مساران اثنان متوقعان لمشهد انتخابات نقابة الصحفيين مطلع مارس/ آذار المقبل، وبالتحديد على مقعد النقيب؛ أولهما، معركة واضحة الدلالات بين مرشح “الحكومة” وبين مرشح محتمل لـ”تيار الاستقلال”، في حال استقر التيار على الدفع بأحد أعضائه. وهو أمر يقول مقربون من المشهد إنه أصبح مٌستبعد بسبب عدم الاتفاق. خاصة مع رفض النقيب الأسبق يحيى قلاش خوض السباق الانتخابي. ولكن هناك مشاورات مستمرة من أجل الاتفاق على “مرشح”.
والمسار الثاني، والأكثر وضوحًا حتى هذه اللحظات، هو عقد انتخابات هادئة داخل مقر النقابة بشارع عبد الخالق ثروت، محسومة لصالح مرشح “الحكومة” على مقعد النقيب، والذي حُسم اسمه منذ أيام. حيث تقدم بالفعل -خالد ميري وكيل مجلس نقابة الصحفيين- السبت الماضي بأوراقه، مع فتح باب الترشح لانتخابات الصحفيين على مقعد النقيب و6 من أعضاء المجلس.
وقبيل أيام من فتح باب تلقي طلبات الترشح لانتخابات التجديد النصفي بنقابة الصحفيين ومقعد النقيب، تصاعدت وتيرة التكهنات على عكس المعتاد حول من يخلف ضياء رشوان النقيب الحالي. ومن قبل كانت الأسماء المطروحة للمقعد النقابي تتداول في الأروقة على بعد شهرين تقريبًا من موعد “التجديد”.
اقرأ أيضًا: نقابة الصحفيين.. 8 عقود من معارك الحرية والاستقلال
هذه المرة، وعقب فتح باب الترشيح السبت الماضي، تداولت مجموعات التواصل الاجتماعي الخاصة بالصحفيين على منصة “فيسبوك” عدة أسماء لمرشحين على مقعد النقيب أبرزهم حتى الآن خالد ميري رئيس تحرير جريدة الأخبار، يأتي ذلك بمحاذاة حملة مطالب متصاعدة تنادي بضرورة إعادة النظر في تركة المجلس السابق الذي لم ينجز شيئًا في ملف “الأجور”، والخدمات بصفة عامة.
وقرر مجلس نقابة الصحفيين بعد انعقاده الثلاثاء الماضي، دعوة الجمعية العمومية للانعقاد الجمعة 3 مارس/ آذار المُقبل، بمقر النقابة إعمالًا للقانون، لنظر جدول أعمالها، والتصويت -حال اكتمال نصابها القانوني- على مقعد النقيب، ونصف مقاعد المجلس، وتنعقد مرة أخرى حال عدم اكتمال النصاب الجمعة 17 مارس/ آذار المُقبل، وتُجرى الانتخابات كالمُتبع تحت إشراف قضائي.
ملعب مفتوح للجميع
واعتبر مراقبون أن تأخر إعلان الأسماء المرشحة على مقعد النقيب يرجع إلى انتظار حكم الطعن المقدم ببطلان الانتخابات الماضية، أو إعادة فرز أوراق الاقتراع في حضور المرشحين، أو مندوبيهم.
وجاء رفض الطعن من جانب محكمة القضاء الإداري، نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي، قبيل فتح باب الترشح للانتخابات المقبلة، ليدفع المتنافسين على مقعد النقيب إلى تجهيز أوراقهم، ووضع آليات المعركة الانتخابية، بالتوازي مع طرح أسمائهم من قبل مؤيديهم على مجموعات أعضاء نقابة الصحفيين بمواقع التواصل الاجتماعي.
وأقام الصحفي حسام عبد المنجي جلال، وآخرون دعوى بطلان انتخابات التجديد النصفي لنقابة الصحفيين المنعقدة في الثاني والعشرين من إبريل/ نيسان 2021، وحملت رقم 43955 لسنة 75. وطالبت الدعوى بإعادة دعوة الجمعية العمومية لإجراء انتخابات جديدة.
