في 29 يونيو/ حزيران 2020، قررت الحكومة المصرية إنشاء الشركة المتحدة لإنشاء وإدارة وتشغيل وصيانة خطوط المترو ووسائل النقل السككي بالجر الكهربائي، عبر شراكة جمعت بين وزارة المالية، وهيئة المجتمعات العمرانية، وبنك الاستثمار القومي.
كان الهدف من إنشاء الشركة هو إدارة وتشغيل وصيانة مشروع القطارات المكهرب بين السلام والعاصمة الإدارية والعاشر من رمضان، ويصل طوله إلى نحو 68 كم. مع اقتراح بتولي الشركة إدارة القطار السريع الرابط بين العين السخنة ومدينة العلمين والعاصمة الإدارية البالغ طوله نحو 498 كم. فضلًا عن تشغيل وإدارة وصيانة الخط الرابع لمترو الأنفاق.
لكن بعد 4 أشهر فقط من إنشاء تلك الشركة، صدر قرار حمل رقم 2277 في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 بإلغائها. ذلك دون أي تفصيل أو شرح. وتوافق صدور ذلك القرار مع تحويل الهيئة القومية للأنفاق من هيئة خدمية إلى اقتصادية، تكون لها شخصيتها الاعتبارية، بحسب القرار رقم 180 لسنة 2020.
الهدف من تحويل الهيئة العامة للأنفاق من خدمية إلى اقتصادية كان منحها الحق في إدارة وتشغيل خطوط المترو والتعاقد مع مؤسسات أخرى. بالإضافة إلى منحها مرونة وحرية لدى ممارستها لدورها واستثمار أموالها من خلال أنشطة اقتصادية تسهم في تغطية مصروفات تشغيل وصيانة المشروعات التابعة لها خارج الموازنة العامة للدولة.
لذا، كان إلغاء تلك الشركة الجديدة يتواكب مع السياسة الجديدة بتحويل هيئة مترو الأنفاق من إدارة وتشغيل خطوط المترو سواء بنفسها، أو منحها كحق انتفاع لشركات ومؤسسات محلية أو أجنبية. وهذا ما أكدته صحيفة المال في ذلك الوقت.
لكن، وبحسب الموقع الإلكتروني لهيئة مترو الأنفاق، كان الهدف من تحويلها لهيئة اقتصادية هو تمويل نفسها من خارج الموازنة العامة. فمن أين إذا كانت مولت الهيئة مشروعاتها الاستثمارية؟
في هذا التقرير نوضح طرق تمويل الهيئة والفرق بين الهيئة الاقتصادية والخدمية.
مرحلة التأسيس
تم تأسيس الهيئة القومية للأنفاق عام 1983 بالقانون رقم 113 لسنة 1983، لتنفيذ أعمال الدراسات والتصميم والتنفيذ لمشروعات الأنفاق والمترو في مصر، وإجراء الدراسات والبحوث الفنية والاقتصادية، وللمشروعات المرتبطة به بالتعاون مع الخبرات والشركات المحلية والأجنبية. على أن تقوم الهيئة القومية للأنفاق بعد الانتهاء من دراسة وتنفيذ المشروعات بتسليمها إلى الأجهزة المختصة للتشغيل.
وظلت الهيئة تعمل وفقًا لهذا القانون حتى صدر التعديل رقم 33 لسنة 2018، والذي منحها حق زيادة نطاق عملها ليشمل مشروعات النقل السككي ذو الجر الكهربائي والسماح للهيئة بالشراكة مع كيانات أخرى حكومية، وخاصة في أعمال التصميم والتنفيذ والتشغيل لخطوط النقل السككي ذو الجر الكهربائي.
وسَمح القرار للهيئة بالتعاقد مع مؤسسات وكيانات أخرى محلية وأجنبية والدخول في شراكات. لكن ذلك لم يكن كافيًا. إذ ظلت الهيئة “خدمية”. لكن ليس لوقت طويل. ففي سبتمبر/ أيلول 2020، صدر القرار رقم 180 بتحويل الهيئة لـ”اقتصادية” بدلًا من “خدمية”.
الفرق بين الهيئة الاقتصادية والخدمية
يشرح الدكتور علي الإدريسي، نائب المدير التنفيذي لمركز مصر للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، بأن كل الهيئات العامة يُنظم عملها القانون رقم 61 لسنة 1963، وتُصدر بقرار من رئيس الجمهورية مباشرةً، ويُنظم عملها قرارات من رئيس مجلس الوزراء.
