تعرضت صناعة الدواجن في مصر إلى حالة من التقلبات، لم تستطع الجهات المعنية السيطرة عليها، خلال الفترة الماضية، لتشهد البلاد قفزات قياسية على مستوى سعر بيع الدواجن وصلت إلى قرابة الـ 100 جنيه للكيلو الواحد؛ في توقيت فشلت فيه إجراءات الحكومة للحد من تأثير الأزمة.
وتنتج مصر نحو 1.6 مليار طائر سنويا، ويحقق هذا الإنتاج اكتفاءً ذاتيًا بنحو 95%، ولا تتعدى الفجوة الموجودة بين الإنتاج والاستهلاك نسبة 5%، بحسب بيانات شعبة الدواجن.
ودفع وصول الأسعار لمستويات غير مسبوقة إلى تفكير الحكومة في بعض الإجراءات التي قد تضمن من خلالها وقف معدلات الزيادة في الأسعار خاصة قبل شهر رمضان، فبدأ الاتجاه لإيجاد بدائل للدواجن المصرية تكون أقل سعرًا من تلك المعروضة حاليًا.
اقرأ أيضًا: 3.5 مليون عامل مهددون بوقف صناعة الدواجن.. والحكومة تكمل الأزمة باستيراد “المجمد”
ورغم أن الأيام القليلة الماضية شهدت هدوءًا نسبيًا في سعر خروج الدواجن من المزارع، إلا أنه، ووفقًا لخبراء صناعة الدواجن بات على الحكومة السير في جميع الاتجاهات الداعمة لاستقرار السوق خاصة قبل بداية شهر رمضان الذي تتزايد فيه معدلات الاستهلاك ومن ثم سيكون الطلب أعلى من المعروض.
الأسئلة المطروحة اليوم، هل الاعتماد على الدواجن البرازيلية حلًا جذريًا للأزمة الراهنة؟ وماذا عن تأثير الإفراج عن الأعلاف في خفض تكلفة الإنتاج ومن ثم تراجع تسعيرة الدواجن؟.
زيادة 50% بالأسعار
ومنذ بداية أزمة سعر صرف الجنيه مقابل الدولار، شهدت غالبية الصناعات القائمة على استيراد خاماتها من الخارج، بعض التحركات على مستوى أسعار المنتج النهائي، ومن بين تلك الصناعات كانت الدواجن ومنتجاتها كالبيض. حتى تحول الأمر إلى أزمة حقيقية تهدد استقرار السوق.
وفيما يتعلق بصناعة الدواجن فقد ارتفعت أسعارها إلى مستوى بعيد عن متناول المواطن محدود ومتوسط الدخل. وتزيد الأسعار حاليًا بنحو 50% عن متوسط الارتفاع الذي كان متوقًعا الوصول إليه بعد أزمة تضارب سعر الجنيه والعملات الأجنبية -وفق الدكتور عبد العزيز السيد رئيس شعبة الدواجن بالغرفة التجارية.
ويضيف السيد لـ “مصر 360” أن سعر البيع لم يعد يتناسب مع حجم الارتفاع الذي حدث في مدخلات الصناعة، وما وصلت إليه الأسعار بات متجاوزًا الارتفاع في سعر الصرف وتراجع قيمة الجنيه. لأسباب جزء منها يرجع إلى عدم إحكام الرقابة على بورصة البيع اليومية.
السعر العادل للدواجن
يقول السيد، أن توفير مدخلات الإنتاج بالنسبة لصغار المنتجين سيكون الحل الأمثل حاليًا لضبط بورصة الأسعار نسبيًا. جميع أفراد المنظومة تعرضوا لأزمة حقيقية على مستوى توافر الأعلاف خلال الأشهر الماضية، وبالتالي توفيرها حاليًا سيضمن استقرار حركة العرض والطلب وضبط بورصة الأسعار.
يؤكد رئيس شعبة الدواجن، أن السعر العادل للكيلو يتراوح بين 60 و65 جنيهًا وهو ما يضمن هامش ربح جيد لكل من المنتج والتاجر، وهو مناسب أيضا لكل فئات المجتمع “السعر الأيام الماضية تجاوز المقدر الحقيقي لكيلو الفراخ بنحو 30 جنيهًا”.
