كتب- أحمد صبري
قبل أيام، أعلن مجلس الوزراء سعر الضمان لمحصول الذرة الشامية الصفراء بقيمة 9.5 ألف جنيه للطن، وفول الصويا 18 ألف جنيه للطن، ضمن منظومة الزراعات التعاقدية، لتشجيع الفلاحين على التوسّع في زراعتهما كوْنهما من الخامات الرئيسية للأعلاف التي تدخل في صناعة الدواجن.
وعانت الدواجن من ارتفاعات غير مسبوقة في الأسعار على مدار الأشهر الماضية لنقص واردات خامات الأعلاف. وبالتالي، ارتفاع أسعار الدواجن، لتُتداول عند 80 جنيهًا للكيلو نهاية الأسبوع الماضي، مقابل 29 – 32 جنيه في بداية عام 2022، بحسب عبد العزيز السيد، رئيس شعبة الثروة الداجنة بغرفة القاهرة التجارية لـ “مصر 360”.
ارتفاع الأسعار دفع الحكومة إلى طرح دواجن مُجمّدة مستوردة بقيمة 65 جنيهًا للكيلو. في الأسواق الخاصة، ومنافذ البيع التابعة لوزارة التموين، ومعارض “أهلًا رمضان”، لتنخفض الأسعار نسبيًا بالأسواق.
اقرأ أيضا: استيراد الأسماك الروسية يهدد أرزاق 2 مليون مصري.. مخاوف من تكرار “سيناريو الدجاج”
بداية الأزمة
في فبراير/ شباط الماضي، قرر البنك المركزي التحول إلى الاستيراد بالاعتمادات المستندية كبديل لمستندات التحصيل، ما تسبب في زيادة أمد عملية الاستيراد وصعوبات في توفير العملة الصعبة للمستوردين. قبل أن يعود ويلغي قراره، ويقبل مستندات التحصيل من بداية 2023.
وعلى الرغم من استثناء مستلزمات الإنتاج من الاستيراد بالاعتمادات المستندية، إلا أن الإفراجات عن الذرة وفول الصويا لم يكونا بالقدر الكافي لترتفع أسعار الأعلاف والدواجن، ما دفع الحكومة إلى التوسّع في زراعتهما لتقليل الاعتماد على الواردات.
واستوردت مصر ذرة صفراء لصناعة الأعلاف بنحو 2.7 مليار دولار خلال الفترة من يناير/ كانون الثاني، إلى نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، فيما بلغت واردات فول الصويا حوالي 2.5 مليار دولار خلال نفس الفترة، بحسب البيانات التي حصل عليها “مصر 360” من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
هل سعر الضمان مُشجّع؟
يرى ثروت الزيني، نائب رئيس الاتحاد العام لمنتجي الدواجن، ورئيس شركة الأسد للأعلاف، في تصريح لـ “مصر 360″، أن سعر الضمان الذي حددته الحكومة للذرة الصفراء وفول الصويا مُشجّع للفلاحين على التوسع في زراعتهما، حيث يدخلان في صناعة الأعلاف بنسبة 75 – 80%، ما سيساهم في حل الأزمة على المدى المتوسط والبعيد.
ويوافق حسين أبو صدام نقيب الفلاحين، الزيني في الرأي، خلال حديثه لـ “مصر 360″، حيث يعتقد أيضًا أن السعر مناسب في ظل بحث المُزارعين عن أعلى سعر يمكن من خلاله تسويق المحصول، لاسيما في ظل إقرار سعر ضمان كحد أدنى للشراء.
وأصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي، القانون رقم 14 لسنة 2015 بشأن إنشاء مركز الزراعات التعاقدية، للتنسيق بين الاطراف المتعاملة فى مجال إنتاج وتسويق المحاصيل الزراعية، بما يحقق التكامل والترابط بين جميع الجهات المتعاقدة فى النشاط الزراعى.
ويقول إيهاب محمد، مزارع من محافظة كفر الشيخ، لـ “مصر 360″، إن الفلاحين لا يرغبون سوى في سعر عادل للمحصول الذي تشتريه الحكومة، وألا يتم “بخس” حقهم كما حدث في محصول الأرز الذي كان يشتريه التجار بسعر مرتفع مقارنةً بالسعر المعروض من الحكومة.