اقرأ أيضًا: حوار خاص| نقيب الصحفيين الأسبق: هناك اتجاه في السلطة يرى الصحافة “أم المشاكل”
وألقت دعوى البطلان بظلالها على أجواء انتخابات التجديد النصفي، والتي تشمل مقعد النقيب حسبما يقول أبو السعود محمد عضو مجلس النقابة الأسبق، لافتًا إلى أنها سببت تخوفًا لدى البعض من قبول الطعن المقدم، ومن ثم إعطاء الفرصة مرة أخرى لإعادة ترشح النقيب المنتهية فترته ضياء رشوان.
ويضيف لـ”مصر360″ أن الحكم بعدم قبول الطعن دفع الأطراف المعنيين بالترشح لمنصب “النقيب” إلى إعادة ترتيب الأوراق لدخول المنافسة، في حين أن هناك داخل الجمعية العمومية من يترقب مرشح “الدولة”، وآخرون يرمون إلى مرشح توافقي لا ينتمي لتيار بعينه.
وتنص المادة 37 من قانون رقم 76 لسنة 1970 بإنشاء نقابة الصحفيين، على أن مجلس النقابة يشكل من النقيب، واثنى عشر عضوًا ممن لهم حق حضور الجمعية العمومية، نصفهم على الأقل ممن لم تتجاوز مدة قيدهم فى جدول المشتغلين خمسة عشر عامًا.
يأتي ذلك بالتوازي مع عدم إعلان جبهة المستقلين عن مرشحها حتى الآن. رغم طرح البعض اسم النقيب الأسبق يحيى قلاش وأسماء أخرى. ويفسر “أبو السعود” عدم الإعلان عن المرشح المنافس برغبة البعض في تبني تصورات قائمة على عنصر “المفاجأة”، مقللًا من إيجابية ذلك في انتخابات نقابة الصحفيين، باعتبار أن كل الأشياء باتت معروفة حاليًا.
ويشترط في المرشح لمنصب النقيب أن يكون قد مضى على قيده بجدول المشتغلين عشر سنوات على الأقل. ولم تصدر ضده أحكام تأديبية. بينما المرشح لعضوية المجلس يكون قد مر على قيده ثلاث سنوات على الأقل، ولم تصدر ضده أحكام تأديبية خلال تلك الفترة.
تخوفات من السياسات نفسها
وتدور بمحاذاة معركة “النقيب” سجالات أخرى بين أعضاء الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين، بشأن جدوى استمرار سياسة المجلس المنتهية فترته، إزاء الإبقاء عليهم في مواقعهم، أو فوز أحدهم بالمقعد النقابي الأبرز.
وحول هذا، يرى صحفيون معنيون بالشأن الانتخابي أن المجلس الذي يعتزم أعضاؤه خوض انتخابات التجديد النصفي شاب آداءه الكثير من القصور في الناحية الخدمية. حيث تكررت الشكاوى من سوء آداء “الكافيتريا” الخاصة بالطابق الثامن، إلى جانب خلو طوابق النقابة في معظمها من المقاعد بزعم التجديدات، وغض الطرف عن اتخاذ مواقف إزاء الفصل التعسفي لعدد من الزملاء، و”تكفين” مبنى النقابة تحت دعوى صيانة المبنى لما يقارب ٥ سنوات كاملة، وغيرها من الأمور محل النقاش اليومي على مجموعات “الصحفيين”.
ويقول مساعد الليثي المرشح السابق لعضوية مجلس النقابة: “إن ثمة تخوفات من استمرار الوضع على ما هو عليه”. مشيرًا إلى أن النقابة في الفترة المقبلة تحتاج إلى من يجيد التفاوض لتحقيق مصالح الأعضاء، ويتخذ موقفًا جادًا تجاه معاناة “الصحفيين” من تدني الأجور، ونقص الخدمات التي تمس الحياة اليومية، والامتيازات الممنوعة على أعضاء الجمعية العمومية، والتي كانت في حيزهم من قبل.
اقرأ أيضًا: انتخابات “الصحفيين”.. نحو خريطة جديدة لمستقبل مختلف
وقدم خالد ميري، وكيل النقابة السابق أوراق ترشحه لمنصب النقيب، صباح السبت الماضي. وتجرى انتخابات التجديد النصفي على مقعد النقيب، و6 مقاعد أخرى لعضوية المجلس، منها 3 مقاعد فوق السن، وثلاثة تحت السن.
ويضيف الليثي، لـ”مصر360″، أن الأفضل للجماعة الصحفية في الفترة الحالية الالتفاف حول مرشح توافقي، على أن تخلع التيارات السياسية عباءة الاختيار على أرضية الانتماء، وتعلي من شأن الاختيار على أساس مصالح الصحفيين.
