بعد مرور عام على حرب روسيا على أوكرانيا، هزت سلسلة من الأحداث أسس نظام التحالفات في الشرق الأوسط. حيث تم اعتبار عدد من دول الجنوب العالمي -العديد منها عربية- على أنها موالية لروسيا، لأنها رفضت -حتى الآن- إدانة الغزو الروسي في الأمم المتحدة. وعندما طلبت الولايات المتحدة زيادة إنتاج النفط لإضعاف روسيا، التي قاطعت أوروبا الغربية صادراتها من الهيدروكربونات، رفضت السعودية المضي قدمًا وحافظت على ارتفاع الأسعار.
أما إسرائيل، فقد رفضت الدولة العبرية تزويد أوكرانيا ببطاريات القبة الحديدية ضد الصواريخ الإيرانية التي يستخدمها الجيش الروسي.
في مقاله المنشور في المونيتور/ Al Monitor، يشير المحلل جيل كيبيل، المتخصص في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والإسلام في فرنسا وأوروبا، أنه -على أقل تقدير- لا تبدو اتفاقيات أبراهام الأخيرة جيدة كما كانت. واتفاقية “النفط مقابل الحماية” الأمريكية- السعودية، الموقعة في فبراير/ شباط 1945 بين الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت والملك السعودي عبد العزيز بن سعود على متن السفينة USS Quincy -والتي شكلت العلاقات الأمريكية مع الشرق الأوسط على مدى 75 عاما الماضية- عفا عليها الزمن.
يقول: التغيير يحدث على جانبي البحر، شمال وجنوب المتوسط. تشير الاتفاقات الموقعة في عام 2020 بين إسرائيل من جهة والإمارات والبحرين والمغرب والسودان من جهة أخرى. إلى أن هناك ديناميكية إقليمية جديدة جارية. بالمقارنة مع محاولات إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش، بدت سياسة إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب وكأنها خطوة مهمة إلى الأمام – أو كان هذا هو التصور في ذلك الوقت.
وبالمثل، تم رفع الحصار المفروض على قطر من قبل جيرانها المناهضين للإخوان المسلمين في أوائل يناير/ كانون الثاني 2021، وعقدت الدوحة سلامها مع الرياض.
اقرأ أيضا: استراتيجية اليمين الإيطالي في إفريقيا.. تأمين الطاقة وكبح الهجرة غير الشرعية
علاقات خاصة
يشير كيبيل إلى أنه “على الرغم من أن المملكة العربية السعودية لم تكن جزءًا من اتفاقيات إبراهيم، إلا أن البحرين لم تكن لتوقع بدون الضوء الأخضر”. لافتا إلى أن مشروع “نيوم” العملاق في المملكة -ولو فقط بسبب موقعه بالقرب من الحدود الإسرائيلية- كان بحد ذاته تقاربًا فعليًا.
أما بالنسبة لقطر “فقد كان لها علاقة خاصة بها مع إسرائيل، وذلك فقط لأن تمويلها لإدارة حماس في غزة ساعد في التخفيف من اعتماد حماس على إيران وأبقى إطلاق صواريخها تحت السيطرة بشكل أو بآخر”.
يقول: بدت اتفاقيات أبراهام الموالية للغرب متماسكة إلى حد ما، وأوجدت توازنًا ضد “محور الشر” السابق، حيث كانت طهران الشرير الرئيسي، وموسكو هي الأب الروحي، وسوريا هي الملعب.
ومع ذلك، لا تزال سوريا ممزقة، حتى يومنا هذا، بين أراضي الأسد تحت النفوذ الروسي والإيراني، ومنطقة إدلب “الجهادية” الشمالية الغربية الواقعة تحت النفوذ التركي، والأراضي التي يسيطر عليها الأكراد في شمال شرق البلاد، والمعابر الحدودية، ومعسكرات الاعتقال التي تحوي أسرى داعش، والقواعد العسكرية الأمريكية التي تحميها من الجيش التركي.
يضيف: رغم هذا، في سوريا بالذات، كان هناك ركيزتان من أركان التحالف الغربي – إسرائيل وتركيا العضو في الناتو – يلعبان في الواقع لعبتهما الخاصة، من خلال علاقة تعاقدية مع روسيا. في واقع الأمر، احتفظت إسرائيل -لا سيما في ظل حكومتي بنيامين نتنياهو السابقة والحالية- بمكانة ناعمة لموسكو.
ويشير إلى أنه “لم يفوت بيبي -بنيامين نتنياهو- أبدًا احتفالات الميدان الأحمر في 9 مايو / أيار بالنصر على النازية. بينما قاطعتها جميع الدول الغربية الأخرى بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014، وهو ما لم تدينه الدولة العبرية أبدًا”.
