خلال أيام، يبدأ سباق انتخابات نقابة الصحفيين، وعلى عكس المعتاد، تمر التحضيرات للانتخابات بجو من الفتور، بالرغم من زيادة عدد المرشحين، سواء لعضوية مجلس النقابة، أو على مقعد النقيب نفسه، المناخ الذي تتم فيه الانتخابات، ينذر بأنها لن تكون بقوة الانتخابات خلال الدورات السابقة.
لم يترشح النقيب الحالي “ضياء رشوان”، لدورة جديدة بحكم نص القانون، وهو ما يعلمه الجميع منذ الدورة الماضية، ومع ذلك يبدو أن جميع الأطراف لم تكن مستعدة لهذا التغيير، فقد قدمت “الصحافة الحكومية” مرشحا لا يقارن بمن مر على النقابة من نقباء، ومع ذلك يبدو أنه الأوفر حظا من باقي المنافسين، نظرا لما حدث من تغيير في الكتل التصويتية بالجمعية العمومية خلال السنوات السابقة، فقد ضخت الصحف المملوكة للدولة عشرات من المقيدين بجداول النقابة، وهو ما جعل كفة مرشح الصحافة الحكومية أكثر ثقلا.
يبدو أن الدولة لديها تصور جديد عن دور النقابة خلال الفترة القادمة، يختلف عن ما تعودنا عليه من أدوار لعبتها النقابة في حماية حرية الصحافة والإعلام، بخلاف الوزن السياسي لنقيب الصحفيين، باعتباره واجهة للجماعة الصحفية، وهو ما يمكن أن ينتهي مع تولي النقيب الجديد، لتتحول النقابة من قلعة الحريات إلى نقابة خدمية فقط.
بالرغم من ضعف مرشح الصحافة الحكومية، إلا أنه قد يكون مفهوما في سياق ما ذكرناه من رغبة الدولة في تحجيم الدور الذي لعبته النقابة لسنوات، للدفاع عن حرية الصحافة ومواجهة قيود النشر. لكن الغريب هو موقف تيار الاستقلال داخل النقابة – إذا جازت تسميته– من عدم جاهزيته للانتخابات، كعادة المعارضة فقد انشغل الجميع ونسوا أمر انتخابات النقابة، مع علمهم بعدم ترشح النقيب الحالي، وهو ما يمنح المنافسين فرصة استثنائية للفوز بالمقعد.
فشلت المعارضة كالعادة في التوافق حول مرشح يؤمن باستقلال النقابة، وقادر على الفوز بالمقعد، انتظر الجميع حتى اللحظات الأخيرة، ثم بدأت الاتصالات والمشاورات التي لم تسفر عن مرشح توافقي، واختارت المعارضة أن تشارك بمبدأ “يكفينا شرف المحاولة”، بدلا من المشاركة من أجل الفوز.
الكل يعلم أن مرشح مستقل غير محسوب على المعارضة أو الحكومة، هو الأقدر على حسم المقعد، وأن فرص مرشح صريح للمعارضة ضعيفة أمام باقي المرشحين.
لا يختلف سلوك المعارضة في انتخابات نقابة الصحفيين، عن تجربة انتخابات الرئاسة في 2018، انتظر التيار المدني حتى اللحظات الأخيرة، بالرغم من أننا نعلم جميعا أن الاعداد لحملة رئاسية يحتاج على الأقل 6 أشهر قبل فتح باب الترشح، ويحتاج إعداد مرشح رئاسي إلى أكثر من ذلك.
رغم اختلاف انتخابات النقابة عن الاستحقاقات الدستورية، فالنقابة كيان مستقل مهني يهتم في المقام الأول بمصالح الجماعة الصحفية، ومن بعدها حالة حرية الصحافة والإعلام عموما، ولكن دور المعارضة في النقابات ليس سرا، بل هو من صميم العمل السياسي، عبر الدفع بمرشحين وتقديم برامج تتماشى مع مطالب المعارضة من النظام، وتزداد الأهمية داخل نقابة الصحفيين، بسبب الاشتباك الواضح بين المناخ السياسي وتحقيق الديمقراطية، وحرية الصحافة باعتبارها ضمانة لحرية الرأي.
حتى هذه اللحظة، يبدو أن المعارضة تنوي تكرار تجربة انتخابات الرئاسة 2018، وانتخابات نقابة الصحفيين 2023، في انتخابات الرئاسة 2024.
لا يزال الحديث عن انتخابات 2024، يقتصر على عدد من أشخاص المعارضة، لا حديث جدي عن تجهيز مرشحين، أو تأسيس حملات رئاسية، أو حتى برنامج توافقي يجيب عن أسئلة المواطنين في الملفات التي ترى المعارضة أن النظام الحالي قد أخفق في إيجاد حلول لها.
من أبرز مطالب المعارضة للسلطة الحالية هو تعديل قوانين الانتخابات البرلمانية، وهو أبرز موضوعات الحوار الوطني المنتظر، وهو ما تلح عليه المعارضة منذ انتخابات برلمان 2020، ولكن هل مشكلة المعارضة في قانون الانتخابات وحده؟، أم أن المعارضة تحتاج بجانب القانون إلى مرشحين تملأ بهم قوائمها، وأن يكون هؤلاء المرشحون لديهم نفس المبادئ والقيم التي تنادي بها الأحزاب المدنية.
تعلمنا من دروس الماضي، أن خوض الانتخابات بهدف صناعة معركة، لا يصنع بدائل، قد ينتج عنه كوادر معارضة أو حراك سياسي عام، ولكنه لا يقدم بديلا واضحا لجمهور الناخبين، وهو ما نحن في أمس الحاجة اليه.
ليس غياب القدرة على التوافق هو آفة المعارضة الوحيدة، ولكن ترفع الأشخاص عن طرح أنفسهم، هو الأزمة الثانية التي تلاحقنا.
الخوف من الفشل لا يصنع ناجحين، والاكتفاء بالانتقادات دون طرح مشروع بديل، وصناعة كوادر تحمل المشروع وتؤمن به، وتأخذ على عاتقها عبء تنفيذه، وتقبل بتحمل مسئولية النجاح والإخفاق، هو ما ينتظره المجتمع.
أتمنى أن تكون انتخابات النقابة درس للجميع، وأن تكون اجتهادات المعارضة في سبيل العمل على تجهيز نفسها لخوض الاستحقاقات، عبر تجارب تحمل الأمل للمواطنين، وتسقط الدعاوى بأن المعارضة لا تملك سوى الكلام والانتقاد.