قدم معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى ما يشبه الروشتة والنصائح للإدارة الأمريكية بشأن التعامل مع تداعيات زلزال سوريا وتركيا، على سوريا تحديدا، وبالأخص فيما يتعلق بالنظام والمساعدات الإنسانية في مناطقه، كما استعرض تداعيات الزلزال على الداخل التركي، متوقعا نزوع الرئيس التركي نحو المزيد من الاستبدادية في ممارسة سلطاته
فقد أقام منتدى السياسة بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، حلقة نقاشية لعدد من الخبراء، والذين قدموا رؤى على الأرض من منطقة الكارثة، وناقشوا العواقب السياسية للأزمة الإنسانية التي لا تزال تتكشف.
شارك في المنتدى الافتراضي: كان سلجوقي، خبير اقتصادي ومحلل بيانات ومدير شركة Turkiye Raporu. وأماني قدور، المدير التنفيذي لمنظمة سوريا للإغاثة والتنمية. وسونر كاجابتاي، زميل باير فاميلي في المعهد ومدير برنامج الأبحاث التركي. وأندرو تابلر، زميل مارتن جروس في المعهد والمستشار السابق للمبعوث الأمريكي الخاص في سوريا.
اقرأ أيضا: زلزال تركيا.. تواري العوامل الجيو-استراتيجية مؤقتا وبروز حسابات اللحظة الانتخابية
تركيا.. فشل الاستجابة الأولى
يشير كان سلجوقي إلى أنه “حتى يرى المرء هاتاي، المقاطعة الواقعة في أقصى جنوب تركيا، وقد تعرضت لضربات شديدة جراء الزلازل في 6 فبراير/ شباط، فمن المستحيل إدراك مدى الدمار المحلي والأزمة الإنسانية”. مؤكدا أن الضرر أكبر بكثير مما يظهر في وسائل الإعلام.
يقول: بدأت الآلات مؤخرًا في إزالة الأنقاض، مما يعني أن الأمل تقريبًا في العثور على ناجين قد انتهى. تشير أحدث الإعلانات إلى أن عدد القتلى يبلغ حوالي 33000 “الآن تزايدت الأعداد المعلن عنها وتجاوزت هذا الرقم”، ولكن بالنظر إلى عدد المباني المدمرة، فإن الرقم النهائي سيكون أعلى من ذلك بكثير. ويوضح أنه على الرغم من أن نطاق وحجم هذه الكارثة كان من الممكن أن يكون أكبر من أن تتعامل معه أي حكومة بسهولة، إلا أن السلطات التركية فشلت في الاستجابة بقوة كافية في الثماني والأربعين ساعة الأولى.
يضيف: كان ينبغي نشر الجيش منذ البداية، لأنه يمتلك الموارد والخبرة وتسلسل القيادة المناسبين لتقديم الإغاثة بعد وقوع كارثة كبرى. في المقابل، أظهرت وكالات الطوارئ الحكومية ضعف التنسيق في جميع أنحاء البلاد، ولم تتلق بعض المناطق بعد مساعدة كبيرة من أنقرة.
وأكد أن” عمليات تدقيق ما قبل الزلزال لرئاسة إدارة الكوارث والطوارئ بوزارة الداخلية (AFAD) أشارت إلى أن الوكالة لم تكن مستعدة للاستجابة لمثل هذه الكارثة”.
وتابع أن أي تقييم للسياسة التركية تم إجراؤه قبل هذه الكارثة “أصبح الآن غير ذي صلة”. ولفت إلى أن ” الجماهير تشعر بالغضب الشديد من رد فعل الحكومة. ومع ذلك، فقد ردت السلطات على هذا الازدراء من خلال الادعاء بأنه لا يمكن لأي حكومة أن تتخطى كارثة القرن”.
في الوقت نفسه، تركيا لديها القدرة المالية والمالية لإعادة الإعمار في المدى القريب “ستعتمد كيفية تنفيذ السيناريوهات طويلة المدى على موعد إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة. إذا تم تأجيل الانتخابات بناءً على قرار من المجلس الأعلى للانتخابات -والذي تكهن البعض بأنه قد يصدر في غضون أسبوعين- فإن تركيا ستدخل حقبة من الحكم غير الدستوري.
