في أعقاب اتفاق بين مصر والمملكة العربية السعودية، بشأن شراكة تستهدف إنشاء جزء من مشروع مدينة “نيوم السعودية”، التي يطلق عليها “المدينة الخضراء” -صديقة البيئة، طُرحت تساؤلات بشأن جدوى العائد على “القاهرة” من الشراكة. ذلك في ظل تخوفات من مستقبل اتمامها، باعتبارها خطة سعودية تكتمل بنهاية عام 2030. وقبل التخوفات عن المستقبل، برزت نساؤلات بشأن واقع التحضيرات لإتمام المشروع وما شابها من انتهاكات حقوقية تتعلق بأهالي المناطق التي يستهدفها المشروع.
أعلن ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، في أكتوبر/ تشرين الأول 2017، عن خطة إنشاء منطقة “نيوم”، التي تمتد بين ثلاث دول عربية، هي: “السعودية، مصر، والأردن”، باستثمارات تبلغ 500 مليار دولار.
خريطة مشروع نيوم (وكالات)
انتهاكات حقوقية
ورغم أن التضاريس بين ساحل البحر الأحمر والحدود الجبلية الأردنية تبدو وكأنها لوحة فارغة ومثالية لبناء دولة صغيرة. غير أنها بقعة مأهولة بسكان من “بدو الحويطات” التقليديين.
وبمحاذاة خلق المشروع لفرص عمل وإنتاج، وتغيير واقع البداوة إلى “تمدن” وتحضر تكنولوجي، تقرر تعويض السكان وتقديم عروض “ترحيل”. لكن ذلك يعد أحد عوائق إقامة “نيوم”، بالتوازي مع تصريحات سكان مقيمين بشأن عدم ظهور أية عوائد آنية.
يواجه المشروع بانتقدات حقوقية، بسبب الانتهاكات التي تخللت فترة الإعلان عنه والإعداد له فحسب منظمة “القسط” الحقوقية السعودية، اعتُقل العشرات من أبناء قبيلة الحويطات واحتُجزوا، وصدرت أحكام ضدهم بالسجن لفترات طويلة؛ على خلفية مقاومتهم السلمية للإجلاء من منازلهم.
ويواجه 3 أشخاص من قبيلة الحويطات حكم الإعدام. ذلك بعد أن أيدت محكمة الاستئناف في 23 يناير/ كانون الثاني 2023، الأحكام الصادرة بحقهم. وجاءت بسبب رفضهم عمليات إخلاء قسري من مناطقهم لصالح المشروع.
وذكرت منظمة “القسط”، أن المحتجزين تعرضوا للتعذيب وسوء المعاملة في السجون منذ 2020. هذا إلى جانب اعتقال عشرات آخرين. وذلك على خلفية تهم غامضة يتضمنها نظام مكافحة جرائم الإرهاب السعودي.
وسبق وأن وجهت “القسط” دعوة للشركات المشاركة في المشروع للنظر في مسئولياتها المؤسسية، وتوظيف ما لديها من نفوذ مع السلطات السعودية. ذلك لإنهاء تلك التجاوزات، وأن تعيد الشركات النظر بجدية مشاركتها الحالية أو المستقبلية في المشروع.
ودعا أفراد القبيلة، في أكتوبر/ تشرين الأول 2020، الأمم المتحدة “للتحقيق في محنتهم، قائلين إن ما تفعله السعودية يرقى إلى إبادة شعب أصلي”
فرس الرهان
اعتبر كتاب سعوديون مدينة “نيوم” فرس الرهان في خطة ولي العهد السعودي لتغيير وجه المملكة ضمن رؤية “2030”. حيث يقدم نفسه كحاكم شاب منفتح على العالم، يؤمن بالشراكة وقبول الآخر والتحديث، قائدًا لمشروعات مبهرة وضخمة، من حيث المساحة والامتداد الجغرافي، كما “نيوم”.
