تدرس الحكومة الروسية في الوقت الحالي، تزويد مصر بالحبوب والإمدادات الغذائية مقابل الدفع بالروبل بدلًا من الدولار، بعدما بدأت موسكو أولى تلك الخطوات مع تركيا الأيام الماضية.
وصرحت نائبة رئيس الوزراء الروسي، فيكتوريا أبرامشينكو، أن بنك روسيا يتفاوض في الوقت الراهن مع بنوك مركزية لعدد من الدول من أجل وضع آليات لمثل هذه التسويات المتبادلة. موضحة أن هذا ينطبق لا على الإمدادات الغذائية فحسب، بل والإمدادات في المجالات الأخرى.
خطوات الجانب الروسي الفعلية على أرض الواقع تأتي في توقيت تبحث فيه الحكومة المصرية عن آليات تسمح لها بتقليص الضغط على مواردها الدولارية. خاصة عقب تراجع سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية.
فكيف ستدخل الآلية الجديدة حيز التنفيذ؟ وهل ستكون السياحة المصرية ضمن صفقة العمل بالروبل الفترة القادمة؟
اقرأ أيضا: صكوك مصر السيادية.. الاستدانة بفوائد قصوى لسداد ديون بفوائد منخفضة
تركيا أولى المستفيدين
باتت تركيا أولى المستفيدين من اتجاه موسكو إلى بيع حصص من الحبوب المملوكة لديها بالروبل. وقالت نائبة رئيس الوزراء الروسي، فيكتوريا أبرامشينكو، إن تركيا دفعت بنجاح لموسكو مقابل تزويدها بالحبوب الروسية بالروبل، وأن موسكو تعمل على أمر مماثل مع مصر، التي تعتبر أحد أكبر مستوردي الحبوب الروسية.
جاءت خطوة تركيا بعد اتفاق الدولتان على الاتجاه نحو التحول إلى العملات الوطنية بشكل تدريجي. ففي المرحلة الأولى للاتفاق يتم دفع جزء من التوريدات بالروبل الروسي. في وقت أكد فيه وزير الزراعة الروسي دميتري باتروشيف، أن وزارته تناقش مع دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إمكانية التحول إلى الدفع بالروبل في صفقات الحبوب، وكذلك آلية التسوية لإبعاد البنوك الأوروبية عنها.
وأعلنت هيئة الإحصاء الروسية “روسستات”، في وقت سابق، أن محصول روسيا من الحبوب في عام 2022 ارتفع بنسبة 26.7%، مقارنة بعام 2021 – إلى 150 مليون طن من جميع الفئات بالوزن الصافي.
روسيا تُعجل بالتسوية مع مصر
مع معاناة مصر من أزمة الدولار الأخيرة التي ضربت السوق المحلية نتيجة عدم توافر الدولار للمستوردين، والذي تسبب في حالة من الارتفاع في أسعار كافة السلع والمنتجات القادمة من الخارج. باتت آلية الدفع بالروبل إحدى السبل التي قد تمنح الحكومة المصرية بادرت أمل للخروج من أزمة سيولة الدولار بالسوق.
تزامن مع ذلك اتجاه موسكو إلى التسوية مع مصر في طريقة الدفع بالروبل بدلًا من الدولار في التعاملات التجارية الخاصة بالحبوب، ما يُجنب السوق مزيدًا من الارتفاعات في حركة الأسعار. وهو ما شددت عليه نائبة رئيس الحكومة الروسية، أن روسيا تعمل على أمر خاص بتوريد الحبوب إلى مصر بالروبل، مثلما هو الوضع حاليًا مع تركيا.
ويزيد من جدوى اتفاق الدفع بالروبل مع روسيا، كون مصر هي ثان أكبر مستورد للقمح الروسي، ففي يناير/ كانون الثاني الماضي، أعلن اتحاد الحبوب الروسي، أن موسكو حافظت على دورها في الفترة من يوليو/ تموز إلى ديسمبر/ كانون الأول 2022 كمورد رئيسي للقمح إلى مصر، حيث صدرت إليها نحو 5.9 ملايين طن للحبوب خلال ذات الفترة.
وفي الفترة من 1 إلى 8 يناير/ كانون الثاني الماضي، شُحن نحو 191.5 ألف طن من الحبوب إلى مصر، مقابل 103 آلاف طن في يناير/ كانون الثاني 2021، مما يشير إلى تطور التعاون الثنائي بين البلدين في هذا المجال، ما جعل مصر تأتي في المرتبة الثانية بين مستوردي القمح الروسي.
فيما بلغ حجم التجارة بين مصر وروسيا 3.8 مليار دولار خلال أول 10 أشهر من 2022. وسجلت قيمة واردات القاهرة من موسكو نحو 3.3 مليار دولار تحتل بها المرتبة السادسة ضمن أكبر 10 دول موردة لمصر، كما وصلت صادرات مصر لروسيا نحو 512 مليون دولار، ويصب الميزان التجاري بين مصر وروسيا في صالح الأخيرة بقيمة 2.7 مليار دولار.