ويُضيف، في حديثه لـ”مصر 360″، إن الهيئات الخدمية تقوم على أداء خدمة معينة مثل تشغيل مرفق المياه أو الصرف الصحي. ومثل تلك الهيئات تؤدي خدماتها دون الوضع في الاعتبار تحقيق ربح من أداء تلك الخدمة. وذلك بعكس الهيئات الاقتصادية التي تستهدف من أداء عملها تحقيق ربح.
هذا فضلًا عن أن الهيئات الخدمية تُدرج موازنتها داخل الموازنة العامة للدولة، بعكس الهيئات الاقتصادية التي تكون لها موازنات مستقلة خارج الموازنة العامة، وفقًا للإدريسي.
ويُتابع، أنه بتحويل هيئة مترو الأنفاق إلى هيئة اقتصادية فسيكون لها الحق في الاقتراض وإصدار سندات للحصول على تسهيلات ائتمانية بموافقة وزارة المالية. كما يكون للهيئة الحق في التعاقد مع شركات ومؤسسات محلية أو أجنبية في التعاقد على إدارة وتشغيل خطوط المترو. ويكون لها الحق في وضع سعر تذكرة المترو، والذي سيلبي متطلبات الهيئة في تحقيق أرباح مقابل أداء الخدمة.
اقرأ أيضًا: من يحدد أولويات الإنفاق في مصر؟
كما أن الهيئات الاقتصادية تُصدر موازنتها سنويًا عبر قوانين الربط، ويناقشها مجلس النواب طبقًا للدستور، كما يقول الإدريسي.
ويتفق مرصد الموازنة العامة وحقوق الإنسان في تقريره المنشور حول تعريف الإدريسي للهيئات الاقتصادية، مضيفًا أن الهيئات الاقتصادية تتمتع بسلطات واسعة في إدارة شئونها المالية والإدارية، ويزيد عددها عن 50 هيئة على الأقل حاليًا.
ويرصد التقرير، ضعف أداء الهيئات الاقتصادية وتواضع مردودها الاقتصادي. ويدلل على ذلك بأن متوسط معدل العائد على مبيعات الهيئة الاقتصادية سجل نحو 10.68%. أي أن كل جنيه يتم استثماره في تلك الهيئات يُحقق ربحًا قدره 11 قرشًا. وهي نسبة متواضعة لا يمكن أن تكفل لتلك الهيئات تحقيق اكتفاء ذاتي تمكّنها من أداء عملها بنفس الجودة.
آخر موازنة للهيئة “الخدمية”
كان العام 2019/ 2020 هو الأخير لموازنة الهيئة العامة لمترو الأنفاق داخل الموازنة العامة. ذلك قبل أن تنفصل عنها، بعدما تحولت في نهاية العام 2020 إلى هيئة اقتصادية لها موازنتها المستقلة. في ذلك العام كان إجمالي موازنة الهيئة العامة للأنفاق حوالي 10 مليار جنيه. لكن وبعد عامين فقط تضاعف إجمالي موازنة الهيئة أكثر من 12 مرة، وبلغت 125.6 مليار جنيه.
وبحسب مراجعات أجريناها على موازنة العام 2019/ 2020، توزعت موازنة الهيئة بين بنود فوائد القروض وشراء السلع والخدمات. حيث سجل إجمالي بند فوائد قروض الهيئة العامة للأنفاق نحو 94.9 مليون جنيه. فيما سجل بند شراء السلع والخدمات 5.7 مليون جنيه.
بينما سجل بند الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية 180 ألف جنيه. وبلغت قيمة بند المصروفات الأخرى 150 ألف جنيه. فيما بلغ بند الاستثمارات نحو 2.7 مليار جنيه، وبند سداد القروض 843.6 مليون جنيه، بحسب الموازنة العامة للدولة. أما إيرادات هيئة المترو الأنفاق فسجلت قرابة 87 مليون جنيه توزعت بين 80 مليون جنيه من الإيرادات الرأسمالية، وإيرادات أخرى بقيمة 7 ملايين جنيه.
الموازنة الاقتصادية
وفقًا لمراجعات أجريناها على الموازنة المستقلة للهيئة القومية لمترو الأنفاق، بلغ إجمالي موازنتها العامة 125.6 مليار جنيه، توزعت بين تكاليف ومصروفات بلغت قيمتها 6.8 مليار جنيه. منها 191.6 مليون جنيه أجور، و846.2 مليون جنيه خامات ووقود وقطع غيار، و5.7 مليار جنيه مصروفات.