ويرى الخبير الاقتصادي، وائل النحاس، أن المخططات “الماكيتات” التي يصدرها المسئولون عن مدينة “نيوم” تتسق مع “مدن الخيال”. إذ لا يستطيع أحد التكهن بمستقبلها قبل تنفيذها. لافتًا إلى أن تصدير المستقبل لشباب السعودية، بهذه الصورة التي تشبه الخيال العلمي، ربما يندرج تحت دعاية الاستهلاك المحلي.
لكن النحاس في الوقت ذاته يقلل من كون الإخلاء يمثل عقبة أمام تنفيذ المشروع. ويعتبر الأمر “ترحيلًا” لأماكن إقامة أخرى، مع دفع تعويضات، وبعضهم يريد أن يواكب التطور الذي تشهده السعودية في المرحلة الحالية.
وفي تصريحات صحفية نقلت عنها، نفت الناشطة الحقوقية السعودية علياء الحويطي، معارضة “البدو” للمشروع في حد ذاته، باعتبارهم مؤيدين للتحديث والتحضر ولديهم آمال واقعية في الارتباط بمشروع “نيوم”. لكن إشكاليتهم في الترحيل من أماكن إقامتهم.
وحتى الآن -وفق صحفيين سعوديين- ما يزال العمل يقتصر على قريتي “الخريبة، وشرمة” الواقعتين على الساحل المقابل لشواطئ جنوب سيناء. وحسب صحيفة “وول ستريت جورنال”، فإن ما يقرب من عشرين ألف سعودي موزعين في الصحراء الشمالية الغربية سيتعين “ترحيلهم” على المدى الطويل، نظير حجم مدينة “نيوم” الضخم.
تساؤلات مشروعة
اعتبر خبراء أن التكهن بمكاسب مصر من شراكتها في مشروع المملكة يرتبط بتساؤلات حول إقامة الجسر المعروف بـ”جسر الملك سلمان” المعلن عنه سابقًا، ومدى جدية شراكة البلدين في تنظيم بطولة كأس العالم، ضمن قائمة التحضيرات التي ستجري في تنفيذ مدينة “نيوم”.
تقع مدينة “نيوم” شمالي غرب المملكة العربية السعودية، على مساحة 26.5 ألف كيلو متر مربع. وتطل من الشمال والغرب على البحر الأحمر وخليج العقبة، بطول 468 كيلو مترًا. ويحيط بها من الشرق جبال بارتفاع 2500 متر. ويركز المشروع على 9 قطاعات استثمارية متخصصة، وتنتهي المرحلة الأولى للمدينة بحلول عام 2025.
اقرأ أيضًا: استثمارات وسياحة وغاز.. البحر الأحمر كبوابة للتطبيع السعودي الإسرائيلي
وحسب وكالة “رويترز“، فإن الأراضي الواقعة بمحاذاة البحر الأحمر ستكون جزءًا من صندوق مشترك بين “القاهرة”، و”الرياض” بقيمة 10 مليارات دولار.
ويرى الخبير الاقتصادي د.فخري الفقي، مستشار صندوق النقد الأسبق، أن مشاركة مصر في مشروع مدينة “نيوم” يعزز التبادل التجاري بين البلدين، ويسهم بشكل أكبر في تحسين مؤشرات الاقتصاد المصري.
ووقعت المملكة اتفاقية مع مصر لتطوير أكثر من ألف كيلومتر مربع من أراضي جنوب سيناء، لتكون ضمن المدينة الجديدة. على أن تكون حصة القاهرة من خلال الأراضي المؤجرة على المدى الطويل.
ويضيف د.خالد سنجر أستاذ السياسة والاقتصاد، في تصريحات صحفية سابقة، أن توقيع الاتفاقية المشتركة ذي أثر إيجابي بالغ على العلاقات السياسية بين البلدين، وليس على الصعيد الاقتصادي فقط، مرجحًا خلق مزيد من فرص العمل، والاستقرار التنموي بالمنطقة، وزيادة معدل السياحة في مصر لما تملكه من إمكانات سياحية فريدة بمنطقة البحر الأحمر.