أيضا “سعر التوريد يجب أن يكون وفقا لدراسة تكاليف الإنتاج الزراعي وأبحاث ميدانية واستطلاعات رأي للمزارعين لأنهم طرف أساسي في المعادلة”، وفقًا للدكتور جمال صيام، أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة القاهرة.
صقر عبد الفتاح، وكيل لجنة الزراعة والأمن الغذائي بمجلس النواب، يقول لـ “مصر 360″، إن السعر الذي حددته الحكومة جاء بعد احتساب التكلفة وحجم الإنتاج والعائد المتوقع للمُزارع من خلال لجان حكومية شارك بها أعضاء باللجنة.
مشكلة وحيدة يمكن أن تواجه الزراعة التعاقدية للذرة الصفراء وقول الصويا، كما يوضح عبد الفتاح، وهي أن ارتفاع سعرهما بشكل كبير “قد يجعل الفلاح يُفضّل الاحتفاظ بهما كعلف بدلًا من شرائه كمنتج نهائي”، خاصةً وأن 90% من المزارعين مربيين للماشية والدواجن.
اقرأ أيضا: ماذا يأكل المصريون في رمضان؟ أسر “تقتات” على الذكريات و”موائد” تعاني
المقارنة مع السعر الحالي
إعلان الحكومة سعر الضمان لشراء الذرة الصفراء وفول الصويا يتضمن الشراء بهذا السعر كحد أدنى، بالإضافة إلى البيع بسعر البورصة حال ارتفاع السعر عن الذي حددته الحكومة. وهو ما يراه البعض ضمان كافٍ، إلا أن آخرون يرون أن انخفاض سعر الضمان عن السعر الحالي بالسوق خطوة غير مشجعة للمزارعين.
وبلغ سعر الذرة الصفراء محليًا بين 15.8 و16 ألف جنيه للطن بنهاية الأسبوع الماضي، غير شامل تكاليف النقل. فيما بلغ سعر فول الصويا بين 30 – 31 ألف جنيه للطن، بحسب عبد العزيز السيد، رئيس شعبة الثروة الداجنة بغرفة القاهرة التجارية.
ويقول إيهاب محمد، مزارع من كفر الشيخ، لـ “مصر 360″، إنه ليس من المنطقي أن يُتداول سعر الذرة الصفراء وفول الصويا في السوق حاليًا بسعر، وترغب الحكومة في شرائهما بعد أشهر بسعر أقل.
“حتى إذا كان السعر سيكون وفقًا لسعر البورصة وقت الشراء، إلا أن سعر الضمان المعلن غير مُشجّع”، كما يعتقد محمد، الذي يضيف: “الفلاح يشتري العلف للمواشي والذرة الصفراء بشكل دوري، ويعرف سعرهم جيدا، ومن الطبيعي أن يقارن بين السعرين، الحالي والمُعلن”.
ويتابع: “لو تم إقرار سعر الموسم الجديد بنفس السعر السائد حاليا ممكن يكون مُحفّز، خاصةً أن هناك متغيرات يجب أن توضع في الحسبان، مثل التضخم وتكاليف الإنتاج”.
ويتفق أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة القاهرة، جمال صيام، مع الرأي ذاته. حيث يقول إن تحديد سعر الضمان بقيمة أقل من المتداول بالسوق قد لا يُشجّع الفلاحين على الزراعة، لوجود أزمة ثقة مع الحكومة من واقع تاريخ التعاملات بين الطرفين. وكان من الأفضل أن يكون السعر المُعلن قريبًا من المُتداول محليًا.
ويُضيف لـ “مصر “360، أن المُزارع سيضع السعر الحالي بالسوق في الحسبان قبل اتخاذ قراره بزراعة الذرة وفول الصويا من عدمه. لاسيما وأن البعض قد يعتقد أن السعر المُعلن هو سعر التوريد وليس ضمان.
على الجانب الآخر، يرى حسين أبو صدام، نقيب الفلاحين، أن “الحكومة حددت سعر الضمان للذرة وفول الصويا وفقًا للسعر على المستوى العالمي، نظرًا لكون السعر المُتداول حاليًا بالسوق المحلي مبالغ فيه”.
