في الحلقة الثانية من حوار الدكتور مريم الصادق المهدي وزيرة الخارجية السابقة بالحكومة السودانية ونائبة رئيس حزب الأمة القومي، مع “مصر 360 “، تحدثت بشأن المسكوت عنه في العلاقات بين مصر والسودان، بهدف الوصول لبناء الثقة على المستويين الشعبي والرسمي بالشكل الذي يقود البلدين لعلاقة استراتيجية لصالح شعبيهما. موضحة في الوقت ذاته أسباب تفضيل قطاعات من الساسة والشعب السوداني في بلادها التعامل بشكل أوسع مع إثيوبيا. متطرقة أيضًا للموقف الحالي الخاص بالتنسيق المصري السوداني بشأن أزمة سد النهضة.
كانت الحلقة الأولى من الحوار قد تناولت مصير التحركات الخاصة بالتطبيع بين السودان وإسرائيل، وطبيعة الأطراف التي تقف وراءها. وكذلك تطورات الجهود الرامية للوصول لحل للأزمة السياسية في السودان.
قدمت مصر مؤخرًا مبادرة سياسية لحل الأزمة السياسية في السودان، ما تقييمك لنتائجها؟
أعتقد أن تسميتها بالمبادرة خاطئة. كانت فكرة موضوعية، بهدف عدم إقصاء بعض الأطراف السودانية، الذين تربطهم بمصر علاقات متميزة، من الاتفاق الإطاري. يمكن لمصر أن تلعب دورًا في التقريب بيننا، وهذا ما نتوقعه.
هناك مجموعة من الملاحظات على التحرك المصري في السودان. أولها ما يتعلق بالمكان، حيث دعت لعقد ورشة للأطراف السودانية في القاهرة. يحدث هذا في وقت نتحدث فيه عن عدم التدخل الخارجي، حتى وإن كانت مصر دولة شقيقة. لكنها في النهاية ليست السودان. يبقى هذا أمرا غير مقبول. يجب أن تكون السودان مكان اجتماع الأطراف السودانية.
وثانيًا، توقيت الخطوة المصرية. كان هناك حوار قد بدأ بالفعل مع الأطراف المشاركة في الحوار الذي دعت إليه القاهرة، فجاءت دعوة مصر وكأنها قطعت هذا الحوار الداخلي الذي كنا قد بدأناه.
وثالثًا، ضمت الورشة المصرية شخصيات معروف عنها تعاونها مع النظام البائد، وأخرى أيدت بقوة انقلاب 25 أكتوبر، الذي دخل في مواجهة واضحة مع الشعب السوداني. هل تعلم أن الذين نفذوا الانقلاب أعلنوا تراجعهم عنه؟
ومع ذلك، كيف تقرأين “ورشة” القاهرة؟
ننظر إلى ما صدر من توصيات ورؤى في ورشة القاهرة بشكل إيجابي، عدا التوصية الأولى الخاصة بالمشاركة بين المدنيين والعسكريين في الحكم، على أساس أن هذا الأمر تم حسمه بعد قرار العسكريين بعدم المشاركة.
وعلى كل حال، الورشة عُقدت بالفعل. نحن الآن ننطلق بصورة واضحة. مصر جارة شقيقة، والعلاقة بيننا يجب أن تكون استراتيجية. يجب أن نتباحث حول قضايا الاتفاق والاختلاف بصورة بناءة، نستفيد من دروس الماضي ولا نستغرق فيه، حتى ننطلق إلى المستقبل .
ما مآخذ القوى السياسية السودانية على الدور المصري في المسار السياسي؟
أعتقد أن ملاحظاتنا على بعضنا البعض في الماضي حقيقية. يجب أن ننظر إليها بصورة موضوعية ولا نسمح بإيجاد عداوة. العلاقة بالنسبة للبلدين محورية ومهمة، وبالتالي، الخيار الصحيح هو أن تكون علاقة ممتازة قائمة على أطر موضوعية لصالح البلدين.
لا نشكك أبدا في صدق التوجه المصري. لكننا نحتاج إلى تأكيد جدية المؤسسات المصرية في هذا التوجه، على عكس ما يظهره الخطاب الإعلامي المصري تجاه بالسودان.
نحتاج أن نجلس بروح جادة من أجل إيجاد علاقة سوية وحقيقية. نتحدث بوضوح في كل القضايا بما فيها المسكوت عنها، منها حلايب وشلاتين وقضية المياه، والإحساس العميق السلبي بشأن الدعم المصري للنظم العسكرية في السودان في فترات مختلفة.
في مؤتمر اللاءات الثلاثة عام 1967، قدم السودانيون مجهودًا عظيمًا في الإصلاح بين الزعيم جمال عبد الناصر والملك فيصل، وغيرها من القضايا التي كان هناك حضورًا إيجابيًا من الجانب السوداني فيها. لكن في عام 1969 انقلب الموقف المصري ضد النظام السوداني نكمله بمساندة انقلاب مايو 1969 (انقلاب النميري).
حينها، شعر السودانيون بالمرارة.
وفي ثورة السودان الأخيرة، ورغم أن النظام المصري كان يُجافي نظام البشير، إلا أنه لم يبد الحماس الذي أبدته دول عربية أخرى في دعم ثورة السودانيين. تكرر الأمر عند انقلاب 25 أكتوبر، تأخرت القاهرة في إبداء موقف رافض له. أثرت هذه التصرفات في العلاقات، ورغم ذلك، أؤكد أن هناك إيمانا عميقا بجدوى علاقة القاهرة والخرطوم.