وحسب مسئول سعودي، فإن المملكة ستنشئ 7 نقاط جذب بحرية سياحية ما بين مدن ومشروعات سياحية بمدينة “نيوم”. ذلك إلى جانب 50 منتجعًا و4 مدن صغيرة في مشروع سياحي منفصل بالبحر الأحمر. في حين أن مصر ستركز على تطوير منتجعي شرم الشيخ والغردقة.
مكاسب القاهرة
وبعيدًا عن أطروحات ورؤى مغايرة حول التكهن بمستقبل مدينة “نيوم”، وأثر المشروع على تحولات اقتصادية بالمملكة في ظل أزمة اقتصادية عالمية، فإن ثمة توافق على تحقيق القاهرة عدة “مكاسب” واضحة من الشراكة المصرية-السعودية في هذا الشأن.
يقول الخبير الاقتصادي، مدحت نافع، إن المشروعات العربية تعتبر قاطرة لتعاون عربي مشترك. وهو يلفت إلى أن مصر من خلال موقعها قادرة على الاستفادة من مدينة “نيوم” السعودية.
وحول أوجه الاستفادة المتوقعة، يضيف “نافع” لـ”مصر360″، أن ثمة أوجه متعددة على صعيدي “السياحة، والاقتصاد”. ويشير إلى أن ثمار المشروع السعودي من وجهة نظره تمتد إلى إضافة فرص للعمالة المصرية. ذلك إلى جانب إقامة العمالة الأجنبية بمصر. وهذا من شأنه تحقيق إيرادات إضافية، تقلل من أثر الأزمة الاقتصادية الراهنة.
ويلفت إلى أن معارضة مشروع “نيوم” مسألة خلافية بشأن عوائده مقارنة بتكلفته الكبيرة. غير أن الأمر ينقسم إلى شقين؛ اجتماعي وسياسي، وكلاهما مكملان في سياق الشراكة المصرية-السعودية.
في المقابل، يرفض الخبير الاقتصادي وائل النحاس التكهن بمستقبل مشروع مدينة “نيوم” السعودية وأثره على مصر. مشيرًا إلى أن ثمة اتفاق مصري-سعودي على إقامة أحد روافده السياحية على ضفتي البحر الأحمر. غير أنه لا يعرف حتى الآن تفاصيل تنفيذه.
وفي تصريحات سابقة لصحيفة عربية، قال مسئول حكومي مصري، إن “مشاركة مصر في مشروع نيوم ستعمل على تعزيز منطقة البحر الأحمر، والتي تضع مصر عليها آمالًا كبيرة في زيادة الدخل القومي من خلال المشروعات السياحية، وتطوير تلك المنطقة الهامة، والتي يأتي لها السياح من بقاع الأرض كافة”.
تفاؤل مصري
يعتبر الخبير الاقتصادي، د.عبد المطلب عبد الحميد، التعاون المصري-السعودي في مشروع “نيوم”، فرصة جيدة للاقتصاد المصري عبر بوابة التنمية السياحية.
ويرى أن مصر عليها الآن أن تخطط جيدًا لتحقيق أعلى استفادة ممكنة من المشروع. مقللًا من ادعاءات التفريط في الأرض المصاحبة للتعاون العربي. بل ويعتبرها “فلسفة تهدف إلى دعم الاستثمار الأجنبي”. ويستطرد: “هذه لغة لا تصح إطلاقًا في التعاون مع الدول العربية الشقيقة”.
وحول المكاسب المصرية المتاحة من التعاون في مشروع مدينة “نيوم”، يشير “عبد الحميد” إلى زيادة عوائد النقد الأجنبي، وفرص العمل، والتشغيل، مؤكدًا حاجة “القاهرة” إلى مزيد من المشروعات لتخفيف حدة أزمة الدولار. “هذا سيحسن من قيمة العملة، ويضاعف فرص التعافي للاقتصاد المصري”، كما يقول.