سوريا.. المنظمات شريان الإغاثة
أكدت أماني قدور أن منظمتها -سوريا للإغاثة والتنمية- لديها موظفين مجهولي المصير في غازي عنتاب وأنطاكيا “لذلك كان هدفنا الأول هو تحقيق الاستقرار في فرقنا. حتى يتمكنوا من التعبئة بسرعة، والبدء في الاستجابة للاحتياجات الإنسانية غير المسبوقة في تركيا وسوريا”.
في غضون ذلك “يشعر العديد من السكان في المناطق المتضررة بالغضب من الوضع، ويشعرون بأن المجتمع الدولي قد تخلى عنهم. كل ساعة ضائعة تعني خسارة المزيد من الأرواح”.
وأشارت إلى أن المنظمات المحلية هي التي تساعد على الأرض منذ البداية في شمال غرب سوريا، في وقت لم تتحقق فيه المساعدة الدولية بعد في هذا المجال. تقول: كانت منظمات مثل “الخوذ البيضاء” تقوم بعمليات البحث والإنقاذ. للمضي قدمًا، تحتاج الحكومات الأجنبية إلى بناء ودعم المستجيبين الأوائل في لحظات الكوارث.
وأوضحت أن “الحكومة الأمريكية تمتلك القدرة على دعم المزيد من المنظمات المحلية، بدلاً من أن تتدفق المساعدات عبر البيروقراطيات الكبيرة”. وأن “حكومة الولايات المتحدة تمتلك موارد أكثر من أي دولة أخرى في العالم، ولديها القدرة على نشر عدد هائل من الأفراد ذوي المهارات اللازمة لإنقاذ الأرواح”.
كما أن “الأمم المتحدة واللجنة الدائمة المشتركة بين الوكالات لم تقم بتوسيع نطاق التنشيط والنشر والتنسيق المطلوب لاستجابة دولية كبيرة بما فيه الكفاية حتى 14 فبراير/ شباط، بعد أكثر من أسبوع على الكارثة”.
علاوة على ذلك، والحديث لا يزال لمديرة منظمة سوريا للإغاثة والتنمية، فإن “الخدمات اللوجستية والتسييس ليسا عذرًا لحجب المساعدات الإنسانية التي تمس الحاجة إليها”. وأنه “يجب تنشيط كل نقطة عبور إلى سوريا، ويجب أن يتضمن قرار مجلس الأمن التالي فتحًا غير محدد لهذه النقاط.
أما بالنسبة للعقوبات الدولية، فلم تتأثر جهود المساعدة الإنسانية بها. حيث تعمل المنظمات غير الحكومية في مناطق الحكومة السورية والأراضي التي تسيطر عليها المعارضة “في الواقع، هم شريان الحياة لجهود الإغاثة في جميع المناطق المتضررة من سوريا”.
اقرأ أيضا: أردوغان والزلزال.. أي تأثيرات على أوضاعه الانتخابية؟
أردوغان نحو المزيد من الاستبدادية
يرى كاجابتاي، مدير برنامج الأبحاث التركي بمعهد واشنطن، أن السياسة التركية “تدخل إلى أرض مجهولة”. وأن زلازل 6 فبراير/ شباط، تشكل أكبر كارثة طبيعية في تاريخ البلاد الحديث. وأنها “ستعيد ضبط معظم ديناميكيتها الاجتماعية والسياسية السابقة”.
يسرد عددا من المشاكل العديدة التي ظهرت مع استجابة الحكومة الأولية “الفشل في نشر الدرك -ذراع السلامة العامة للجيش- في وقت مبكر وبأعداد كبيرة. علاوة على ذلك، دمر أردوغان وكالات الإغاثة التركية على مدى العقد الماضي، واستبدل مديريها التنفيذيين بالموالين له، وجعل المنظمات معطلة. وكما هو متوقع، فشلت هذه الوكالات في تقديم مساعدة كافية ومنسقة بشكل جيد منذ وقوع الكارثة”.
في المقابل، يلفت كاجابتاي إلى أن أداء المجتمع المدني “كان جيدًا، وغالبًا ما تجاوز جهود الإنقاذ التي تقودها الحكومة. حتى نجم موسيقى الروك التركي -هالوك ليفنت، الذي يرأس منظمة Ahbap غير الحكومية، فعل أكثر من بعض الوكالات الحكومية”. مشيرا إلى أن هذا “يُظهر قوة ومرونة الطبقة الوسطى والمجتمع المدني في تركيا. وهي علامة جيدة لمستقبل البلاد.
