مع الإعلان رسميا عن القوائم النهائية للمرشحين لانتخابات نقابة الصحفيين التي ينتظر أن تجرى بعد أقل من أسبوع (يوم الجمعة الموافق 3 مارس) ورغم الترجيح لتأجليها لمدة أسبوعين كما هو معتاد بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني في الانعقاد الأول، تستعد الجمعية العمومية للنقابة لاختبار جديد وفرصة جديدة لاستعادة دور وحيوية وحضور النقابة، بعد سنوات من الغياب والتراجع، سواء لأسباب تتعلق بالمناخ العام، أو لأسباب تتعلق بوضع النقابة الداخلى وتركيبة وأداء مجلسها على مدار السنوات السابقة.
كشوف المرشحين تكشف عن تنافس جاد وساخن، حيث تقدم للترشح على موقع النقيب بعد انتهاء المدة القانونية للنقيب الحالي ضياء رشوان 11 مرشح، لكن المنافسة تكاد تنحصر فعليا بين اسمين رئيسيين هما خالد ميرى رئيس تحرير الأخبار الحالي الذى يترشح لأول مرة على هذا الموقع، لكنه كان وكيل النقابة ومسئول لجنة القيد خلال السنوات الماضية، بالإضافة إلى خالد البلشي الذى يمثل في هذه الانتخابات تيار استقلال النقابة ويخوض هو أيضا انتخابات النقيب للمرة الأولى، لكنه وجه دائم الحضور ليس فقط في انتخابات النقابة وإنما في كل القضايا والمواقف المهنية والوطنية خاصة فيما يتعلق بالحريات العامة والصحفية وملفات الصحفيين المحبوسين وغيرها، وسبق له عضوية المجلس لعدة دورات كما سبق له خوض الانتخابات على مقاعد العضوية عدة مرات وفى الدورتين الأخيرتين على الأقل كان يخسر الانتخابات بفروق أصوات ضئيلة للغاية.
موقع النقيب في مجلس نقابة الصحفيين خصوصا وفى النقابات بشكل عام له أثر بالغ في قياس توجهات أداء النقابة، ورغم أن العبرة تظل بمجمل تركيبة المجلس، إلا أن اسم النقيب وما يعبر عنه يظل له دلالة وأثر حقيقي، وربما نموذج نقابة المهندسين القائم الآن والذي يشغل فيه موقع النقيب المهندس طارق النبراوي مع مجلس تظل أغلبيته مختلفة لكن مع ذلك يظل الرهان على دور مهني ونقابي وحضور حقيقي لنقابة المهندسين قائما وممكنا، وهو نفس الرهان الذى يمكن القياس عليه في حالة نقابة الصحفيين، التي تراجع دورها بشكل لا يحتاج لذكر في السنوات الماضية، في وقت كان الوطن يحتاج فيه لدور فاعل من قلعة الحريات والرأي، وفي وقت تعاني فيه الصحافة والصحفيون سواء على المستوى المهني أو على المستوى الاقتصادي أو على مستوى القيود المفروضة عليها وعلى حرية التعبير بشكل عام.
وإذا كان هناك أمل في تغير ولو نسبي في ذلك على مستوى المجال العام خلال المرحلة المقبلة بحكم عوامل مركبة ومتداخلة، فإن حضور نقابة الصحفيين بنقيب مؤمن بقضية حرية الصحافة وبرسالة مهنة الصحافة وبالدفاع عن حقوق وحريات الصحفيين هو جزء مهم ورئيسي وضروري في اكتمال ذلك المشهد. ولعل خالد البلشى بكل ما يمثله ويعبر عنه من انحيازات ووجهات نظر وتطلع الأجيال الوسيطة والشابة من الصحفيين لاستعادة المهنة لدورها والنقابة لفاعليتها وحضورها، وكذلك بما يعبر عنه من تجديد لدماء النقابة ولموقع النقيب بوصول جيل جديد له للمرة الأولى، كل ذلك وغيره يستحق دعم البلشي في تلك التجربة.