ويُفسّر رئيس شعبة الثروة الداجنة تحديد سعر الضمان عند تلك القيمة، بأن وزارة التموين استوردت الذرة الصفراء بنحو 323 دولارًا للطن، بما يقارب 9.8 ألف جنيه بعد احتساب تكاليف النقل “ولا يمكن المقارنة بين السعر الذي حددته الحكومة، والحالي بالسوق، لأنه غير مبرّر، وبه استغلال من التجار”.
كذلك، فإن ضعف الرقابة من قبل الحكومة على خامات الأعلاف من ضمن أبرز أسباب ارتفاعها، بحسب صيام. بجانب عدم توفيرها بالكميات اللازمة التي تقلل الفارق الكبير في السعر بين ما تستورده الحكومة والتجار.
ويلخّص إيهاب محمد، وجهة نظره في ضرورة رفع الحكومة لسعر الضمان بأن الفلاحين يساهمون في تقليل استنزاف السيولة الدولارية: “حتى لو كان السعر العالمي أقل من المحلي، فإن زراعة تلك المحاصيل توفر العملة الصعبة. الحكومة تعطي دولارات للمُصدّرين لأنهم يجلبون الدولار، فمن الأولى إذًا دعم الفلاح المصري”.
ماذا حدث خلال عام؟
تغيّرات كبيرة طرأت على أسعار الذرة الصفراء وفول الصويا منذ بداية العام الماضي. وبالتالي، الصناعات المرتبطة بهما، كما يقول عبد العزيز السيد، رئيس شعبة الثروة الداجنة.
يتابع: “ارتفع سعر الذرة الصفراء من 5.7 ألف جنيه للطن بداية 2022 إلى 16 ألف جنيه بنهاية الأسبوع الماضي، وفول الصويا من 8.2 ألف جنيه للطن إلى 31 ألف جنيه. وبالتالي، سجّلت الأعلاف زيادة من 6.2 ألف جنيه للطن إلى ما بين 22 – 32 ألف جنيه، والدواجن من 29 -32 جنيه للكيلو إلى نحو 80 جنيه”.
اقرأ أيضا: مأزق الطبقة المتوسطة في مصر.. من ينتصر الدولة أم الأفندي؟
ما هي احتياجات السوق؟
تحتاج مصر إلى زراعة نحو 1.5 مليون فدان لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الذرة الصفراء و500 ألف طن من فول الصويا، بحسب نقيب الفلاحين حسين أبو صدام. ويمكن زيادة المساحات المنزرعة منهما بنحو 100 – 150 ألف فدان سنويًا، لتوفير جزء من تلك الاحتياجات محليًا، لاسيما في ظل توفّر المساحات اللازمة للزراعة.
ويضيف لـ “مصر 360” أن المساحات المنزرعة من الذرة تقدر بنحو 2.8 مليون فدان منهم 800 ألف فدان ذرة صفراء، فيما تبلغ مساحة فول الصويا حوالي 40 ألف فدان.
وتستورد مصر نحو 8 ملايين طن سنويًا من الذرة الصفراء وحوالي 5 ملايين طن فول صويا، يستنزفان جزء كبير من الموارد الدولارية لتوفير الخامات لصناعة الأعلاف، وفقًا لأبو صدام.
حلول عاجلة للأزمة
يمكن توفير مستلزمات إنتاج الأعلاف على المدى البعيد بالتوسع في زراعة الذرة الصفراء وفول الصويا، إلا أن خفض أسعار الدواجن على المدى القريب يتطلب التوسع في الإفراجات الجمركية عنهما وضمان توافرهما بشكل مستمر لارتباط الأعلاف بهما كخامة رئيسية، بحسب رئيس شعبة الثروة الداجنة.
كما يطالب بضرورة المتابعة المستمرة لأسعار الذرة وفول الصويا، وهل يتم تخزينهما لإحداث نقص في السوق، ومن المتسبب في رفع الأسعار، “من المفترض أن يكون السعر العادل للدواجن 65 جنيه للكيلو حال ضبط أسعار الأعلاف عند المستويات الطبيعية”.
ويرى ثروت الزيني، نائب رئيس الاتحاد العام لمنتجي الدواجن، أن زيادة الكميات المُفرج عنها من مستلزمات إنتاج الأعلاف خطوة من شأنها تشجيع مُربّي الدواجن على العودة للسوق من جديد بعد تخارج نسبة كبيرة منهم الفترة الماضية.