجل لأبناء المحافظة فيها.
فشل الرهانات السعودية في دمج وتوحيد القوى والفصائل السياسية والعسكرية والقبائلية في تحالف واحد لمواجهة المتمردين الحوثيين دفعها إلى التقدم على مسارين؛ الأول: التفاوض مع جماعة الحوثي تحت رعاية عمانية للوصول إلى تفهمات قد تقضي بعدم التعرض الحوثيين للحدود السعودية والمنشأت النفطية مقابل غض الطرف عن سيطرة الجماعة على معظم مناطق الشمال اليمني؛ والمسار الثاني ترسيخ النفوذ السعودي في الجنوب عبر زرع قوات يمنية موالية لها لتطويق وتحجيم النفوذ الإماراتي في المناطق الغنية بالنفط المطلة على ممرات الملاحة.