يلفت إلى نقطة أخرى: في حين أن بعض الصور من منطقة الكارثة تسلط الضوء على قوة الزلزال من خلال التقاط تدمير أحياء بأكملها. تظهر صور أخرى مباني سكنية سليمة تقف بجوار الكتل المتهالكة تمامًا، وهو ما يعد علامة على انتهاكات قانون البناء والفساد. وبالتالي، ستشكل الكارثة تحديًا سياسيًا كبيرًا لأردوغان.
أوضح: لطالما -أي الرئيس التركي- صقل صورة محلية كقائد استبدادي، ولكنه “الأب” الفعال للأمة. وعلامته التجارية هي أنه يعتني بالناس، ولكن يتم الآن اختبار هذه العلامة. في خطابه الأول للجمهور بعد الكارثة المروعة، وبخ أردوغان المواطنين بغضب لانتقادهم استجابة الحكومة، بدلاً من احتضانهم ببساطة.
ولأن أردوغان سيواجه مزيدًا من التدقيق في جهود الإغاثة المتعثرة وانتهاكات البناء الواضحة. رداً على ذلك “من المرجح أن يضاعف من عامل الخوف، محاولاً أن يظهر أقوى وأكثر استبدادية. كما قد يحاول تأجيل الانتخابات المقبلة، لكن ذلك مخالف للدستور الذي لا يسمح بمثل هذا التأجيل إلا في حالة الحرب”.
سوريا.. المطلوب من أمريكا
يلفت تابلر، المستشار السابق للمبعوث الأمريكي الخاص في سوريا، إلى أنه رغم موافقة نظام الأسد على إعادة فتح معبرين حدوديين إضافيين لمساعدة الأمم المتحدة في شمال غرب سوريا، لكن هذه البادرة فارغة إلى حد كبير.
يوضح: الاتفاق محدد بثلاثة أشهر، وهي فترة غير كافية لمثل هذه الكارثة الكبرى. علاوة على ذلك، يتمتع النظام بسجل حافل في تسليح “أي استخدامها كسلاح في يديه إزاء الخصوم” وتحويل أي مساعدات تمر من خلال يديه، بما في ذلك المساعدة المخصصة للمناطق التي لم تعد تحت سيطرته في البلاد.
ويشير إلى أن الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا والاتحاد الأوروبي، قدمت مجتمعة حوالي 91% من المساعدات المرسلة إلى سوريا كل عام “وبناءً على ذلك، يجب عليهم الضغط من أجل إصدار قرار من مجلس الأمن الدولي، يضمن فتح جميع معابر المساعدات المتاحة إلى سوريا لمدة عام واحد على الأقل. وبالتالي، منع روسيا من استخدام حق النقض (الفيتو) لتعقيد المساعدة الإنسانية خلال تلك الفترة”.
أيضا، يشير إلى أنه “يجب على حكومة الولايات المتحدة تخفيف العقوبات المفروضة على سوريا بشكل مناسب لدعم الإغاثة المشروعة للزلزال، على الرغم من عدم منح النظام عفوًا عن سلوكه أثناء الحرب. في 8 فبراير/ شباط، أصدرت واشنطن الرخصة العامة رقم 23، التي تسمح بالمعاملات المتعلقة بالإغاثة من الكوارث، ولكنها تسمح أيضًا للكيانات بالعمل مع “الحكومة السورية”، مما قد يفتح ثغرات للنظام وحلفائه الأجانب.
وقال: لمعالجة هذه القضايا، يجب على البيت الأبيض أن يطلب تقييمًا استخباراتيًا قائمًا على الصور، لمعرفة ما تضرر على وجه التحديد من الزلزال. سيمكن هذا التقرير الإدارة من مراقبة أموال الإغاثة التي يتم إنفاقها خلال الأشهر القليلة المقبلة.
وتابع: لتحقيق نفس الغاية، يجب على واشنطن النظر في إنشاء “قناة بيضاء” للمساعدات الإنسانية في سوريا. على غرار ما سمحت به إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لإيران في أكتوبر/ تشرين الأول 2020.