وتابع، إن تحقيق التوازن بين كل من المنتج والمستهلك سيضمن استقرار السوق لأطول فترة ممكنة. لكن تبعات استمرار التوتر بين ارتفاع الأسعار وتذمر فئات المجتمع سيزيد من مُعاناة تلك الصناعة.
الاستيراد ليس حلا
التضارب بين مصالح المنتجين ومعاناة المستهلكين، دفع الحكومة إلى اتباع بعض الإجراءات الداعمة لإحكام السيطرة على بورصة الأسعار المتزايدة يوميًا، ومنها الاتجاه إلى توفير أطنان من الدواجن عبر الاستيراد الخارجي مثل “الفراخ البرازيلي” بأسعار أقل بنحو 50% من تلك المحلية.
يقول ثروت الزيني نائب رئيس الاتحاد العام لمنتجي الدواجن، إن التعاقد على استيراد شحنات من الدواجن البرازيلي أحدثت انفراجة مؤقتة في السوق المحلية تسببت في تراجع الأسعار بنحو 10% خلال الأسبوع الجاري.
ومع ذلك، فإن تلك الخطوة ليست حلًا جذريًا ولكنها مسكن للسوق، يوضح الزيني :”الشحنات الخارجية أحدثت توازنًا بين العرض والطب في السوق وبالتالي هدأت الأسعار نسبيًا وده ميمنعش ضرورة حل الأزمة من جذورها”.
تراجع المعروض في السوق فيما يتعلق بالدواجن أو البيض هي التي أحدثت الارتفاع الجنوني في الأسعار لذا رأت الحكومة أن اللجوء للخارج سيمكنها من السيطرة على المعاناة المستمرة للمواطن المصري.
ورغم ذلك هناك فئات مجتمعية ترفض شراء الدواجن المستوردة من الخارج وتعتمد بشكل أساسي على الدواجن المحلية على اعتبار أن المستوردة تعاني من أزمة ثقة لأسباب يراها البعض أنها قد تكون غير صالحة للاستهلاك أو منتهية الصلاحية وهو ما تنفيه الجهات المعنية بالدولة.
لماذا الاستيراد أرخص؟
وعن انخفاض أسعار الدواجن المستوردة بمقارنة بأسعار المحلي، يوضح عبد الماجد حامد صاحب مزرعة دواجن لـ”مصر 360″، أن أسعار الأعلاف في الدول الأجنبية تكون أقل بكثير من التي نحصل بها على الأعلاف في مصر. يقول أن “هناك رسوما وتكاليف نقل وشحن وفرق عملة يزيد من تكلفة مدخلات الإنتاج على الصناعة محليًا”.
يشير إلى أن الارتفاع في تكاليف الإنتاج في مصر ليس موجودًا بنفس المعدل في الخارج، وبالتالي تظهر أسعار الدواجن المستوردة على أنها أقل بكثير من نظيرتها في مصر. المقارنة ستظلم مربي الدواجن في مصر لأن جزءا كبير من الأزمة لم يكن بسبب ملاك المزارع أو التجار.
اقرأ أيضًا: تداول البيض والدواجن في “البورصة السلعية”.. هل تنجح خطة الحكومة في ضبط الأسعار؟
إن تراجع تكلفة مدخلات صناعة الدواجن في الخارج دفع كثيرا من الشركات إلى إنشاء مزارع -لتربية الدواجن والماشية- لها في دول مثل الأرجنتين والبرازيل باعتبارها من الدول التي تتمتع بتكلفة منخفضة في مدخلات الإنتاج وتوافر الأعلاف بها. وبالتالي نجد أن الدواجن القادمة من مثل تلك الدول أقل بكثير في أسعارها من المصرية.
ومن جهة أخرى، عانى المستوردون والصناع خلال الفترة الماضية من أزمة نقص مستلزمات الإنتاج بسبب التأخر في فتح الاعتمادات المستندية، والبطء في تدبير العملة من قبل البنوك، ما دفع كثير من المربين إلى التخارج من تلك الصناعة ومن ثم تراجع كميات الأمهات والتفريخ بالسوق بشكل أثر على سعر “الكتاكيت” ومن بعدها تسعيرة بيع الدواجن.