أيضا، كما يرى كيبيل، أن ما كان مهمًا -وما زال كذلك حتى اليوم- هو أن بوتين يوفر الأمن لإسرائيل، ويبقي الصواريخ والطائرات بدون طيار الإيرانية بعيدًا عن الأجواء السورية “تقدم طهران الآن تلك الأسلحة نفسها إلى القوات الروسية في أوكرانيا، بينما الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، صرخ بلا جدوى بشأن نظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي “القبة الحديدية” وحاجته إليه.
تحالف الأعداء
يوضح المحلل الفرنسي أن التأثير الروسي في الشرق الأوسط، الذي يعود إلى أيام الاتحاد السوفيتي، يزدهر مع نوع جديد من “مناهضة الإمبريالية” التي تدعم الآن أي حكام غير ليبراليين -مهما كان اتجاههم الأيديولوجي- ما دام أنهم “معادون للغرب”. مثل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وهو قومي إسلامي سلطوي.
يقول: وقّع أردوغان، على الرغم من مشاركته في حلف شمال الأطلسي، على ما يسمى بـ “اتفاقية أستانا” لعام 2017 مع روسيا وإيران. والتي مهدت الطريق لنزوح المتمردين السوريين إلى “مناطق منع الصراع”. والتي أولها وقبل كل شيء، إدلب، التي أصبحت بؤرة للجهاديين. كما اشترى الرئيس التركي أنظمة صواريخ أرض – جو S400 في عام 2019 من موسكو، في انتهاك لقواعد الناتو، التي حرمت تركيا من طائرات مقاتلة من طراز F-35.
كما منعت أنقرة السويد وفنلندا من الانضمام إلى حلف الناتو في تحالف أوسع ضد موسكو – رسميًا بسبب “إرهابيي حزب العمال الكردستاني” الأكراد في كلا البلدين الذين تريد تركيا طردهم.
وأخيراً، بينما تهز الزلازل الكارثية الرئاسة التركية عشية الانتخابات العامة المقبلة، أصبح أردوغان أكثر اعتمادًا من أي وقت مضى على إمدادات النفط الروسية المخفضة، مع انخفاض الليرة إلى مستويات غير مسبوقة.
بالمقاربة، يقتدي الشركاء الإقليميون السابقون للغرب الآن أمثلة الحليفين الغربيين المفترضين، إسرائيل وتركيا.
يضيف: المملكة العربية السعودية، الدولة الوهابية السابقة التي كرهت الاتحاد السوفيتي لأنه كان ملحدًا، عقدت السلام مع روسيا بوتين، حيث أصبحت الأخيرة مسيحية أرثوذكسية. ولأن كلا البلدين يشتركان في مصلحة مشتركة في إبقاء أسعار النفط والغاز مرتفعة قدر الإمكان.
ومن ثم انضمت روسيا إلى أوبك، التي تحولت إلى “أوبك +”.
اقرأ ايضا: الغَزَل الروسي والتسلل عسكريًا إلى البحر الأحمر عن طريق السودان
الأولوية لروسيا
بالفعل، تم التأكيد على الموقف السعودي خلال زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن غير الحاسمة للمملكة في يوليو/ تموز 2022. في الوقت نفسه، قلل ضعف إيران الداخلي الحالي، بما في ذلك الاحتجاجات المحلية وصحة المرشد الأعلى علي خامنئي، من ضغط طهران على المملكة، ما جعلها أقل حاجة للردع الأمريكي.
يشير كيبيل، أيضا، إلى علامة أخرى على نأي الرياض بنفسها عن واشنطن، وهو تأكيد المملكة المتجدد على فلسطين في تصريحاتها العامة. وهي القضية التي هدفت اتفاقيات إبراهيم إلى تهميشها. لكن أجندة الاستيطان الحالية لحكومة نتنياهو للضفة الغربية، قد تشعل موجة جديدة من “العنف” الفلسطيني، والمزيد من ردود الفعل في العالم العربي والإسلامي بشكل عام.
يقول: حتى أبو ظبي، التي تشبه إلى حد كبير التلميذ الجيد لاتفاقات إبراهيم، تظل على اتصال وثيق بموسكو. حيث زار رئيس الإمارات محمد بن زايد بوتين في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، وقدمت الدولة دعماً مالياً هائلاً لنظام دمشق بعد الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا.
وأكد أن منظمة “أوبك + ” تحظى بشكل ثابت بالأولوية على حلف شمال الأطلسي في الشرق الأوسط، في سياق عالم الحرب الأوكرانية اليوم”.
وتابع: يميل الأوروبيون والأمريكيون إلى اعتبار الحرب شأنًا أوروبيًا فقط، لكنهم غالبًا ما ينسون أن الكثير من القتال يدور على الشواطئ الشمالية أو المناطق النائية للبحر الأسود، والتي ترتبط بالممر المائي للبحر الأبيض المتوسط. وهي بوابة عبور الكثير من نفط الشرق الأوسط عبر تركيا.
وشدد على أن أوكرانيا تعتبر من العوامل الرئيسية في تغيير قواعد اللعبة في منطقة الشرق الأوسط، وما زالت التطورات الرئيسية تنتظر رؤيتها.