في حين بلغ إجمالي الاستخدامات الاستثمارية 112.8 مليار جنيه، والاستخدامات الرأسمالية 6.1 مليار جنيه. بينما بلغ إجمالي إيرادات الهيئة 3.9 مليار جنيه، محققةً خسائر بقيمة 2.9 مليار جنيه، فيما بلغ إجمالي القروض والتسهيلات الائتمانية 76.3 مليار جنيه، وإيرادات رأسمالية متنوعة 42.5 مليار جنيه، منها 1.4 مليار جنيه مساهمة من الخزانة العامة.
والإيرادات الرأسمالية تعني الإيرادات المتاحة للاستثمارات والتحويلات. وتشمل الأوعية الادخارية والقروض والتسهيلات الائتمانية المحلية والخارجية والمصادر الأخرى مثل المنح، أو الناتجة عن بيع الأصول الثابتة، وليست ناتجة عن مصادر تشغيلية.
كيف مولّت الهيئة نفسها؟
كان الهدف من من تحويل هيئة مترو الأنفاق لهيئة اقتصادية هو البحث عن مصادر لتمويلها بعيدًا عن الموازنة العامة. كما ذكرت عبر موقعها الإلكتروني. لكن بيانات الموازنة العامة لهيئة مترو الأنفاق بعد تحويلها لهيئة اقتصادية، تُظهر أن مصادر التمويل تلك لم تكن إلا قروض حصلت عليها الهيئة. إذ بلغت في العام المالي 2021/ 2022 نحو 76.3 مليار جنيه، مقارنة بنحو 59.5 مليار جنيه في العام المالي 2020/ 2021، بزيادة نحو 16.8 مليار جنيه.
وتوسعّت هيئة مترو الأنفاق في الاقتراض، حسبما تُظهر بيانات الموازنة الخاصة بها. فضلًا عن توسع حجم الإيرادات الرأسمالية التي لا تتحقق عبر مصادر تشغيلية للهيئة، لكنها نتاج تسهيلات ائتمانية أو عمليات توريق مالي، أو بيع أحد الأصول.
وفي أغسطس/ آب 2020، حصلت هيئة مترو الأنفاق على قرض بقيمة مليار و885 مليون يورو من بنك جي بي مورجان ومؤسسات مالية أخرى، بحسب الجريدة الرسمية.
وفي مارس/ آذار 2022، حصلت الهيئة القومية للأنفاق على قرض فرنسي من جانب شركة ألستوم، بقيمة 776.9 مليون يورو لتطوير الخط الأول لمترو الأنفاق، وفقا بيان لمجلس الوزراء.
وبحسب البيان، ستبلغ مدة القرض 40 عامًا، منها 15 عامًا فترة سماح يبدأ بعدها السداد لمدة 25 عامًا بفائدة 0.0092%. وتساهم الحكومة المصرية في تمويل الصفقة بمبلغ 1.2 مليار جنيه. هذا فضلًا عن قرارها بخصخصة إدارة وتشغيل قطار مونوريل العاصمة الإدارية إلى الشركة الفرنسية ألستوم، حيث حصلت الأخيرة على حق انتفاع إدارة وتشغيل وصيانة المونوريل لمدة 30 سنة.
ليس هذا فقط، لكن لجنة النقل والمواصلات بالبرلمان، أرجأت قرض كوريًا من البنك التجاري الكوري بقيمة 64.2 مليون يورو. وكان متوقعًا أن تحصل عليه هيئة مترو الأنفاق خلال موازنة العام المالي الحالي 2022/ 2023.
أزمة الشفافية ونقص المعلومات
ترى المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في ورقة بحثية لها، أن تعديلات قانون هيئة المترو تفتح الباب لخصخصة مترو الأنفاق وإدارته. فضلًا عن كون تلك التعديلات هي التي مهدتّ لزيادة سعر تذكرة المترو بأكثر من 5 أضعاف سعرها قبل 5 أعوام. بات سعرها يتراوح بين 5 و7 و10 جنيهات.
كما استقلال الهيئات الاقتصادية بموازنتها عدّتها المبادرة المصرية، انعدامًا للشفافية وحجبًا للمعلومات. إذ لاتظهر موازنة تلك الهيئة الاقتصادية في الموازنة العامة. ولا يمكن حساب حجم الدعم المقدم من الخزانة العامة لتلك الهيئات. فضلًا عن عدم وجود إلزام قانوني بمناقشة موازنات الهيئات الاقتصادية بشكل مفصل في البرلمان.
في النهاية، كشفت موازنة هيئة مترو الأنفاق عن تحقيقها زيادة حجم الاستثمارات بشكل كبير، مولّته عبر الاقتراض أو من خلال خصخصة إدارة بعض خطوط المترو لشركات خاصة بنظام حق الانتفاع.