الإفراج عن الأعلاف
أزمة نقص الأعلاف في السوق خلال الفترة الماضية، بسبب مشكلة تكدس البضائع بالمواني مع نقص الدولار وتطبيق نظام الاعتمادات المستندية، دفعت بعض أصحاب الدواجن إلى إعدام كميات كبيرة من الكتاكيت والتخلص منها بأية طريقة، وهو ما تسبب في أزمة حقيقية على مستوى توافر وتكلفة الكتاكيت في السوق.
يقول الزيني :”الأزمة اللي حصلت جعلت الأسعار في السما زي ما شفنا الفترة اللي فاتت” وبالتالي الإفراج عن الأعلاف ليس كافيًا للقضاء على أزمة ارتفاع أسعار الدواجن ومنتجاتها من البيض”.
اقرأ أيضًا: تجاوزت 15 ألفًا للطن.. أسعار الأعلاف تضرب صناعة الدواجن وارتفاعات جديدة منتظرة
الجهات المعنية في الدولة ركزت بشكل كامل على محاولة الإفراج على جزء من الكميات المحجوزة بالمواني من الأعلاف، وتجاهلت باقي أسباب الأزمة. حتى أن بعض المربين وصغار التجار ابتعدوا بشكل كامل عن صناعة الدواجن لحين هدوء الأوضاع وذلك تسبب في زيادة الفجوة في سوق العرض والطلب وارتفاع الأسعار.
وأشار الزيني إلى أن الإفراج عن الأعلاف سيحل جزءا من أزمة قطاع التسمين وتربية الدواجن، لكن ذلك لن يكون ملحوظًا على المدى القريب، الأوضاع ستظل لفترة لحين توافر كميات من الأمهات والكتاكيت تفي باحتياجات السوق. وبالتالي توافر الأعلاف سيبقى جزءا من آليات تعافي السوق وليس عودة الأمور إلى سابق عهدها بشكل كامل.
العمل على محور آخر خاص بتدبير الدولار لا يقل أهمية عن تحرك الحكومة نحو التعاقد على شحنات أعلاف من الخارج. فهو العنصر المحرك الأكثر تأثيرًا في المنظومة. إضافة إلى دعم سعر صرف الجنيه لتقليل الفجوة في العملة التي رفعت تكلفة الاستيراد بما يزيد عن 50% خلال الفترة الماضية.
آليات الخروج
لخص الدكتور عبد العزيز السيد رئيس شعبة الدواجن بالغرفة التجارية، آليات التعافي من الأزمة الراهنة والمتأرجحة بين اتجاه الحكومة نحو الإفراج الجزئي عن الأعلاف من المواني وبين الاستيراد من الخارج، موضحًا أن إقامة صناعة لأعلاف الدواجن باتت ضرورة ملحة لا بد من البدء في تنفيذها من اليوم.
تطرق إلى الرقابة المُحكمة الواجب اتباعها داخل السوق لمنع التلاعب بالأسعار، يضيف:”في أسعار مختلفة من التجار وفي نفس المنطقة.. وده بسبب ضعف الرقابة، لكن لو في متابعة على مدى الالتزام بضوابط السوق وبورصة الأسعار ستكون آليات الخروج من الأزمة أكثر فاعلية”.
الوقوف بجانب صغار المربين سيعزز من تلبية حاجة السوق من البيض والدواجن على حد سواء، وتقليص الفجوة بين الطلب والاستهلاك. هذه الفئة من المنتجين تحتاج إلى توفير مدخلات الإنتاج ومستلزمات الصناعة بصورة أكثر يسرًا وبتكلفة أقل بحيث يعود ذلك على المستهلك في النهاية. يقول السيد :”كل ما الحكومة هتقلل الضغط على المربين المواطن هيستفاد.. والعكس لو سعر الأعلاف ظل مرتفع وغير متوافر ستزداد تكلفة الصناعة وأيضًا سعر البيع بالنهاية الذي يتحمله المواطن”.