هناك توجه سوداني يرى أهمية تفعيل الدورين السياسي والشعبي المصريين في المشهد السوداني.. هل يمكن أن يساعد ذلك؟
من المؤكد أن دخول أطراف شعبية، وإحداث تلاقح ثقافي وفني وفكري وأدبي، يساعد في دعم العلاقات بين الشعبين، ويطور مستقبلًا أشكال التعاون الأخرى. كما أود أن ألفت إلى أننا لم نستفد حتى الآن من المكون المشترك بيننا الذي يمثله أهلنا في النوبة والأدوار الحقيقية التي يمكن أن يلعبوها في الترابط بين الشعبين.
وفيما يخص البعد العسكري، نستطيع أن نفهم علاقة الجيشين المصري والسوداني. الجيش السوداني نفسه بدأ كأحد وحدات الجيش المصري قبل عام 1900، ولم يتحول لجيش مستقل إلا بعد ثورة 1924 في السودان.
مسألة أخرى يشير إليها الكثيرون؛ إسناد ملف علاقات البلدين إلى “المخابرات العامة” بدلًا من وزارة الخارجية. العديد منا لديه تحفظ حول هذا الأمر. لكن دعنا نقول إن هذا الأمر ليس هو قضيتنا الأولى. خاصة في وقت تتداخل فيه العلاقات الدولية ما بين المخابرات والدبلوماسية في كل العالم.
نعلم أننا لسنا وحدنا في هذا التوجه، فملفات اليمن وفلسطين وليبيا، جميعها تتم إدارتها من جانب المخابرات. كما أننا لا نملي على مصر كيف تتعامل معنا، فهذه قضية إدارية، تُعني الدولة في المقام الأول، طالما أن هناك نظرة شاملة لا تحصر السودان في هذا البعد فقط.
في مقابل ذلك.. كيف هي العلاقة بين السودان وإثيوبيا؟
هناك إحساس بالمودة تجاه الإثيوبيين. فعلى سبيل المثال، عندما يذهب سودانيون إلى أديس أبابا، يشغلون لهم الأغاني السودانية، لأنهم يهتمون ويستمعون للفن السوداني رغم أنهم لا يعرفون العربية. هناك حب وقبول.
الإثيوبيون لا يشبهوننا في الملامح وفقط. ولكن أيضًا يعرفوننا جيدًا ويعرفون فننا ويستمعون لأغانينا. في مقابل ذلك، تجد أن أعظم الفنانين لدينا وهو محمد وردي النوبي بالأساس، لا يعلم به المصريون، في حين أن أديس أبابا أقامت له حفلًا ضخمًا في ميدان القورة بسبب حبهم الشديد له.
لكن مع هذا، نحن نعرف مصالحنا جيدًا. وعندما دعمنا قيام سد النهضة، كونه سيجلب خير عظيم للدول الثلاث (مصر والسودان وإثيوبيا)، كنا ندعم ذلك وفق أطر قانونية محددة، وعندما لم تتحقق كنا أقوى من واجهنا هذا النهج الإثيوبي.
وكانت الطريقة التي سار فيها السودان في 2021 عندما أثار قضية سد النهضة كمهدد للأمن القومي، هي التي نجحت في شد الانتباه لقضية السد، وحصلنا على أول بيان رسمي من مجلس الأمن الدولي. مثّل هذا الأمر نصرًا دبلوماسيًا كبيرًا.
لكن وفي هذا الصدد، أود أن أؤكد أن الإحساس بالمحبة والاحترام المتبادل بين الشعوب، هو ما يقلل حدة الأزمات السياسية. وهو ما نأخذه على المصريين، لم يهتموا بأن يشعرونا بأننا شعب ذو جدوى.
هل هناك نقاط لا تزال تثير استياء السودانيين غير الموقف المصري السياسي؟
هناك مواقف متراكمة يجب التعامل معها بجدية لتصفيتها. فعلى سبيل المثال، عندما يتحدث مصري عن السودان يقول: “السودان بتاعنا”. هذه العبارة التي تُقال حتى على سبيل التقارب، تترك أثرًا شديد السلبية. فنحن ورغم الكثير من الدراسات التي تقول إن الفراعنة سودانيين، لم نقل “مصر بتاعتنا أو تبعنا”. ندرك جيدًا أن مصر دولة شقيقة.
الأمر الآخر الذي يتناساه الأخوة المصريون، أن النظام السوداني السابق الذي استمر لمدة 30 عامًا، غير خلالها مناهج التاريخ التي تُدرس في المدارس السودانية. سيجد أنها كانت تصور مصر -عند النشء- بأنها تريد أن تحصل على خيراتنا، في مقابل ذلك، يؤكد المصريون على المعنى حينما يقولون إن “السودان تبعنا”.
بالحديث عن سد النهضة.. كيف تقيمين التنسيق المصري السوداني حوله؟
في الحقيقة ليس لدي معلومات دقيقة، ولكني أرى أنه حصل تراجع في التنسيق بين مصر والسودان في هذا الملف.
لا أستبعد أن يسير السودان بصورة بها نوع من الإيقاع المختلف عن مصر. لأن فوائد السد كبيرة بالنسبة للسودان، وكذلك مخاطره. السودان لديه مشكلات تخص عملية الملء والتخزين، إضافة إلى تخوفات من وجود مشكلات في البناء الإنشائي للسد الذي قد يهدد وجود سد الروصيرص السوداني وهو سد رملي يبعد عن النهضة بـ 150 كيلو متر.
أما دوليًا، لا توجد إرادة دولية أو إقليمية من الاتحاد الإفريقي لمواجهة الموقف الإثيوبي. هناك تداخل مصالح كبير جدًا يعقد ملف سد النهضة. إضافة إلى تشتت الجهود الدولية فى قضايا مثل الإرهاب والاتجار بالبشر والهجرات.
العالم يرى سد النهضة، مشكلة، تخص مصر والسودان.