اقرأ أيضا: زلزال تركيا وسوريا.. تأزم اقتصادي طويل الأمد ودمار يتفاقم
السياحة واحتمالية الانضمام للصفقة
وفق مصادر حكومية مصرية، لن تتوقف التسوية بين مصر وروسيا عند واردات الحبوب فقط، فاعتماد المركزي الروسي، الجنيه المصري على قائمة العملات الأجنبية القابلة للتداول ضمن 9 عملات أجنبية، يعد إجراءً ذا أبعاد متعددة اقتصادياً وسياسياً.
ولفتت المصادر إلى أن اعتماد عملات كلا الدولتين سيزيد من حجم التجارة المشتركة بينهما الفترة القادمة بعد الاستغناء عن الدولار. وهو ما تسعى إليه مصر بسبب أزمتها الراهنة في توفيره، وكذلك روسيا، بسبب العقوبات وابتعاد أوروبا.
لذلك، ترجح المصادر أن عمليات التجارة المشتركة ستكون متاحة بين الدولتين بالروبل والجنيه المصري دون الضغط على الدولار. وهناك اتجاه قوي إدراج السياحة المشتركة ضمن صفقة التسوية للتعامل بـ “الجنيه والروبل”، وبالتالي سيكون مردود ذلك أكثر إيجابية على السياحة المصرية، باعتبار أن السائحين الروس ضمن الأكثر ترحالا إلى مصر.
وأشار مصدر حكومي إلى التعاون بالروبل والجنيه سيحفز كثير من السياح الروس على القدوم إلى مصر بذات الأعداد التي كانت قبل حادث الطائرة الشهير عام 2016. ومن ثم سيكون هناك عائد للاقتصاد المصري بالروبل سيكون بالإمكان استخدامه في تعاقدات الحبوب والمنتجات الأخرى التي ستُدرج لاحقًا.
فيما بين مجدي صادق، عضو غرفة شركات السياحة، أن القانون يكفل للشركات أحقية التعامل مع عملائها بالعملات الأجنبية لأنها تتعامل في الأساس مع أجانب.
وأضاف صادق، خلال مداخلة هاتفية لبرنامج “حضرة المواطن”، أن شركات السياحة تعتبر من المصادر الرئيسية للعملة الأجنبية في مصر، كما أن العملة الأجنبية الموجودة تظهر في تحويلات البنك المركزي والوكيل الخارجي للشركات.
وتابع صادق أن ملف السياحة سيطرح على أجندة المباحثات بشأن الاعتماد على الروبل والجنيه في التعاملات بين مصر وروسيا الفترة القادمة، وبالتالي سيكون هناك مزيدًا من الجذب للسائح الروسي للمقاصد المصرية.
تعزيز الجنيه وخفض الضغط على الدولار
لفت صادق أيضا إلى أن كلا الدولتين من مصلحتيهما التوسع في تسوية التعاملات التجارية والسياحية بعملتيهما بدلًا من الدولار، ما يسمح بتعزيز قوة سعر الصرف لديهما مقابل الدولار.
وأشار إلى أن توسيع قائمة العملات التي يحددها ضمن أسعار الصرف الرسمية مقابل الروبل، لتشمل الجنيه وغيرها من العملات سيزيد من حجم التبادل التجاري بين موسكو ودول عدة من بينها مصر، وسيقلل من اعتماد تلك الدول على العملة الدولارية.
من جانبه، أكد الدكتور أسامة السعيد، عميد كلية التجارة جامعة بني سويف سابقاً، أن اعتماد الجنيه المصري كعملة بالبنك المركزي الروسي سيكون له أثر كبير في تعاملات الجنيه العالمية، “القرار إيجابي للجنيه المصري كعملة، وسيبدأ في الظهور على شاشات دول متعددة”.
ولفت، في تصريح خاص، أن اعتماد الجنيه في البنك المركزي سينمي صادرات مصر لروسيا ويخفض تكلفة الواردات من روسيا، ما يُضفي تأثيرًا إيجابيًا على أسعار صادرات مصر التي ستكون أكثر تنافسية.
ضبط الأسعار
أكد السعيد، أيضا، أن ما يحدث هو توجه إيجابي يدعم الاقتصاد ونحتاج إلى تكرار الأمر مع دول أخرى مثلما فعلت روسيا، ما يقلل من الاحتياج العام للدولار وتعزيز قيمة الجنيه المصري الفترة القادمة.
ولفت إلى أن تسوية التعاملات مع روسيا بالروبل والجنيه سيخفف الضغط بالتأكيد على الدولار، في ظل أزمة السيولة الدولارية في مصر، ويعطي مساحة للاقتصاد المصري للتنفس واستعادة مكانته والسيطرة على الأسعار محليًا.
وتابع: القرار سيسمح بتوفير مليارات الدولارات إلى مصر، وسيؤدي بالتبعية أيضًا لانخفاض الأسعار، وخصوصاً مع زيادة التبادل التجاري بين الدولتين والذي يصل إلى ما يقرب من 5 مليارات دولار سنويًا. وأشار إلى أن خطوة التعاون مع روسيا ستُفيد الاقتصاد المصري بكل تأكيد، ولكن يتبقى وضوح آلية التعاون والتطبيق والتي ربما تظهر خلال الأيام المقبلة.