قلق من مستقبل المشروع
ومع ذلك، فإن ما سبق يأتي وسط قلق أثاره متخصصون في المناخ، من ناحية اعتماد تأسيس المدينة الخضراء على تقنيات غير مثبتة. بما يعني إعاقة اتخاذ إجراءات مهمة ضد آثار تغير المناخ، واصفين المدينة السعودية بأنها “تفاؤل تكنولوجي” ليس إلا.
يتفق مع هذا الطرح الخبير الاقتصادي د.وائل النحاس، والذي يطرح تساؤلات مستقبلية بشأن مدينة “نيوم”، تبلورت في “مدى قدرة المملكة على مواكبة التطور التكنولوجي سنويًا. وهو يستدرك: “من يملك هاتفًا محمولًا يحتاج إلى تحديثه سنويًا. فهل المملكة قادرة على ذلك، ونحن نتحدث حتى الآن عن عالم افتراضي؟”.
احتمالات الاستنزاف المالي
لكن الخبراء المعنيين بشأن مدينة “نيوم” داخل المملكة، يقللون من شأن الانتقادات الموجهة للمشروع، رغم ما ذكرته سابقًا صحيفة “لوموند” بشأن ضرورة خفض الإنفاق العام في ظل انخفاض أسعار النفط والركود العالمي الذي يلوح في الأفق، نظير عدم وجود ضمانات جادة لنجاح “مدينة نيوم”.
ويدلل على ذلك الخبير الاقتصادي وائل النحاس، بقوله: “إن المملكة لا تقع خارج زمام الأزمة الاقتصادية العالمية. بما يعني ضرورة التعامل مع احتمالية أن يقود المشروع نحو الخسائر، باعتباره “بالوعة نقود”، بالتزامن مع ضعف الموارد.
وفي تصريحات للأمير محمد بن سلمان رئيس الوزراء وولي العهد السعودي، ذكر أن دعم مدينة “نيوم” سيتجاوز 500 مليار دولار خلال الأعوام القادمة من قبل المملكة، وصندوق الاستثمارات العامة، بالإضافة إلى المستثمرين المحليين والعالميين.
واجهة بن سلمان
من زاوية أخرى، ينظر إلى “نيوم” باعتبارها واجهة ولي العهد السعودي، يستطيع من خلالها تسويق نفسه على أنه “مالك الطموح”، ومشكلًا لأحلام وطموحات الأجيال الجديدة. ويُمكّنه من ذلك كونه “شابًا”، يحمل رسالة لأجيال المملكة، تقول: “تعالوا احلموا، وحققوا أحلامكم”.
يضيف “النحاس”، لـ”مصر360″، أن المشروع السعودي يسوق الآن للمستثمرين الجدد الذين يغزون المنطقة بالكامل. ومن الممكن أن تنجح في ظل تغير النظام العالمي، وتعلن عن نفسها بمدينة جديدة “استثمارية، سكنية، سياحية”، وترفع شعارها للعالم: “تعالوا للإقامة هنا”.
وتتضمن مدينة “نيوم” مجمعًا سكنيًا يسمى “الخط”، ويمتد على مسافة 170 كيلومترًا، ويتكون من ناطحات سحاب شاهقة يصل ارتفاع الواحدة منها إلى 500 متر، وتخطط المدينة لجذب تسعة ملايين نسمة بحلول عام 2045.
ويرى خبراء أن تشييد مدينة “نيوم” على هذا النحو سيخلق كمًا هائلًا من النشاط، وسيعطي إحساسًا بالطفرة. لكن ذلك يتطلب تحفيز النمو المستدام.
ويقول أندرو ليبير، الباحث السابق في كلية الحكومة في جامعة هارفارد، والمهتم بدراسة السياسة السعودية: إن جوانب معينة من نيوم، مثل تحسين قدرات المملكة العربية السعودية الصناعية، هي “أكثر قابلية للاستمرار من غيرها”.