وأردف قائلًا: “نتمنى أيًا كان القادم لمنصب النقيب، حتى ولو كان خالد ميري، أن يتغير الوضع، ويتجه مع مجلسه لإعادة النظر في الملفات المعطلة منذ عامين”.
وفور ترشحه لفت خالد ميري الذي يشغل حاليًا رئيس تحرير جريدة الأخبار، والمرشح على منصب النقيب إلى أن برنامجه -الذي لم يعلن بعد- سيتضمن الملفات التي تشغل الجماعة الصحفية في مقدمتها “الأجور الحقوق والحريات المعاشات”، مشيرًا إلى إلمامه بها نظير كونه عضوًا بمجلس النقابة لمدة 12 عامًا.
رسائل “يحيى قلاش”.. لمن؟
في سياق متصل، وجه يحيى قلاش نقيب الصحفيين الأسبق -الذي شغل منصب نقيب الصحفيين في الفترة من مارس/ آذار 2015 حتى مارس/ آذار 2017، متفوقًا على النقيب الحالي ضياء رشوان منافسه في الانتخابات آنذاك، رسالة للجمعية العمومية تتضمن الإشارة إلى ما وصل إليه حال الصحافة مهنيًا ونقابيًا، معربًا عن أمله في أن يستوعب الصحفيون المشاركة بإيجابية: “أتمنى أن نكون قد أدركنا أن تغيير الحال ليس من المحال”، على حد قوله.
ويرى “قلاش” -الذي رفض خوض انتخابات التجديد النصفي المقبلة على مقعد النقيب- أن الوقت الحالي يتطلب جيلًا صاحب مصلحة في المستقبل للأخذ بزمام الأمور بيده، يفرض إرادته، ويختار ممثليه من بين أبنائه، ويستدرك قائلًا: “أمامكم الآن وحدكم اتخاذ قرار، إما استمرار تغييب النقابة، أو عودتها إليكم”.
ويضيف في رسالته التي نشرت كاملة على مجموعة “أخبار نقابة الصحفيين المصريين” بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك أن الاختيار سيحدد إما استمرار، وبقاء الذين انحرفوا بمسار النقابة، أو من على استعداد للحفاظ على هذا الكيان ليعود إلى دوره الطبيعي الذي قام من أجله، دفاعًا عن الحقوق، ودفاعًا عن المهنة.
وحسبما جاء في رسالة النقيب الأسبق، فإن أجيالًا كافحت على مدة 50 عامًا حتى يخرج الكيان النقابي رسميًا بمرسوم ملكي بعد موافقة البرلمان على قانون إنشاء نقابة الصحفيين. وقد ظل مشروع القانون الذي صاغه الدكتور محمود عزمي متداولًا منذ 1938، وحتي صدوره والموافقة عليه في 31 مارس/ آذار 1941. منذ هذا التاريخ، وجيل بعد الآخر استطاعوا جميعًا في أعقد الظروف، وأصعبها التصدي، والدفاع، والمقاومة، والبناء دفاعا عن المهنة، وعن حقوق الصحفيين.
ورقة “بدل التدريب والتكنولوجيا”
ويرى أبو السعود، عضو المجلس الأسبق، أن ما استقر في يقين الجمعية العمومية إبان انتخابات التجديد النصفي يتبلور في قدرة المرشح المدعوم من الدولة على زيادة “بدل التدريب والتكنولوجيا”، وبدونه لا مجال لقبول هذا المرشح أيًا كان.
ومؤخرًا، أرجأ خالد ميري، المرشح على مقعد النقيب، الإجابة عن تساؤل بشأن زيادة بدل التدريب، والتكنولوجيا، وعقب قائلًا: “ربنا يسهل إن شاء الله، وكل شئ سيعلن في موعده”.
وحسب تصوره، فإن هذه المرحلة تتطلب زيادة تتماشى مع أوضاع الصحفيين الحالية، لافتًا إلى أن ملف الأجور يجب طرحه بشكل متكامل، وليس في ضوء زيادة “بدل التدريب والتكنولوجيا” فقط، وأردف قائلًا:”إذا كانت الصحف قادرة على رفع أجور الصحفيين فلا بديل عن ذلك، وإذا لم يكن في استطاعتها فلابد من تقييد استقدام صحفيين جدد في الفترة الحالية”.