وإذا كانت المنافسة على مقعد النقيب تبدو منحصرة نسبيا، فإنها تتسع وتزداد سخونة على مستوى مقاعد العضوية فوق السن وتحت السن، حيث يفترض أن تنتخب الجمعية العمومية 6 أعضاء منهم 3 على الأقل تحت السن (أقل من 15 سنة من عضوية النقابة)، ومع ترشح خالد ميري على موقع النقيب فإن باقي الأعضاء الخمسة من المجلس الحالي قد أعادوا الترشح على مقاعد العضوية من بينهم محمود كامل وهشام يونس، وينضم إليهم عدد كبير من المرشحين ذوى الخبرات السابقة والتجارب النقابية كأعضاء مجلس أبرزهم عمرو بدر ومحمد الجارحي، كما تبرز أيضا أسماء أعضاء سابقين بمجلس النقابة مثل جمال عبد الرحيم وأبو السعود محمد، وكذلك عدد ممن يخوضون تجربة الانتخابات مجددا سواء على مقاعد فوق السن أو تحت السن، بالإضافة لبعض الأسماء التي تترشح لأول مرة حيث يبلغ إجمالي عدد المرشحين لمقاعد العضوية 40 مرشحا من بينهم 6 صحفيات يخضن هذه التجربة في ظل مجلس يضم تشكيله الحالي صحفية واحدة فقط.
بشكل عام، وفيما يتعلق بانتخابات نقابة الصحفيين هذه المرة تحديدا، فإن المسألة ليست فقط اختيار أسماء تكمل نصاب مجلس النقابة لإدارة الأمور لمدة عامين مقبلين، وليست مجرد اختيار على أساس المعرفة أو العلاقات الشخصية أو التاريخية أو الانتماء للمؤسسة الصحفية، وإنما هي بالأساس في تقديري لا بد أن تكون اختيار على أساس الموقف والتوجه والانحياز فيما يتعلق بمهنة الصحافة بشكل عام وبحريتها بشكل خاص وبقدرتها على استعادة دورها كسلطة رقابة شعبية وأداة تعبير عن هموم وأوجاع وأشواق وأحلام عموم المصريين، وفيما يتعلق بملف القوانين المقيدة للحريات الصحفية وإعادة تنظيم أدوار ومهام الهيئات الرسمية الصحفية وعدم تغول سلطاتها على الصحافة والصحفيين بل وعلى الدور المفترض للنقابة نفسها، وفيما يتعلق بملفات الصحفيين النقابيين وغير النقابيين المحبوسين والتي لا تزال قائمتهم تضم العديد من الأسماء، وملف المواقع والمنصات الصحفية المحجوبة وتقنين وضعها والتصدى لظاهرة الحجب وضبط كل ما يتعلق بها وينظمها ويحد من أسبابها، بالإضافة لإستعادة دور فاعل وحاضر وجاد للنقابة في كل ما يتعلق بقضايا الحريات والتعبير عن الرأي بشكل عام، فهذا هو الدور الأساسى الذى تميزت به النقابة عن غيرها طوال العقود الماضية، والذى كاد يغيب تماما خلال السنوات الماضية، كل ذلك فضلا عن ملفات دائمة ومستمرة مثل قضايا أجور ومرتبات الصحفيين وخاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة، وتطوير وتحديث قانون النقابة، وضبط العلاقة بين المؤسسات الصحفية وبين الصحفيين، وغيرها وغيرها من الملفات بالغة الأهمية التي بالتأكيد لا تنحصر في تقديم خدمات لأعضاء النقابة ليكون ذلك وحده معيارا لإختيار عضو مجلس نقابة في تلك المرحلة بالغة الأهمية.
هناك فرصة جديدة الآن تلوح في الأفق، في ظل أجواء عامة قد يبدو فيها ذلك ممكنا، وأوضاع خاصة بالنقابة تجعل ذلك الممكن ضروريا، عبر حضور جاد وحاشد وفاعل لأعضاء الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين لمناقشة قضاياها وهموم مهنتهم ووطنهم، وكذلك لانتخاب من يستطيعون إعادة شق طريق جديد للدفاع عن الصحافة والصحفيين وحرياتهم وحقوقهم.
أخيرا، فإن استعادة الدور والحضور المطلوب، يحتاج لاستعادة النقابة لمظهرها، فلم يعد لائقا – وهو بالأساس لم يكن لائقا – أن يستمر الشكل الخارجي للنقابة بهذا المظهر التي هي عليه كل ذلك الوقت، ولم يعد مقبولا –وهو بالأساس لم يكن مقبولا– أن يظل وجود الصحفيين في مقر نقابتهم منحصرا في تقديم خدمة أو قضاء مصلحة دون وجود أماكن مناسبة للقاءاتهم وحضورهم وتجمعهم داخل مقر نقابتهم. وهى قد تبدو مسائل شكلية، لكنها في مضمونها تحمل رسائل ودلالات بالغة الأهمية، وتحمل أيضا رمزية لبدء عودة الصحفيين لنقابتهم، وعودة النقابة لأعضائها.