ويشير عضو المجلس الأسبق إلى احتمالية عدم زيادة “بدل التدريب” قبيل الانتخابات المقبلة، لكن ذلك لا يعفي من ضرورة مناقشة زيادة الأجور، في ضوء تقديم خدمات ملموسة تخفف أعباء الزملاء، ولن يتأتى ذلك إلا من خلال رؤية خدمية متكاملة.
وفي يوليو/ تموز الماضي أعلن ضياء رشوان نقيب الصحفيين زيادة بدل التدريب والتكنولوجيا للصحفيين بنسبة 19.5 على القيمة الشهرية الحالية للبدل لكل أعضاء نقابة الصحفيين في جدولي المشتغلين، وتحت التمرين وبدون استثناء، أو تمييز بين أنواع ملكية الصحف والمؤسسات التي يعملون بها ومعهم العاملين بالمؤسسات الصحفية القومية، بعد موافقة د. مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، ود. محمد معيط وزير المالية
الحريات وتدهور الأجور والمهنة
أما الحريات، وهي القضية الأبرز التي عرج عليها “النقيب الأسبق” في رسالته، وتعد قاسمًا مشتركًا في نقاشات “الجمعية العمومية”، فإنها وفق “أبو السعود” لا بد أن تكون على رأس الأولويات نظير كونها تدعم المناخ الصحفي الجيد، وتفتح فرصًا مختلفة للعمل، ومساحات أكبر أمام “الصحفيين”.
ويقول محمد فتحي عبد العال، مؤسس مجموعة “أعضاء الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين“، على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”: “إن ثمة تغير ملحوظ في تعامل أعضاء الجمعية العمومية مع الانتخابات المقبلة، ويرجع ذلك إلى تسريبات بعدم زيادة بدل التدريب والتكنولوجيا. وهو ما يعني بحث الأعضاء عن مرشح قادر على إعادة الدور الخدمي الحقيقي للنقابة بعد فاصل لم يحقق ما ينشده الصحفيون”.
سخونة متوقعة
ويضيف لـ”مصر360″ أنه في حال غياب ميزة” الزيادة” التي يحصل عليها مرشح الدولة، فإن التيار المستقل سيدفع بمرشح، وإن كانت حتى الآن الصورة لم تتضح. لكنه على الأرجح سيكون خالد البلشي.
وسبق أن شغل خالد البلشي منصب وكيل النقابة الأسبق إبان فترة النقيب يحيى قلاش (مارس 2015-مارس 2017)، ويرأس حاليًا تحرير موقع “درب”.
وستزداد المعركة الانتخابية سخونة في حال إعلان “البلشي” الترشح على مقعد “النقيب” في مواجهة خالد ميري، على حد قول عبد العال، انطلاقًا من قدرة المرشحين على حشد كتلتين تصويتيتين، على أرضية غياب “زيادة بدل التدريب” التي كانت ورقة رابحة في يد مرشح “الدولة”.
لكن مساعد الليثي، المرشح السابق لعضوية المجلس، يرى أن الجمعية العمومية في أغلب أحوالها ستفضل اختيار مرشح ليس في وضعية الصدام مع الدولة. لافتًا إلى أن خالد ميري لا يخسر الناس على المستوى الإنساني، ولديه قاعدة عريضة من المؤيدين، على حد تعبيره.
ويتوقع أبو السعود محمد عضو المجلس الأسبق، ترشح رفعت رشاد عضو مجلس إدارة مؤسسة الأخبار السابق على منصب النقيب.
وسبق أن خاض رفعت رشاد الانتخابات السابقة على مقعد “النقيب” في مواجهة النقيب الحالي ضياء رشوان. وقال في تصريحات متلفزة -قبل عامين: “إن أوضاع الصحفيين تدهورت في ظل تولي ضياء رشوان منصب النقيب”، متسائلًا عن عدم إنشاء مستشفى الصحفيين، والتلكؤ في إقرار زيادة لأصحاب المعاشات.
وأقام رفعت رشاد، عضو مجلس إدارة مؤسسة “أخبار اليوم” السابق، وأبرز منافسي ضياء رشوان في انتخابات مارس/ آذار 2019، إبريل/ نيسان 2021، دعوى قضائية يُطالب فيها ببطلان انتخاب النقيب ضياء رشوان، ودعوة الجمعية العمومية للصحفيين، للاجتماع خلال 15 يومًا من تاريخ الحكم بإعادة إجراء الانتخابات.